العصا تكسب: قراءة في كتاب Carrots and Sticks ليان إيريس

العصا والجزرة هو تعبير مجازي عن فكرة الثواب والعقاب. وربما يرجع أصل هذا التعبير إلى تلك الأوقات التي كان يستخدم فيها الفلاحون والحمالون في أوروبا أسلوب العصا والجزرة لترويض البغال والحمير. كانت الجزرة تعلق أمام الحمار، فإن سار وأطاع نال الجزرة في النهاية. وإن تمرد فله العصا تلسع ظهره.

لعلنا نعلم جميعا أن العصا والجزرة أو الثواب والعقاب أسلوب ناجح في تغيير السلوك، لكن للأسف العصا في أغلب الأحوال هي الأنجح مقارنة بالجزرة.

لماذا؟ لأن الناس تكره الخسارة أكثر من حبها للمكسب، لو قررت الحكومة، على سبيل المثال، إلزام أصحاب المنازل بتجميع القمامة في كيسين: الأول: مواد صلبة، والآخر: لبقايا طعام، مما يصنع خيارين لتنفيذ هذه السياسة: أما الجزرة (هدية أكياس قمامة شهريا ب ١٠٠ جنيه) أو العصا (غرامة مئة جنيه شهريا لمن يفعل هذا).

أي الأسلوبين سينجح من وجهة نظرك؟ للأسف سياسة العصا هي الأنجح والأكثر تحفيزًا للناس على هذا السلوك، فضلًا عن أنها لا تكلف الحكومة شيئا.

هكذا رأى الدكتور Ian Ayres أستاذ الاقتصاد بكلية الإدارة بجامعة يال الأمريكية في كتابه اللطيف العصا والجزرة: أطلقوا قوى الحوافز لتؤدي مهامها Carrots and Sticks: unlocking the power of incentives to get things done، والصادر في عام ٢٠١٠.

يطبق دكتور إيريس في كتابه هذا الدروس التي استخلصناها من علم الاقتصاد السلوكي، وهي استخدام أسلوب الثواب والعقاب لتعريف القارئ بمفهوم عقود الارتباط والذي من خلالها يمكننا تحقيق أهدافنا بسهولة.

ويتكون كتاب “العصا والجزرة” الصادر في ٢٠١٠ من مقدمة، وتسعة فصول: ١- تفاحات ثالير ٢- الحافز مقابل الإلتزام ٣- الخسار تبدو أكبر ٤- ذلك الشعور المنغص ٥- اليقظه والتركيز ٦- ماذا تكشف الالتزامات عنا؟ ٧- مشاكل أنطونيو ٨- محل الالتزامات.

الآن تعالوا معي في جولة سريعة داخل كتاب العصا والجزرة المسلي لنتعلم ما استطعنا إليه سبيلا من محتواه، وننتقد ما كرهنا من فحواه.

أولا: عصفور في اليد أفضل من مئة على الشجرة

سجل الدكتور “ريتشارد ثالر” الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام ٢٠١٧ اكتشافا مثيرًا في عام ١٩٨١؛ ففي دراسة أجراها ذلك العام، سأل (ثالر) الناس إذا كانوا يفضلون الحصول على تفاحة بعد مضي عام، أو تفاحتين بعد عام ويوم.
بالطبع، اختار معظم الناس الاختيار الثاني -وهذا طبيعي، ماذا يعني يوم آخر إذا كنت سأنتظر عاما بالفعل؟

ومع هذا، عندما عرض عليهم أن يختاروا تفاحة الان أو تفاحتين غدا، اختار غالبية الناس الحصول على التفاحة أو المكفاءة فورًا.
يعني هذا أنه عندما نتخذ قرارات تتعلق بالمستقبل القريب، فإننا نكره عدم التيقن لأنها تدخلنا في دائرة اللا مضمون، بمجرد أن يتاح لنا مكافأة فورية، تفتقد المكافاءات المؤجلة جاذبيتها، إذا كن سنضطر لانتظارها لفترة طويلة.

الآف الأشياء قد تحدث في ٢٤ ساعة، من يضمن أن نحصل على أي تفاحة أصلًا، ولذلك من الأفضل أن نختار المضمون ونحصل على التفاحة الآن” هكذا تحدثنا أنفسنا عندما نختار.
ويعني الانتظار “عدم التيقن”، والتي تعني المخاطرة بالخسارة، ومن يحب الخسارة من بيننا!

ثانيا: نكره الخسارة إلا إذا كنّا سنخسر شيئا لم نملكه بعد

إذا عرضت على قرود اختيار شريحتي تفاح مع احتمال ٥٠٪ أن ينتزع منهم واحدة، أو شريحة تفاح واحدة مع احتمال ٥٠٪ أن تحصل على شريحة اخرى، فإنهم سيختارون الاختيار الثاني. وعلى الرغم من أن النتيجة واحدة في الاختيارين ، فإنهم لا يفضلون أن يحصلوا على شيء ثم يفقدونه… أي لا يقبلون بأي مخاطرة أبدا.

نكره الخسارة أكثر مما نحب الفوز، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لوجود عدد قليل من أصحاب الملايين. الفوز الكبير يعني مخاطرة بالخسارة، ولهذا يفضّل معظم الناس البقاء في وظائفهم المريحة.

مع هذا، هناك بعض الأشياء الذين يمكننا أن نرغب في خسارتها، وهي الأشياء التي لم نملكها بعد. بينما يمثل هذا السبب في معظم الناس لا يدخرون بشكل كافٍ لفترة تقاعدهم (لماذا ادفع من مرتبي الآن مقابل شيء قد لا أحصل عليه إذا مت مثلا)، فإن (يان آيرس) يرى إمكانية الاستفادة من هذا الميل، وتحويله لميزة.

ابتكر إيريس برنامجا للادخار اسمه “ادخر أكثر غدا”، والذي يشجع الناس على الالتزام بإدخال نسبة صغيرة من دخولهم، مع كل علاوة سنوية أو زيادة في مرتباتهم، ويوافق معظم الناس هذا العرض، ولقد شهدت معدلات الإدخار تحسنا كبيرًا نتيجة هذا البرنامج.

ثالثا: استخدم عصًا كبيرة بدلًا من عدة جزرات صغيرة

بمجرد معرفتك أنك ستستهلك الكثير من وقتنا نحاول تجنب الخسارة أكثر مما سنبذله سعيا للفوز، ستفهم أيضا أن العصى (العقاب) تحقق نتائج أفضل.

تخيل مثلا أن الحكومة ستمنحك ١٠ دولارا مقابل كل سيجارة لا تدخنها، وهذا طبعا سوف يعود عليك تراكميا بمبلغ كبير، أم لأ؟ مع هذا، من غير المحتمل أن تتخلى عن سجائرك العزيزة، لأنك لا تهتم بالحصول على العشرة دولارات.

دعنا نعكس الوضع، كيف يمكنك أن تقاوم سيجارة إذا علمت أن مقابل كل سيجارة ستخسر ١٠ دولار غرامة من جيبك؟ هنا الكارت الجوكر. ماذا لو كانت قدرتك على شراء السجائر في المقام الأول تستدعي منك الحصول على رخصة تدخين مقدارها ٥٠٠٠ دولار ، وصالحة للاستخدام لمدة ١٠٠٠ سيجارة فقط؟

وفي حال التعرض لعقاب صارم مقدما، فإن أغلب الناس لن يبدأوا أصلا في التدخين، وسيقلع هؤلاء الذين يدخنون لأنهم لن يستطيعوا تحمل مثل هذه التكاليف.

اللطيف في شأن العصا الكبيرة هي أنه من المحتمل ألا تستخدم أبدا. وربما يكون دفع ١٠ دولار لكل سيجارة لن يتم تدخينها في محصلته النهائية سيحمل ميزانية الحكومة أموالا كثيرة، لكن فرض ١٠٠٠ دولار غرامة مثلا على أكياس القمامة، فإنها تعود عليهم بنفع كبير.
أنسى الحرز الصغير، واستخدم العصا الكبير.

تجدون فيما يلي حوار مع المؤلف حول الكتاب:

رابعا: عقود الارتباط

دون شك، يعد أسلوب “العصا والجزرة” أحد الأساليب الفعالة للحد من أي سلوك غير مرغوب فيه. ومع هذا، فإننا في حاجة لأدوات ناجعة للتغلب على إدماننا لل”الآن”… أي تفضيلنا لإشباعات الحاضر على المستقبل. ولعل أفضل هذه الأدوات إبرام اتفاق على نفسك اصطلحوا عليه تعبير “عقد ارتباط”.

توفر عقود الارتباط هذه وسيلة رسمية للتخلص من السلوك غير المرغوب فيه. وتمثل فعليا تقييد للأيدي لمنعك من القيام بتصرفات غير سليمة في المستقبل.
لكن كيف نبرم هذا العقد؟

العقوبة

حتى يصبح لأي تعاقد تأثيرا، يجب أن تكون عقوبة مخالفته عقوبة كأدة تعكس أهمية وتتساوى مع مخاطر السلوك غير المرغوب فيه، موضوع العقد. ولذلك فان العقوبة الصارمة ضرورية لتحقيق الالتزام.

العلانية

نعلم جميعا أن سلوكنا يتأثر كثيرًا، بل ويتشكل بآراء أصدقائنا وزملائنا فينا. ونحن نميل إلى مواجهة الضغوط الاجتماعية بالأسلوب الذي يحمينا من سخرية الاخرين: حطهم من قدرنا.
على سبيل المثال، الزم أحد المدرسين نفسه بأنه إن لم يخفض من وزنه بمقدار ١٠ كيلو جرام في هذا الشهر، فسوف يدرس حصصه مرتديًا سروالًا داخليًا.
وقد تبدو هذه الفكرة متطرفة لكنها في الواقع كانت ناجحة.

حكم محايد

إيجاد حكم محايد ضرورة لنجاح أي عقد، وذلك لأهمية وجود سلطة موثوق بها تضمن تطبيق العقوبات المتفق عليها. وبدون حكم يمكن الفرار من العقوبة بسهولة. ويشترط ألا يكون هذا الحكم صديقا يغض الطرف، لا عدو يكره لك الخير.

أهداف واقعية

وهذا شرط أساسي أن يكون الالتزام بأهداف وقعية ومستمرة، فليس من المنطقي أن تلتزم بتخفيض ٣٠ كيلو في شهر، ولا أن يكون التزامك بالحفاظ على وزنك لمدة شهر فقط… أي أن الواقعية والاستمرار هما ما يجعلان للعقد وزنا وأهمية.

وختاما، فان مبدأ العصا والجزرة يمكن أن يصلح في بعض الأنشطة، لكنه حتما ليس المبدأ الوحيد الذي يفجر طاقات الناس ومواهبهم في القرن الحادي والعشرين.

الكتاب على موقع Goodreads

إعلان

اترك تعليقا