مختارنامه و القوى الناعمة

الفهرس
على مدار أسبوعين، لم يكن لى شغل إلا متابعة مسلسل المختار -بالفارسية مختارنامه ، _ سيرة المختار _؛ حتى انتهيت منه صباح اليوم ، دراما منسوجة ببراعة ليست بغريبة على الدراما الإيرانية العملاقة المنطلقة نحو العالمية باقتدار مذهل؛ معتمده على توازي الحكايات فى تناسق يأخذ اللب ويسرق الأنفاس معا ؛ ويصب فى المسار العام للأحداث حتى نصل للحظة الذروة بالانتصار على ابن مرجانة…
ثم تخف حدة الصراع بشكسبيرية ملفتة للغاية بأحداث مثل تخلى إبراهيم ابن مالك الاشتر عن المختار ، ومحاولات المهلب للإيقاع بين صفوف جيش المختار الآخذ بثأر الحسين عليه السلام ، وإحداث تفلت فى الجبهة الداخلية لمعسكر المختار ، ثم يعود الصراع لذروته ثانية بالغدر بكيان الفارسي وانصياعه للقدر المحتوم ؛ لنرتد للدراما اليونانية فى الصراع مع قوى غيبية حاقدة و حانقة على كل نبل مستطاع ، والتأكيد على فكرة الخلاص المسيحى ؛ الاستشهاد الإسلامى ، ثم أحداث هزيمة حروراء ، وانسحاب المختار
هنا يبدأ صراع إنساني من نوع آخر في حصار الزبيريين قلعة المختار ومنع الماء عنه وعن جيشه ؛ وانتظار مؤلم لنصرة جيش إبراهيم ابن البطل العلوي مالك بن الأشتر ، لتحكي بصمت بليغ عن علاقة حب وولع ملغزه بين البطلين الشهيرين فيها الكثير من المسكوت عنه، لتوقع المشاهد فى حيرة حقيقية
لعل نقطة الضعف الوحيدة في هذا البناء الدرامي المتماسك ؛ ذروة هذا الصراع الإنساني الشاعري الرائق كان قتل زوجة المختار عمرة بنت البشير بن المنذر في مشهد تمثيلى مقتدر بزاوية كاميرا مخرج عالمي حقا وموسيقى تصويرية مزلزلة على بساطتها الشديدة وفلاش باك على قافلة العشق الحسيني الكربلائية ؛ مشهد أم وهب النصراني وهى تلقي برأس وحيدها الشهيد فى وجه شمر اللعين، ليبدأ الخط الدرامى في الانحدار السريع نحو النهاية بوصية المختار لأمه دوما ، وتهريب ولده ثابت ليبقي على شعلة القيام، وخطبة المختار، وتخلى جيشه عنه ليتكرر مشهد علي والحسن ومسلم ابن عقيل ثم الحسين عليهم الصلاة والسلام ، في إصرار ملح على فكرة أن الدناءة دائما تهزم النبل، وأن الظلام ينتصر مع ابتسامة المختار لحاز رأسه وهو يحتضر على منبر سيدنا علي بن أبى طالب عليه الصلاة والسلام بالكوفه ..
يصرخ المختار فى وحدته وتفرده المتكرر بابتسامته البسيطة كما صرخ المسيح على صليبة من قبل ( وفق الرواية الإنجيلية ) ( آليا. .آليا. .لم شبقتني ) لتشق صرخته المدوية صمت الكون ولتلون دمائه التاريخ بلون المظلومية الساعية إلى الثأر من كل ماهو قبيح وظالم ومتدني، في صراع لا يمل على مدار التاريخ؛ لتثبت الدراما الإيرانية أن الفن قادر على دحر الابتذال والرخص المغازل الغرائز الجنسية الرخيصة والعنف المتعفن بضربة واحدة فقط.
إعلان
نشأة وحياة المختار
ولد المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عفرة بن عميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي بمدينة الطائف في السنة الأولى من الهجرة، لأبيه الصحابي أبي عبيد الثقفي قائد المسلمين في معركة الجسر، وقد أسلم أبوه في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم- وكان صحابياً ، ولأم من سادات العرب تدعى دومة بنت وهب بن عمر بن معتب، انتقل المختار مع والده إلى المدينة في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، واستشهد والده في أثناء معركة كبيرة مع الفرس من ضمن الفتوحات الإسلامية ، وكان عمر المختار ثلاث عشرة سنة آنذاك.
نشأ في المدينة متأثرًا بالإمام علي بن أبي طالب وأصبح من محبيه. عُرف عنه أنه كان فارسًا شجاعًا كأبيه الصحابي الفارس الجليل.
وشخصية المختار من الشخصيات التي يكثر حولها اللغط و الجدل ، ولكن من المعلوم تاريخيًا أنه قاد أكبر حملة ثأر منظم من قتلة الإمام الحسين ، فاستطاع قتل كل من قاتل أو شارك في جيش عبيد الله زياد بن أبيه ” ابن مرجانة” وعلى رأسهم عبيد الله بن زياد نفسه، وقواده وهم عمر بن سعد ، وشمر بن ذي الجوشن ، وحرملة بن كاهل الأسدي ، وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس الكندي ، وسنان بن أبي أنس، وخولي بن يزيد الأصبحي، والحصين بن نمير، واستطاع حكم الكوفة- تحت شعار يالثارات الحسين – لفترة ليست بالقصيرة مناهضا الدولة الأموية بدمشق، و الدولة الزبيرية بمكة، و عصابات الخوارج على تعددها ، حتى انقض عليه جيش الدولة الزبيرية بقيادة مصعب بن الزبير وقتل عام 67 من الهجرة، و دفن بالقرب من جامع الكوفة الكبير .
فريق مسلسل المختار ” مختارنامة “
المسلسل من إنتاج 2009 بطولة فريبرز عربنيا الذي يقوم بدور المختار بن أبي عبيد الله الثقفي ، فرهاد أصلاني ويقوم بدور عبيد الله بن زياد ، و مهدي فخيم زاده يشخص دور عمر بن سعد ، فريبا كوثري تقوم بدور عمره بنت بشير زوجة المختار ..و المسلسل من إخراج العالمي داود ميرباقري مواليد 1959
المسلسل على أربعين حلقة ، تستغرق الحلقة حوالي 45 دقيقة ، واستغرق إعداد و تصوير المسلسل عشر سنوات كاملة ، من إنتاج شركة سيما فيلم الإيرانية العامة ، ويذكرنا هذا بقطاع الأعمال الفني المصري ، و ما كان يقدمه من روائع لا يقدر عليها القطاع الخاص بحساباته التجارية الغالبة، المسيطرة على الغرض الفني و القيمي للعمل ، هل تذكرون مسلسل محمد علي باشا؟!، فبعدما تم الإعلان عنه ، ومع بداية إعداد معسكر التصوير، ومع أول تلويح بتهديد من المملكة العربية السعودية بعدم عرضه على قنواتها التابعة لها لاعتبارات تاريخية خاصة ، تم إغلاق المعسكر و النكوص الكلي عن المسلسل
الاعتبار التجاري و الربحي فقط لن ينتج فنا أصيلا مؤرقا بقضايا الفن الحقيقية ورسالته السامية لابد من عودة دور الدولة برعاية الفنون و الدراما و السينما على وجه الخصوص ، و إدراك ما فقد من قوى مصر الناعمة بتراجع دور الدولة، بل و انعدامه في مجال الإنتاج الفنى
حزين جدا لتراجع الدراما المصرية التاريخية منها على وجه الخصوص أمام الدراما الإيرانية و السورية ، و لا فرصة في تصدر الدراما والسينما المصرية إلا برجوع إنتاج الدولة واستعادة دورها في رعاية الفنون .
في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك
مقاربات شيطانية
مراجعة فيلم CREATION الوجه الآخر لداروين
Dead Man’s Letters رسالة سوڤيتيه للعالم عن قيم الإنسان الحديث
إعلان