الدهون المجني عليها: قراءة في كتاب المخ والحبوب
لو أخبرني شخص من شهر فقط أن أكل الدهون لن يصيبني بالسمنة، ويفيد قلبي ، بل وعقلي ايضا،لاتهمته بالجنون واستلقيت على ظهري من الضحك. هذا إلى أنْ قرأت هذا الكتاب الذي غيّر بالكامل مفهومي عن الطعام، بل وأسلوب حياتي كله!
وقد تناول كتاب “المخ والحبوب” موضوعَ: كيف تُسبب الأطعمة التي نأكلها اضطرابات في المخ مثل: (القلق، واضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه ADHD، والاكتئاب، والزهايمر)، وقد صدر في عام ٢٠١٣م واحتل قمة قائمة النيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعًا، وهو من تأليف دكتور “دافيد بلومتر” طبيب الأعصاب الأمريكي الشهير.
تضمن كتابه Grain Brain:The Surprising Truth about Wheat, Carb and Sugar الموضوعات التالية:–
١- التحول في النمط الغذائي:
لم يعرف البشر الزراعة إلا من عشرة آلاف سنة وعندئذ بدأوا أكل الحبوب. لكن على مدار تاريخ تطوري يصل إلى مليونين ونصف عام لم نكن نقتات إلا لحومَ الصيد ودهونها والقليل جدًا من الثمر البري، وبمقارنة بسيطة ندرك مدى ضآلة وصغر الفترة التي أكلنا فيها الحبوب مقارنة بالفترة الأخرى.
ونلاحظ أنه في هذه الأيام يستهلك -على سبيل المثال- الشخص الأمريكي ١٠ آلاف و١٣٣ باوند من القمح سنويًا –وليته خالٍ من التعديلات الوراثية والمواد الكيميائية- . وبقدر قليل من التفكير تكتشف مدى عبثية هذا التحول الحضاري لأكل الحبوب بعد مرحلة كنّا نعيش فيها على الدهون والبروتين.
٢- الالتهابات Inflammation:
حتى تتمكن الخلايا من الحصول على سكر الدم كمصدر للطاقة يجب أن تفتح أبوابها المغلقة، والأنسولين هو المفتاح!
يعاني مريض السكري من ارتفاع سكر الدم الناجم عن التهام الكثير من الكربوهيدرات، ومع ارتفاع هذا السكر تنخفض حساسية خلايا الجسم لهرمون الأنسولين، أي أنها تصبح بحاجة إلى مزيد من الأنسولين حتى تفتح أبوابها -كالمدخن الذي يحتاج إلى جرعة أكبر- ومع المزيد من الأنسولين تنخفض حساسيتها أكثر إلى أن يصل الأمر في النهاية إلى إصابة الشخص بالسكري من النوع الثاني.
الأكثر من ذلك أن الإفراط في إنتاج الجسم للأنسولين يؤدي إلى ارتفاع مستواه في الدم، ومن ثم يصبح عنصرًا مسبِبًا للالتهابات التي يترتب عليها الكثير من الأمراض.
٣- الجلوتين Gluten:
القمح بكل أنواعه ومنتجاته: الأسمر والأبيض والحبة الكاملة والسن وأي تسمية أخرى تريدها وأي منتج تصنعه من القمح ليسوا إلا سمًا زعّافًا، وبوجه خاص يحتوي القمح على بروتين خطير اسمه “الجلوتين Gluten” قادر على أن يسبب مشاكل صحية تتراوح بين الصداع والاكتئاب إلى الأوتيزم أي التوحد، والزهايمر نفسه.
كما يسبب الجلوتين إدمانًا، ولهذا تشعر بالانبساط والسعادة عند تناول قطعة “كوراسون” أو “دونت” أو طبق شهي من المعكرونة. ويرتبط “الجلوتين” بمستقبلات “المورفين” في أدمغتنا، والجلوتين فعلًا كالتدخين يضر الجميع لكن الكثيرين لا يقرون بذلك!
٤- الدهون Fats:
برغم الأساطير التي تحيط بالدهون -وخاصة الكوليسترول- فإن الدهون هي أصح الأطعمة للمخ، ونحن حقًا نستطيع العيش بأقل القليل من الكربوهيدرات، لكن لا يمكننا أن نستغني عن الدهون أبدًا؛ فالدهون عشق المخ، وكان أجدادنا على مدار ملايين السنين يعيشون على وجبة تتكون من ٧٥٪ من الدهون، و٢٠٪ من البروتين، و٥٪ من الكربوهيدرات، واستطاعوا الصمود و البقاء أحياء رغم المخاطر، فإننا بالتأكيد قادرون على ذلك.
٥- الكوليسترول:
وفقًا لأحد الدراسات الهامة التي أُجريت على ٧٢٤ شخص من كبار السن على مدار عشر سنوات، وجد الباحثون أن الأشخاص أصحاب مستويات الكوليسترول المرتفعة كانوا أقل عرضة لاحتمال الإصابة بالسرطان والأمراض المعدية مقارنة بأصحاب مستويات الكولسترول المتدنية.
وعندما يتم تقييد نسبة الكوليسترول التي تتناولها فإن الجسم يشعر بأن هناك كارثة واقعة ويبدأ في إنتاج كوليسترول أكثر لتعويض هذا النقص. والغريب أنه عندما يتكون نظامك الغذائي من الكثير من الكربوهيدرات والقليل من الكوليسترول يعاني الجسم من حالة مستمرة من الإفراط في إنتاج الكوليسترول.
٦-السكر:
لا تؤدي السكريات فقط إلى وجود بطن ضخم ذو حجم كبير، لكنها أيضًا تضر بشدة جميع أعضاء الجسم -وأبرزها المخ- ، ويُذكر أن “الفركتوز” (أحلى أنواع السكر والموجود بشكل طبيعي في الفاكهة والعسل) يُعد أكثر أنواع السكر إحداثًا للسمنة من وجهة نظر علماء الكيمياء الحيوية.
ورغم أن الفركتوز ليس له تأثير فوري على سكر الدم أو الأنسولين، فإنه يؤدي إلى انخفاض حساسية الخلايا على المدى الطويل، ومع الأسف أن المثل القائل: “تفاحة في اليوم تبعد الطبيب عن البيت” مثل خاطِئ!
و يتحول هذا السكر -وبقية أنواع الكربوهيدرات- إلى أسوء أنواع الدهون وهي “دهون البطن”. ولا تؤدي هذه الدهون إلى زيادة مقاومة الخلايا للأنسولين فقط، لكنها ايضا تنتج موادًا كيميائية مثيرة للالتهابات يمكنها أن تؤذي المخ بشكل مباشر، و تعيق الوظائف المعرفية والإدراكية به.
وهناك بعض الدراسات التي أثبتت وجود علاقة ارتباط عكسية بين حجم “الحُصين hippocampus” وقوة الذاكرة، وصغر حجم الحصين هذا يعني ضعفا في الذاكرة.
٧- الصيام:
على عكس الخطأ الشائع عند الكثيرين بأن الصيام يخفض من عملية الأيض ويجبر الجسم على تخزين الدهون وعدم التفريط فيها، فإن الصيام يشجع على إنتاج الطاقة، ويحفز المخ على اللجوء إلى الدهون كمصدر للحصول على الطاقة والوقود اللازم له بدلًا من الجلوكوز، ويحصل المخ على “الكيتون ketones”، ويعمل بشكل أفضل.
٨- النوم:
النوم الكافي يجعل جميع أجهزة وأعضاء الجسم تعمل بشكل أفضل -خاصة المخ- ، ويؤثر على احتياجاتنا الغذائية. وهناك هرمون اسمه “اللبتين leptin” والذي يعمل على تنظيم توازن الطاقة داخل الجسم بما فيها الشبع والجوع. وقد أظهرت الدراسات أنه إذا انخفض اللبتين بنسبة ٢٠٪ فإن شهية الشخص وإحساسه بالجوع سيرتفعان بنسبة ٢٤٪.
والغريب أن اللبتين هذا لايمكن التأثير عليه باستخدام أي دواء أو مكمل غذائي ! فقط “النوم” هو الذي يحافظ على توازن مستوى اللبتين، ومن ثم صحتك الجسدية.
ويعني هذا أنه في حالة السهر دون التمتع بساعات كافية من النوم، فسوف ينخفض مستوى اللبتين، وتبدأ عندها في التهام أكياس “الشبس” وشرب صندوقًا من “الكوكاكولا” !
الخلاصة:
الدهون -وعلى رأسها الكوليسترول- يمكنها أن تساعد في تحقيق سلامة وصحة دماغك، بينما تؤذيك الكربوهيدرات والسكر بطرق مخيفة.
نظامك الغذائي وأسلوب حياتك يؤثران تأثيرًا كبيرًا على صحتك العقلية ومن ثم نم جيدًا، ومارس الرياضة، واجعل وجبتك منخفضة الكربوهيدرات عالية الدهون “low carb high fat”، تعش عمرًا أطول وبصحة أفضل.