هل تحلم الحيوانات؟ (مترجم)
ربما تساءلت يومًا وأنت تشاهد كلبًا نائمًا ما إذا كانت الحيوانات تحلم هي الأخرى؟ في الواقع إنه سؤال معقد… فمازلنا حتى الآن لانعرف على وجه الدقة لماذا يحلُم البشر؟ أو لماذا قد تكون الأحلام مهمة؟ فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بدراسة أحلام الحيوانات! فالحيوانات كالكلاب مثلًا لايمكنها أن تخبرنا ما الذي يجعلها تئن أحيانًا، أو تكاد تركض أثناء غفوتها.
والحقيقة أن أحلام الحيوانات قد يكون لها آثار مثيرة جدًا! يقول «ديفيد. إم. بينا جوزمان-David M. Pena Guzman» الذي يدرس فلسفة العلوم في جامعة ولاية سان فرانسيسكو، كما قام مؤخرًا بتأليف كتاب «متى تحلم الحيوانات: العالم الخفي لوعي الحيوان-When Animals Dream: The Hidden World of Animal Consciousness»: «أعتقد أن الحلُم يمنحنا طريقة لتوسيع عدد من القدرات المعرفية للحيوانات، تتضمن العديد من الجوانب مثل المشاعر، والذاكرة، بل وحتى الخيال» إننا نعلم أن الحيوانات الرئيسة لديها انفعالات ، لكن الدراسات الحديثة تشير أيضًا إلى أن العناكب على سبيل المثال ربما لديها ظاهرة «حركة العين السريعة – REM»* أثناء النوم، بل ولديها أيضا أحلام مرئية. إنها تبدو فكرة غريبة أن تكون للعناكب أحلام، ومع ذلك فمن المحتمل أن يكون ذلك حقيقياً!
يقول «ماثيو ويلسون-Matthew Wilson»، عالِم الأعصاب في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا-MIT»: «إن الفكرة التي لدينا عن الأحلام هي أنها عبارة عن سرد لرؤى وأحداث مُختَلَقة تحمل مزيجا من العناصر الجنونية والواضحة. ولكن حينما نقوم بدراسة نماذج الحيوانات فإننا نحاول فهم ما الذي يحدث بالضبط أثناء نومها بما قد يؤثر على التعلم والذاكرة والسلوك»
?ما تحلم به القطط:
كانت القطط المنزلية من أوائل الحيوانات التي خضعت للأبحاث حول الأحلام. حيث قدم رائد دراسات النوم «ميشيل جوفيت-Michel Jouvet» دليلًا في ستينيات القرن الماضي على أن القطط تحلم حين قام برصد سلوك القطط أثناء النوم، فخلال حدوث حركة العين السريعة أثناء الحلم لاتتحرك عضلات الإنسان كثيرًا بالرغم من النشاط العقلي المكثف الذي يحفز أحلامنا، تلك الحالة من السكون تضمن ألا تقوم أجسادنا بتجسيد مانراه في أحلامنا مهما بدت حقيقية، ومن خلال دراسة «جوفيت» للقطط اكتشف أن هناك مايسمى الجسر في بنية جذع الدماغ وهو المسؤول عن تنظيم حركة العين السريعة، تقوم بإحداث شللًا جزئيًا خلال الحلم. ثم قام جوفيت بإزالة أجزاء من هذا الجسر، وهنا حدث تغير ضخم وجذري في السلوك. حيث بدأت القطط في التحرك خلال النوم كما لو كانت متيقظة -أثناء حدوث حركة العين السريعة- و تأتي بحركات كالصيد والقفز، وحركات عدوانية كما لو كانت تدافع عن نفسها ضد تهديد غير مرئي!
وقد أطلق جوفيت على تلك الفترة خلال النوم إسم «النوم المتناقض»، حيث يكون الجسد ساكنا بينما العقل مفعم بنشاط كامل. وقد قدم ذلك البحث نافذة على مايحدث في أدمغة القطط أثناء النوم.
?الفئران تستدعي ذكريات المتاهة:
أظهرت الأبحاث التي أجريت على الفئران عند وضعها في متاهة تركض عبرها خلال اليوم أنّها تعيد الكَرّة من جديد أثناء نومها، فحين يكون الفأر متيقظا يقوم «قُرَين آمون-Hippocampus» وهو جزء من الدماغ مسؤول عن تكوين الذكريات وتخزينها بتسجيل نمط مسار الخلايا العصبية أثناء دورانه في المتاهة، وعندما ينام الفأر يبدأ الدماغ في إعادة إنتاج نمط مطابق، ويمر الفأر بتجربة المتاهة من جديد ولكن خلال نومه.. هذه النتيجة التي تم التوصّل إليها عام 2001م كانت واحدة من أولى النتائج البحثية التي أظهرت أن الحيوانات لديها أحلام مركبة.
لكن هذه النتائج كانت مجرد البداية للمزيد من الأبحاث، ثم الاكتشافات، ذلك وفقا ل«ويلسون-Wilson» المؤلف المشارك وعالم الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي قال أيضًا: «لقد أجرينا دراسات أخرى أفادت نتائجها بأن الطريقة التي يتم بها استدعاء الخبرات السابقة أثناء النوم ربما هي مشابهة لما نشهده كأحلام»
كذلك أظهرت دراسات دماغ الفئران أن الفئران حين تستدعي ذكريات المتاهة خلال النوم فإن الصور المرئية المصاحبة لها تنشط هي الأخرى، مما يعني أن القوارض رأت في نومها ما رأته بالفعل في المتاهة خلال يقظتها، وهو الأمر ذاته بالنسبة للذكريات السمعية والعاطفية حيث تنشط من جديد حين يعود الفأر إلى المتاهة خلال فترة حركة العين السريعة أثناء النوم.
يقول ويلسون: «تشير الكثير من المؤشرات إلى أن الخبرات المعاشة خلال اليقظة يعاد إنتاجها على نطاق واسع خلال النوم، فإذا أردنا تسمية ذلك (أحلام) فلابأس أبدًا. المهم هنا هو: إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يعنيه هذا؟»
?عصافير الزيبرا تتذكر الأغاني:
على الرغم من أنها مشهورة بشدوها فإنها لم تولد بتلك القدرة، بل تكتسبها من خلال الاستماع والممارسة وربما بالأحلام!
في عام 2000م توصل الباحثون إلى أن الخلايا العصبية في مقدمة دماغ الطيور تتخذ نمطًا مميزًا أثناء تغريدها. و أثناء النوم تقوم أدمغتها بإعادة إنتاج نفس هذا النمط وإعادة تكرار الأغنية ذاها التي سمعوها وقاموا بشدوها في نفس اليوم، وبالتالي فإن الطيور تتذكر الغناء وتمارسه خلال نومها. إذًا يرى مؤلفو الدراسة أن الطيور المغردة تحلم بالتغريد، ولكن هل تلك الطيور تسترجع تجارب اليقظة في أحلامها تلك أم أن تغريدها في الأحلام يمثل نوعًا من الخوارزميات تعمل في اللاوعي؟. ربما يستطيع العلماء الإجابة عن هذا السؤال قريباً.
وبعد عقدين من الأبحاث باتت العصافير أول كائنات غير ثديية يكتشف العلماء أن لها بنية نوم مماثلة لبنية البشر، بما في ذلك فترة حركة النوم السريعة، كما كشفت الأبحاث الحديثة أن الطيور تقوم بتحريك عضلاتها الصوتية لتتناسب مع النغمات الموسيقية في أدمغتها أيضًا، وقد تقوم بأداء التغريد الذي يتردد في أحلامها خلال نومها.
إضافة إلى ذلك اكتشف العلماء أن الطيور النائمة تنتج تنوّعًا في تغريداتها، بمعنى أنها تقوم بجمع المعلومات الحسية -التغريدات- أثناء فترة يقظتها، ثم تعيد خلق تنويعات تكيفية في تلك التغريدات عن طريق ارتجال نسخة جديدة منها لتعزيز التعلم خلال حالة شبه الحلم تلك أثناء نومها.
? النوم العميق للأسماك:
يقول عالم الأحياء العصبية في جامعة ستانفورد «فيليب مورين-Philipe Mourrain»: إن أسماك الزيبرا «Zebrafish» كذلك تمر بفترة حركة العين السريعة، فخلال نومها ترتخي عضلات تلك الأسماك وتضطرب دقاتل قلبها، وتُظهر أدمغتها نشاطًا شبيهًا بنشاطها أثناء اليقظة، وكانت أحد الاختلافات الملحوظة التي اكتشفها العلماء بين هذه الأسماك وبين البشر، وإن لم تكن بينها وبين جميع الحيوانات الأخرى، هي أن الأسماك لاتحرك عينيها أثناء النوم.
وتشير النتائج إلى أن فترة نوم حركة العين السريعة -وهي الفترة التي تحدث فيها معظم الأحلام- ربما تطورت منذ أربعمئة وخمسين مليون عام على الأقل -قبل أن تنفصل وتتباعد الحيوانات البرية والمائية عبر مسارات التطور.
يقول «مورين»: «قبل حوالي عشرين عامًا كان الناس يقولون أن الأسماك لاتنام من الأساس… الآن نرى أن تلك السمات السلوكية -الخاصة بالنوم والأحلام- محفوظة في الكائنات الحية من الحشرات إلى العناكب والفقاريات، وخلال نوم حركة العين السريعة تفقد الكائنات السيطرة على أكثر الأنظمة حيوية داخلها، وما كان التطور ليبقي على تلك الحالة شديدة الحساسية إن لم تكن ذات أهمية».
ولكن ما الذي يجعل الحلم مهما هكذا؟
وهل يعني الحفاظ على نوم حركة العين السريعة عبر مسار التطور أن حتى الأسماك قد تحلم ؟
تعتمد إجابة هذه الأسئلة على تعريف الحلم، وفقًا لمورين فإن أفضل تفسير للحلم هو ببساطة خلط نقاط الاشتباك العصبي، أو بكلمات أخرى، إعادة ضبط الاتصالات العصبية لتهيئة نظامنا العصبي لليوم التالي من خلال عمليات مثل تقوية الذاكرة وتحسين الإدراك.
«لن أتفاجأ..» يقول مورين «إذا تم إكتشاف وجود أحلام فعلية لدى الحيوانات، وأعتقد أننا سنتمكن في النهاية من إثبات ذلك علمياً»«ربما تفعل شيئاً ما في يقظتك، ثم خلال النوم يقوم عقلك بإعادة عرضه، ودمجه وخلطه بخبرات أخرى. لكننا لسنا النوع الوحيد القادر على التذكّر والتعلّم».
ملاحظة من المترجم:
*نوم حركة العين السريعة Rapid Eye Movement Sleep: مرحلة من مراحل النوم تتميز بحركة العين السريعة، تحتل من 20 إلى 25٪ من فترة النوم الكلية، وتتضمن معظم الأحلام. ويمر الإنسان غالبا بأربع إلى خمس فترات من نوم حركة العين السريعة في الليلة.