لماذا تهبط أسعار صرف الدولار الأمريكي؟ العملة الأكثر قبولا عالميًا

ضعها في محفظتك وسوف تزيد ثقتك بنفسك

نصيحة قالها ذات مرَّة أحد خبراء التنمية البشرية متحدثًا عن المائة دولار، وهو مايثبت لنا الموقع الريادي الذي يحتلَّه الدولار الأمريكي في المعاملات النقدية والمالية الدولية على الرغم من التراجع النسبي لقوَّة الإقتصاد الأمريكي وفي القوة الشرائية للدولار نفسه.

حيث وكما هو ملاحظ مؤخرًا فقد إهتزت مكانة الدولار كعملة إحتياطية دولية، وذلك بسبب حدَّة التقلُّبات في أسعار صرفة أمام العملات الأخرى، مما أدى إلى ظهور العديد من المطالبات بالتخلِّي عنه وتقليل إحتياطات البنوك المركزية منة كغطاء نقدي لعملتها المحلَّية والبحث عن عملة إحتياطية جديدة تتسِّم بالاستقرار النسبي وتكون بديلة عن الدولار، وتُعتبَر الصين وروسيا من أكثر الدول التي تنادي بضرورة التخلِّي عن الدولار كعملة إحتياط للبنوك المركزية.

سنسلِّط الضوء على بدايات هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة الدولية، وعن أهم العوامل التي أدت الى تراجع أسعار صرفه وكيفية تأثير هذا التراجع على بقية دول العالم وأخيرًا سنعطي نظرةً عن مستقبل الدولار الأمريكي خلال الفترات المقبلة.

نبذة تاريخية عن بزوغ فجر الدولار الأمريكي وعن العوامل التي أدت الى اكتساب الدولار لهذا الموقع الهام في التجارة الدولية

على أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية عدَّت الولايات المتحدَّة الأمريكية الدولة الأقل تضرُّرّا من ويلات هاذين الحربين حيث كانت في وقتها أكثر تماسكًا من الناحية الاقتصادية فنتج عن ذلك زيادة الطلب الأوروبي من الدول التي أنهكتها هذه الحروب على السلع والمنتجات الأمريكية، الأمر الذي أدى بدوره إلى حدوثِ وفرة في الدولار تبعه حدوث ازدهار في الاقتصاد الأظريكي دون حدوث أيّ عوارض تضخُّمية خطيرة، ونتيجة لهذا قامت الولايات المتحدَّة بتوسيع إستثماراتها الخارجية مما كرَّس زيادة سيطرتها على الأسواق المالية العالمية واغتنام المزيد من الأرباح وذلك مقابل سياسة انتهجتها تمثَّلت بإلتزامها بتحويل فوائض الدولار إلى ذهب.

ولكن عندما بدأت معدلات تحويل الدولار إلى ذهب ترتفع لدى وزارة الخزانة الأمريكية، حدث إرتفاع كبير في أسعار الذهب نتيجة للمضاربات التي حصلت عليه مما استوجب الأمر تدخلًا سريعًا من قبل الدول الصناعية الرأسمالية، وتمخَّض عن هذا التدخُّل حدوث إتفاقية بريتون وودز وهو النظام الذي نشأ قبيل إنتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945م والذي كانت أهم قراراته إلتزام الولايات المتحدَّة بتحويل فوائض الدولار في الدول الرأسمالية إلى ذهب بسعر ثابت قُدِّر بـ (35) دولارًا للأونصة الواحدة من الذهب وهو الأمر الذي أدى الى حدوث استقرار في النظام النقدي العالمي، وإلى ازدهار الدولار مجددًا في ذلك الوقت.

إعلان

ولكن مع عدم إمكانية تحويل جميع الفوائض الدولارية التي بحوزة الجهات الرسمية الأجنبية إلى ذهب نتيجة لعدم وجود الكميات الكافية من هذا المورد، فهو مورد يتصِّف بالندرة النسبية في الكميات المتواجدة منه على الأرض، قامت الولايات المتحدَّة بسحب إلتزامها بتحويل فوائض الدولار إلى ذهب الأمر الذي أدى إلى سقوط إتفاقية بريتون وودز عام 1971م وإنتقال النظام النقدي من قاعدة الصرف بالذهب إلى قاعدة الصرف بالدولار. وما حصل كان بداية سيطرة الدولار الأمريكي على أوجه النشاط الاقتصادي لكافة دول العالم حيث أصبحت عملة الدولار تُستخدَم كغطاء نقدي لغالبية عملات الدول الأخرى بدلا عن الذهب، وبهذا فإنَّ غالبية دول العالم ربطت عملاتها بالدولار الأمريكي ومن هنا بدأت التبعية الإقتصادية للولايات المتحدَّة الأمريكية ولعملاتها الدولار.

أهم الأسباب التي أدت الى حدوث هبوط في أسعار صرف الدولار مؤخرًا

بالطبع كان هناك أثر واضح للعوامل البيئية التي ضربت الولايات المتحدَّة مؤخرًا، ولكن هذه العوارض غالبا ما تكون تأثيراتها طفيفة وقصيرة المدى بالمقارنة بالمؤشرات والبيانات التي تظهر حدوث ضعف في نمو الاقتصاد الأمريكي، ولعل السبب الأبرز لهذا التراجع يتمثل بالمشاكل السياسية التي يفتعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي كانت لها الأثر الأكبر على حدوث التذبذبات الحادة في أسعار صرف الدولار أمام بقية العملات الأخرى.

لكن يجدر بنا هنا الإشارة إلى أمرٍ إقتصادي مهم وهو أنَّ انخفاض أسعار الدولار لا يعني بالضرورة أنَّه أمر سلبي على الولايات المتحدَّة فمن الممكن أن تكون ظاهرة إنخفاض أسعار صرف الدولار وسيلة مقصودة لتعزيز القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية حيث أنَّ سياسة الدولار الضعيف هي جزء من آلية الضبط الضرورية التي ستعيد توازن النمو وتقلل من العجز التجاري في أمريكا.

كيف تتجاوب الإقتصادات العالمية مع هبوط أسعار صرف الدولار الأمريكي

هناك مقولة شهيرة تقول بأنه “إذا عطس الإقتصاد الأمريكي تصاب جميع الإقتصادات بالأنفلونزا” العكس لنا هذه المقولة مدى التبعية الاقتصادية للولايات المتحدَّة الأمريكية ولعملاتها الدولار فما يصيب الإقتصاد الأمريكي حتما ستظهر نتائجة على بقية دول العالم وبالذات التي ربطت عملاتها الوطنية بالدولار الأمريكي.

ففي الحالة التي تهبط فيها أسعار صرف الدولار الأمريكي فإن تأثيرات الدولار المنخفض ستمتد إلى إقتصادات الدول الأخرى، وهذه التأثيرات قد تكون سلبية للبعض وإيجابية للبعض الآخر ولكن حتما السلبيات دائمًا ماتكون أكبر.

أهم تأثيرات هبوط الدولار الأمريكي

1- سيعمل الدولار المنخفض على رفع أسعار السلع المستوردة وبالذات من دول غير أمريكا لبقية دول العالم

2- أيضا يمكن أن يكون تأثير الهبوط إيجابيًا على أسعار كلا من الذهب والنفط، وذلك بحكم العلاقة العكسية بين أسعار هذه المعادن وأسعار صرف الدولار ففي هذه الحالة يقوم المستثمرين بالبحث عن ملاذات آمنة في ظل هذا الهبوط للدولار وهو بدوره ما سيجعل الطلب يزيد على سلعتي النفط والذهب. فعلى سبيل المثال إذا أخذنا سلعة النفط في هذه الحالة فإنَّ الدول المصدّٓرة للنفط ستستفيد من هذا الهبوط لأنَّه سيرفع من أسعار صادراتها النفطية لكن لو أمعنا النظر في هذا الموضوع فإنَّ الزيادة تكون شكلية فقط، أما من الناحية الفعلية فستتأثَّر سلبًا وذلك بسبب أنٌَ الدول المنتجة للنفط تحتفظ بفوائضها من أموال النفط والتي تكون بالدولار أو مايطلق عليها بالـ (بترودولار) في البنوك الأمريكية وبالتالي ستنخفض قيمة إحتياطاتهم النقدية جراء هبوط الدولار.

3- أيضا تتأثَّر الأسواق المالية سلبًا من هبوط أسعار الدولار لأنَّ الإستثمارات الأجنبية في الأسهم والسندات ستهبط أيضًا.

مستقبل الدولار الأمريكي في ظل هبوط أسعار صرفة

صحيح أنَّ الوضع الراهن الذي تعاني منه الولايات المتحدَّة والمتمثَّل بالضعف الحاصل في نموُّها الإقتصادي يبرهن لنا أمكانية حدوث إنهيار متوقع في العملة الأمريكية الدولار، لكن يجدر بنا تذكُّر شيئٍ مهم وهو أنَّ الدولار يأخذ قيمته وموقعه الإستراتيجي ليس من الناحية الإقتصادية بل من الناحية السياسية فالثقل العسكري للولايات المتحدَّة الأمريكية وتطفُّلاتها المستمرة في شؤون بقية الدول هو من يمدُّ الدولار بهذا الموقع الهام في التجارة الدولية، ولذلك من الصعب جدًا في الوقت الحاضر التنبُّه لسقوط هيمنة الدولار الأمريكي دوليًا فهي ماتزال الأقوى سياسيًا وعسكريًا، بل وحتى إقتصاديًا، ومادام أنَّ الدولار هو العملة التي تسعِّر بها السلع الإستراتيجية جدًا كالنفط مثلًا والذي يعدّ المفتاح والمحرك الأساسي لكافة النشاطات الاقتصادية والصناعية العالمية فإنَّ الحديث عن انهيار الدولار الأمريكي لا زال أمرًا غير منطقيًا في الوقت الراهن.

سيستمر الدولار بالسيطرة حتى يتم إيجاد عملة دولية جديدة تمتلك من المميزات مايجعلها تحظى بقبول الجميع لكن مع الأسف فإنَّ هذه العملة ليست موجودة حاليًا ولن تتواجد في المستقبل القريب أيضًا.

مالم تتفق دول العالم على نظام إقتصادي تتوفر فيه العدالة والمساواة ويراعى فيه مصالح كافة الدول، فإن أمريكا ستواصل سيطرتها على ثروات ومقدرات الدول الأخرى عبر الدولار

في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك:

كيف يتم إغتيال الدول إقتصاديا “قراصنة الإقتصاد”

المدرسة الكلاسيكية ورواد الفكر الأقتصادي

علي الحفناوي يكتب للمحطة الرجل الذى اشترى مصر

إعلان

اترك تعليقا