الجماعات المتطرفة: الأصول وآليَّات الاسْتِقْطَاب

العُنْف باسم الدِّين اليوم، تجاوز كونه مُمارسات ذَاتيَّة شاذة، أو رد فعل انفعاليّ، بل أصبح فِكْرًا مُمنهجًا، مؤسَّسًا تنظيميًّا داخل الجماعة، أو الحركة الممتدة، تسعى فيه إلى إقْصَاء الآخر، ولَجْم كلمته، وإباحة دمه.

جذور الإرهاب الدِّينيّ ضاربة في التاريخ الإسلاميّ، يُمثِّلها بشكلٍ أدق ما يُعرف بـ“الفتوحات الإسلاميَّة”، التي نهجت نهج الإقْصَاء والعُنْف ضِدّ الأُمَم الأخرى (غير الإسلاميَّة)، بَيْد أنه اليوم لم يَعُد يُوجَّه للآخر، إنما انصبت وَيْلَاته على المسلمين أنفسهم.

إنَّ الحركة أو الجماعة: وِحدة اجتماعيَّة، مكوَّنة من مجموعة أفراد، لها معاييرها الخاصة، وظروف وجودها، لذلك فالجماعات الإرهابيَّة لم تتأسَّس إلا ضمن منابع.
التطرُّف الدِّينيّ له أعلامه، ومُبَشِّريه، له مُتُونه وموسوعاته. يؤكِّد هؤلاء الأعلام على أن المقولات المتطرِّفة فرضٌ دِينيّ.

من الإصلاح إلى التطرُّف:

لكل فعلٍ رَدَّة فعل. الحركات الإرهابيَّة لم تنشأ اعتباطًا، ولم تنشأ فجأة، إنما تأسَّست انطلاقًا من سياقاتٍ تاريخيًّة.

المُتُن موجودة، والفَتَاوَى التَكْفيريَّة مبثوثة في تضاعيفها، بَيْد أن الشروط الموضوعيَّة لم تكن مُناسِبة لبروز الجماعات المتطرفة، ما دام أصل من أصول الدَّوْلة الإسلاميَّة قائمًا وموجودًا، وقَصْدُنا ها هنا الخلافة العثمانيَّة. الخلافة التي ارتبطت في التراث الإسلاميّ على أنها ضرورة موجبة لحفظ الدِّين والتمسُّك به، ورغم ما كانت تعرفه الخلافة مِن تمزُّقاتٍ داخلية بنيويَّة، وخارجية عسكريَّة، إلا أن الخلافة كانت تمنح للخليفة الشَّرْعيَّة.

إعلان

كان دُعَاة الإصلاح في هذه المرحلة (جمال الدين الأفغاني، عبد الرحمن الكواكبي…)، يريدونها نهضة شُموليَّة، من الإصلاح المجتمعيّ إلى الإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ، لكن دون تَكْفِير للخليفة أو خروج عليه.

جمال الدين الأفغاني كان مَطْمَحه الحفاظ على دَوْلة الخلافة، شرط مُحَاربة الاسْتِبْدَاد السياسيّ، وبذلك كان هذا شرطه في مُبايعة عبد الحميد الثاني.

فكانت بذلك طبيعة الإصلاح، المُمتدة من خمسينيات القرن التاسع عشر، إلى عشرينيات القرن العشرين، ذات طابع دعويّ، تتفق حول إصلاح الأُمَة لا التهافت على السُّلْطة ما دامت الخلافة باعتبارها أصلًا من أصول الدِّين قائمة.

نقطة التَحَوُّل: انهيار الخِلافَة العُثْمَانيَّة:

“شكَّل انهيار الخِلافَة الإسلاميَّة العُثْمَانيَّة عام 1924، نقطة بارزة في أذهان العديد من الشَّخْصِيَّات الإسلاميَّة التي ساهمت في إنشاء الحركات الإسلاميَّة، باعتبار أن الدَّوْلة الإسلاميَّة ضرورة دِينيَّة لحفظ الدِّين والتمسُّك به”. (1)

أصبح المسلمون لأول مرَّةٍ، يُفكِّرون خارج إطار الخِلافَة، وداخل إطار جديد هو الدَّوْلة المَدَنيَّة. شكَّلت الخِلافَة -رَغْم تَصَدُّعَاتها في فتراتٍ تاريخيَّة من الحُكْم الإسلاميّ- القاعدة الشَّرعيَّّة والقانونيَّة التي يرتبط بها المسلمون.

خلف نشوء الدَّوْلة المَدَنيَّة، إبعاد وتغييب مُمَنهج للسُّلْطة الدِّينيَّة (سُلْطة عُلماء الدِّين)، وتأسيس الدَّوْلة لعلمائها المُقرَّبين “عُلماء السُّلْطَان”.

وينبغي الإقرار بأن النقاش حول الإسلام وموقعه من الدَّوْلة قد أُريد له الغياب منذ ميلاد هذه الدَّوْلة الحديثة في مرحلة ما بعد الاسْتِعْمَار. لقد نشأت الدَّوْلة العربيَّة الحديثة على عَجلٍ، مثل جنين سابق لأوانه، مدفوعًا بقوة خارجية، وارتبط ذلك الاستعجال بهدفين أساسيين: الهدف الأول هو الإسْرَاع في رَسْم الحدود السياسيَّة في العالَم العربيّ بحيث لا يتم المساس بها لاحقًا، على أن تبقى تلك الحدود تحت السيطرة، والهدف الثاني هو الحيلولة دون صعود أو إشراك قوى اجتماعيَّة – سياسيَّة معينة في السُّلْطة، والمقصود بهذه القوى عُلماء الدِّين أو ما يُسميه البعض “النُّخْبة التقليديَّة”. (2)

الشروط الموضوعية، إذن، أصبحت مُهيَّأة لنشوء الحركات الجهادية، نظرًا لأفول الدَّوْلة الإسلاميَّة، وتشريع القوانين الوضعية بدل الشريعة الإسلاميَّة، ثُمَّ من جانبٍ آخر النظرة إلى المفاهيم الغربيَّة التي وفدت مع الاستعمار من قبيل الحداثة، والعَلمانيَّة… على أنها مؤامرة غربيَّة مغزاها هدم أُسُس الإسلام كما تدَّعي الجماعة.

بل إن الديمقراطية نفسها لم تَسْلَم من التشويه والتَّكْفِير من لدن الجماعات، “فرغم اعتناقهم الديمقراطية، فإنها ظلت بدورها سيئة السمعة، ولذلك احتاج دُعَاة هذا التيار إلى أسلمتها حتى تتطهَّر الديمقراطية من “رجس” ارتباطها بعَلمانيَّة شُمُوليَّة تصل بين الدِّين والدَّوْلة، وتضع أحكامها وَفْق أهوائها العامة لا وَفْق ما تمليه الشَّريعَة الإسلاميَّة”. (3)

لم تكتمل أربع سنواتٍ على سقوط الخلافة العُثْمَانيَّة، حتى تأسَّست جماعة الإخوان المسلمين. الجماعة التي تتخذ من الجهاد أصلًا من أصولها.

انتقل الإصلاح من الدعوة إلى التطرُّف، نتجية رد فعل الخيبة في تحقيق حُكْم الدِّين الإسلاميّ. تأسَّست هذه الجماعة ضمن طابع راديكاليّ متطرِّف وسَلَفيّ، تبيح استعمال العُنْف والإرهاب في الممارسة. لم تقتصر هذه الجماعة على مجرَّد الصراع ضِدّ السُّلْطة ومؤسَّساتها، بل انتقل الإرهاب حَدّ تكفير المُفَكْرين وهدر دمائهم، لا لشيءٍ إلا لاختلاف الرؤى والتصوّرات.

مجرَّد أن تشير لك أصابع الجماعة فلا خلاص سوى القتل والاغتيال. عدم الالتزام بالتحكيم الإلهي معناه شَرْعَنة الجهاد باعتباره فرضًا من أجل تكريس الحاكمية، ونقض الفِكْرة الوطنية، حتى فكرة وجود وطن يشمل ويحتوي كل الأطراف، يشتركون في الدَّوْلة والأرض والسياسة.

بين السَّطْوَة على الإسلام، وتكريس الأنوية والأُحَاديَّة الفِكْريَّة، من جانبٍ، والتطلُّعات السياسيَّة من جانبٍ آخر، يظل مفهوم العُنْف والتطرُّف والجهاد المرجع الأساس التي تستند عليها الجماعات الإرهابية، التي لم تسلم الشعوب المسلمة نفسها من بَطْشها وتطرُّفها، كما هو الأمر في أفغانستان مع حركة طالبان، والجماعات السّلّفيَّة الجهادية في اليمن وسوريا والعراق.

المُرْشِدون الأعلى للإرْهَاب: مَنَابِع التطرُّف:

مجرَّد أن يُذكر التطرُّف، تُستحضَر فتاوى ابن تيمية، ومؤلَّفات سيد قطب وحسن البنا.

هو المهد الفِكْريّ الذي تتبناه الجماعات الإرْهَابيَّة، التراث السَلَفيّ برموزه المُتعدِّدة. كل طُرُق العُنْف ودعاوى التَّكْفِير غالبًا ما تكون مشفوعة بهذه المنابع.

“يشيع في خِطاب ابن تيمية، وخاصة في فتاويه التي جُمِعَت في 57 مجلدًا، مقولة تكاد تكون تيمة لخِطابه الافتائيّ: يستتاب، فإن تاب؛ وإلا قتل. يكرِّر هذه الجملة في تقرير مصير مخالفيه الذين لا يتفقون معه فيما يعده من باب الضروريات/ المعلوم من الدِّين بالضرورة، أو حتى ما يكون من باب الإصرار على البِدْعَة بعد كشفه، أو من يمثله لبدعيتها بالدليل الذي يراه قطعي الصواب، ثبوتًا ودلالة، ومن ثَمَّ يجب على الآخر أن يراه كذلك، وإلا فهو كافر مُعانِد يجب قتله، لكونه أصبح من جُمْلَة الضالين المُرتدين عن الدِّين”. (4)

الأنا الحق لا شبهة فيها، وكل مختلف مهدور الدم في أبجديات ابن تيمية. لا مكان للعقل الحُرّ أو الحُرِّيَّة الفِكْريَّة. التوبة عن الرأي أو القتل.

ابن تيمية المنبع الأول الذي تشبَّعت به الجماعات الأصوليَّة المرتكزة على العُنْف والتطرُّف، أيًا كان سياقها حركيًا أو تنظيميًا.

إلى جانب ابن تميمية، تربَّع سيد قطب على رأس مُنَظِّري الحركات الجهاديَّة، مُمهِدًّا الطريق لترسيخ فِكْرة تَكْفِير كل المجتمعات الإسلاميَّة.

لم يقتصر سيد قطب على تَكْفِير الديمقراطيَّة، ومنظومة القِيَم الغربيَّة، بل تعدَّى ذلك إلى تَكْفِير المسلمين أنفسهم. في ذلك يقول:“هذا طريق… والطريق الآخر، أن تظن هذه الحركات للحظةٍ واحدة أن الإسلام قائم، وأن هؤلاء الذين يدَّعون الإسلام، ويتسمون بأسماء المسلمين هم فعلًا مسلمون”. (5)

بصريح العبارة، يُكفِّر سيد قطب المجتمع الإسلاميّ، وينفي عن المسلمين عقديتهم، ومن هذا المنطلق يُشرْعِن العُنْف والإرْهَاب ضِدّ أفراد المُجتمع العُزَّل فِكْريَّا. ما دام مُرشد الحركات الإرْهَابيَّة ينزع العقيدة عن الأُمَّة.

وسيلة التغيير عنده هي الجهاد من أجل “إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعًا، وتعبيد الناس لله وحده، بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن استلامها”. (6) فلا تمكين لحاكمية الله في الأرض إلا عن طريق الجهاد.

حسن البنا، مرشد الإخوان ومؤسِّس الحركة. بيد أنه لا يُعَد فقط مرجعًا للجماعة، بل مرشدًا ومنبعًا لكل الحركات المتطرِّفة.

رفع البنا فِكْرة الخلافة عند عناصر التنظيم، فلا دَوْلة دون الدَّوْلة الإسلاميَّة، ولا قانون أسمى من الشَّريعة الإسلاميَّة. مُكفِّرًا بذلك حتى الديمقراطية، حتى وإن كانت بشكلٍ غير مباشر في قوله: “ولو أخذنا بالحزم، وأعلناها صريحة واضحة، أننا معشر أُمَم الإسلام لا شيوعيون ولا ديمقراطيون ولا شيء من هذا الذي يزعمون”. (7)

عندما أسَّس حسن البنا جماعة الإخوان، وضع أُسُسها على أنها جماعة سياسيَّة بالمقام الأول، منطلقها دَوْلة الخلافة، ودَوْلة الخلافة لا تتأسَّس إلا بالجهاد.

وضع حسن البنا البنزين بجوار النار ثُمَّ مضى. زرع في أتباعه أن فِكْرة الاستيلاء على الحُكْم من مُرْتَكَزَات الإسلام، وبذلك زرع فيهم فِكْرة الجهاد ضِدّ الأنظمة المَدنيَّة، عن طريق الاغتيال والتفجير والحُكْم بالقوة.

النار امتدت إلى غيره، يظهر ذلك في قول المرشد الخامس للجماعة مصطفى مشهور: “إن لفظ الإرْهَاب هو من ألفاظ القرآن الكريم، وهو عقيدة إسلاميَّة خالصة. ليس هو فقط، ولكن أيضًا لفظ الرُعْب؛ فنحن لا ننتصر إلا بالإرْهَاب والرُعْب، ويجب ألا ننهزم نفسيًّا عند اتهامنا بالإرْهَاب. نعم نحن إرْهَابيون”. (8)

اليوم، ما زالت الحركات الإرْهَابية ممتدة، ومُحْكِمة قبضتها، بل إنها من أكثر الأمراض التي تُهدِّد الأمن الدُّوَلي. معنى هذا أن منابيع الإرْهَاب لم تُجفَّف بعد، والمَدّ البشريّ ما زال يَتَوفَّد عليها.

كيف تستقطب الجماعات الشباب اليوم؟ وما هي الشروط الموضوعية التي تُسعِف وتُساعِد الجماعة في عملية الاستقطاب؟

الحركات الجِهَاديَّة: آليَّات الاسْتِقْطَاب:

تعتمد الحركات الإرْهَابيَة على آليَّات واستراتيجيات عمل من أجل الاسْتِقْطَاب، آليَّات مُنظَّمة ودقيقة تعمل على أدلجة الفِكْر، مع مراعاة الإحْبَاطات الشبابيَّة خصوصًا.

يقول أرسطو: “الآخرون، يتأثَّرون بمشاعرهم أكثر مما يتأثَّرون بعقولهم”. سياسة تعتمدها الجماعات في صناعة خِطاب الاسْتِقْطَاب.

تذهب الجماعات المُتطرِّفة إلى الاعتقاد بأن أسباب التراجُع الفِكْريّ والحضاري، إنما هو بسبب التفريط في مبادئ الدِّين الإسلاميّ. في ظل تحوّلات مُجتمعيَّة عرفتها الدُّوَل الإسلاميَّة، ارتبطت أساسًا بتبني مفاهيم الحداثة والعَلمانيَّة.

تُصَوَّر هذه المفاهيم على أنها ذات طابعٌ إلحاديّ، مغزاها هَدْم الإسلام، وتقويضه. نَظَريَّة المؤامرة تُشكِّل مُنْطلَق هذه الجماعة.

“تبدأ عملية التطرُّف بخِطابٍ راديكاليٍّ، يُسمع في أماكن العبادة، أو عبر مواقع الإنترنت، أو بين الأصدقاء، أو في الأحياء، أو في ساعات المدارس وغيرها. أدى ظهور رِجَال الدِّين المتطرفين في المساجد إلى انتشار الأفكار الراديكاليَّة”. (9)

ما زال النص الدِّينيّ يشكل تابوهًا في النقاش العمومي، نظرًا لكونه يرتبط في الذهن العربيّ بالمنطقة المُقدَّسة التي لا تقبل التأويلات، وبذلك “تَدَّعي الرواية الجِهَاديَّة أنها تُرشِد المسلمين إلى “المصدر”، ولذلك ينبغي تطهير الإسلام المُعاصِر من كل عيوبه، من أجل تحقيق المفهوم السَلَفيّ، ووَفْقًا لهذه الرواية، تعرَّض الإسلام للإفساد بثقافات وعادات المجتمع الغربيّ، ولذلك فإن من يلتزم بالإسلام “النقي” و“الصادق” سيكون جزءًا من مجموعة صغيرة من المُختارين تدَّعي امتلاك الحقيقة. يؤمنون بتفوقهم على غيرهم من المؤمنين وغير المؤمنين (الكُفَّار). وحسب الخبيرة المؤلِّفة الفرنسيَّة “دينا بوزار”، فإن استخدام مفهوم “طهارة الجماعة” سمة من سمات الدعاية الجِهَاديَّة المشؤومة”. (10)

خطف واغْتِصَاب النِسَاء الإيزيديات من طرف “داعش”.

انتهاكات جنسيَّة للنِسَاء النيجيريات قامت بها جماعة “بوكو حرام الإرْهَابيَّة”، ممارسات منطلقها دِينيّ يتمركز في مفهوم السَّبْي.

لا ديِن إلا ديِن الجماعة، وما عدا ذلك كُفْر وإلحاد، وبذلك فالجِهَاد خدمة للديِّن، هو مفهوم الطهارة والنقاء في الفِكْر الجِهَاديّ.

تُشكِّل هذه المفاهيم النواة الأساس في عملية الاسْتِقْطَاب، بين تحقيق المُتعة الدُّنيويَّة، والفائدة الأُخرويَّة المُمثَّلة في الجنة. تُمهِّد الجماعات المُتطرِّفة الأرضية بُغْيَة المُلاءمة بين الجانبين الدِّينيّ والدُّنيويّ. بل وحتى الجانب الدُّنيويّ يُغلَّف بطابعٍ دِينيّ، اعتمادًا على كُتُب السَّلَف، ومنهج الأوَّلين: جِهَاد المُتعة، وسَبْي الكافرات. بينما يرتبط الجانب الآخر بالرسالة الأُخرويَّة. “المنظور الأُخرويّ للسَرْد الجِهَاديّ يبدو منطقيًا بشكلٍ كامل، وبالنسبة لكثيرٍ من الشباب، فإن رواية الدَّوْلة الإسلاميَّة بمثابة ضوء في نهاية نفق وجوديّ مُظلِم. يمكن لهم استخدامه للَعِب دور مهم في مجتمع فاسد متحلِّل يتمثَّل في الجِهَاد “قتل الآخرين”. (11)

هل تمنحُ الأنْظِمَة طُعْمًا للجماعات الإرْهَابيَّة من أجل الاسْتِقْطَاب؟

ضمن دراسة أجراها برنامج الأُمَم المُتحدَّة الإنمائيّ، من أجل قراءة الأسباب الاجتماعيَّة والسيكولوجيَّة والتعليميَّة التي تدفع الشخص

إلى الانضمام إلى تنظيمٍ “متطرِّف”. شكَّل الإقْصَاء الاجتماعيّ سببًا رئيسيًا في توجُّه الشباب نحو الجماعات المتطرِّفة.

الإقْصَاء الاجتماعيّ لا يرتبط بعوامل ذَاتيَّة، بقدر ما هو نِتاج لهيكلة سياسيَّة وتنظيميَّة رَثَّة وفاشلة، تغذي لدى هذا الشباب فِكْرة التطرُّف والثَّوْرَة، ليجدوا بذلك في حِضْن الجماعات المتطرِّفة سبيلًا نحو المُمارَسة العنيفة ضِدّ الدَّوْلة، ما دامت الدَّوْلة في عُرْف هذه الحركات كافرة، ومتواطئة مع عميلاتها الغربيَّة.

“من أجل ذلك طوَّعوا خِطابهم وشكَّلوه ليُلامِس ميولات الشباب وفهومه وأذواقه واهتماماته وشخصيته وواقعه، ثُمَّ مارسوا معه أسلوب القصف المتواصل، باستعمال أهم مخترعات العصر الحديث: شبكات التواصل الاجتماعيّ التي مكَّنت هذه الجماعات من نشر أفكارهم عبر الإنترنت، وعبر الفضائيات. بتشكيل خِطاب بسيط وواضح يستفيد من أخطاء النظام السياسيّ القائم، بفضح مظاهر الظُلْم الاجتماعيّ والتمييز الإقْصَائيّ، ويقدِّم نفسه في صورة المُنْقِذ القادر على تغيير الواقع بالتَصَدِّي للفساد، ورد المَظَالِم والحقوق على أهلها”. (12)

سياسة الأنْظِمَة، وطبيعة مؤسَّساتها عاملان مركزيان في رَسْم خريطة المُمارَسة الشبابيَّة، بين الثِّقَة وانعدامها. شعور الفرد بالإقْصَاء، والتعامُل معه على أنه شخصٌ منبوذ لا يتمتع بمتسوى مقبول من الخدمات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، عِلَّة في انْحِرَاف سلوكه، ما يؤدي إلى توفُّر الظروف المُحرِّكة للاستعداد الداخلي للاستجابة للعُنْف والتطرُّف.

المصادر:

  • 1 – شليغم غنية: الحركات الاسلامية من التطرف الديني إلى الاعتدال السياسي
  • 2 – إدريس الكنبوري: الإسلاميون بين الدين والسلطة مكر التاريخ وتيه السياسة
  • 3 – عمار بنحمودة: ديموقراطية سيئة السمعة
  • 4 – محمد المحمود: ابن تيمية والعنف الأصولي
  • 5 – سيد قطب: معالم في الطريق
  • 6 – المرجع نفسه
  • 7 – حسن البنا: مشكلاتنا في ضوء النظام الاسلامي
  • 8 – مقال على جريدة اليوم السابع المصرية: ذكرى اغتيال حسن البنا… تبن الفكر المتطرف، واختار السيف رمزا للجماعة. 12 في 2021
  • 9 – ايلوي غان: دور الخطاب الديني الأصولي في اغواء الشباب نحو التطرف والعنف. مجلة: ميلتري جورنال
  • 10 – المرجع نفسه
  • 11 – المرجع نفسه
  • 12 – محسن الزرقي: إشكالية الشباب العربي وتحديد الخطاب الديني لمحاربة التطرف

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: عدنان زقوري

تدقيق لغوي: أمل فاخر

اترك تعليقا