“أهمية النص” قراءة في نقد الحقيقة ج1
مراجعة مفصلة لـ كتاب نقد الحقيقة لعلي حرب

يبدأ كتاب نقد الحقيقة بتعريفه لماهية الحقيقه على أنها لفظ شامل غير محدد لا يقتصر على معنى أو نص أو رؤية، فالحقيقة كما وصفها هي الأداة التي يمكننا السمع من خلالها أو الرؤية بها، ما يطلق عليه الحق.
واعتبر المؤلف أن النصوص بشكل عام أداة من أدوات البحث عن الحقيقة فكان لابد من الإشاره لكيفية التعامل مع النص ومقدرة النص على احتواء أكثر مما يبدو عليه فبدأ الكتاب بالآتي:
الفصل الاول: قراءة المقروء
يعتبر المؤلف أنّ “النص” بجميع أنواعه -سواء كان نصًّا مقدسًا أو شعرًا أو نصًّا فلسفيًّا أو سردًا- يحمل في جوهره أكثر من مكوناته اللفظية وأنّ “المقروء” النص يختلف باختلاف قرائه، فلا يوجد نص أحاديّ المعنى في جوهره، فالقراءة تتخذ أكثر من تأويل من كل قارئ، وفي نظر الكاتب أن القراءة التي لا تحمل هذه التعددية للنص لا تعتبر قراءة إذ أنها تتصف بالسطحية وتجرد القراءة من معناها الأصلي وهدفها الأوحد والذي هو التأمل والتفكر والغوص في قلب المعاني، فاللفظ ما هو إلا دلالة لشيء ما تقولب في استعارات وتشبيهات وأساليب بيان وبلاغة فلا يوجد نص صريح مطلق.
يدعو المؤلف القراء إلى إعادة القراءة والقراءة ثم القراءة، وفي كل مطالعة لنفس النص ستختلف رؤيتنا ومحصلتنا للنص المقروء، فالنصوص ما هي إلا أحاجي وألغاز تكمن خلف أستارها اللفظية جوهر المعنى، ويبين أن النصوص سواء كانت قدسية أو فلسفية أو شعرية يستعملها الإنسان ليرى من خلالها ذاته، كذلك تستعمله النصوص لترى ما تخفيه بين طياتها، وليس المقصد أخذ النص والتسليم لما يقره بل المغزى يكمن بالصفح عما سيكتشفه القارئ في نفسه من خلال قراءته فلا يوجد نص مطلق الصحه، فكما تتخذ بعض النصوص والآراء والأفكار المدونة طابعًا ايديولوجيًّا معينًا قد نتفق أو نختلف معها وهذا هو بيت القصيد. وهذا الحوار الذي يدور بين القارئ والمقروء يغوص في أعماق ذاك وهذا يكشف عن أفكار ذاك.
يقسم المؤلف أنواع القراءات إلى ثلاثة أنواع:
القراءة الظاهرية:
وهي القراءة الحرفية التي تأخذ المعنى الظاهر وتنفي التأويل عن النص وحجتها أن النصوص ليست بحاجة لعلامات وتأويلات لتفسيرها فهي ظاهرة ببساطة للجميع، وينفي هذا القارئ الظاهري أي تفسيرات باطنية للنص ويعتبر أن هذه التأويلات خروج عن أصل النص وتحريف لمعناه.
إعلان
القراءة الباطنية:
وهي تأويل النص دائمًا وهي عكس القراءة الظاهرية، فأتباع تلك الطريقة يفسرون النص بحسب أفكارهم وآرائهم ويتمسكون بتأويلهم وينفون أي تأويل آخر حتى البعض يستغني عن النص الأصلي ويقيم تأويله هو محل النص الاصلي، فيصير الفرع أصلًا. وربما نرى هذه الصورة في بعض التفاسير للنصوص المقدسة فيتصدى البعض لآراء الآخرين دفاعًا عن رأي فلان في تفسيره حتى لو احتمل النص الأصلي آراء عدة، فالأولى بهؤلاء ترجيح النص المقدس على التأويل. وهذه الحالة كالأولى في البعد عن المعنى الجوهري للقراءة؛ فلا الأولى التي تحمل النص على ظاهره وتنفي أي تأويل لمعناه ولا الثانية التي تستبعد النص الأصلي وتجعل تأويله بمثابة الفيصل في المعنى وإغلاق باب الاجتهاد للاخرين، ليس أيّ منهما ببعيد عن الآخر حتى وإن اختلفا في الطريقة إلا أنهما يشتركان في سطحية المغزى والبعد عن الهدف الصحيح.
القراءة الصحيحة:
وهذا النوع الذي وضحه المؤلف في بادئ الكتاب وهو أن النص الواحد به عدد لا نهائي من المعاني تختلف مع كل قارئ، فالنصوص هي كمفاتيح لمعانٍ تكمن في أعماقها تنتظر كل ذي علم ليأتي فيفصح عن مكنونها لذلك قال الصحابة عن القرآن “أنه حمال أوجه” فكل قارئ يفقه منه مالا يفقهه غيره. ولا يجوز لأحد أن يبطل فهم غيره للنصوص، فكما قال ابن عربي: هوية النص هي محصلة تفاسيره.
ففي نهاية المطاف، القراءة كالبحر سطحه مغاير لعمقه، وكل غواص يأتي بما بدت له استطاعته في أغواره.
ثم يستأنف الكاتب ويقول بأنّ البعض قد يتساءل: لمَ تحتاج النصوص إلى التورية وتستلزم نصًا آخر كي يفسرها؟
ترجع علة السؤال إلى عدة أسباب منها:
- لسبب تعليمي خلقي مراده حث النفس على التفكر والاجتهاد في فهم النص.
- ترويض الإرادة وحرية الفكر لدى القارئ.
- تفاوت عقول الناس، فبعض النصوص قد تحتاج إلى بساطة تامة ليفهمها عامة الناس، والبعض لا يفهمها إلا ذوي الفكر والعلم.
- أسباب سياسية ودينية قد تستوجب المواربة في النصوص لكيلا يفهمها سوى فئة معنية.
- أسباب ايديولوجية فتمارس تأثيرها على صفاء النص فتموج الحقيقة المراد ايضاحها.
ولأجل هذه الأسباب وغيرها نستطيع الجزم بأن للنص روح تضفي على القارئ فيستفيض منها ما يتسع له إناؤه، ولكل قارئ إناء مختلف ولهذا فإن محاولات التسطيح في القراءة لا تنتج قارئًا إنما تنتج مرآة تعكس فقط ما كتب على الورق.
كتاب نقد الحقيقة على Goodreads
في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك
رواية العمى .. الجانب المظلم للنفس البشرية
كيف نلحق بالركب الحضاري؟ كتاب عصر العلم للدكتور زويل
خمس كتب قدمت تاريخ فلسطين بأسلوب روائي
إعلان