إن أعادوا لنا الإبادة، فمن يعيد لنا محاكمة آيخمان: أو حنة آرندت من خلال نيتشه وهايدغر

بأي طريقة يمكن فهم سلوك ربان طائرة حربية مسلحة بأفتك القنابل، قيادته لطائرته فوق جماعة من المشردين، العُزَّل، المدنيين، الغير مسلحين، القاطنين في خيام أوهن من بيت العنكبوت، تتضمن أطفالا، عجائز، مرضى، معاقين، عُميَان، مفصولي الأطراف. ورغم علمه بكل هذا، يقوم بكل برودة بإفراغ ذخيرته الفتاكة، من صواريخ وقنابل تذيب الصخر، فوق رؤوس هؤلاء البؤساء. فـيرى النار تأكلهم أكلا، فيعود إلى قاعدته الجوية، ويركن طائرته، ثم يؤوب إلى بيته، فـيعانق أطفاله، ويأكل، ويلعب ألعاب الفيديو، وينام ويستيقظ، دون أن يرف له جفن، ولا أن يهتز فيه ضمير! وكأنه قصف قشة من الكرتون، وليس جماعة من البشر!
أي شيء يمكن أن يفسر هذه «الاعتيادية» في القتل؟ ما الذي بامكانه أن يبرر هذا المستوى الجنوني من التوحش والهمجية؟ كيف يصبح فعل القتل بأبشع الطرق، وبأفتك الوسائل، فعلا نمطيا ويوميا، غير مثير لأدنى تحفظ، ولا لـأوهن ندم؟
هذه الأسئلة هي ما حملني على قراءة كتاب الفيلسوفة الألمانية حنة آرندت «آيخمان في القدس: تقرير حول تفاهة الشر»، عسى أن أقع على فَهمٍ لما أسمع وأرى كل يوم من بشاعات، غير أني لم أزدد إلا استفهاما وتَحيُّراً، وكأن البحث والتفكر في هذا الأمر لا يضيف إليه إلا ظلاما على ظُلمَتِه. وما في ذلك من ضير، ألم يقل أحد المتصوفة قديما: «مَا المَعرِفَة سِوَى دَوَامٌ للحَيرَة».
* * *
«لم تمنع الثقافة يوما الإنسان من أن يكون وغدا»، كما سبق أن قال لوك فيري، وهو وصف لا يصدق على الفرد فقط بل يصدق على الشعوب أيضا. فـمن كان يتصور بأن شعبا مثقفا ومتحضرا، وممتلكا لأفضل نظام تعليمي وجامعي بأوربا في ثلاثينيات القرن الماضي، كالشعب الألماني، بإمكانه أن يمنح 41 مليون صوت لحزب بسياسة إرهابية مكشوفة، مثل الحزب القومي الاشتراكي (النازي). وهو ما حصل في انتخابات 31 يوليو 1932م، الشيء الذي فرض على الرئيس الألماني تعيين «أدولف هتلر» كمستشار للرايخ، أي كـ فوهرر، في 30 يناير 1933م. الرجل الذي أعلن منذ عشرينات القرن الماضي في كتاب (كفاحي) عن برنامج متكامل ومنهجي لـتنفيذ «إبادة بشرية»، مرفقة باجتياح عسكري لجيران ألمانيا، بل لأوربا بأكملها [1]. إذ انطلقت بتوجيه من برنامجه السياسي المجنون هذا ما يصفه الأوربيون بـ الحرب العالمية الثانية.
إعلان
قُتل نحرا، رميا بالرصاص، خنقا بالغاز، حرقا بالنار، كبسا بالجرافات، أو بالتجويع ما يربو على 17 مليون إنسان، 6 ملايين منهم يهود، و11 المليون الآخرين يتوزعون بين الغجر، السلاف، السوفييت، بالإضافة إلى مشوهو الخِلقة مثل: المعاقين والمثليين الجنسيين والمجانين [2]. قد تكون هذه الأرقام غير دقيقة، غير أن مضمون الإبادة الذي تحمله هذه الأرقام دقيق، ولا شك فيه.
نفذ المجزرة الغيستابو، أو جهاز الشرطة السرية، بالتنسيق مع جهاز الـ S-S، أي جهاز أمن الدولة النازي، بقيادة «هاينريش هيملر»، وبمساعدة ضباط رفيعي المستوى مثل «أدولف آيخمان».
عُقدت محاكمات لمجرمي الحرب بعد أن وضعت المجزرة العالمية الثانية أوزارها، على غرار محاكمات نورنبورغ الشهيرة. غير أن بعض السفاحين هربوا، واعتقد البعض أنهم قد فلتوا من المحاكمة. كان من بين هؤلاء الفارين «أدولف آيخمان»، الذي هرب إلى الأرجنتين بعد الحرب. غير أن جهاز المخابرات الإسرائيلي تعقب آثار الضابط النازي في الأرجنتين، فاستطاع عملاء «الموساد» خطفه وإحضاره إلى إسرائيل سنة 1960م، حيث نظمت له الدولة الصهيونية محاكمة في القدس، انتهت بإعدامه شنقا، ثم إحراق جثته، ورمي رمادها في البحر الأبيض المتوسط. هذا «الحدث» سيشكل موضوعا لواحدة من أهم المناقشات الفكرية والفلسفية في القرن 20م. فما الذي جرى إجراميا ثم فلسفيا؟
حضرت أطوار المحاكمة الفيلسوفة الألمانية «حنة آرندت»، مبتعثة إلى القدس من طرف جريدة نيو-يوركر الأمريكية كمقررة لمجريات المحاكمة. تقاريرها من شدة طولها ومن غور تحليلاتها تحولت إلى كتاب سنة 1963م، أثار ولا زال يثير حنق الصهاينة، بسبب تفكيك آرندت سخافة تمثيلية محاكمة الصهاينة لمجرم، لا يقلون عنه إجراما وخسة، من جهة [3]. ووجه الإثارة فيه من جهة أخرى، يتمثل في كشف آرندت بأن أسس «الحداثة السياسية»، هي من الضعف والاهتراء يبلغ من الخطورة مبلغا بشأنه تهديد ليس باقي أبعاد الحداثة (حرية التعبير- الفن- المجتمع المدني- المواطنة- التقدم والازدهار)، بل من شأنه تهديد وجود الإنسان بشكل جذري. بالتالي فالتنظير للحداثة السياسية فلسفيا لأكثر من قرنين، لا يبدو أنه كان كافيا حتى يتحقق مشروع الحداثة على المستوى السياسي على وجهه الأكمل، ما يعني الحاجة إلى «النقد» و«تجديد أسس المشروع». لعل من هذه الخلاصة التقط الفيلسوف الألماني الصهيوني “يورغن هابرماس”، من بين أمور أخرى طبعا، استنتاجه الشهير بشأن الحداثة جُملةً، التي اعتبارها «مشروعا لم يكتمل بعد» [4].
عودة إلى آرندت، وكتابها “آيخمان في القدس: تقرير حول تفاهة الشر” الذي يعتبر أولا وقبل كل شيء وثيقة تاريخية، أو وضعا لحدث الإبادة في سياقه التاريخي والثقافي الأوسع، حيث تتبعت آرندت مراحل تعقد ما كان يصفه النازيون في ألمانيا، وربما بعض الأوربيين من خارج ألمانيا، بـ«المشكلة اليهودية». وهذا مما يثير الاستغراب، فما الداعي إلى إثارة جماعة من المواطنين -كما تصفهم الحداثة السياسية- «مشكلة» ؟ إنهم في الحقيقة ليسوا أي جماعة، إنهم «اليهود»، أي ذلك «العرق الوضيع» كما يصفهم هتلر [5]، الذي تترسخ في روح أوربا كراهيته كراهية تبلغ درجة «الإبادة».
ما يجب الانتباه إليه، هو أن هذه الكراهية ليست بنت النازية، بل قديمة قدم وجود اليهود في القارة العجوز. ومن الأمثلة التقليدية الموضحة لذلك، ما حدث عقب دعوة «البابا أوربان الثاني» سنة 1095م شن حملة صليبية على المسلمين في الشرق، غرضها استرداد حج النصارى: القدس. وهو ما انطلق فعلا بدءً من 27 نوفمبر 1095م، وهو تاريخ أول حملة صليبية على الشرق. لكم هذه الدعوة جعلت بعض الصليبيين (الأوربيين) يتساءلون: كيف نقطع كل هذه المسافة من الغرب حتى الشرق كي نقتل الكفار المسلمين، في الوقت الذي يتحلق بنا من هم أكفر منهم، وهم اليهود، قتلة السيد المسيح، بالتالي أليست المجزرة في المقربين أولى؟ هذا التساؤل، أجاب عنه الجنود الصليبيون في هذه الحملة الأولى على الشرق، بذبحهم ما بين 7000 و8000 يهودي، كالخرفان، في خريف 1096م، وكان هؤلاء الصليبيون، ويا لسخرية القدر، جرمانا أيضا، كسروا روتين السفر نحو القدس بالتقرب إلى الله بذبح هذا العدد من اليهود [6]، وهو عندهم أهون بالمقارنة مع ما سيقترفونه فيما بعد، إذ سيذبحون 9 ملايين من البشر طول سنوات حملاتهم الصليبية على الشرق، التي دامت قرنين تقريبا، حسب تأكيدات المؤرخ الإنجليزي جون روبرتسون [7].
هذا كي نصحح في أذهاننا بأن اليهود ليسوا «مشكلة» بالنسبة للنازيين، بل إنهم كذلك بالنسبة لأروبا بأكملها! إنهم مشكلة مترسخة في روح هذه القارة وثقافاتها، خصوصا الغربية منها. لذلك لم يجدوا لها حلا إلا بـ«الإبادة» أو بـ«إلقائها على أمة أخرى».
إشعال المِشْوَاة
قبل المِشْوَاة، أو الهولوكوست، بسنوات، بَشَّر الفوهرر بحل للـ«مشكلة اليهودية» منذ كتابه كفاحي، الذي لم يخفي فيه عنصريته اتجاه اليهود، ولا وعده بإجلائهم عن أوربا، أو إبادتهم نهائيا، لو وصل إلى السلطة. هذا ما شرع في تنفيذه منذ سنة 1933م، حيث تم تجريد اليهود من ممتلكاهم، أو تخريبها أو مصادرتها، والتضييق عليهم في أول الأمر. الشيء الذي ما فتئ أن تطور إلى أمر غريب، تمثل في فتح مكاتب تهجير قسري [يريد دونالد ترامب القيام بشيء شبيه بهذا حاليا مع الفلسطينيين في غزة] إقليمية وجهوية في ألمانيا والنمسا أولا، ثم في باقي الأراضي المستعمرة من طرف جيش الرايخ الثالث تاليا، غرضها ضبط قوائم اليهود في هذه المناطق، ثم تخييرهم بين أمرين، إما مغادرة أوربا، أو التوجه صوب «المعسكرات». كان مجال الاختيار في أول الأمر: مفتوحا، على شدة ضيقه، وفسحه في وجه علية القوم من اليهود. غير أنه سرعان ما ثم إغلاق هذه الفتحة الصغيرة في الجدار، الذي تنحدر من وراءه مباشرة: الهاوية إلى قعر الجحيم. بعد ذلك لم يعد أمام أي يهودي يقع تحت سلطة النازيين سوى التوجه صوب المعسكرات [8]، أو بتعبير أدق صوب «مسالخ بشرية»، تجري من تحتها النيران، أُعدَّت للمعتقلين، من أحفاد قوم سيدنا موسى.
على أي حال، عقب التهجير القسري ليهود أوربا، تم تجميعهم بالملايين في معتقلات هائلة، كان أشهرها أوشفيتس في بولندا، فطرح هذا العدد الضخم من اليهود المجمعين في هذه المعسكرات مشكلة للضباط النازيين، فكيف يمكن إبادة هذا العدد الهائل من البشر؟ تم تجريب تقنية الإعدامات الجماعية بالرصاص، وهي تقنية في القتل تهدد نجاحها بعض السلبيات، كما أخبر “رودولف هوس” وهو قائد معسكر أوشفيتس، رئيسه هاينريش هيملر، وهي أنها أولا بطيئة، أي لا تساعد على إبادة عدد كبير من الضحايا في وقت وجيز. كما أن لها تأثيرات نفسية خطيرة على الجنود، الذي فقد بعضهم عقله جراء القيام بهذه المهمة القذرة، أو انتحروا، أو هربوا من الخدمة [9]. رغم ذلك استمرت فوهات بنادق جهاز هيملر في الشرب من دماء اليهود.
أمام بطىء عمليات التقتيل، التأم النازيون لمناقشة أفضل الأساليب الغير مكلفة من ناحية الزمن ومن ناحية المال لإبادة المحتجزين في معسكرات الاعتقال، وعلى رأسهم اليهود. فـمنهم من اقترح الاستمرار في اعتماد الاعدامات الميدانية بالرصاص، ومنهم من اقترح رميهم في البحر، ومنهم من اقترح شَويُهم، ومنهم من طرح فكرة ترحيلهم لأحد مقاطعات الأراضي المستعمرة واحتجازهم هناك بشكل مؤبد. غير أن النقاش، ومسار الأحداث أفضى إلى ثلاثة حلول مركزية لتسريع حل المشكلة اليهودية في أقصر وقت ممكن، توزعت هذه الحلول كالتالي:
أولا: تخصيص «حظيرة» لليهود في بولندا وتجميعهم فيها وعدم السماح لهم بالخروج منها نهائيا، مع فرض عليهم داخلها شروط الموت البطيء. فشل هذا المقترح في التطبيق [10].
ثانيا: تخصيص إقليم آخر في التشيك، وإجلاء اليهود إليه، وتم التأكد من أن هذا المقترح هو الآخر غير عملي [11].
ثالثا: اقترح بطل الكتاب، أدولف آيخمان بنفسه، تهجير 4 ملايين يهودي إلى مدغشقر، وتم الشروع في تنفيذ الخطة، غير أن سيطرة البحرية البريطانية على المحيط الأطلسي والهادي، حالت دون تنزيل هذا المقترح [12].
تصادف التأكد من فشل كل هذه المخططات لحل المشكلة اليهودية، مع دعوة هاينريش هيملر، قائد جهاز الـS-Sوالمسؤول الأول عن عملية الإبادة، لحضور «تجربة علمية»، تجسدت في جمع 900 معارض هولندي في غرفة، حيث تم نفث عليهم عنصر كيميائي يسمى Zyklon-B، له خاصية خطيرة، وهي أنه بمجرد تفاعله مع الهواء يطلق غاز السيانيد «الخانق». أمام ناظري هيملر وكارل فريتزش [نائب رئيس معسكر أوشفيتس]، تفجرت قلوب وعيون الـ900 معارض هولندي المساكين في غضون دقائق. فـطار هيملر فرحا، حيث اكتشف أخيرا ما سيصطلح النازيون على وصفه بـ«الحل الأخير» للمشكلة اليهودية [13].
لتعميم وتنظيم عملية الإبادة بواسطة الحل الأخير، أي الخنق بالغاز، سيقوم النازيون بشيء غريب، وهو أنهم نظموا مؤتمرا علميا اسمه «فانيساي»، في 20 يناير 1942م [14]، خصص لمناقشة كيفيات تنزيل على نحو عملي «الحل الأخير»، من إنتاج للغاز المميت، وتخصيص شاحنات نقله للمعسكرات، وتعيين المسؤولين على النقل، وتدبير الموارد البشرية المكلفة بإبادة المعنيين بالأمر بواسطته، إلى تصميم أفران الموت وتكوين المكلفين بها على كيفيات تشغيلها بأسلوب ناجع ومرن.
حضر المؤتمر، علماء، وأطباء، ورجال دين مسيحيين، وإداريين، ومهندسين، ورجال أعمال، فضلا عن السياسيين والعسكريين، وكلهم وافقوا بحماسة منقطعة النظير، بما في ذلك القساوسة [15]، على إبادة اليهود بالغاز وحرق جثثهم في الأفران بعد قتلهم، بدل دفنهم. بذلك تم تقديم ليس فقط التبرير العسكري والإداري للإبادة، بل حتى التبرير العلمي والأخلاقي والديني.
ولحضور العلماء والأطباء في هذا المؤتمر دلالة خاصة جدا، ذلك أن فكرة «القتل بالغاز» قد تولدت في الأصل، عن برنامج «القتل الرحيم»، الذي نفذه النازيون في حق المعاقين والمرضى والمجانين [16]. إذ اقترح طبيب هتلر كارل براندت ومساعده بول سارفاتيوس، كحل أخير أمام تعذر علاج المرضى والمعاقين، قتلهم بحقن سامة، وهو فعل لم يكن يتمثله كارل براندت كحل طبي للمرضى فقط، بل أيضا حلا أخلاقيا لمعضلتهم. ومن هنا تذكيره في «مؤتمر فانيساي» بأن الإبادة بالغاز السام هي وسيلة ليست فقط طبية لحل المشكلة اليهودية، بل أخلاقية أيضا.
طبعا لــبراندت مفهوم وضيع للأخلاق هنا، لكن ما يجب التقاطه، هو أن: العلم حينما يتورط سياسيا في جرائم ضد الإنسانية، يدرك المنتسبون إليه بأنهم ينتهكون الأخلاق، التعويض عن هذا الانتهاك يدفعهم إلى تبرير الجرائم بـ«العلم»، بعد أن تعذر عليهم تبريرها من أي وجه بـ«الأخلاق»، بذلك يرفعون العلم مرتبة أعلى فوق الأخلاق، مانحين لأنفسهم عزاءً وهميا اتجاه الوقاحة والتوحش الذين تورطوا فيه. بعد ذلك، فالسماح والتسليم بوضع العلم فوق الأخلاق، وقبول هذا الأمر، يجعل الأخلاق ليست في موقع التابع، بدل أن تكون في موقع “الموجه”، بل يقضي عليها قضاءً مبرما. وهذا ما ظهر فعلا في أفعال وسياسات الحزب النازي، التي يصعب ربطها بأي تأويل أخلاقي مهما كان، هذا من جهة. أما من جهة، فيحوله من مجال للمعرفة والبحث، إلى مجال التبرير والتوجيه السلوكي. ما يعني بأن ربط العلم بالسياسة، يفضي إلى «تحريف مزدوج» لكل من العلم والأخلاق، وهو مقدمة للإقدام على أي سلوك لم يسمع بحجم فظاعته من قبل.
هكذا صارت وسيلة الإبادة معلومة، وتبريرها جاهز، والمشرفين عليها مستعدون. إذن وربحا للوقت، أصدر بشكل عاجل هيملر أوامره إلى عموم مسؤوليه على المعسكرات بالشروع في تنفيذ «الحل الأخير». وذلك ما انطلق فعلا، فتم تجهيز أهم المعسكرات، وعلى رأسها أوشفيتس، بغرف غاز السيانيد، وبأفران شواء الجثث. هكذا جرت أول عملية قتل بالغاز في حق اليهود، بقرية خيلمنو Chelmno يوم 08 ديسمبر 1941م [17]. مات في الموقع ما يزيد عن 172.000 شخص، أغلبهم يهود [18].
الفظيع، كما توضح بعض الوثائقيات بالصوت والصورة، أن من كان يجمع الضحايا ويدخلهم لغرف الغاز، ثم بعد ذلك يلقي بـجثثهم في الأفران، ثم يطمر رماد مخلفات عظامهم في مقابر جماعية، لطمس معالم الجريمة، كان هم اليهود المساجين أنفسهم. حيث كان يفرض ضباط جهاز الـS-S على بعض اليهود تقتيل إخوانهم بهذه البشاعة، ثم انتظارهم هم أنفسهم دورهم في التذوق من نفس العلقم الذي أذاقوه لذويهم قبل ذلك [19]. إلى هذا المستوى بلغ توحش هذا القوم.
بقيت عمليات الإعدام بالرصاص، والخنق بالغاز والشواء مستعرة حتى يناير 1945، فخلفت في المتوسط 15.500.000 ضحية من اليهود والسوفييت والغجر والبولنديين والسلاف وغيرهم، في كل أوربا. هذا هو المستوى السياسي والإحصائي من الإبادة، فماذا يمكن أن تعبر عنه فلسفيا ؟
في إمكانية فهم «الشر الإنساني»
على غير عادة الشعوب التي لم تترسخ فيها بعد ذهنية فلسفية، مثل العرب، حيث كل حدث فائق الإجرامية والتوحش والشر، لا يستدعي أي تفكير بعيدا عن النزعة الاختزالية ونظرية المؤامرة. كما هو الحال مع حدث “داعش” الذي لم يثير انتباه مدرسي الفلسفة الجامعيون في منطقتنا بعيدا عن المستوى السياسي والتراجيدي والدرامي للظاهرة، وإن كانت الواقعة حقا أعقد من ذلك بكثير. غير أن حدثا مثل هذا، أو مثيله كـالهولوكوست، لم يكن له أن يمر مرور الكرار في مجتمعات تترسخ فيها المناولة الفلسفية للأحداث، وليس التعاطي السياسي أو الإعلامي معها فقط، كما هو الحال مع المجتمعات الأوربية، وخاصة ألمانيا.
والسبب يعود إلى أن كل حدث إجرامي أو إرهابي، لا يتضمن عنصر «العنف» فقط، بل يتضمن بُعد «الشر» كذلك، والشر موضوع فلسفي بامتياز، وليس موضوعا سياسيا أو سوسيولوجيا في جوهره. لهذا وصفت آرندت كتابها بأنه حول «تفاهة الشر» وليس حول «تفاهة العنف»، وهو إعلان منها عن زاوية النظر التي ستحلل على ضوءها حدث الإبادة، وهي زاوية نظر فلسفية أساسا.
لا يمكن القفز لفهم حدث الإبادة عن لحظتين فلسفيتين مهمتين، قبل آرندت، وهما لحظتي الثنائي نيتشه- هايدغر. فكيف مهدا الطريق فلسفيا لابتكار الجهاز التحليلي والمفاهيمي لـكتاب حنة آرندت هذا ؟
شُبهَة نيتشه واستدراك هايدغر
يعتبر نيتشه أساسا لحظة تعبر عن وعي بأفول واضمحلال القيم والمعايير الأخلاقية القديمة لأوربا، التي لم تعد تقوى على توجيه لا السلوك، ولا خلق المعنى للحياة. ترافق مع ذلك، عدم قدرة الإنسان الأوربي الحديث على خلق «البديل» الأخلاقي والميتافيزيقي الذي بإمكانه إضفاء معنى جديد على وجوده الحديث. هذا العجز يعبر عن أحد وجوه «العدمية» كما تصورها نيتشه. ولا مراء في أن «الشر» ارتباطه غائر جدا بأي لحظة عدمية في تاريخ الإنسانية، لذلك من المرجح أن تعرف فترات انبثاق وتعمم العدمية، شيوع أحداث فائقة الإجرام والشر، على شكل «إبادات» أو انتهاكات جسيمة في حق الإنسان والطبيعة.
وعي نيتشه هذا بعدمية الطور المتأخر من الحداثة، لا يعبر عن نفسه على شكل «إدراك» لحقيقة فضيعة فقط، حقيقة «سيظل الإنسان ينزف وجعا لو عَلِم حق العلم بها» [20]، بل عبر عن نفسه على شكل «مشاركة» في إقبار ما تبقى من صدى لوجاهة الأخلاق بمعناها التقليدي (المسيحي)، في وعي الإنسان الأوربي الحديث.
لقد تمثل الرجل فلسفته قبل كل شيء على أنها: «قلب لكل القيم» [21]. ولنا أن نتساءل، بعد هذا القلب لكل القيم، أي بعد القطع النهائي مع هذا النوع القديم من الأخلاق، ما هو البديل الأخلاقي الذي يقترحه علينا نيتشه؟ فل ندع الرجل يقدم جوابه: «إن أحاسيس الكراهية والحسد والجشع وحب السيطرة لهي مكونات أساسية وجوهرية لابد من وجودها داخل بنية الاقتصاد الحياتي، بالتالي لابد من تنميتها» [22]! ولكن، أليست الكراهية وحب السيطرة بإمكانهما أن يسحقا بعض الفئات من البشر، الضعفاء، الفقراء، البؤساء، المرضى، الفاشلين؟ فل ندع الرجل يجيب مرة أخرى: «لابد أن يضمحل الضعفاء وذوي التكوينة المعاقة، هذا هو المبدأ الأول لمحبة الإنسان لدينا. بل علينا أن نساعدهم على ذلك الاضمحلال. فلا يوجد ضرر أكبر من الشفقة الفاعلة لخدمة الضعفاء وذوي التكوينة المعاقة» [23]. لعلنا نسمع بين هذه الكلمات صدى صوت طبيب هتلر “كارل براندت”، الذي كان يساعد المرضى والمعاقين على الموت الرحيم عبر حقنهم بالسم. أليست هذه الممارسة مشينة؟ أي لا أخلاقية؟ بالنسبة لـنيتشه «ما الأخلاق إلا حساسية مَرضِية لا تخص إلا المنحطين، ولا تغرس فيهم سوى النية في الانتقام خِفيَةً من الحياة» [24]. قد نتفاجأ ونتساءل بـهول: أ لا يستحق منا الضعفاء والمرضى العناية بهم والشفقة عليهم؟ في رأي نيتشه: «الشفقة لا تمثل فضيلة إلا عند المنحطين» أيضا [25]، أكثر من ذلك إن «الشفقة تعيق في المجمل قانون التطور الذي هو قانون الانتقاء [الطبيعي]، إنها تجهد في الاحتفاظ بما قد غدا جاهزا للتدهور، وتقف موقف المناصر لمن حكمت عليهم الحياة وقضت بحرمانهم» [26]. يضيف فيلسوفنا البديع إضافة عطرة، حيث يقول: «عندما يتراخى أي عضو من مجمل الجسد، ويتخلى عن حماية ذاته وتأمين طاقته الحيوية و”أنانيته” بوثوق تام، يتداعى لمثل ذلك باقي الأعضاء. في هذه الحالة يأمر الفيزيولوجي بـبتر العضو المتداعي، ويرفض أي تضامن مع العضو المنحط، إنه أبعد ما يكون عن الشفقة اتجاهه. لكن في حالتنا، يريد القِسّ [داعية الأخلاق] انحطاط الكل، الإنسانية برمتها، حينما يدافع عن حفظ العنصر المتفكك. فـماذا تحمل هذه المفاهيم الأخلاقية الكاذبة، مثل: النفس، الروح، الإرادة الحرة، الله، غير التدمير الفيزيزلوجي للإنسانية» [27]. وكأن نيتشه هنا قد سمح لخياله أن يستحضر نصيحة “طبيب فاشل” بـبتر العضو البالغ من المرض درجة تهدد باقي الأعضاء، غير أن غرور الجنون الذي استبد به حتى أنساه بأن المصاب بكسر في أحد عظامه، لا ينادي الطبيب بنزع عظمه من مكانه، بل ينادي بـتجبيره وتقويمه، والعناية به حتى يصح من جديد. ولعل هذا الفيلسوف الفسيل الصحة لو تعرض لهذا الجنس من المعاملة، ما دام أنه كان مريضا على الدوام تقريبا، ومعاقا وعاجزا ومجنونا في آخر حياته، لـربما غير موقفه هذا، لكن التكفل به والعطف عليه والرحمة به، قد سمحت له بنفث هذا الذي كتب على عموم البشرية.
هكذا إذن تصبح أخلاق الشفقة، والرحمة، والتضامن، والتكافل، موجبات للسقوط والانحطاط الإنساني. ويصبح التمييز العنصري والاستعلاء العرقي وسحق المرضى والسيطرة على الضعفاء ميزة ضرورية لتطور الحياة! أهذه أخلاق ما بعد الحداثة؟ أم حداثة ما بعد الأخلاق؟ يقول نيتشه: «إننا نبحر الآن قدما في ما وراء الأخلاق، وربما ندوس ونسحق الآن آخر ما تبقى من الأخلاق» [28]. إذن، سياق فلسفي مثل هذا، حيث الأخلاق على شفى الانهيار التام، ألا يفتح الباب على مصراعيه لأي جماعة سياسية من السفاحين حتى تتذرع به لقتل الملايين؟
لقد حاول النازيون فعلا استغلال فكر نيتشه في هذا الاتجاه، إذ جهدوا في استعماله كأساس فلسفي ألماني، آري، نقي، لـتبرير الإبادة، حيث التقطوا -بتسرع- الرابط القوي بين مفاهيم نيتشه الفلسفية، خصوصا مفهوم “إرادة القوة”، واستعلاء عرق معين على باقي الأعراق بـ«القوة المدمرة». لكن هذا التأويل النازي لنيتشه، قد اصطدم بتبخيسه وتكذيبه من طرف الفيلسوف الأول للحزب النازي، وهو “مارتن هايدغر”، الذي كشف بأن فلسفة نيتشه قد تحرفت على يد أخته وزوجها المعروف بعداءه لليهود، وعلى يد التيار القومي الألماني في حرب 1914م، ثم على يد النازيين بدءً من الثلاثينات [29].
رغم كل إعادة تصويب في هذا الشأن على المستوى الفلسفي، بقيت فلسفة نيتشه -على المستوى السوسيولوجي والسياسي- مصدرا ملهما لمسلكيات تقود مباشرة إلى الإبادة، وإن بالتأسيس على قراءة تبسيطية لهذه الفلسفة، ذلك أن عمقها لو فهم على أحد الوجوه، قد يبعدنا عن الإبادة، بدل إلقاءنا في مشواتها. ذلك أن نصوص نيتشه تتميز بذخيرة تأويلية رفيعة المستوى، وغنية إلى أبعد حد بالاستعارات والتشبيهات الرمزية، حيث تعمد الرجل أن يستعمل الكلمات بمعاني اصطلاحية لا تنتمي إلى المعجم الاصطلاحي لـزمانه، لهذا حدس بأنه لن يفهم إلا بعد قرنين. فاستعماله لكلمة أخلاق مثلا، لا يحيل على شكل مثالي لها، بل على أحد تجلياتها فقط، وهي الأخلاق المسيحية اليهودية. ليس هذا فحسب، في نظره تتميز الممارسة الأخلاقية بفرز ما يناقضها على طول الخط، حيث اللاأخلاق تثوي في كثير من الأحيان خلف التمسح الكاذب بالأخلاق، يقول: «كل الوسائل التي كانت ستجعل البشرية أخلاقية، قد كانت حتى الآن لاأخلاقية للغاية» [30].
إذن يعي الرجل جيدا هذه الجدلية التي تخترق كل عناصر الثقافة الإنسانية، خصوصا الطهرانية منها (الدينية والأخلاقية)، والتي لا تفتئ أن تنتج نقيضها في كل مرة. بالتالي فهذا النفاق الأخلاقي بالضبط هو ما ينتقده نيتشه، ويدعو إلى القضاء عليه، وليس القضاء على الأخلاق في حد ذاتها كـ مثال معياري. فإذا كانت الأخلاق هي التستر وراء الكذب لإخفاء حقيقة الوجود وحقيقة الإنسان، فإن نيتشه هنا يعتبر نفسه «اللاأخلاقي الأول» [31]. إذا كان الأمر كذلك، أليست البشرية في حاجة إلى أخلاق من نوع آخر، أو أخلاق بجدارة إنسانية مختلفة؟ يجيب نيتشه: «سيعتبر عهد قريب عصرنا هذا عن حق أكثر العصور المظلمة والمجهولة في التاريخ، باعتباره أكثر العصور اللاإنسانية على الإطلاق» [32]، وأحد وجوه لاإنسانيته هو لاأخلاقيته، وهو ما يؤكده فعلا نيتشه، بإقراره أن «الإنسان لم يحتاج طول تاريخه إلى مربين أخلاقيين كما هي حاجته بهم اليوم» [33]. إذن حكم نيتشه على وسائل تخليق الإنسان بأنها لا أخلاقية، واعتقاده بالمقابل بأن هذا الإنسان في حاجة إلى تربية أخلاقية في طوره الحديث خصوصا، لَـيُظهِر بأن الرجل كان يحمل معنى مختلفا للأخلاق، وليس نفيها التام، كما فهم بـخسة النازيون. إذ ضمن شكل من الأخلاق الجديرة بمعياريتها الإتيقية، وغير متسترة بإرادة الكذب، يكون نيتشه هو «أول إنسان مستقيم»، كما وصف نفسه في هذا هو الإنسان [34].
ما يصدق على الأخلاق بالنسبة لـنيتشه، يصدق على المقدس والإله في فلسفته كذلك. فـعبارة «الإله لم يعد حيا» (dass der alte gott nicht mehr lebt) [35] وليس «الإله قد مات»، عبارة لا تقصد موضوع الاعتقاد الديني، إذ أن الإله في هذه العبارة يحضر باعتباره «قيمة» القيم، و «المعنى الأسمى»، الذي انطفأ سحره فجأة عن سماء الحياة الحديثة. لكن هذا الأفول لا يخص الإله كـ مثال روحاني كوني، بل يخص شعور ووعي المؤمنين به، الوعي الذي هو نفسه يخص أحد أو بعض تجليات الإله المرتبطة بـالثقافة المسيحية حصرا، التي عاش في كنفها نيتشه. ما يعني أن الحياة أو الموت تخص الشعور أو الوعي بالإله، وليس الإله نفسه. بالتالي فـالعبارة يقصد بها نيتشه إثارة مشكلة أخلاقية وأنطولوجية، وليس مشكلة لاهوتية، حيث أن أفول منظومة كاملة من الفلسفات والقيم والأخلاقيات والمعتقدات المسيحية، التي «لم تعد جديرة بالاعتناق [أو فُقِدَت فيها الثقة]» [36]، قد ترك المجال فارغا وبدون أي بديل، وهذا بالذات ما يثير سمة «العدمية» التي تميز الحداثة، خصوصا في طورها المتأخر. الحدث الجلل، الذي يشبهه نيتشه بالغروب، وأي غروب! إنه «خسوف شمس لم يحدث لمثله نظير في العالم كله» [37]. وكما بعد كل خسوف، تعود الشمس لتسطع وتشع وتنير الأرض من جديد، بذات الطريقة يصف نيتشه هذا التحول، إذ يقول: «نحن العقول الحرة، عندما نسمع بأن الإله لم يعد حيا، فإننا نشعر وكأن أشعة فجر جديد قد لمستنا» [38]. وفي أفق هذا الفجر الجديد، وهذه البداية الجديدة للإنسانية، ألن تجد الآلهة هي الأخرى موطئة قدم جديد؟ في الحقيقة لا ينفي نيتشه هذه الإمكانية، وهو ما يؤكده في الشذرة 480 من كتابه إرادة القوة، حيث يصرح: «مرة أخرى أقول لكم: كم من آلهة جديدة لا تزال ممكنة» [39]. إذن فجوهر العبارة يحيل على «أزمة»، تَعِدُ بـبداية جديدة للإنسان، كما بالنسبة للإله، وذلك في إطار جدلية “العود الأبدي” الأثيرة لدى فيلسوف لايبزيغ.
هكذا إذن، فنيتشه ألماني، والألمان لا يكتبون نصوصا قابلة لأن تحمل على ظاهرها، بل لا تخط أيديهم سوى نصوص رمزية و«تأويلية» حتى نَفَسها الأخير، أليسوا هم أصلا مخرجو الهرمينوطيقا إلى الوجود! بذلك فاستعمال نيتشه لكلمة الأخلاق يرفعها إلى درجة المفهوم الحامل في أحشائه لـذخيرة دلالية، تفصح عن معاني متجاوزة للمعجم الاصطلاحي المحصور بالشرطية التاريخية التي ابتكر فيها ذلك المفهوم. عدم فهم هذا الأمر، يحمل صاحبه على سوء التقدير أو تحريف جوهر الفكر الذي يطمح إلى استيعابه، سواء تعلق بنيتشه أو بغيره.
بالعودة إلى الشر، ينبثق هذا الأخير في نظر نيتشه من إرادة الكذب، التي تتخذ دائما لبوسا ميتافيزيقيا، ولعل فهم هذا الأمر هو ما قاد هايدغر للقول في أعقاب الإبادة: «ليس دمار الأرض سوى نتيجة للميتافيزيقا» [40]. لماذا الميتافيزيقا مدخلا للشر؟ قد لا نستطيع الجواب عن هذا السؤال ما لم نطرح آخر يسبقه منطقيا، وهو: ما الميتافيزيقا أولا؟ كما هو معروف، لهذا المصطلح معنى شهير مرتبط بتصنيف مباحث أرسطو، غير أنه في نظر نيتشه وهايدغر يقفز إلى معنى آخر غير مسبوق في تاريخ الفلسفة. الميتافيزيقا في وعيهما معا، أصبحت تحيل بشكل عام على كل جواب يلقى في وجه سؤال الوجود، موجها بإرادة الكذب. وهي الأجوبة التي يقدمها الدين، الأسطورة، الفلسفة والعلم. إنها تحيل على كل تفكير مفهومي وبرهاني متمركز حول «اللوغوس» [41]، أي متمركز حول العقل المنطقي الرياضي التجريبي، الذي يتوجه إلى الوجود باعتباره معطى «مُسلَّمٌ بـمعناه» بالنسبة للإنسان، وهو في جوهره ليس كذلك. أي إنه عقل «نَسِيَ الوجود» (L’oubli de l’être)، أي نَسِيَ العودة إلى جذر معضلتنا كـكائنات مفكرة وواعية، ومعتقلة داخل حيز الحياة، أقصد معضلة الكينونة، التي قد تختزلها الأسئلة الفظيعة التالية: «ما معنى الوجود؟» و«ما معنى أن نوجد؟» و«أي معنى لوجودنا داخل الوجود؟». كيف لمن لم يجب عن سؤال الأنطولوجيا هذا، أي يقفز مباشرة إلى سؤال الإبستيمولوجيا (كيف أعرف؟)، الذي تمركزت حوله الفلسفة منذ اليونان، وبشكل أخص منذ أفلاطون، فـنسيت طول 2000 سنة العودة لطرح السؤال الأصلي والأول للفلسفة [42]. بعيدا عن هذا المنظور، ظل العقل الأوربي يتعامل مع الوجود في بعده المادي الآني، كما هو الحال مع التفكير العلمي التجريبي، دون الارتقاء للـ«تساؤل حول معناه»، لذلك وصف هايدغر العلم بأنه «لا يفكر» [43]، أي فاقد للتأمل الانعكاسي في ذاته، وفي موضوعه ضمن «أفق الوجود»، وليس ضمن «ما يعطى كـ موجود» الذي ينغمس فيه. بذلك فـالعلم لا يقوى على التحرر من الافتراضات المسبقة التي ينطلق منها، حتى ينظر إلى العالم من زاوية أصيلة وشاملة. وهذا بالذات، ما يرمي به إلى أعمق نقطة في الثقب الأسود للـعدمية الحديثة.
خاصية «عدم التفكير» هذه، التي تخترق العلم الحديث في نظر هايدغر، تتميز بـما يصفه فيلسوف فرايبورغ بـ Entwurzelung، المقصود بها عدم الوعي بالاختلاف الأنطولوجي بين «الوجود» و«الموجود»، أي الفرق بين «ماذا أكون؟» و«كيف يجب أن أكون؟». إنه فرق بين معنى أصيل محتمل للوجود البشري (Dasein)، وتصور جاهز وساذج ملقى على هذا الأخير، ينغمس فيه الإنسان منذ ولادته عن طريق انتماءه الثقافي: الديني، الفلسفي، العلمي، الآيديولوجي. بذلك يتم اجتثاث الإنسان من كينونته الأصيلة والإلقاء به بعيدا عن الوعي بها، وهو في الأصل «الكائن المنتدب لتأويل ذاته» [44]. خاصية عدم التفكير بهذا المعنى، هي على التحقيق ليست صفة للعلم فقط، بل أيضا للـ«عقلانية» الحديثة بـرمتها، كما يؤكد ماكس فيبر [45]. بالتالي فهي فاعلية تميز الحداثة في مختلف أبعادها، كما على ضوءها يتم ذهنيا إنتاج البشر الذين يهيمون في مجتمعات الحداثة، الذين حولتهم آلتها البيروقراطية إلى جثت مطيعة ومنفذة للأوامر بدون نقاش [46]، وإلى جثت مسطحة بـبُعد واحد، فاقدة للإرادة الحرة وللقدرة على التفكير والنقد لا الفلسفي ولا الأخلاقي [47]، مُغتَرِبَة عن أي وعي أصيل بذاتها وبوجودها، ومُشيِّئة لكيانها ولكينونتها وللباقي من البشرية دونها [48].
تلتقط حنا آرندت هذا التحليل الأنطولوجي لهايدغر، كي تُقرن به فعل الشر أيضا. إذ تعتبر هذا الأخير ناتجا في عمقه عن «عدم التفكير»، حيث تصف أدولف آيخمان بأنه شخص تعلم أن ينفذ دون أن يفكر [49]، أي أن «ينسى» التساؤل بشكل انعكاسي حول مبررات سلوكه من جهة، ومآلات هذا السلوك من جهة أخرى. بذات الطريقة التي ينسى بها العلم التساؤل حول منطلقاته ومآلاته، حتى بلغ درجة تدمير الطبيعة، والمساهمة في إبادة البشر. الخطير هنا، هو أن عدم النهوض بفعل التفكير بـ”هذا المعنى”، يقود مباشرة إلى «موت الضمير» [50]، وهو مدخل ملكي للإقدام على مختلف أنواع الشناعات والمقابح. بذلك فخاصية عدم التفكير، على عكس ما نعتقد، هي أساس من أسس ثقافة الحداثة في شكلها الغربي، وهي بهذا المعنى تجسد تربة صالحة بامتياز لإنبات وترعرع «الشر» في أحلك تجلياته: الهولوكوست، العنصرية، تدمير الطبيعة، الاستعمار، التوحش الرأسمالي، المجاعات المقصودة، الأزمة البيئية… وغيرها من المصائب التي جلبتها الحداثة للإنسانية.
بالإضافة إلى نسيان فعل التفكير، يتميز الشر كما تلاحظ آرندت -وهذه أهم إضافة فلسفية في الكتاب- بأنه يمارس بـ«اعتيادية» تصل إلى حد «التفاهة» [51]. وهذا المصطلح الأخير قد أسيء فهمه كثيرا، خصوصا من طرف اليهود، الذين اتهموا آرندت بأنها تبرر فعل الإبادة عبر عده فعلا تافها في حد ذاته، وهذا غير صحيح. التفاهة هنا، لا يقصد بها المقابل لما يتضمن قيمة معتبرة، بل تقصد بها أرندت الحالة التي تتحول بها ممارسة معينة «من كثرة تكرارها»، إلى فعل ليس عاديا فقط، بل «تافها» أيضا. مثل ما يحدث مع الجزار، الذي قد يذبح في اليوم الواحد قطيعا من الأغنام، ويعود لبيته ويمارس أنشطته اليومية بكل اعتيادية، حيث أن فعل الذبح هنا للحيوانات، يصبح بالنسبة إليه فعلا عاديا جدا، بل «تافها»، أي أنه فعل لا يستدعي من صاحبه أدنى تفكير فيما تقترفه يداه كل يوم من شناعة. هذه الاعتيادية في ذبح الحيوانات، تقول آرندت بأنها قد تتحول أو تنتقل في اتجاه بعض البشر، ضمن بعض السياقات السياسية والاجتماعية (Un déplacement de l’objet du mal). بالتالي يتحول فعل الشر إلى فعل تافه (Banal) أي أكثر من عادي، وليس عبثيا (Absurde)، أي عشوائيا وموجها صوب من لا قيمة له بعينه.
ومرة أخرى فـجذر هذه الفكرة نجده عند نيتشه وهايدغر، ما يؤكد بأن آرندت قارئة لمَّاحة وبارعة للنصوص الكبرى في الفلسفة الألمانية. فـنيتشه يبرز في أكثر من موضع في مصنفاته بأن الإنسان «يتعود» على عدم الوعي بالجذور الأرضية لما يتوهم بأنه سماوي، كما يدأب على عدم الشك في الأصل اللاأخلاقي لما يعتبره أخلاقيا، كما ويعتاد على عدم إعادة النظر في الجوهر السخيف لما يعتبره أصيلا، وهكذا.
أما من جهته، فـيبرز هايدغر بأن البشر تعودوا على نسيان طرح سؤال معنى الوجود الذي يقبعون في زنزانته، والعيش توافقا مع هذا النسيان، حيث أنهم يتلقون تصورا ساذجا لوجودهم عن طريق تربيتهم، دون التوقف في أحد أطوار أعمارهم للتساؤل حول مضمون وقيمة هذا التصور الذي تلقونه. ولابد أن نلاحظ هنا بأن فعل التعود مقترن بفعل عدم التفكير، فمن يذبح قطيعا من الغنم يتعود على عدم التفكير في تصرفه هذا، بـنفس الطريقة التي تعود بها آيخمان على إبادة اليهود دون التفكير في بشاعة وهمجية ما كان يقدم عليه بشكل يومي من مذابح. بالتالي فـ فعل الشر هنا لا ينفصل عن اعتيادية ممارسته، المرتبطة بعمق بــنسيان التفكير فيه.
* * *
في الحصيلة، مثلت النيتشوية أمرين أمام الإبادة، كشفت أولا أن انتهاء ثقافة أوربا إلى العدمية، ما كان بإمكانه إلا أن يقودها إلى «حروب لم تشهد الأرض مثيلا لها في ما مضى» [52]، كما حدس بشكل مدهش نيتشه، حتى قبل وقوع هذه الحروب بـأكثر من 20 سنة على الأقل. من جهة أخرى، إن انخراط النيتشوية في تعميق هذه العدمية إلى حدودها الأقصى، عبر فضح مُثُلِهَا وأخلاقياتها ومقدساتها وفلسفاتها الزائفة، قد جعلها ذخرا يستمدد منه السفاحون والقتلة التبرير الفلسفي المسوغ للإقدام على الإبادة. هذا التشويش الذي تحتمله من أحد الوجوه فلسفة نيتشه، كقسيم لـفلسفة الحداثة عامة، هو ذاته ما سيتورط فيه هايدغر كذلك، الذي بقدر ما شخص جذور الإشكال بـبعد نظر في منتهى العمق، بقدر ما غرق فيه هو نفسه، باعتبار أنه كان شخصية نازية بامتياز. وقد يتساءل البعض، كيف لشخص مثل هايدغر، يفكر فوق قمة تطل على تاريخ الفلسفة برمته، بإمكانه أن يناصر حزبا همجيا مثل الحزب النازي؟! جوابا عن هذا السؤال يمكن أن نقول بأن أي شخص يعيش في ألمانيا بعد حرب 1914م، لو اقترحت عليه شيوعية لينين وستالين، أو الملكيات المطلقة الألمانية كبديل، ما كان له إلا أن يختار نازية هتلر كمقابل لهما. أي ألماني كان سينحاز إلى البديل الأخير، حتى لو كان هايدغر.
خاتمة: عمى آرندت الممتد من أوشفيتس إلى غزة
«إن كل إثبات لأي طابع إيجابي للوجود بعد أوشفيتس، لا يمكنه إلا أن يكون ثرثرة بئيسة» كما يؤكد تيودور أدورنو[53]، في تعبير عن السوداوية التي أصابت قطاعا من العقل الفلسفي الأوربي بعد مذابح النازية، وما رافقها من شناعات الحرب العالمية الثانية. لكن أليست إعادة تأهيل جذرية للعقل، عن طريق ثقافة عقلانية وأخلاقية جديدة، بإمكانها تجنيب جزء من البشرية عدم التعرض مرة أخرى للإبادة؟ فل نسمح لأدورنو بأن يجيب: «لقد أكدت أوشفيتس بما لا يدع مجالا للشك، بأن الثقافة قد فشلت بشكل مدوي […] أكثر من ذلك، إن كل ثقافة ناجمة عن أوشفيتس، بما في ذلك نقدها المستعجل، ليست سوى ركاما من القذارة» [54]. هذا يجعل كتاب آرندت الذي بين يدينا، منسحبا عليه هذا الحكم القاسي هو الآخر. لماذا؟ لأن الأوربيين تعلموا أن ينظروا للعالم بعين واحدة، وأن يغمضوا الأخرى، إذا تعلق الأمر بقوم يعيش بين ضهرانيهم، كالألمان، بيهودييهم ومسيحييهم وشيوعييهم. لكن، حين يتعلق الأمر، بشعوب أخرى، كالغجر، السلاف، العرب، الأفارقة، الآسيويين، في هذه الحالة يغمض الأروبيون حتى العين الأخرى، فينقطعون للنظر للآخر بعمى تام وناجز. الدليل على هذا، هو تركيز التحليل على اليهود، وتهميش المآسي التي تعرض لها الغجر مثلا في الهولوكوست. قد نفهم محق اليهود بإرجاعه إلى معاداة السامية التي تختضب بروح أوربا، لكن أي معاداة كانت معلنة ضد الغجر؟ البحث عن جواب لهذا السؤال لن يوصلنا إلا إلى استنتاج وحيد، وهو أن: فعل الشر، عن طريق الإبادة أو غيرها، لا يفاضل بين الأعراق والإثنيات والأديان، يسحق الكل دون تمييز. لكن، لماذا “التفكير في فعل الشر” يأبى إلا أن يفاضل بينهم، فيقتصر على فتح عين على قوم، والنظر بعمى اتجاه الآخرين؟ عدم تناول موضوع الإبادة بــهذه الشمولية، وبعيدا عن المفاضلة العرقية والقومية والدينية، يجعل بحق كل تحليل في غير هذا الاتجاه، ليس إلا «كومة من القذارة» و«ثرثرة بئيسة»، كما وصف الأمر بـصدق تيودور أدورنو. هذا من جهة.
من جهة أخرى، يتبدى عمى آرندت في أمر آخر. حاولت السيدة تحليل حدث الإبادة على ضوء مناقشتها لمفاهيم الشر، الخير، الأخلاق، الوعي، العقل، العدالة، الأنظمة الشمولية، البيروقراطية، حدود المسؤولية… غير أنها نسيت أمرا جوهريا، ألا وهو: «الإمبريالية والاستعمار». فكيف يمكن نسيان أن النازيين لم يصلوا لـبولندا والنمسا وبلجيكا وفرنسا وهولندا والمجر ورومانيا وروسيا، حتى يضعوا أيديهم على ضحايا جرائمهم، إلا عن طريق الاستعمار. بالتالي فـفعل الإبادة مرتبط عضويا بفعل الاستعمار، هذه الحقيقة الساطعة لا تأبه لها بأي وجه آرندت، رغم استحضارها بشكل عابر، وفي أقل من سطرين، بأن تاريخ الاستعمار يقدم لنا نماذج بارزة عن محاولات إبادة شعوب بـكاملها [55]. هذا ما جعل آرندت تعمى عن رؤية الإبادة والتهجير الذي كان يتعرض له الشعب الذي أجريت محاكمة آيخمان فوق أراضيه، التي استعمرت وسرقت منه من طرف اليهود، الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على العدالة بإجراءهم لمحاكمة مجرم حرب، محاكمة تصفها أرندت نفسها بأنها ليست سوى مسرحية هزلية [56].
بالتالي، فــإغفال علاقة الاستعمار بـالإبادة عن عمد، بالإضافة إلى المفاضلة الدينية والعرقية والقومية اتجاه الشعوب التي تتعرض للإبادة، هي ما جعلت الغربيين، أوربيين كانوا، أو أمريكان، يمرون مرور الكرام على ذبح الغجر في الأمس. وذات الأمر ما يجعلهم اليوم ينخرطون بكل وقاحة وبربرية في إبادة شعب كامل، بشكل معلن ومصور في تفاصيله، وذلك باعتيادية وتفاهة في القتل والتجزير لم يشهد التاريخ مثيلا لها. ما يفرق إبادة اليوم عن إبادة الأمس هو أمر واحد، محرقة اليهود عقدت لها محاكمات ونفذت الأحكام في القتلة الذين سهروا على تنفيذها. غير أن الإبادة عادت لتمارس في حق شعب آخر، دون معاودة محاكمة القتلة، أحفاذ أيخمان الجدد، ولا قدرة على تنفيذ الأحكام، حتى لو نظمت محاكمات غيابية وشبه صورية للقتلة. في تعبير عن انتصار منطق الهمجية مرة أخرى على منطق الحضارة، كما حدث منذ الأزل، وهو عار لا تزداد البشرية إلا غرقا فيه، بما في ذلك مفكروها وفلاسفتها.
________________________________________________
المصادر:
[1]- أدولف هتلر، كفاحي، ترجمة لويس الحاج، (بيروت: دار بيسان، 1963)، ص 8، 353-356.
[2]- يوجد جدل بشأن أرقام ضحايا الهولوكوست من اليهود، بعضهم يضخمه إلى 7 ملايين، والبعض الآخر لا يتجاوزون به حدود 6 ملايين. يكفي هنا تقديم أشهر تحقيقين علميين في هذا الصدد، الأول يعود لـلمؤرخ النمساوي راوول هيلبرغ في كتابه “محق يهود أوربا” (1961)، الذي انتهى إلى أن عدد الضحايا اليهود لا يتجاوز 5.1 مليون ضحية. من جهة أخرى، قد تتبعت المؤرخة الأمريكية لوسي داودوفيتش في كتابها “الحرب على اليهود” (1975) بكثير من التفصيل والتدقيق في قوائم المهجرين والمُبَادين، عبر سجلات ولادتهم، وتذاكر القطارات التي أقلتهم صوب المعسكرات، بالإضافة إلى تقارير ضُباط الـSS وغيرها من الوثائق، وانتهت إلى أن عدد الضحايا من اليهود فقط، قد بلغ بالضبط 5.933.900 قتيل. في الخلاصة عدد الضحايا لا يتجاوز 6 ملايين، وهو رقم مرعب. راجع:
Raul Hilberg (1961). The Destruction of the European Jews, New York: Quadrangle Books & Yale University Press.
Lucy Dawidowicz (1975). The War Against the Jews 1933-1945, New York: Congress press.
[3]- هذا تقرير فلسفي رائع عن كُتب ألفها بعض المثقفين الإسرائليين ضد آرندت وكتابها هذا، وهو بعنوان “لماذا لا يزال كتاب حنة أرندت “تفاهة الشر” يثير غضب الإسرائيليين؟“، (Why Does Hannah Arendt’s ‘Banality of Evil’ Still Anger Israelis ?) في صحيفة HAARETZ، على الرابط: [https://rb.gy/tar4sr]
[4]- Jürgen Habermas, (1988). Le discours philosophique de la modernité: douze conférences, Paris: Gallimard, p. 17.
[5]- هتلر، كفاحي، ص 162.
[6]- كارين آرمرسترونع، حقول الدم: الدين و تاريخ العنف، ترجمة أسامة غاوجي، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2016)، ص 320.
[7]- John M. Robertson, A Short History of Freethought, London, 1915, Vol 1, p 274.
[8]- حنة آرندت، آيخمان في القدس:تقرير حول تفاهة الشر، ترجمة نادرة السنوسي، (الجزائر: ابن النديم، 2014)، ص 109-111.
[9]- نفسه، ص 132-133.
[10]- نفسه، ص 118.
[11]- نفسه، ص 123.
[12]- نفسه، ص 119.
[13]- نفسه، ص 127 وما بعدها.
[14]- نفسه، ص 92.
[15]- نفسه، ص 162.
[16]- نفسه، ص 154.
[17]- كريستيان دو لاكومباني، تاريخ الفلسفة في القرن 20م، ترجمة حسن احجيج، (الرباط: مؤمنون بلا حدود، جداول للنشر والترجمة والتوزيع، 2015)، ص 192.
[18]- انظر، «خيلمنو»، موسوعة الهولوكوست، على الرابط: [https://shorturl.at/by6i5]
[19]- آرندت، آيخمان في القدس، ص 162.
[20]- نيتشه، إنساني مفرط في إنسانيته:الكتاب الأول، ترجمة علي مصباح، (بيروت: منشورات الجمل، 2014)، ط2، ص 112.
[21]- نيتشه، هذا هو الانسان، ترجمة علي مصباح، (بيروت: منشورات الجمل، 2006)، ط2، ص 154.
[22]- نيتشه، ما وراء الخير والشر:توطئة لفلسفة مستقبلية، ترجمة علي مصباح، (بيروت: منشورات الجمل، 2018)، ص 40.
[23]- نيتشه، نقيض المسيح، ترجمة علي مصباح، (بيروت: منشورات الجمل، 2011)، ص 27.
[24]- نيتشه، هذا هو الإنسان، ص 162.
[25]- نفسه، ص 26.
[26]- نيتشه، نقيض المسيح، ص 30.
[27]- نيتشه، هذا هو الانسان، ص 108.
[28]- نيتشه، ما وراء الخير والشر، ج1، ص 40.
[29]- دو لاكومباني، تاريخ الفلسفة في القرن 20م، ص 183.
[30]- نيتشه، أفول الأصنام، ترجمة محمد ناجي وحسان بورقية، (الدار البيضاء: افريقيا الشرق، 1996)، ص 63.
[31]- نيتشه، هذا هو الانسان، ص 155.
[32]- نيتشه، شوبنهاور مربيا، ترجمة قحطان جاسم، (الجزائر: ضفاف والاختلاف، 2016)، ص 19.
[33]- نفسه، ص 28.
[34]- نيتشه، هذا هو الانسان، ص 154.
[35] – Friedrich Nietzsche, Also sprach Zarathustra. Stuttgart: Philipp Reclam Jun, 1991, S. 246.
[36]- نيتشه، العلم المرح، ترجمة محمد الناجي وحسان بورقية، (الدار البيضاء: افريقيا الشرق، 2011)، الشذرة 343، ص 204.
[37]- نفسه، نفس الصفحة.
[38]- نفسه، ذات الصفحة.
[39]- نيتشه، إرادة القوة: محاولة لقلب كل القيم، ترجمة محمد الناجي، (الدار البيضاء: افريقيا الشرق، 2011)، ص 360.
[40] – Martin Heidegger, «Dépassement de la métaphysique», repris dans: Essais et Conférences, Paris: Gallimard, 1990, p. 82.
[41]- دو لاكومباني، تاريخ الفلسفة في القرن 20م، ص 176.
[42]- هايدغر، الوجود والزمان، ترجمة فتحي المسكيني، (بيروت: دار الكتاب الجديد، 2012)، ص 49.
[43]- هايدغر، في الشيء الذي يخص التفكير، ترجمة وعد الرخية، (دمشق: دار تكوين، 2018)، ص 86.
[44]- جون غروندان، المنعطف الهيرمينوطيقي للفينومينولوجيا، ترجمة عمر مهيبل، (الجزائر : منشورات الاختلاف، دار العلوم ناشرون، 2007)، ص 110.
[45] – Max Weber, (1963). Le savant et le politique. Paris : Plon, p. 89-90.
[46] – Max Weber, (1978). Economy and Society: An Outline interpretive Sociology. London & California: University of California Press, p. 988.
[47] – Herbert Marcuse, (1968). L’homme unidimensionel. Paris: Minuit, p. 169, 170, 130.
[48] – Georg Lukács, ([1923] 2001). Histoire et Conscience de Classe: Essais de dialectique marxiste. Paris: Payot. & Max Horkheimer, Theodor Adorno, (1992). Dialectic of Enlightenment. London: Verso, p. 126-127, 144.
[49]- آرندت، آيخمان في القدس، ص 86-87-90-93.
[50]- نفسه، ص 187.
[51]- نفسه، ص 322.
[52]- نيتشه، هذا هو الانسان، ص 154.
[53]- Teodor Adorno, (1978). Dialectique négative. Paris : Payot, p. 68.
[54]- Ibid., p. 287.
[55]- آرندت، آيخمان في القدس، ص 359.
[56]- نفسه، ص 338.
إعلان