أفني دوشي المرشحة لجائزة بوكر: “خشيت النساء موقفي المتناقض حول مسألة الأمومة”
أصابت روايتها الأولى المفعمة بالأفكار المسممة حول العلاقة بين الأم وابنتها الهند بالصدمة – والآن تنافس الكاتبة هيلاري مانتل
لم يكن لدى أفني دوشي أيّ أطفال عندما شرعت في كتابة ما أمسى روايتها الأولى، “السكر المحروق“؛ بل إنّها كانت في حالة شكٍ دفينةٍ حول رغبتها في إنجاب الأطفال. وأمضت دوشي نحو ثمانية أعوامٍ تكتب ثماني مسودّات، لتستكشف تردّدها، وتحكي قصّة علاقة متوتّرة بين أم وابنتها، أساسها التّناقض على الجانبين. وبعد تسليمها للمخطوطة النّهائية عام 2018، رُزقت بابن، وعندما صدرت روايتها في الهند العام الماضي بعنوان “فتاة برداء قطنيّ أبيض” –التّي رُشِّحَت هذا العام لجائزة البوكر– شعرت دوشي بالتّوتر تجاه العودة إلى رؤياها للأمومة. إلّا أنّها شعرت بالرّاحة تجاه الدّقة المتناهية التّي وجدتها، إلى درجة الشّعور بشيءٍ من الاضطراب، فالشّخصية الرّئيسة، أنتارا، تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، الأمر الذّي عانت منه دوشي نفسها.
وتقول دوشي، من منزلها في دبي، موطن زوجها:
“لقد أصابتني بعض الحيرة تجاه مادية تجربة الأمومة. فلم أتصوّرها أبدًا بهذا العمق خارج إطار الشّخوص، ولم أتخيّل أنّني “سوف أخوض بعض هذه التّجربة”، ولربّما هناك ما كان دفينًا في اللّاوعي الخاصّ بي وكان على إدراكٍ كاملٍ بما سوف أتعرّض له لاحقًا”.
ونظرًا لأنّ الكتاب يتمحور حول علاقةٍ مضطربة بين أم وطفلتها، فقد استشعرت دوشي القلق من إمكانيّة أن تثبت التّجربة صحّة ما كتبته مرّةً أُخرى:
“لقد كتبت هذا الآن – فهل سيتحوّل إلى واقع؟”
وتعد رواية “السّكر المحروق” روايًة تثير القلق والإجهاد، فهي مفزعة في كم الحقد الذّي تصوّره، ومحبّبة في روح الدّعابة التّي تتضح منذ الجملة الأولى: “إنني لكاذبة إن قلت أنّ شقاء والدتي وبؤسها لم يسببا لي لذةً“.
وتقع أحداث الرّواية في مدينة بون بالهند، وتتبع محاولات أنتارا في التّعامل مع التّدهور الإدراكيّ لوالدتها تارا، والاستياء الحاد الذي نشأ عن شعورها بالإهمال. وكانت أنتارا الفتاة قد عانت من تقلُّب مزاج والدتها الشّابة المُتمرّدة، التّي هربت من تربية أسرة من الطبقة المتوسطة من أجل الالتحاق بدير من أديرة الأشرم، حيث كان أحد معلميّ الطّائفة الدّينية يعتنق الحبّ الحرّ والجنس الأكثر حريّة. ويشهد اسم أنتارا ذاته – أنتارا، أي “من” تارا، أو “الغاء” تارا – لأنانية والدتها وتهوّرها، وكذلك للرابط الوثيق بينهما في آن. أمّا باعتبارهما ناضجتان، فلا تحتمل أيهما البقاء مع الأُخرى لفترة طويلة، ولا تقدر على الهروب منها أيضًا. وتجد هذه العلاقة المبنيّة على الجذب والشدّ بينهما صدىً في فنّ أنتارا وزواجها وآرائها عن الأطفال، تتعاظم مع فقدان تارا للذّاكرة، بينما ترفض أنتارا أن تسمح لها بالنسيان.
وقد أشادت كل من فاطمة بوتو وإليزابيث جيلبرت وأوليفيا سودجيك بالرواية، وتمّ مقارنة دوشي بكلٍّ من جيني أوفيل وديبرا ليفي. وفي ذات الأسبوع الذّي تصدر فيه الرواية في المملكة المتحدة، يعلن عن ترشُّحها ضمن ثماني روايات أُولى لجائزة بوكر وقيمتها 50 ألف جنيه إسترليني، حيث وصفها حكّام الجائزة بأنها “مثيرة للغاية … فهي أحيانًا مؤلمة عاطفيًا، لكنها أيضًا تقدم تنفيسًا وجدانيًا“.
عندما اتصل وكيل دوشي بها لإبلاغها بالخبر، اضطرت “أن استلقي راقدة لوهلة، لأتأكد أنني لا زلت داخل جسدي. فقد كان غريبًا أن اسمع تلك الكلمات، ولم أكن أظن أن هذا ممكنًا – فطالما اعتبرت نفسي دخيلة“. ولعل هذا الإنجاز يتعاظم في ظل رحلتها الطويلة نحو النشر: “لم يكن لي أي علم بهذه الحرفة، فلم أكن أعرف شيئاً عن الكتابة، وكنت جاهلة تماماً عندما بدأت“.
ولدت دوشي في نيو جيرسي لوالدين هنديين، ودرست تاريخ الفنون في مدينة نيويورك ثم لندن، قبل أن تنتقل إلى مومباي، حيث عملت أمينة معرض، وهناك عملت عام 2012 على الانتهاء سريعًا من المسودة الأولى لقصة تكتبها خلال شهر، وذلك للوفاء بالموعد النهائي للتقدم لجائزة تيبور جونز في جنوب آسيا عن مخطوطة لم يسبق نشرها. وقد أجمع الحكام الخمس على التصويت لها، ففازت باعتراف أدبي، وملاحظات موسعة من وكيلها الجديد.
وتعلق دوشي قائلة: “ليتها كانت تلك العملية البطيئة الجميلة، حيث تتوجه في خط مستقيم نحو شيء واضح وضوح الماس، إلا أن الأمر كان اشبه بالفوضى العارمة“.
فعلى مدار سبع سنوات، قامت دوشي بتأليف ثماني مسودات تتباين تباينًا ملحوظًا (قامت بتحويلها إلى قطعة فنية خيالية، تزين جدران غرفة مكتبها لتمثل “سجلًا لسنوات الفشل تلك” كما تصفها ضاحكة). أما المفتاح الذي أطلق سراح القصة فكان صوت أنتارا: تهكمي، مرح، حاملًا مرارة تجاه والدتها مع الكشف أحيانًا عن حزن دفين. وتقول دوشي: “كنت أسعى أن أصورها بشكل أمين، وأحاول أن أسبر أغوار عقلها قدر الإمكان“.
وكانت علاقة أسرة والدتها بمعبد أوشو في مدينة بون مصدر إلهام أيضًا، حيث أسس المعلم باجوان شري راجنيش المثير للجدل المعبد عام 1976 – وهو موضوع لفيلم وثائقي بعنوان Wild Wild Country على قناة Netflix – وذلك قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث عمل على تشكيل راجنيشبورام في أوراجون. إلا أن دوشي تؤكد أيضًا على “قائمة طويلة من الأشياء” تميز القصة عن حياتها الخاصة – أهمها أنها هي ووالدتها “تتمتعان بعلاقة جيدة للغاية“.
ووصف حكام جائزة البوكر اليوم الثلاثاء (28 يوليو 2020) تلك العلاقة التي تدور حولها رواية “السكر المحروق” بأنها علاقة “معقدة وغير معتادة“، فبينما قد تبدو أنتارا ووالدتها شخوصاً حادة، إلا أن دوشي تعتقد أن القراء قادرون على تفهم تلك المشاعر المتدفقة، وكيف أن كلا المرأتين انعكاس للأخرى ضد رغبتها، فكما تقول أنتارا: “كان هناك انفصال وقع في مكان ما من علاقتنا وما نعنيه لبعضنا البعض، وكأن احدانا لم تعد ملتزمة بالاتفاق بيننا، أو بالأحرى، بجانبها من الجسر“. وتخلص أنتارا إلى أن المشكلة ربما في أن كلتاهما تقفان على ذات الجانب.
وتعلق دوشي قائلة: “وحتى إن كنت تتمتع بعلاقة جيدة نوعًا ما مع والدتك، فإن عقدة الأمومة تترسخ في النفس، فيؤدي أي شكل من أشكال الخلاف أو الصعوبات مع الأم إلى تشزر الذات نفسها“، ولم تدرك حقيقة هذا إلا مع كتابة رواية “السكر المحروق” وبعد أن أصبحت هي نفسها أم.
وقد يجد القارئ نفسه مخنوقًا ومنزعجًا وهو يشاهد أنتارا ووالدتها يتصارعان حول أي نسخة من طفولتها لها حق الأولوية، مما حدا ببعض النقاد إلى اقتراح ضم رواية “السكر المحروق” إلى فئة روايات الرعب. وقد دهشت دوشي لبعض ردود الأفعال هذه فتقول: “لقد أخبرني البعض أن هناك طابع من قصص الإثارة والتشويق في الرواية، كأن يقول أحدهم “كنت أشعر بمغص أثناء القراءة، وشعرت بتسارع دقات قلبي”، واعتقد فعلًا أن الرواية بها جانب تشويقي“.
وهناك بعض الانتقادات التي استبعدتها دوشي مباشرة دون شعور بالذنب، بما في ذلك انتقادات رجل بأن الشخوص الرجال في الرواية مهمشين، فترد قائلة: “إنه لامتياز خاص للغاية أن تتوقع رؤية انعكاس لك في كل سطح تراه، فهذا التعليق يخبرنا عنه هو أكثر كثيراً عما يخبر عني أو عن كتابي“.
بل أن رواية “السكر المحروق” تبرز ندرة استكشاف العلاقات بين الأم وابنتها بشكل متعمق، فاتخذت دوشي شجاعتها عن كاتبات مثل رايشل كوسك وشيلا هيتي، وهن كاتبات تناولن موضوع “الأمومة، والتمتع بوجود الأم بشكل جاد” بل وأحياناً بشكل متناقض.
وفي عام 2017 كتبت دوشي مقالًا لجريدة هاربر بازار الهندية، حول مشاعرها المتناقضة تجاه إنجاب الأطفال، الأمر الذي اثار رد فعل عنيف من أسرتها، فتقول “لقد شاهدت الجوانب المختلفة التي ظهرت لدى جميع النساء اللاتي أعرفهن، فكان هناك الكثير من الخوف والتوجس تجاه مشاعري المتناقضة، ولعل الجميع كان قلقاً من انتشار العدوى“.
واتصلت حماة دوشي بأحد المنجمين الذي أخبرها أن دوشي سوف تنجب طفلين – وتتذكر دوشي قائلة: “لم يكن هناك ضرورة إذًا “لمجابهة الأمر”. وقد تحققت النبوءة فعلًا، فقد بلغ ابن دوشي من العمر عامين، وبعد أسبوع من لقائنا، انجبت دوشي طفلتها الثانية. وتقول دوشي: “كلما ازددت انغماسًا في كوني أم، أدرك أن القدر الأكبر من الأمر يتعلق بالتقاليد والخوف والأسرة والضغوط – بل وربما شكل من أشكال النرجسية. فقد واجهت كل هذه الجوانب المختلفة من ذاتي خلال هذه المسيرة، واعتقد أن لا علاقة لها بقراري“.
وتضيف دوشي قائلة إن الأمومة “كلمة هائلة وممتدة – وتكاد تكون لا معنى لها”. وعلى الرغم أنها لم تبدأ بعد في تأليف عمل جديد، إلا أنها تتساءل كيف ستعالج هذا الموضوع مستقبلًا:
أتساءل الآن وقد أمسيت قريبة جداً للمفهوم، ولذا ربما أعاني الآن من مناطق أكثر ضبابية اليوم عما كنت قبل إنجاب أطفالي>
نرشح لك: رواية أطياف كاميليا، المرأة بين التمرد والانكسار
المصدر https://amp.theguardian.com/books/2020/jul/28/avni-doshi-women-feared-my-ambivalence-towards-motherhood-booker-prize-interview-burnt-sugar?utm_term=Autofeed&CMP=twt_gu&utm_medium=&utm_source=Twitter&__twitter_impression=true&s=09