الاقتصاد الأخضر
حينما اشتدت موجات الهجوم على الرأسمالية باعتبارها المُتسبب الرئيس في تدمير البيئة ومعاداة الطبيعة بسبب ما ينتج عنها من تقلص للمساحات الزراعية والغابات وزيادة انبعاثات الغازات الضارّة بالجو في سبيل زيادة الأرباح ورؤوس الأموال، بدأ حينها أنصارالمذهب الرأسمالي في الدعوة إلى ما يعرف الآن بالاقتصاد الأخضر، في محاولة منهم للحفاظ على ماء الوجه أمام المجتمع الدولي. يُعرَف الاقتصاد الأخضر بأنه ذلك الاقتصاد الذي يهدف إلى الحد من المخاطر البيئية والتقليل من استنزاف الموارد النادرة. كما يهدف أيضًا إلى تحقيق التنمية المستدامة دون التسبب في أي ضرر للبيئة، وهو يُعتبر أيضًا وجهًا آخر للاقتصاد البيئي. ولكن هل من المُمكن أن تكون للفكرة أبعادٌ سياسية أخرى!
ظهرت المبادرة على الساحة الدولية بعد صدور تقرير الأمم المتحدة لعام 2011 الذي يدعو إلى توجيه الاهتمام والجهود لمحاولة طرح الاقتصاد الأخضر على ساحة النقاش ومناقشة سُبل تطبيقه.
فخلال السنوات الماضية عزز برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) رؤية تهدف إلى تقليل نسبة الكربون في الجو، وإلى تحقيق التكافؤ في استخدام الموارد، بهدف أن تصبح رؤية اجتماعية شاملة. حيث تنص رؤية البرنامج على أن الاقتصاد الأخضر سيؤدي إلى تحسين رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية بين نصيب الأجيال في الموارد الطبيعية، مع الحد بشكل كبير من المخاطر البيئية والندرة البيئية.
على مر فترة طويلة من الزمن، كان اللون الأسود هو اللون الغالب على الاقتصاد وذلك حتى وقت قريب للغاية، ولكن أثبتت الأبحاث أن الاقتصاد الأسود هو اقتصاد مرعب ومدمر للبيئة، يؤدي إلى هدر الموارد وتدمير الطبيعة، حيث يقوم فيه المتنافسون بالسعي إلى الربح والطمع دون أي اكتراث لمعايير النظافة وحماية البيئة ومبادئ التنمية المستدامة. إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأ يظهر مصطلح الاقتصاد الأخضر لكي يكون منافسًا قويًا للاقتصاد الأسود. فهو يعد اقتصادًا نظيفًا لأنه يستخدم الطاقة والموارد استخدامًا أمثل فهو يعمل بشكل يوائم البيئة ويحافظ عليها دون أي انبعاثات تؤثر سلبًا على الإنسان وذلك بعد أن رأى الإنسان عقودًا من تدمير البيئة من خلال الاقتصاد الأسود.
في ظل الدمار والأزمات التي سببتها الأنظمة الرأسمالية والتي عانت البشرية بسببها ويلات كبيرة، ظهر الاقتصاد الأخضر بوصفه برنامجًا للأنشطة الاقتصادية التي تسعى لرفاهية الإنسان وتقليص الفوارق الطبقية في المجتمع على المدى الطويل، كما يحافظ على سلامة الأجيال القادمة من المخاطر والتدهور البيئي وذلك لمكانته الهامة للغاية في القضاء على الفقر وتحقيق الأمن المائي والغذائي وتعزيز مخزون الموارد الطبيعية وزيادة كفاءة استخدامها والتحرك والتشجيع نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وقد وضعت الأمم المتحدة إطارًا تعريفيًا للاقتصاد الأخضر بأنه عبارة عن ترابط بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة كما يعتبر أيضًا تحولًا في عمليات الإنتاج والاستهلاك مما يؤدي إلى تنشيط الاقتصاد وتنويعه، كما سيؤدي أيضًا إلى خلق فُرص عمل جديدة، والحد من معدلات الفقر وتحقيق عدالة في توزيع الدخول.
عقبات تطبيق الاقتصاد الأخضر:
على الرغم من كون الاقتصاد الأخضر فكرة عظيمة لها إيجابياتها المتنوعة، إلا أن هناك عدة عقبات تواجه الساعين إلى تطبيقها وهي متنوعة بين عقبات فنية وأخرى إدارية كالآتي:
أولًا: تحوّل الوظائف من قطاعات إلى قطاعات أخرى حيث يؤدي ذلك إلى زيادة حجم التوظيف في عدد من القطاعات ونقصها في قطاعات أخرى، خاصة في المرحلة الانتقالية.
ثانيًا: تفاوت فرص التطبيق من بلد إلى آخر ومن منطقة جغرافية إلى أخرى وكذلك من قطاع معين إلى آخر.
ثالثًا: إمكانية حدوث عقبات فنية إضافية أمام التجارة العالمية.
رابعًا: كونه خيارًا مكلفًا بشكل كبير قد لا تنتج عنه مكاسب سريعة على الصعيدين الاقتصادي والبيئي، كما أن تطبيقة قد يكون على حساب أهداف إنمائية أخرى.
خامسًا: على الرغم من كون الاقتصاد الأخضر هو وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة إلا أنه بالنسبة للدول الفقيرة والنامية قد تكون مكافحة الفقر وتوفير الاحتياجات الأساسية هي الاولوية الأهم، ودائمًا ما تكون هناك مخاوفٌ من كون الاقتصاد الأخضر هو مجرد مجموعة من الشروط المثالية المُبالغ فيها والتي ستعوق مسيرة هذه الدول نحو التنمية.
سادسًا: صعوبة تعبئة الإرادة السياسية وإقناعها بأن التنمية المستدامة هي حقيقة واقعة، حيث يجب تضافر الجهود لتشجيع الأنظمة السياسية لتحقيق تعاون جاد وفعلي.
لماذا الاقتصاد الأخضر؟
في الواقع لقد أصبح الاقتصاد الأخضر أكثر من مجرد طرح مثالي أو خيار بديل وإنما أصبح شيئًا لازمًا لابد منه، حيث يمكن أن تؤدي النقلة إلى الاقتصاد الأخضر إلى تخفيض ملحوظ في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ففي المخطط التصوري، الذي يستثمر فيه ما نسبته 2% من الناتج المحلي الإجمالي في قطاعات رئيسية من الاقتصاد الأخضر، يخصص أكثر من نصف مقدار ذلك الاستثمار لزيادة كفاءة استخدام الطاقة وتوسيع إنتاج واستخدام مواردها المتجددة، ما يؤدي لخفض بحدود 36% في كثافة استخدام الطاقة على الصعيد العالمي بحلول 2030.
وفي المخطط التصوري، من شأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ذات الصلة بالطاقة أن ينخفض حجمها من 30.6 جيغا طن في عام 2020 إلى 20.0 جيغا طن في عام 2050. ولذلك فإن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر من شأنه أن يخفض انبعاثات الكربون حيث أنه ينطوي على إمكانات كبيرة لمواجهة التحديات التي يفرزها تغير المناخ. مع أنه من الضروري القيام باستثمارات إضافية واتخاذ تدابير في إطار السياسات العامة من أجل الحد من تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 450 جزءًا من المليون أو أقل من ذلك.
تساؤل منطقي..
في نفس الوقت الذي يتسابق فيه زعماء الدول الغنية في إطلاق شعارات رنانة عن الاقتصاد الأخضر، تشتد أيضًا نداءات الدول النامية للقيام بتحركات سريعة من أجل إنقاذ كوكبنا وتقليص حالات عدم المساواة في المجتمعات. فالدول الغنية التي تشكل 20% من شعوب الأرض تستنزف 80% من ثروات الطبيعة، وتنتج في المقابل 60% من الانبعاثات الضارة بالبيئة. في حين أن الدول الفقيرة التي تشكل 40% من شعوب الأرض، تستهلك 6% من ثروات الكوكب وتُنتج فقط 1% في المقابل.
على الرغم من ذلك ينظر كثيرون إلى الاقتصاد الأخضر على أنه نوع جديد لإبراز التفاوت والفروقات بين الدول الغنية والدول الفقيرة. فالدول الغنية تهدف إلى ربط العلاقة بين البيئة والتنمية، وبين التجارة والمنافسة، وبين تنقُّل العمالة ونقل التقنية، وبين إنتاج وتسويق الطاقة ورسوم الكربون الضريبية. بينما تنادي الشعوب النامية والفقيرة بضرورة تكافؤ الفرص بين الحقوق والواجبات، وعدم استنزاف الموارد الطبيعية على حساب التقنية وتخفيض معدلات التلوث البيئي في الدول الصناعية.
والغريب في الأمر أن الدول الرأسمالية التي تراعي وتنادي بالمعايير البيئية في بلادها هي نفسها من تضرب عرض الحائط بهذه المعايير حين تلجأ شركاتها المتعددة الجنسية باستنزاف جائر لكل ما هو أخضر في البلدان النامية والفقيرة.
كل ذلك في الوقت الذي تواجه فيه الأرض تحديات عديدة، منها النمو الديموغرافي على سبيل المثال، إذ تشير التوقعات إلى أن 49 دولة من الدول النامية ستشهد نموًا سكانيًا بمعدل 300%. وهنالك أيضًا الفقر وسوء التغذية وضعف الموارد المائية وازدياد رقعة التصحر. إلا أن التغيُّر المناخي ما زال يشكل أهم التحديات، بسبب انبعاث ثاني أكسيد الكربون والغازات التي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد ارتفع معدل ثاني أكسيد الكربون من 280 إلى 360 جزءًا في المليون خلال القرن الماضي، ويُتوقع أن يبلغ هذا المعدل 500 إلى 1000 جزء في المليون في عام 2100، مما سيؤدي إلى ارتفاع في معدل درجات الحرارة بنسب غير مسبوقة.
ولكن يبقى التساؤل الرئيس هنا، هل يستطيع الاقتصاد الأخضر بالفعل أن ينقذ كوكبنا من الدمار القادم؟
مراجع:
-United Nations Environment Programme (UNEP), 2010, Green Economy Report: A Preview
wikipedia Green_economy
sustainabledevelopment Green Economy
http://www.thegreeneconomy.com