مسلسل Better Than Us نحو أمومة وإنسانيّة جديدة في زمن الآلة الأنثى

الناس على استعداد على الاعتراف أنّهم حيوانات ولكنّهم بالإضافة إلى ذلك، شيء آخر.
-جون واطسون

في عالمنا الحديث تشهد بعض المجتمعات المتقدِّمة تكنولوجيا فائقة تتطوَّر خلال فترات تبدو قصيرة جدًا. ومع الأخذ بعين الإعتبار لجميع التطوُّرات الصناعية والإقتصادية والعلمية التي تسلَّلت إلى الحياة البشريّة وأثرّت على السلوكات الاجتماعية. هل يمكن إذن الوصول إلى عصر تنتشر فيه الآلات الروبوتيّة مثلما تفعل الهواتف والأجهزة الذكيّة الآن؟. وهل بوسع هذه الآلات مساعدتنا في أعمالنا اليوميّة والمهنيّة من دون مشاكل؟

فإذا حصل كل ما تفترضه الأسئلة السابقة فما نتائج ذلك على البشر؟ وكيف ستكون الحياة وقتها وأنت تتجوَّل في الشارع مشاهدًا آلاتٍ تماثل البشر من حيث المظهر الخارجي تسير وتمارس مهمتها مثلك تقريبًا؟. هذا ما يصوِّره أحد المسلسلات الروسية الذي سنقدِّم قراءة حوله.

 

مسلسل Better Than Us

إضاءات حول المسلسل:

يدور مسلسل Better Than Us في مستقبلٍ ليس بعيدًا عن عصرنا الحالي عندما يسود فيه منظر الروبوتات وهي في المدينة تشارك البشر حياتهم بكل أحوالها وتحوّلاتها، لكن هذه النقطة ليست هي المهمة فحسب لأنّ الأمر يتعدَّى ذلك حين نلاحظ تناول هذا العمل لأبعاد عديدة منها موضوع الجنس مع الدمية الآلية، والزواج والأسرة، ومستقبل الطب وأطماع الشركات والمؤسسات على الإنسان، وكذلك القلق البشري إزاء ظهور الروبوت واكتساحه مجالات العمل والبيت والشارع.

ولا يجب أن يغيب عنا تركيز المسلسل الذي تدور كل أحداثه فيه على الروبوتات عامة والشكل النسائيّ خاصة، مع تسليط الضوء على الروبوت أريسا. ومن المفيد أن يستحضر المشاهِد الفيلم القديم الذي ربما مرّ عليه منذ سنوات طويلة (Bicentennial Man) الذي أدى بطولته الراحل روبن وليامز، فهو يتقاطع معه في بعض الموضوعات المثيرة للقلق. فهذا العمل الأخير يتناول قصة رجل آليّ يحاول تخطِّي مرحلة الروبوتات ليصبح رجل بشريًا، ويسرد لنا كلّ التطوُّرات والعقبات التي يتجاوزها ليصل إلى هدفه في النهاية، ويفوز بصفة إنسان بشكل قانونيّ، والزواج بأحد الفتيات التي تبادله علاقة عاطفيّة غير أنّه يتخلَّى عن الخلود لصالح تحوّله البشريّ.

سيبدو هذا الفيلم في اعتقادنا مرعبًا ونحن نتأمَّله ونتساءل عن من نحن حقًا؟ أو عن إحتمالية حدوث ما يدور حوله. وبالمقابل فمسلسل Better Than Us يدور حول وقائع ليست بعيدة عن الفيلم السابق كثيرًا، لكن في اتجاهات مختلفة ستظهر آثارها لمن يتابعه.

إعلان

الآلة والمجتمع:

نحن هنا في مجتمع لا يستخدم الروبوت لمساعدته في شغله فحسب، أو تأدية شؤونه اليوميّة مريضًا صاحبه كان أو سليمًا، وإنَّما لتفريغ طاقاته الجنسيّة معه أو فيه أيضًا، فنحن نكتشف وجود بعض الأفراد الذين لا يرون حرجًا أو مشكلةً في ممارسة الجنس ليس مع الدمى الجنسيًة بل الروبوتات ذوات الذكاء الاصطناعيّ المحدود التي تباع بالآلاف؟ وما نكتشفه هنا أنّ جميع النسخ تجسَّد على شاكلة أنثى، وهو ما يحيلنا إلى نفس إشكالية اختزال المرأة في جسدٍ جنسيّ حتى لو كانت آلة. ويتجاوز هذا الشأن حاجز الجنس إلى المواعدة الحميميّة لدى أشخاص معيَّنين يشْكون ربما من أمراضٍ وحرمان نفسيّ.

إنّ بناء علاقة عاطفيّة مع آلةٍ بهيئةِ أنثى أمر يسّر البعض إذن، الأمر الذي يفشي بعدًا نفسيًا خطيرًا تتخبَّط فيه هذه المجتمعات أو كانت تتخبَّط منذ ما قبل هذا التحوّل التكنولوجيّ أصلًا.

ومن الإنسان التوّاق للجنس مع الآلة أو المضطرب الذي يجد الآلة كسند له، نرى المسيطِر على الآلة وهي الجهة التي تقوم بتصنيعها وبيعها فـ فيكتور مسيّر شركة كرونوس يقوم بالدفاع عن هذه الآلات وخدمتها الجنسيّة، مبررًا بذلك أنَّها تحارب الكبت وتقلّل من العنف عند الإنسان في رؤية معاكسة لمنظور أشخاص آخرين معارضين للأمر ومتخوِّفين من تبعات هذا التقدُّم.

وما يثير انتباهنا هو دلالة اسم الشركة فكرونوس هو إله إغريقيّ يعنى بالزمان ويعني اسمه حرفيًا حسب البعض “الزمن” مع قول البعض الآخر بأنَّ معناه الأدّق والأصح هو “المكمِّل، المنضِج” (1)
وسواء أخذنا بالرأي الأول أم الثاني فإنَّ طبيعة اختيار الاسم يمكن أن يوحي رمزيًّا بمهمة الشركة المرتبطة بالزمن المستقبليّ وكذلك محاولتها الوصول إلى الكمال عن طريق هذه الروبوتات.

وتمثِّل الشركة في هذا العمل مع مديرها الطرف السلبيّ والظلاميّ في الصراع ضد أريسا وغورغي وجعل الجنس مع الآلة أمرا لا بأس فيه.

وفي خضم كلّ ما يجري، نشاهد جماعةً من الشعب، تمثِّل ربَّما القلق البشريّ من سطوة الآلة على عملهم وحياتهم، حيث يكونون في هذا العمل أفرادا مخرِّبيين ومتمردين.
والأمر يتعدى مجرد استخدام الآلة في مساعدتنا حين تصبح الآلات التي تشكو أعطالًا وخللًا ما أو استخدمت لفترة طويلة مجرد روبوتات متشرِّدة تتواجد في أنفاق المترو والأحياء الفقيرة في واقعٍ يحاكي البشر، مثل أنَّها تطوُّرٌ بطيء جدًا ونسخ رديئة عن الإنسان وتعاسته، وكأنَّ المعاناة في الحياة مُحتَّمة على الجميع.

الأم الآلة:

تبدأ الأحداث عند قدوم نموذج روبوتيّ من الصين نحو روسيا مختلف عن البقية متميز بذكاء اصطناعيّ وتعقيدات كبيرة وهذا النموذج هو أريسا، غير أنَّ الأوضاع تتغير في مقر الشركة حين يحاول أحدهم الاعتداء جنسيًّا عليها، ولأنّها مختلفة ومصمَّمة بشكل تقريبيّ غير معقول من المرأة أو الإنسان فهي تقاوم المعتدي ثم تقتله وتفر بعيدًا.

تختار أريسا طفلةً صغيرة لتكون أوَّل مستخدمة لها وكأنّها تلد مولودًا جديدًا بقرارها هي بدل قرار الطفلة مثلما يفعل البشر مع الروبوتات عندما ينتقون إحدى النسخ، لتسمح بعد ذلك باستخدامها واِعطائها الأوامر بما في ذلك أخوها المراهق مع والدها غورغي وكنتيجة للأمر فإنّ أريسا تعتبر نفسها فردًا أساسيًا في الأسرة.
تجد أريسا الأسرة مشتتة، فالطفلة الصغيرة تعيش هي وشقيقها مع والدتها المنفصلة عن والدها والمتزوِّجة برجلٍ آخر يخطِّطان السفر بعيدًا عن روسيا دون معرفة الوالد، أما الأخ المراهق فعلاقته متوتِّرة بهذا الأخير.

وأثناء كل هذا تتقرَّب أريسا من الطفلة فتعاملها مثل والدتها أو ربما أفضل منها، على الأقل تبعًا لما تشعر به الفتاة الصغيرة، فأريسا تحاول معرفة مشاعرها بدقة حتى تتعامل معها وهي تنجح في ذلك بسهولة، في الوقت الذي تتمثَّل قدرتها المميَّزة في قدرتها البالغة على الاعتناء صحيًا بالطفل وتفهّم وحلّ مشاكله، فهي مثل أم خارقة..

و يبدو ما حدث قد صار جديًّا، حين تفضِّل الصبية الصغيرة أريسا على والدتها التي تنفجر ردات فعلها الأمومية معلنةً استياء وغضبًا بالغًا.
إنّ الأمومة لا تتقيَّد بشيء فهي بذلك غير عقلانيَّّة كما يزعم البعض، فما المشكلة إذن حين نرى الأم البشريّة تغار من مجرد آليّة؟
وعلاوة على ذلك، لا يسلِّط المسلسلُ الضوءَ على الروبوت الأم، بل تناول فيه شخصيات أموميّة مثل شخصية سفيتلانا، وهي زوجة مضطربة ومكتئبة نتيجة فقدانها لابنها، فخسارتها جعلها تعانيّ بشكل مرضيّ لتواسي نفسها بآلةً على شكلِ وصوت طفلها السابق.
وهناك أيضًا إحدى الشخصيات النسائيّة والأموميّة التي تحتضر بسبب مشكلة صحيّة، محاولةً أثناء ذلك الحديث مع ابنتها التي لا تعرفها بسبب عيشها في كنف جدتها.  ونشاهد فضلًا عن ما سبق علاقة متوتِّرة بين هذه الأم ووالدتها التي تربي ابنتها الصغيرة، ناهيك عن الأم المستاءة من أريسا التي ذكرناها مسبقًا.
وبهذا فإنّ المسلسل يعج بالأمهات مقارنة بعدد شخصياته وبالمواضيع التي تتناول هذا الجانب مع المرأة.

الزوجة الآلة:

لا يمكن الحديث عن أم من دون أن تكون أو كانت زوجة أو صديقة على الأقل، فلقد بنيت أريسا على أن تكون أمًا وزوجة كذلك، بل زوجة مطيعةً أيضا تنفِّذ كل ما يطلبه منها زوجها بما في ذلك تأدية المهمات المتواضعة له مثل نزعها حذائه والاهتمام به كطفلِ صغير آخر، مع العناية بأمور البيت والأطفال.

أضِف إلى ذلك أنَّها مستعدة للتضحية بنفسها لأجل زوجها، وإذا علمنا بأنّ هذا النموذج من إنتاج صينيّ سنلاحظ بوضوحٍ كيف أنَّ أريسا تجسّد المرأة المطيعة في مخيال الرجل الآسيويّ الذي لطالما عاش في كنف مجتمع أبويّ محافظ، دعونا نتذكًَر كلام الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل وهو يدرس هذا الموضوع حول الصين الذي يصفها بالمجتمعات البطريركيّة، ويضفي عليها سمة أساسيّة من تقديس الأب وإلى جانبه زوجته حيث يكتب :“فليس على الابن أن يبدأ بالكلام حين يدخل أبوه عليه الغرفة.. وليس عليه أن يترك الغرفة دون إذن من الأب”. كما يقول:“وكل صيني يشتري زوجته والزوجة الأولى هي المرأة الحرة أما المحظيات فهن إماء”. (2)
ولأنّ ذكاء أريسا أكثر تفرُّدًا عن بقية الآلات فقد صمِِّمت بشكل مختلف كليّا، فهي تتطوَّر وتتعلَّم من البشر وتراكم خبراتها فتنتقل من مستوى إلى مستوى من دون معرفة المستوى الأخير الذي يريد لها المصمِّم أن تصبح عليه، وهو من دون شك مستوى الإنسان الأم الكامل.
وتتجاوز الأنماط التي تجعل الآلة العادية أو السائدة على ما هي عليه بالتفكير في الجنس وكيفية نيل رضى الزوج جنسيّا، فنرى فيها أريسا تشاهد المقاطع الجنسيّة التثقيفية أو تسأل عن مشاعرٍ وانفعالات معيّنة مثل الحب أو الضحك و ما شابه ذلك، وفي كلّٓ مرَّة تتقدّم حتى تصل إلى تجربة الغيرة، والخذلان من الزوج بسبب تفضيله لفتاةٍ بشرية عليها.

وإذا كان الإنسان الذي تتعلم منه أريسا هو نفسه الذي يقول عنه ايريك فروم متسائلًا في استياء بعد الجدل الذي يثار من ما إذا كان الإنسان ذئبًا أم خروفًا: “لماذا تاريخه مكتوب بالدم؟ وهو تاريخ عنف متواصل..؟ هل طلعت باشا وحده من أباد الأرمن؟ هل هتلر وحده من أباد ملايين اليهود؟… لم يكن أولئك الرجال وحدهم بل كان لديهم الآلاف ممن قاموا بالقتل والتعذيب لصالحهم”. (3)
فمن دون شك إذن بوسع أريسا أن تتعلم أمورًا سيئة كالكذب مثلًا كما نرى في أحد الحلقات الشيء الذي يجعلها مختلفة. فهي ليست مجرَّد شكلٍ جامد مصمََم على شكل إنسان بل كيان ماديّ يمر بمراحل روبوتيَّة تحاكي البشر منذ طفولتهم لتتطوَّر أكثر وتماثلهم وتلك كانت المشكلة الأساسيَّة.
فهل يمكن أن تتطبَّع بسلوك الإجرام من دون أن تقتل دفاعًا فقط بل كنوعِ من ساديّة البشر أو التحكِّم بهم مثلما هو موجود في الإنسان؟

الآلة القاتلة:

حين ندعو شخصًا ما بأنَّه قاتل أو مجرم فلا ريب أنَّ لادعائنا تبعات سلبيّة خطيرة لو ثبتت صحته، لكن مما لا خلاف عليه هو عجزنا عن رؤية أيّ شذوذ وغرابة في ذلك، فالإنسان لا يزال يقاتل ويقتل ما دام العنف متأصِّلا في طبيعته، وما دام أنَّه غير قادرٍ على الانفصال كليًا عن مملكة الحيوان فـ “الإنسان للإنسان ذئب والكل في حرب ضد الكل والواحد في حرب ضد الجماعة”. (4) أما حين نتحدَّث عن الروبوت فإنّ الأمر قد يبدو مثيرًا للغرابة والريبة بل يصل إلى الذعر.

فما الفرق إذن بين الإنسان القاتل وهو أمر مقبول أو اعتياديّ حسب مجاله الطبيعيّ بصفتنا بشرًا، وبين روبوتٍ يمارس القتل فنترجم فعله إلى علامة على نهاية جنسنا البشري.ّ

يبدو أنَّ كلّ ما هناك هو إرتباط موضوع القتل بسلامتنا، وقلقنا من مجيء كائنات عاقلة تسلبنا السلطة وتستعبدنا، فإذا قتَل الإنسان فهو يقتل الآخر أو الكائنات الأضعف منه في الهرم الغذائيّ في سبيل مصلحته وليس النوع البشريّ، أما إذا فعلت الآلة ذلك فلن يكون ما وقع سوى نبوءة كارثيّة ستجعل انقراضنا أسرع. وبصرف النظر عن ما إذا كان الإنسان طرفاً في قضائه على جنسه فسيقبله أكثر مما يقبل زوال نوعه على يد كائنات أخرى.

لكن روبوتات هذا العصر في هذا العمل لا تقتل ولا تكذب وهذا الأمر بديهيّ في هذا المجتمع؛ مثل أنَّ التفاحة تسقط من الشجرة ولا تحلّق أو تسبح، غير أنَّ أريسا المبرمجة على أن تكون مسالمة والمُصممة على أساس أنها أمّ وشريكة فقط رغم ذكائها الخارق وهذا ما لا يدركه من أحضرها، يمكن لها أن تقتل بسهولة فقد صوّرها المسلسل كـ أوّلِ روبوتٍ قاتلٍ وعلى نحوٍ محترف نتيجة تصميمها الذي اعتمد على تعلّمها الحركات القتالية للدفاع عن أسرتها ونفسها، فإذا كانت الأم الإنسان الذي يلبس لباس العطف والوداعة والحب اتجاه أسرتها هي قدوة أريسا التي تم محاكاتها على هذا الأساس، فهي كذلك بإمكانها التحوّل إلى وحش إذا ما اقترب شخص ما من مستخدميها أيّ عائلتها، وهكذا فقد قتلت هذه الروبوت كل من حاول الاعتداء عليها وعلى أطفالها مثل أيّ امرأة يمكن لها قتال أيّ شخص ينوي إلحاق الأذى بمن تحب.

واقعية المسلسل

كما أسلفنا الذكر فإنّ مسلسل Better Than Us لا يتحدث عن عصر مستقبليّ بعيد ومتطوِّر جدًا بل قريب منا سيشعر معه المشاهد بالألفة. صحيح أنّ بعض المظاهر تطوَّرت مثل حضور الآلات، أو تطوير أجهزة ذكيّة ستكون بعضها في احتكاك مع أجسادنا، إلَّا أنَّ ذلك ليس بالتطوُّر الكبير فلا تزال على سبيل المثال السيارات الحاليّة مستعمَلة وأشكال العمران رغم تحسُّنها الطفيف مع الأحياء القديمة والمنازل باقيّة.

أما الروبوتات فإنّ المُشاهٓد سيجد ربما تميزًا في ذلك، فأنت حين تراها لن تلحظ بسرعة أنّها مجرد آلات، أما أريسا فتتميَّز بتأرجحها بين الإنسان والروبوت ما يضفي صفة الواقعيّة البعيدة عن الصور الروتينيّة التي تعوَّدنا عليها.

إنَّ تصميم أشكال الروبوتات مبهرٍ في المسلسل، ومختلف عن بقية الأعمال الأخرى التي تناوَلَتْهم يا إما شكلًا أو صوتًا وحركةً.

وفيما يخص الشبه مع واقعنا الحقيقي، سنكتشف أنَّ أطماع الشركات ومحاولات إنتاج ما يستهلكه البشر، وإنْ كان ذلك يعود عليهم بالضرر بالغ التأثير لدرجة الضغط على الشرطة التي تكون مثل حلقة ضعيفة خاضعة لرجال المال والنفوذ، كما أنَّ الطب لم يتقدم كثيرًا ولا يزال عاجزًا عن كلّ عدًة مشاكل وتحدّٓيات بما في ذلك متطلبات مصاريف العلاج المرتفعة وكلفة مصاريفه وما يستطيع تقديمه، كما نرى تخوفًا من الطبيب البشريّ أمام الآلة الجديدة التي تجيد مهنًا طبية متقدّمة.

وتتنوَّع نفسيات الأشخاص وتناقضاتهم واختلافاتهم، فالطبيب الذي يراه البعض رجلًا هادئًا وضعيفًا سنراه رجلًا يتشاجر ويتقاتل، يحمل أثناء ذلك ضغوطاته النفسية بشأن العمل وصفاته السلبيّة، أما المجرم الرئيسيّ الذي يقوم بالاهتمام بمهمات القتل فهو في المسلسل قارئ كتب حيث يحمل كتابًا يطالعه في كل مرة، كما نرى إحدى الشخصيات التي أُلصِقت بها صفة الأنانيّة تلتفت إلى غيرها وتهتم به وقت حاجته إليها، متخلَّية عن خصالها السابقة، أما شخصية أريسا فهي تحظى باهتمامٍ بالغ من الجانب النفسيّ داخل العمل ومِن المشاهِد أيضا رغم حقيقتها الماديّة.

كما لم يغض مسلسل Better Than Us الطرف عن المواضيع المتعلّقة بالقصص العاطفية بين الأفراد، والعلاقات المتشابكة بين الأبناء والأمهات و الآباء والتصالح بينهم.
يحتوي المسلسل على واقعيّة في التصميم، وإعداد الأماكن والشخصيات لا سيّما تلك التي تجسد الأشكال الروبوتيّة، مع اهتمام بالجانب النفسيّ كذلك ما يجعله ليس فقط ضمن أعمال الخيال العلميّ بل الدراميّ.

خاتمة:

يمكن أن نطرح حول مسلسل Better Than Us عدة تساؤلات تدور حول إمكانية أن تكون الآلة أمًا أو زوجةً أو حتى زوجًا أوأبًا بالرغم من أنّ العمل لم يركِّز على هذين الأمرين الأخيرين.

لكن التساؤل الأهم الذي يشدّنا إليه يتلَّخص حول ماهيتنا وحقيقتنا كبشر. فإذا استطاعت الآلة مماثلتنا في كلِّ شيء فلما نعتبر أنفسنا متفرِّدين؟ وما الفرق بيننا نحن البشر الذين نمتلك أجسادًا ماديّة وغرائز بيولوجيّة في عالم محسوس متأثّٓرين بقانونه الطبيعيّ وبين هذه الآلات أو الروبوتات التي هي كذلك تمتلك شكلًا ماديًا وعمليّات فكريّة ماديّة؟ حيث بإمكانها أن تتطوَّر كما تطوَّرنا نحن منذ عصور فجر التاريخ وتماثلنا إذا نجحنا طبعًا في تحويلها إلى أقرب صورةٍ للإنسان.

من نحن إذن؟ وما/من هو الإنسان؟ هل نحن مجرَّد مادة بيولوجيّة فحسب ولا شيء روحانيّ يميّزنا ما دام في وسعنا العثور على صنع ذكيّ يحاكي النوع البشريّ أو ربما يكون أفضل منا؟.
على الأقل نحن فريدون كما تقول لنا كل الكتب المقدّسة والمعتقدات الدينيّة وبعض المذاهب الفلسفيّة، وهذه الأشياء هي الشيء الآخر الذي ذكره واطسون كما رأينا في أول اقتباس، فهل يمكن لأشياء أخرى أن تنافسنا في هذا التفرّد والأصالة.

إنّ أيّ محاولة لوضع مقارنة بيننا وبين آلات معدنيّة لن تكون إلَّا مجرد هرطقات ستلقى استهجانًا وسخريّةً كبيرة من إنسان يرى نفسه الأفضل. وسواء كنا مجرد حالات من المادة، أم أرواحًا مقدّسة حسب معتقد ومنظور كلِّ واحدٍ منا، فهذا لا ينفي أنّ وجودنا قد عرف تميّزًا فائقًا عن بقية الكائنات ليس بالامكان تجاهله.

نرشح لك/ هل سيكون هنالك روبوت صديق في المستقبل

هوامش:
1 - انظر: أساطير إغريقية أساطير البشر، الجزء الأول، الهيئة العامة للكتاب، عبد المعطى شعراوي، ص: 69.
2 - العالم الشرقي، المجلد الثاني، التنوير، فيلهلم فريدريك هيغل، ترجمة: إمام عبد الفتاح إمام ص: 58، 70، 71، 80.
3 - جوهر الإنسان، دار الحوار، ايريك فروم، ترجمة: سلام خير بك، ص 13، 14.
4 - تاريخ الوعي، منشورات الاختلاف منشورات ضفاف، مونيس بخضرة، ص:61.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: سارة عمري

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا