البروباغاندا الإسرائيلية في الصحافة الغربية

بعدَ تبادل إطلاقِ الصَّواريخ بين الاحتلال الإسرائيلي وغزَّة في العدوان الأخير على غزة سنة 2019، سألتْ عضو الكونجرس الأمريكي رشيدة طليب: “متى سيتوقَّف العالم عن تجريد شعبنا الفلسطينيّ، الذي يريد أن يكون حُرًا، من إنسانيّته؟” منتقدةً تأطيرَ الإعلام، ومُلقيةً الَّلوم على الإعلام في المُساهمة في استمرار قمع واستهداف الاحتلال الإسرائيلي للأطفال، والأسر الفلسطينية. وكان اتّهامها هذه المرة مُوجّهًا على وجه التحديد إلى عنوانِ صحيفة نيويورك تايمز يوم السبت الماضي الذي جاء فيه مقاتلو غزّة يطلقون 250 صاروخًا، و”إسرائيل” تردُّ بغاراتٍ جوية.

يخلق هذا العنوان الانطباع بأنَّ “مقاتلي قطاع غزة” كانوا مسؤولينَ عن نوبة العُنف هذه، وأنَّ الغارات الجويّة الإسرائيلية كانت وسيلةً للدِفاع عن النفس، في حين أنَّ الاشتباكات بدأت بعد قيام قناصين اسرائيليين باستهداف وقتل فلسطينيين اثنين شاركا في الاحتجاجات الأسبوعية لمسيرات العودة التي جرت يوم الجمعة بالقرب من السياج المحيط بغزة، تبعه إطلاق نارٍ من جنوب غزة أدى إلى إصابة جندي إسرائيلي بجروحٍ متوسطةٍ وآخر بجروحٍ طفيفة، ردّ عليها الكيان المُحتل بشنِ غاراتٍ جويّة على وسط القطاع، مما أسفر عن مقتل عددٍ من مقاتلي حماس وإصابة 60 فلسطينيًّا على الأقل.

في صباح أحد أيّام العدوان، أطلقَ فلسطينيّون صواريخًا على أراضيهم المُحتلة، وتصاعدَ المَوقف خلال ذلك اليوم بقيام الاحتلال الإسرائيليّ بشن غاراتٍ جوية وإطلاق مدافعِ هاون وصواريخ على 350 موقعًا في غزة. ردَّ الفلسطينيون بإطلاقِ 690 صاروخًا، أسقط نظامُ القُبة الحديديّة الاسرائيلي مِنها 150 صاروخًا، 150 صاروخ على أيّ حال ليس رقمًا مثيرًا للإعجاب؛ لأنَّهن بالكاد يسبِّبن حُطامًا، أو إصابة إسرائيلي واحد.

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست وبي بي سي أنَّ أربعةَ إسرائيليين و 23 فلسطينيًّا قُتلوا، مما يضع القتلى الإسرائيليين أولًا، على الرغم من أنَّهم كانوا أقل بكثير من القتلى الفلسطينيين. وقد أظهر هذا مرَّةً أخرى أنَّه حتى وسائلُ الإعلام المرموقة والمسؤولة بشكلٍ عام تستمر في تبنّي النُهج العُنصريّ “نحن” و”هم” بشكلٍ أساسيّ تجاه الصّراع المستمرّ حيث الإسرائيليين “نحنُ” والفلسطينيين “همْ”. تعود هذه السياسة إلى وعد بلفور لعام 1917، الذي وعدت فيه بريطانيا بتيسير إقامة وطنٍ قوميّ لليهود في فلسطين، بينما أشارت إلى أن 80٪ من العرب الفلسطينيين يُشكلون مجتمعات “غير يهوديّة” وأقل من 20% من الجالية اليهوديّة هم فلسطين بالكامل.

في المقابل، وضعت كل من الجارديان، التي كانت في السابق مؤيّدة قوية للاحتلال الإسرائيلي، والجزيرة وبعض وكالات الأنباء الغربيّة الشهداء الفلسطينيين أولًا، الذين بلغوا في آخر إحصاءٍ من مصادرَ فلسطينية 25-27 شخصًا بما في ذلك الأطفال الذين لم يولدوا بعد لامرأتين شهيدتينِ وجريح.

إعلان

وبطبيعة الحال، أدانت وزارة الخارجية وابل الهجمات الصاروخيّة التي تشنها حماس والجهاد الإسلاميّ الفلسطيني من غزة على المدنيين الأبرياء ومجتمعاتهم في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووصفت الهجمات بأنّها “بغيضة”، ووصفت العمل الإسرائيلي غير المُتناسب بأنّه “الدفاع عن النفس”. بنسبة 100%، كانت تغريداتُ “دونالد ترامب” داعمةً للاحتلال الإسرائيلي.

قُتل أكثر من 200 فلسطيني، من بينهم 50 طفلاً، على أيدي القناصين الإسرائيليين منذ إطلاق الفلسطينيين لمسيرة العودة الكُبرى في 30 مارس 2018 مطالبينَ بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وعودتهم إلى منازلهم وأراضيهم المُحتلة في 1948-1949، في حين توفيَ قناصٌّ إسرائيلي واحد فقط.

إلى جانب المقال السابق، نشرت صحيفة نيويورك تايمز خريطةً تبيّن أنّ مدى صواريخ غزة قد تطوّر ما بين 2001 إلى 2012. في البداية، كان يمكن أنْ تَصِل هذه الصّواريخ إلى مناطقٍ بالقرب من حدود غزة، ولكن مداها زاد حتى يمكن أن تصِل هذه الأسلحة محليّة الصُّنع إلى ما وراء تلّ أبيب، دون الإشارة إلى أنَّ صواريخَ غزة محلية الصُّنع لا تمتلك أي أنظمة توجيه وتضرب بشكلٍ عشوائيّ تخمينِيّ، ولم يكن هناك أي رسمٍ مماثلٍ يوضِّح أنّ الطائرات والمدفعيّة الإسرائيلية يمكن أنْ تصل إلى كلّ شبرٍ من غزة بالقنابل والقذائف المجهّزة بأحدث أجهزة الاستهداف.

وهذا ينعكس في انتهاك الاحتلال الإسرائيلي لاتفاقية جنيف الرّابعة، التي تفرض قيودًا على الهجمات على المدنيين والأعيانِ المدنية أثناء النزاعات. لقد وقّع كل من فلسطين والاحتلال على الاتفاقية. كلاهما ينتهكها، لكن انتهاكات الأخير أكثر وضوحًا وتدميرًا.

كما أنَّ حصار الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزّة وفلسطين بالكامل -السبب المباشر للاحتجاجات الأسبوعيّة- يعدُّ أيضًا خرقًا كبيرًا للاتفاقية التي تحظر العقابَ الجماعي. يقوم الاحتلال بالحدِّ الشديد من واردات المواد الغذائيّة، والإمدادات الطبيّة ومواد البناء وغيرها من السِّلع الأساسيّة إلى غزة لتُغْدِق بالفقر على 2 مليون نسمة وتدمِّر اقتصادَ غزّة بالكامل.

تُصِّرُ حماس والجهاد الإسلامي على أنّه يجب على الكَيان الإسرائيلي احترام التعهدات التي قطعها مرارًا منذ حرب 2014 على غزة لرفعِ الحصار، والسّماح لغزة بحريّة استيراد الضروريّات والتجارة مع العالم الخارجيّ. وبدلاً من ذلك، يُكثّف الاحتلال الحِصار ويخففه كما يشاء برًا وبحرًا وجوًا.

هناكَ العديدُ من أسباب الميل الموالي للاحتلال في وسائل الإعلام الغربيّة؛ النظرة الاستعمارية موجهة إلى الفلسطينيين والعرب بشكلٍ مستمِرٍ في حين يُنظر إلى الإسرائيليين على أنّهم “أوروبيّون مَِثلنا” الذين عانوا من المحرقة مع خوفهم من الوقوع بفخ اتهاماتِ “مُعاداةِ السامية”. بعد غزو إسرائيل واحتلالها للقدس الشرقيّة والضفة الغربيّة وغزة والجولان السوريّ، كتب بيريجرين ورستهورن مقالًا في صحيفة التلغراف بعنوان “انتصار المتحضّر” قائلًا: “الأسبوع الماضي، أظهر مجتمعٌ غربيٌّ صغير، محاطٌ بأعدادٍ كبيرةٍ للغاية من الشعوب النامية، نفسه قادرًا على فرض إرادتِه على العرب اليوم بنفس السهولة تقريبًا التي تمكّن فيها البيض من التحكّم بالسكان الأصليين من أصلٍ أفريقي في ذروة الإمبراطورية البريطانيّة”، الإمبراطورية نفسها التي تمّ التنبُّؤ بخسارتها.

تأثّرت وسائلُ الإعلام لعقود بالبروغاندا الإسرائيليّة، التي تجادل بأنَّ الاحتلال الإسرائيلي هو “بيوولف” المُحارب الذي يكافِح التلنين العربي “جريندل” من العهد القديم، وأنّ إسرائيل صنعت “زهرة الصحراء” في فلسطين التي كانت دائمًا، أرضًا زراعية خصبة، يعتبرها اليهود القُدماء “أرضَ الحليب والعسل”. لطالما تمّ تشويه سُمعة العرب واستعراضهم كأشرارٍ في الكتب والأفلام الشعبيّة. سبيل المثال،  المُمثل رامي الفائز بجائزة أوسكار والمُنحدر من أصولٍ مصرية قبل أن يُهاجر والديه إلى الولايات المتحدة، لعبَ دور الشرير في فيلم جيمس بوند القادم، الذي يضم دانيال كريج.

مصدر الترجمة

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

ترجمة: أفنان أبو يحيى

اترك تعليقا