مجموعة من المغالطات المنطقية يتعين عليك معرفتها قبل الخوض في أي نقاش
تُعرَفُ المغالطات المنطقية ؛ بأنَّها خطأ في التفكير يكون شائعًا بما يكفي لتثبتَ صفةَ الوهم على صاحبها. تعتبر معرفة كيفية تمييز المغالطات المنطقية وتحديدها مهارةً لا تُقدَّر بثمن، فهي توفر الوقت، والجهد، وتصون الكرامة الشخصية. وتُسمّى المشاكل في طريقة قول الشيء: مغالطة صورية. ينتج عنها خلل في ترتيب الأفكار، ذلك أنّ صياغتها خاطئة. وأما المغالطات غير الصورية، فهي تتعلق بما يُقال، أي محتوى الحجة -مثل التي سنتحدث عنها- فربما تكون الأفكار مرتبة بطريقة سليمة، لكن فحوى ما قلتَ ربما لا يكون صحيحًا تمامًا. في هذه الحالة يكون المحتوى خاطئًا. وفيما يلي قائمة ب15 مغالطة غير صورية من المحتمل أن تواجهها عند الانخراط في حوار:
1-الشخصنة
عندما يُفكر الناس بالجدال، فإنّ أول ما يخطر في أذهانهم هو مشادّة كلامية مشوبة بالتهجّمات الشخصية. ومما يُثير السخرية؛ أنّ الهجوم الشخصيّ يناقضُ الجدال المنطقي، إذ يُسمَى الهجومُ الشخصيُّ في علمَي المنطق والبلاغة الشخصنة ad hominems وهي كلمة لاتينية تعني ضد الإنسان. فبدلًا من التقدُّم الصحيح في التفكير المنطقيّ الجيد، تستبدل الشخصنةُ الجدالاتِ المنطقيةََ بلغة هجومية ليس لها علاقة بالحقيقة. ولنكون أكثر تحديدًا، فالشخصنة هي مغالطة في الترابُط، حيث يرفض شخص رأي شخص آخر على أساس المزايا الشخصية، مثل: الخلفية، أو المظهر الشخصيّ، أو أيّ ميزة ليس لها صلة بموضوع الحوار. فالشخصنة تتعدى مجرد كونها إهانة، ذلك أنّها إهانة تُستعمَل كما لو كانت حجةً أو دليلًا يفضي إلى نتيجةٍ. إنَّ التهجُّم بالألفاظ لا يثبت أو ينفي صحة الأقوال.
تَشيعُ الشخصنة في السياسة تحت مسمى القََدح. فبدلًا من مخاطبة المرشحين حسب القضايا، أو على أساس تأثيره، أو تأثيرها كرجل دولة، تركّز الشخصنة على قضايا ذات صلة بالشخصية، مثل أساليب الكلام، أو الملابس والأسلوب، وأمور أخرى تؤثر في شعبيتهم، إلا أنها ترفع من كفاءتهم. وبهذه الطريقة، يمكن للشخصنة أن تكون لا أخلاقية، فهي تسعى إلى التلاعب بالناخبين عن طريق الاحتكام إلى حلقات الضعف غير المتصلة بالموضوع، وإلى الإهانة بدلاً من تناول القضايا الجوهرية. وخير شاهد على ذلك ما حصل في الدورة الانتخابية الأخيرة، حيث تم تقاذف الهجمات الشخصية بشكل متحرر من كافة دهاليز السياسة الضيقة، ويواجه كل من كلينتون وترامب نصيبهما العادل من القدح والتشهير.
وتتضمن المناقشة التالية على موقع Quora شتائم بذيئة بحق هيلاري كلينتون مثل: كيلاري كلينتون، وهيلاري العوجاء، وهيلا الهمجية، وشيلاري، وهِتلَري كلينتون، والمدافعة عن مغتصبي الأطفال، وعاهرة الشركات وسيدي الرئيس، والساحرة الشريرة للجناح الغرب، إلخ. وتَعرِض صحيفة نيويورك دايلي نيوز قائمة مُسلية –على حد زعمهم- من الإهانات بحق الرئيس دونالد ترامب من قبيل: سوقي قصير الأصابع [تستخدم للتعبير عن سوء مهارات الكتابة على موقع تويتر] وساقي الحانة الغاضب، وفاشي ونابح الحفل، ورئيس نادي المعجبين بصدام حسين وثمرة العنصرية، إلخ. وتشير الشخصنة إلى النقطة التي ينحطّ فيها الخلاف المدني إلى نزاع، سواء بين أصدقاء أو أشقاء أو حتى عشاق، إذ أنّ كل شخص قد مر بخلاف شفهيّ، تدهور إلى مشادة كلامية مُفككة يتراشقون فيها الإهانات المُعبرة عن الغضب والاتهامات التي تهدف إلى تحقير الآخر. وعندما تستثير هذه الإهانات حجة قوية فإنها تغدو شخصنة.
دورك..
اقرأ وتأمل فيما إذا كان بمقدورك تمييز أي من هذين المثالين شخصنة وأيهما يعد مجرد إهانة:
مثال رقم 1: يتعاطف ماكدوغال مع فريق كرة قدم بريطاني، مما يعني عدم أهليته ليكون رئيس شرطة في أيرلندا.
مثال رقم 2: كل سكان كريت يتسمون بالكذب.
2-مغالطة رجل القش
من السهل أن تدحضَ حجة معارضك عندما تكون ضعيفة، إذ استحقّتْ مغالطة رجل القش هذا الاسم بجدارة نظرًا لوجود خيال ظل لا حياة فيه ولا ضرر. ففي مغالطة التحريف، يهاجم شخص ما وضعية لا يتقلدها المعارض حقًا. فبدلاً من مقارعة حجة المعارض الحقيقية، يلجأ عوضًا عن ذلك إلى مهاجمة كومة مكافئة من المغالطات الهشة التي لا روح فيها، وهي حجج يسهل دحضها لم ينوِ المعارض الدفاع عنها بأي شكل. وبهذا، تكون مغالطات رجل القش طريقة رخيصة وسهلة لتقوية وضع شخص ما أكثر مما هي عليه. وباستخدام هذه المغالطة، تتميز الحجج المعارضة بكونها حججًا واهية لا روح فيها، بعيدة كل البعد عن الحقيقة ولا يعتمد عليها أبدًا. وبمقارنة بسيطة، نجد أنّ وضعية شخص ما تكون أفضل بوجودها.
كما يمكنك تخيل وجود مغالطتَي رجل القش والشخصنة معًا بهدف شيطنة المعارضين وتحطيم وجهات نظرهم. يمكن أن تكون هذه المغالطة لا أخلاقية، إذا كان الغرض من ارتكابها التشويه المتعمّد لوضعية المعارض من أجل خداع الآخرين. بَيْد أن مغالطة رجل القش غالبًا ما تكون عرضية، إذ لا يدرك مرتكبها أنه يبالغ في تبسيط وضعية ذات فرق دقيق عن وضعيته أو يسيء تمثيلها، فيقدمها بشيء من ضيق الأفق والاحتراس وكأنها عريضة أو رعناء.
دورك..
تأمل فيما إذا كان بمقدورك تحديد كيف تكون كلتا العبارتين مغالطة رجل قش:
مثال رقم 1: يرى السيناتور أننا نستطيع حل مشاكلنا البيئية بقيادة سيارات البريوس.
مثال رقم 2: [على النقيض تمامًا من المثال الذي سبقه] يرى السيناتور أن البيئة مدمرة بشكل لا يمكن لأي نوع سيارة أو عادة قيادة أن تحدث فرقًا فيها.
3-مغالطة الاحتكام إلى الجهل
إن أي لحظة يُِستعمل فيها الجهل بصفته مقدمة تدعم حجة ما، فإن هذه القضية عرضة للاحتكام المغلوط إلى الجهل. فمن الطبيعي أن نكون جميعًا جاهلين بأمور كثيرة، إلا أنّ الجانب الرخيص وما يتلاعب به هو السماح لهذا الجانب من الحالة الإنسانية بأن يحمل عنا أكثر أثقالنا في قضية ما. ليس بوسع الجهل أن يثبت سوى أن صاحبه لا يعلم شيئًا. ومن اللافت أن هذه المغالطة تستعمل لإسناد نتائج متعددة للمرة الواحدة. تأمل هاتين القضيتين: “لم يكن بمقدور أحد إثبات وجود أحياء خارج الأرض. لذا، فلا بد أن لا تكون حقيقية”.
“لم يكن بمقدور أحد الجزم بعدم وجود أحياء خارج الأرض. إذن، فلا بد أن يكونوا موجودين”. فإذا كانت استراتيجية المناقشة هي ذاتها التي تستعمل لدعم قضيتين بشكل متبادل، فهي ليست استراتيجية جيدة. ليس بوسع الجهل أن يثبت سوى عدم علم صاحبه بشيء. وعليه، إذا لم يُثبتْ أحد وجود تلك الأشباح أو الصحون الطائرة، فهذا لا يثبت وجودها أو عدمه. وإذا لم نكن نعلم شيئًا عما إذا كانت قد وجدت أصلًا، فإننا لا نعلم إذا كانت موجودة أم لا. الجهل لا يثبت شيئًا للمعرفة.
دورك..
تأمل الأمثلة التالية وانظر فيما إذا كان بمقدورك فهم مغالطة الاحتكام إلى الجهل:
مثال رقم 1: ليس لدينا أي دليل على وجود طائفة النورانيين، فقد كانوا أذكياء إلى درجة أنهم محوا كل الأدلة.
مثال رقم 2: لا أعلم عن تانك جونسون إلا أن لديه سجلًّا بسيط من الجرائم وأراهن على أنه أسيء فهمه.
4-مغالطة الدوامة الخاطئة أو المنطق الثنائي الخاطئ
إنّ لهذه المغالطة عدة أسماء أخرى، وهي مغالطة الأبيض والأسود، ومغالطة إما أو، ومغالطة المنطق الثنائي، ومغالطة المفترق. ويتمثل فشل هذا المنطق عن طريق تحديد الخيارات بخياري،ن رغم وجود مزيد من الخيارات يمكنك الاختيار من بينها. ففي بعض الأحيان، نختار شيئًا واحدًا أو شيئًا آخر أو كلاهما، بحيث لا يستثني أحدهما الآخر. يوجد أحيانًا سلسلة كاملة من الخيارات 3 و4 و5 أو ربما يصل العدد إلى 145 خيارًا. وعلى الرغم من ذلك، قد يغالط المنطق الثنائي بالمبالغة في تبسيط الخيارات، إذ تعتبر الحجج القائمة على المعضلة مغلوطة عندما يكون هناك في حقيقة الأمر خيارات أكثر من الخيارات المطروحة. إلا أنها لا تكون مغلوطة عندما يكون هناك خياران فقط.
فعلى سبيل المثال، إما أن تكون فرقة Led Zeppelin أعظم فرقة موسيقية على مر العصور أو لا تكون. هذه معضلة صحيحة، لأن الخيارات المطروحة هما خياران فقط، فإما أن تكون أ أو ليست أ. بَيْد أنه من المغلوط أن نقول: “هناك نوعان من البشر، أناس يحبون فرقة Led Zeppelin وأناس لا يحبون الموسيقى” لأن بعض الناس يتّخذون موقفًا حياديًا تجاه هذه الموسيقى، وبعضهم لديهم شعور طفيف بالمحبة تجاهها، أو شيء من عدم المحبة تجاهها، إلا أنه ليست لديهم تلك المشاعر القوية في إحدى الاتجاهين.
وغالبًا ما تكون مغالطة المعضلة الخاطئة أداة للتلاعب بها، فهي مصممة لفصل الجماهير، إذ يتم إضفاء هالةٍ من البطولة على جانبٍ وشيطنة الجانب الآخر. ويَشيع هذا في الخطاب السياسي، كطريقة لتعبئة العامة بالقوة لدعم تشريعات وسياسات متناقضة.
دورك..
تأمل إذا كنت تستطيع تحديد الخيار الثالث الذي فشل السياسيون في ذكره:
مثال رقم 1: إما أن نخوض الحرب أو نظهر ضعفاء.
مثال رقم 2: إما أنك تحبني أو تكرهني.
5-مغالطة سد الذرائع
ربما تكون قد استعملتَ هذه المغالطة مع والديك عندما كنت مراهقًا. “يجب عليكما أنْ تسمحا لي بالذهاب إلى الحفلة، وإلا كنت فاشلاً بلا أصدقاء، والأمر الآخر هو أنه سينتهي بي المطاف إلى أن أكون وحيدًا وعاطلًا، أعيش في قبوكما عند بلوغي سن الثلاثين”. تعمل مغالطة سد الذرائع عن طريق الانتقال من مقدمة ظاهرها لطيف، أو نقطة بداية ثم السير بعدد من الخطوات الصغيرة إلى شدة لا تحتمل. ولا تنحصر هذه المغالطة في كونها سلسلة طويلة من الأحداث، لأنّ بعض سلاسل الأحداث منطقية تمامًا. ربما يكون هناك سلاسل معقدة من الأحداث التي تترابط مع بعضها جميعًا، وبذلك يكون لدينا سبب جيد لتوقع أنْ يلد السبب الأول المنتج الأخير.
بَيْد أن مغالطة سد الذرائع تشير إلى أنّ النتاجات السخيفة، أو غير المحتملة، تكون محتملة عندما لا يكون هناك دليل كافٍ على التفكير بهذا. تُرتكب حملات إعلانية محددة تقوم بها علامة Dodge التجارية لوسائل النقل وسلسلة مطاعم Taco Bell الأمريكية وحملة مؤخرة قامت بها خدمة Direct Tv، لبثّ هذه المغالطة إلى حد كوميدي بشكل كبير. إنه من الصعوبة بمكان أن تثبت أنّ شيئًا ما يحدث، أو قد حدث، ومن الأصعب أن سلسلة من الأحداث ستقع، لأن هذا ادعاء لم نصل إليه بعد. إنه لا يمكننا التنبؤ بشكل عام بالمستقبل بهذا النوع من اليقين، لأنّ مغالطة سدّ الذرائع تنزلق عند هذه العقبة، بافتراض وقوع سلسلة الأحداث المستقبلية دون إثبات احتماليتها.
دورك..
أي هذه الأمثلة تعتبر مغالطة سد الذرائع وأيها لا:
مثال رقم 1: تقتضي سياسة المدرب أنه لا يمكن لأحد أن يكون مشتركًا في لعبة اليوم إذا فاته التدريب. وعليه، إذا فاتك تدريب كرة السلة لهذا اليوم فلن تكون مشتركًا في مباراة الجمعة، ثم لن يكون بمقدورك المشاركة على أنك اللاعب الجديد الأول في فريق كرة السلة التابع لمدرستنا.
مثال رقم 2: إذا لم تبعث أمريكا أسلحة إلى الثوار السوريين فلن يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم ضد الديكتاتور الذي يواجههم. وبذلك سيخسرون الحرب الأهلية وسيلحق بهم ذلك الديكتاتور شر الأذى. ونتيجة لذلك، سيؤسس السوفييت مكانًا لهم يمتد تأثيره إلى الشرق الأوسط قاطبة.
6-مغالطة الحجة الدائرية
عندما يكرر شخص ما في حجته ما افترضه مسبقًا لتوه، فإنها لن تصل به إلى أي نتيجة. ونسمي هذه المغالطة الحجة الدائرية أو المنطق الدائري، فإن يَقُل أحدهم: “إنّ الكتاب المقدس حق لأنه ينطق بالحق” فإن هذه تكون حجة دائرية، إذ يفترض أحدهم أن الكتاب المقدس لا ينطق إلا بالحق، وبذلك يثق بأنه ينقل الحقيقة التي يقولها بصدق. وثمة مثال آخر على الاستدلال الدائري: “حسب ما يقوله عقلي فإن عقلي يوثق به”. بالطبع، نعتقد أنّ عقولنا موثوقة في الحقيقة إذا كانت عقولنا هي الوحيدة التي تخبرنا بهذا. وتسمى الحجة الدائرية باللاتينية Petitio principia والتي تعني افتراض صحة الشيء الأساسي وقد أُسيئتْ ترجمتها إلى الإنجليزية بعبارة: “”begging the question” والتي تعني شَحْذ السؤال. ويعتبر مرتكب هذه المغالطة شخصًا متغطرسًا، إذ يبدو ظاهره أنه يقدم حجة، في حين أنه يكتفي بتكرار ما افترضه سابقًا بطريقة تشبه في ظاهرها تبيان الحجة. يمكنك إدراك الحجة الدائرية عندما تظهر النتيجة بصفتها إحدى مقدمات الحجة.
دورك..
وهناك طريقة أخرى لتفسير الحجج الدائرية وهي أنها تبدأ من حيث انتهت، وتنتهي من حيث بدأت. تأمل فيما يمكنك تحديد الحجة الدائرية:
مثال رقم 1: لا يمكننا اعتبار الفن المجرد فنًا، فلا تمثل هذه الصور والمنحوتات أي شيء، وهذه هي الطريقة التي تعلم أنها ليست فنًا.
مثال رقم 2: ينبغي لنا أن نكون متسامحين حتى مع من يؤمن بأفكار التسامح، فأفكارهم مهمة أيضًا ويمكننا أن نتعلم أشياء جديدة منهم حتى لو فكرتهم غير المتسامحة خاطئة.
7-مغالطة التعميم المتسرع
تُعرّف التعميمات المتسرعة بأنها عبارات عمومية لا تستند إلى أدلة قوية، ذلك أنها ادعاءات عامة تم التوصل إليها بعُجالة نظرًا لاستنتاج مرتكبيها افتراضات محظورة، أو التعميم، أو النتائج غير المبررة، أو المغالاة أو المبالغة. لقد اعتدنا التعميم دون مشكلة، فنطرح عبارات عامة طوال الوقت مثل: أحب الذهاب إلى المتنزه” “يختلف الديموقراطيون مع الجمهوريين” “الذهاب بسيارتك إلى العمل أسرع من الذهاب سيرًا على الأقدام”، إلخ. قد تكون مغالطة التعميم المُتسرّع أكثرَ المغالطات شيوعًا؛ بسبب عدم اتفاق الجميع على مقياس واحد للأدلة القوية.
ففي الحقيقة، تُشكل العبارة “طوال الوقت” الموجودة أعلاه تعميمًا، فنحن لا نتوصل إلى هذه الاستنتاجات طوال الوقت، إذ إننا نستريح للقيام بأمور أخرى مثل الأكل والنوم والتنفس. وهذه العبارات لا تتناول كل حالة في كل حين، فنحن نتحدث بها على وجه العموم، وهي صحيحة بشكل عام. فأحيانًا لا تستمتع بالذهاب إلى المتنزه، ويتفق الجمهوريون والديموقراطيون أحيانًا، يكون الذهاب بالسيارة أحيانًا إلى العمل أبطأ من الذهاب سيرًا على الأقدام.
قد تكون مغالطة التعميم المتسرع أكثر المغالطات شيوعًا، بسبب عدم اتفاق الجميع على مقياس واحد للأدلة القوية، فهل يكفي مثال واحد لإثبات ادعاء أنّ حواسيب أبل هي أغلى علامة تجارية للحواسيب؟ ماذا عن اثني عشر مثالاً؟ ماذا لو كان 37 حاسوبًا من أصل 50 حاسوبًا من حواسيب أبل أغلى من نماذج مقارنة من علامات تجارية أخرى؟ ليس هناك قاعدة صحيحة لما يشكل دليلاً قويًا. وفي هذه الحالة، من المحتمل إيجاد مقارنة منطقية، وإثبات صحة الفكرة أو عدمها. أما في حالات أخرى، فليس هناك طريقة واضحة لدعم الفكرة دون اللجوء إلى التخمين.
تتغير وسائل قياس الدليل تبعًا لطبيعة الفكرة التي تود التوصل إليها، سواء في الفلسفة، أو العلوم، أو الحوار السياسي، أو في مناقشة قوانين البيت لاستخدام المطبخ. وعليه، تكون الفكرة الأكثر أمنًا هي أنّ حواسيب أبل أغلى من كثير من العلامات التجارية الأخرى للحواسيب. وفي الوقت نفسه، من الجيد أنْ نتجنب التعامل مع العبارات العمومية على أنها مسائل تزيد أهميتها عن كونها تعميمات. فحتى لو كان صحيحًا أن النساء سيئات في قيادة السيارات –وأنا لا أقول أنهن كذلك- فهناك الكثير من النساء بمستوى جيد في قيادة السيارات. وحتى لو كان ذلك صحيحًا، لا يشمل التعميم النساء الجيدات في القيادة.
ففي حالتي أنا مثلاً، فإنني أعتبر زوجتي أفضل مني في القيادة. ولذلك فالأفضل لي عدم التعميم. توجد طريقة بسيطة لتجنب التعميم المتسرع وهي إضافة القيود اللغوية، مثل: أحيانًا، أو ممكن، أو غالبًا، أو يبدو أن الحالة كذا وكذا، فعندما لا نحترس من التعميم المتسرع في خطر النمطية، أو التفرقة ضد الجنس الآخر، أو العنصرية أو الخطأ البسيط. لكن مع القيود اللغوية السليمة، نتوصل إلى التعميم المتسرع بفكرة مصدقة وجديرة بالمسؤولية.
دورك..
أي الجملتين تعتبر تعميمًا متسرعًا:
مثال رقم 1: يُصوّت البعض دون النظر إلى ميزات المرشح.
مثال رقم 2: يُصوّت الناس هذه الأيام وفقًا لعواطفهم لا لعقولهم.
8-مغالطة الرنجة الحمراء
تُعرّف مغالطة الرنجة الحمراء، بأنها ضرب من الإلهاء عن المناقشة، يتّسم بأنه ذو ميل نحو الارتباط بالموضوع، لكنه ليس كذلك تمامًا، إذ يبدو هذا الإلهاء مرتبطًا بموضوع.. لكنه لا يَصُبّ في صُلبه تمامًا. يشيع استخدام هذا التكتيك عندما لا يرغب أحدهم بالتحدث في الموضوع، ويريد الالتفاف نحو شيء آخر أسهل، وآمن لتناوله بدلاً من الموضوع الأصلي.
وعادة ما تكون إلهاءات الرنجة الحمراء مرتبطة بالقضية التي يتم تناولها حاليًا، لكنها ليست مرتبطة به بما يكفي لتثري النقاش، فهي تشوّش وتلهي بدل أن توضح وتركز. كما أنه من الصعب تحديد حجج الرنجة الحمراء؛ لأنّ كيفية ارتباط المواضيع المختلفة لا تتضح دائمًا. ويطلق اسم الرنجة الحمراء على سمك الرنج المدخن، وهو سمك الرنج المملح ولونه بني مائل إلى الحمرة ويتصف بأنه لاذع.
ووفقًا لما ترويه الأسطورة، فقد كانت رائحة هذا السمك قوية جدًا ومحببة جدًا لدى الكلاب؛ الأمر الذي جعلها مفيدة بصفتها جهاز تدريب لاختبار تتبع كلاب الصيد للأثر دون تشتت انتباههم. وبما أن الكلاب لا تُستخدم عمومًا لصيد الأسماك، تستخدم الرنجة الحمراء بصفته ملهيًا عما يفترض للكلب اصطياده. وبالطريقة ذاتها، يمكن استعمال موضوع جانبي بأسلوب مرتبط، أو غير مرتبط. ففي الخلافات اليومية الكبيرة، عادة ما ندخل فيها كثيرًا من الطبقات التي تنسج فيها مواضيع فرعية مختلفة. بَيْد أنه يمكننا الاحتراس من الوقوع في مغالطة الرنجة الحمراء من خلال توضيح كيفية ارتباط ما نتحدث عنه بالموضوع الأصلي.
دورك..
أي من الأمثلة الآتية يحتوي مغالطة الرنجة االحمراء:
مثال رقم 1: تريد زوجتي التحدث عن تنظيف المرآب؛ لذلك سألتها عما تود فعله بأثاث الباحة. والآن تتسوق لشراء أثاث جديد للباحة ولا تُصدع رأسي بالحديث عن المرآب.
مثال رقم 2: تريد زوجتي التحدث عن تنظيف المرآب فسألتها عما تريد فعله بأثاث الباحة، فهو يأخذ حيزًا في المرآب.
9-مغالطة التوسل بالنفاق
وتعني باللاتينية “tu quoque” أنت. أيضًا، تُسمى هذه المغالطة بمغالطة التوسل بالنفاق؛ لأنها تُحيّد عن النقاش من خلال إظهار النفاق بغية معارضة حجة الطرف الآخر. لن يَحُل هذا التكتيك المشكلة، أو يثبت وجهة نظر أحدهم لأنه حتى المنافقون.. يقولون الحقيقة في هذه الحالة! إذ إن التركيز على نفاق الشخص الآخر هو تكتيك تضليلي. وبهذه الطريقة، يَصرف من يستخدم المغالطة النقدَ عن نفسه إلى شخص آخر؛ باتهام الشخص الآخر بنفس المشكلة، أو ما يمكن أن يقارن بها. فعلى سبيل المثال، إذا قال جاك: “قد أكون وقعتُ في الزنا، ولكنك فعلت ذلك يا جيسون” فإن جاك يحاول التخفف من عبء المسؤولية والدفاع عن أفعاله بإلقاء اللوم على الآخرين. بيد أن لا يُعذر أحدهم وترفع عنه خطيئته بخطيئة غيره. وبغض النظر عن مرتكب الذنب، فإن جاك لا يزال زانيًا.
رغم أن مغالطة التوسل بالنفاق هي محاولة لتحويل اللوم فهي فقط تحيد عن المشكلة الأساسية. ومن باب التوضيح، فإنك لا تقع في المغالطة بمجرد الإشارة إلى النفاق. فعلى سبيل المثال، قد يقول جاك: “ارتكبتُ الزنا وارتكبه جيسون وكثير من الناس، ولكنني مسؤول عن أخطائي”.
ففي هذا المثال، لا يدافع جاك عن نفسه أو يقيم أعذارًا لاقترافه هذا الذنب، وإنما اعترف بدوره في مشكلة أكبر. تصبح فكرة النفاق مغالطة فقط عندما يستعمل المجادل بعض النفاق الظاهر لتحييد النقد وصرفه عن الموضوع الأساسي.
دورك..
أي مما يلي يعتبر توسلاً بالنفاق:
مثال رقم 1: لكنني أعلم يا أبي أنك كنت تدخن عندما كنتَ في مثل سني. فكيف تخبرني بأن لا أفعلها؟
مثال رقم 2: نعم يا بُني. دخّنتُ عندما كنت في مثل سنك. كنتُ ولا زلتُ أفعلها. لذلك أمنعك من التدخين أو استعمال السيجارة الإلكترونية، أو لفافات النيكوتين، أو مضغ التبغ، أو أيٍّ مما يفعله الصبية بالتبغ هذه الأيام.
10- المغالطة السببية
يمكن اعتبار المغالطة السببية أي خلل يحصل عند تحديد السبب، إذ يمكنك فهمها على أنها الصنف الذي يأتي في أعلى هرم مغالطات عديدة مختلفة تدور حول أسباب غير مثبتة. وإحدى هذه المغالطات هي مغالطة العلة الخاطئة، أو ما ليس على علة، باللاتينية non causa pro causa، ونقع فيها عند استنتاج علة دون وجود أدلة كافية. فعلى سبيل المثال, يقول القائل: “لا بدّ أنّ والديك مزارعان/ لأنهما أسمياك Harvest [والتي تعني حصاد بالعربية]” رغم احتمال أن يكون الوالدان مزارعان، فإن هذا الاسم وحده ليس دليلاً كافيًا على تلك النتيجة، فهو لا يخبرنا شيئًا عن ذينك الوالدين.
وبذلك يقع صاحب الادعاء في مغالطة العلة الخاطئة. وهناك مغالطة سببية أخرى، وهي مغالطة حدث بعده، أو الارتباط بالصدفة، أي أن ما بعد كذا هو سببه بالضرورة. ويتمثل الوقوع في هذه المغالطة عندما نحيل أمرًا ما إلى علة معينة لا لشيء سوى لحدوثها أولاً. وعليه، فإنّ الكلمات المفتاحية في هذه المغالطة هي Post والتي تعني بعد، وكلمة propter والتي تعني بسبب. لا يقتضي فقط حدوث أمر قبل آخر سببيته، فالبعدية لا تثبت السببية. وتتأثر كثير من معتقداتنا الخرافية بهذه المغالطة.
فعلى سبيل المثال، يقول القائل: “بالأمس، مشيتُ داخل المبنى تحت سُلّم بشمسية مفتوحة بينما كنت أَصُب الملح أمام قطة سوداء، ونسيت الطَّرق على الخشب بزهرة النرد. لهذا السبب يومي سيء، إنّ حظي تعس.
وهناك نوع آخر من أنواع المغالطات السببية، وهو مغالطة خلط الارتباط بالأسباب وتعرف باللاتينية بcum Hoc ergo propter hoc أي حدث معه فهو سببه. ونقع في هذه المغالطة عند إساءة تفسير أمرين حدثا معًا على أنهما مرتبطين من ناحية سببية [أي أن هذا حدث بسبب ذاك], إذ ربما يرتبط أمران دون علاقة سببية، أو يحدثان بسبب عامل ثالث أدى إلى حدوثهما معًا، أو ربما تزامن حدوث الأمرين معًا بالصدفة. كما أنّ الارتباط لا يثبت السببية.
تأمل على سبيل المثال: يرتدي جوكو ملابس السباحة في كل مرة يذهب ليسبح فيها. لذا، فهناك شيء ما وراء ارتداء هذه الملابس تجعله راغبًا بممارسة السباحة. تحتوي العبارة أعلاه على مغالطة خلط الارتباط بالأسباب، إذ إنه من المحتمل نظريًا بالتأكيد أنه يرتدي ساقَي السباحة ذوات الطراز الأوروبي دون أن يلقي بالاً إلامَ سيؤدي هذا التصرف، وفجأة وجد نفسه متحفزًا للغوص والسباحة في مياه رطبة باردة. نعم، هذا محتمل. لكن من المعقول أكثر أن يرتدي ساقيه لأنه أصلًا خطط لممارسة السباحة.
دورك..
أي من المغالطات السببية موجودة في الأمثلة التالية:
مثال رقم 1: لم يأتِ جيمي إلى المدرسة هذا اليوم. لذا، فقد ذهب في رحلة مع عائلته.
مثال رقم 2: يعاني جيمي من الحُمّى واحتقانِ الجيوب الأنفية، والسُّعال ولا يستطيع القدوم إلى المدرسة اليوم. لذا يحتمل أن يكون لديه اختبار اليوم.
مثال رقم 3: يجب نقل إشارة عبور الغزلان، فهذا امتداد خطير للطريق العام، وعلى الغزلان أن تعبر من مكان آخر.
11-مغالطة التكاليف الغارقة
نستثمر طاقاتنا أحيانًا في مشروع نمتنع عن تركه حتى عندما يتضح لنا أنه لا فائدة ترجى من هذا الاستثمار. من الطبيعي وغير المغلوط أن نركز جهدنا فيما نراه مهمًا، على الأقل بسبب الموارد التي نبذلها فيه. ورغم كل هذا، يغدو هذا الضّرْب من التفكير مغلوطًا عند بدء التفكير بمتابعة مهمة أو مشروع ما، نظرًا لما بذلناه فيه، دون النظر إلى التكاليف المستقبلية التي سنجلبها إلينا جراء هذا العمل. ربما يكون هناك إحساس بالإنجاز عند إتمام ما نقوم به، وتكون هناك قيم أخرى لهذا المشروع، لكن هذا لا يكفي لتبرير التكلفة المستثمرة فيه، إذ إننا سريعو التأثر بهذا التصرف غير العملي، عند الرغبة بإحساس الإتمام أو الإنجاز هذا. إنّ التكلفة الغارقة: هو مصطلح اقتصادي يستخدم للتعبير عن أي نفقات ماضية لا يمكن استعادتها بأي حال.
فعلى سبيل المثال، بعد مشاهدتك ست حلقات من Battlestar Galactica قرّرتَ أنّ هذا العرض لا يناسبك. تعتبر هذه الحلقات الست تكلفتك الغارقة. ولكن نظرًا لاستثمار ست ساعات ربما تقول في نفسك أنه من المنطقي إنهاء العرض بأكمله. نقدم اعتذارنا للممثل الأمريكي إدوارد جيمس أولموس -وهو أحد النجوم البارزين في هذا العرض- فهذا ليس مجديًا من الناحية الاقتصادية، إذ تعلو تكلفته على فائدته. ومن الناحية النفسية، نبدو سريعي التأثر تجاه هذا التصرف الضال عندالرغبة بهذا الحس من الإتمام أو الإنجاز. أو حتى نجد أنفسنا مرتاحين جدًا نحو هذا المشروع غير العملي.
دورك..
تأمل الأمثلة التالية وانظر أيها يعد تكلفة غارقة وأيها لا يعتبر كذلك:
مثال رقم 1: أعلم أنه لا جدوى من هذه العلاقة وأن كلانا تعيس. لا زواج، لا أطفال، لا عمل ثابت. لكني أمضيت معه سبع سنوات ومن الأفضل أن أبقى معه.
مثال رقم 2: أتممتُ نصف الفترة في الجامعة. كان هذا صعبًا وليس ممتعًا كما ظننته. لا أعلم. أخمن أنني سأتم ما بدأته وأحصل على الشهادة.
12- مغالطة الاحتكام إلى السلطة
تحدث هذه المغالطة عند إساءة استخدام السلطة. وتتعدد صور هذه الإساءة بحسب الموقف، فمن ذلك الاقتصار على توثيق السلطات التي يتم توجيهها بعيدًا عن الأدلة الملموسة التي يمكن اختبارها\ن كما لو أنّ رأي خبير ما، دائمًا ما يكون صحيحًا، أو توثيق سلطات لا صلة لها بالموضوع، أو سلطات هشة، أو سلطات خاطئة. وكحال كثير من المغالطات التي تناولناها في القائمة، فإنه من الصعب تحديد هذه المغالطة، إذ يصعب أحيانًا فهمها لأنه من الجيد أحيانًا أن نوثّق ما نقول بالاحتكام إلى سلطة ذات صلة بالموضوع لدعم وجهة نظرك. ولا مشكلة في ذلك.
بيد أنه لو كان كلما لديك هو سلطات، وتطلب من الآخرين أن يُحيلوا كلامهم إليها دون دليل آخرلإثبات صحة هذه السلطات، فحينها أنت في مشكلة. غالبًا ما تنطبق هذه المغالطة على توثيق سلطة لا صلة لها بالموضوع، مثل الاحتكام إلى أخصائي القدم، لمحاولة إثبات أمر يتعلق بالطب النفسي، فخبراته أو خبراتها تَصُبّ في مجال مختلف. ينبغي لك أن توثق كلامك بسلطات ذات صلة بالموضوع عندما توثق سلطات لإثبات وجهة نظرك.
وبالإضافة إلى ما سبق، فمن الضروري تمثيلها بالشكل الصحيح، والتأكد من منطقيتها. لنفترض أنّ أحدهم قال: أشتري ملابس داخلية ذات العلامة التجارية: Fruit of the loom لأن لاعب كرة السلة الأمريكي يعتبرها الأفضل. بيد أن مايكل جوردان سلطة لا صلة لها بالموضوع عند الحديث عن الملابس الداخلية. وبذلك، يقع المتحدث في مغالطة الاحتكام إلى سلطة لا صلة لها بالموضوع.
والآن تأمل هذه القفزة المنطقية: “يتفق أربعة من أطباء الأسنان من أصل 5 على أنّ تنظيف الأسنان بالفرشاة يجعل لحياتك معنى”. يمتلك أطباء الأسنان بشكل عام خبرة واسعة في مجال صحة الأسنان، إلا أنهم غير مؤهلون للوصول إلى نتائج حول المغزى من تنظيف الأسنان بالنسبة للحياة. وتعتبر هذه مغالطة في سوء استخدام السلطة، لأن اعتقاداتهم –كما نعلم- حول معنى الحياة، هي مجرد آراء، وليست نصائح تنبع من خبراء. أو تأمل الافتراض الذي يقول بأنني أكثر الرجال وسامة في العالم؛ لأن أمي ترى فِيّ ذلك. ربما أبدو على قدر عالٍ من الوسامة بشكل ملفت إلا أن رأي أمي لا يثبت ذلك. إنها متحيزة، إذ يطلب منها عمليًا أن ترى أفضل ما عندي وأن تشجعني على أن أكون الأفضل. إنها مهيَّأة لتراني من نظارة وردية. وفي هذه الحالة، لا تُعتبر خبيرة في الموضة أو الأزياء أو أي شيء يتعلق بمسائل الحكم على الجمال البشري.
إذن، فهي ليست بوضعية تسمح لها بالجزم بأنني أكثر الرجال وسامة في العالم؛ ولذلك فسلطتها وهمية، إنني آسف أمي. كما تظهر مشكلة أخرى في الاحتكام إلى السلطة وهي أنها يمكن أن تكون خاطئة أحيانًا. فعلى سبيل المثال، اعتقد علماء القرن السادس عشر بمركزية الأرض، أي أن الأرض هي مركز النظام الشمسي. ثم اتضح خطؤهم بعد ذلك، حيث ظن رواد العلم أن الكون –وجد –كما نعرفه- وهو ما يعرف بنظرية الحالة الثابتة. ولهذه الأسباب، إنه لقاعدة جيدة أن نتعامل مع السلطات على أنها مرشد مساعد بأدلة تشير إلى ما نتحدث عنه. بيد أنه حتى السلطات تستحق أن نمنحها قدرًا كبيرًا من الشك، لأنها ترتكب أخطاء وتتجاوز بذلك حدود خبراتها فيؤدي ذلك إلى تضليلك.
دورك..
تأمل الأمثلة التالية وانظر كيف يُساء استعمال السلطة فيها:
مثال رقم 1: من المحتمل أن يكون الممثل الأمريكي مارتين شين رئيسًا عظيمًا في الحياة الواقعية، لأنه مثل دور الرئيس على شاشة التلفاز.
مثال رقم 2: ستستعبدنا الروبوتات يومًا ما. هذه حقيقة لأن أستاذي في علم الحاسوب قالها.
مثال رقم 3: صرّح موقع الإنترنت الإخباري هذا بأن المرشح يضرب الأطفال بشدة. نعلم أن هذه حقيقة لأنه موجود على الإنترنت.
13-مغالطة الالتباس أو الغموض
تحدث مغالطة الالتباس، عند الاستخدام المتعمد لكلمة ما، بغية تشويش أو خداع أو تضليل شخص ما، عن طريق التمويه، بأنه يقول شيئًا ما لكنه حقيقةً يقصد شيئًا آخر، إنّ الالتباس بذلك يكون نتيجة لجذورٍ مساوية لصيغة واحدة، وتنطبق على صيغتين، بحيث يمكن لكلمة واحدة أن يُقصد بها شيئان مختلفان. وهناك مصطلح آخر للالتباس، وهو الغموض. فعندما يفعلها الكاتب أو المتكلم في الشعر، أو مشهد فكاهي نسميها لعب بالكلمات أو تورية. أما عند ارتكابها في خطاب سياسي –مثلا- أو في حوار عن الأخلاق، أو في تقرير اقتصادي، بغية إيهام المستمعين أنك تقول شيئًا ما وأنت لا تقصده، فإننا نقول: “إنك وقعت في المغالطة”. وأحيانًا لا تكون هذه مغالطة بطبيعتها، وإنما هو خطأ في التواصل. وعلى الرغم من ذلك، يظهر أن الالتباس ينطوي على لون من ألوان الخداع بدلًا من الاكتفاء بسوء فهم بسيط، بحيث يظهر هذا الخداع على شكل صيغ تلطيفية؛ أي استبدال الكلمات غير المرغوبة بمصطلحات ألطف منها، مثل: استبدال كلمة الكذب بعبارة الرخصة الإبداعية، أو استبدال عبارة خلفيات إجرامية بعبارة طيش الشباب أو استبدال مصطلح مطرود من الوظيفة بعبارة التقاعد المبكر.
وللتوضيح، فإنه من الممكن أن يناقش عشيقان علاقتهما مع الآخرين بوصفهما أصدقاء فقط، دون أن يظهرا أنّ لديهما علاقة رومانسية أخرى. فعندما تستعمل هذه الكلمات بغية تضليل الناس تعتبر مغالطة التباس.
دورك..
أي من الأمثلة الآتية يعتبر مغالطة التباس:
مثال رقم 1: يرغب حزبه السياسي بإنفاق ضريبتك الثمينة على بناء حكومة عظيمة. بيد أن حزبي السياسي يخطط لاستثمار استراتيجي فيدرالي في برامج مهمة.
مثال رقم 2: لا أفهم لماذا تقول أنني نكثت عهدي، فقد قلت أنني لن أتحدث إلى خليلتي فلانة ثانية، وفعلا لم أتحدث إليها، لكنني فقط أرسلت إليها صورًا ورسائل نصية.
14-مغالطة الاحتكام إلى الشفقة
إنّ عبارة Argumentum ad misericordiam هي المصطلح اللاتيني لعبارة الاحتجاج بالشفقة، إذ أنها مغالطة تتعلق بالارتباط، مثل: مغالطة الاحتجاج بالشخص، حيث أنّ كُلًا من الهجمات الشخصية، والمناشدات العاطفية ليست مرتبطة بشكل صارم بصحة الشيء أو عدمها. وفي هذه الحالةن تحتكم هذه المغالطة إلى الرحمة، والحساسية العاطفية لدى الآخرين عندما لا ترتبط هذه العوامل بشكل صارم بالحجة. يظهر الاحتكام إلى الشفقة بصفته شكلاً من أشكال التلاعب العاطفي.
فعلى سبيل المثال، قولك لشخص ما: “كيف يَطيب لك أكل هذه الجزرة الصغيرة البريئة التي قُطفت من بيتها في الأرض، وسلخت قشرتها بعنف، وعولجت بالمواد الكيميائية ثم وضعت في صندوق، وتم شحنها إلى محل الخضراوات في منطقتك، والآن تأكلها! فكر فيم ستدخله إلى جسدك؟” من الواضح أن هذا التشخيص لأكل الجزر يُغذّي العواطف من خلال تجسيد جزرة صغيرة على أنها حيوان صغير. وبذلك، فلن تكون النتيجة مدعمة بشكل جيد عند ظهورها.
فإذا أردت أن تكون مقتنعًا بشكل منطقي لتتفق مع الرأي القائل بأنه ينبغي لك أن تُعيد النظر فيم تدخله إلى جسدك، فإنّ الاستماع إلى الممارسات الزراعية اللاأخلاقية أو الممارسات التجارية الجائرة، مثل: عمالة العبيد، أو تفشّي السموم من الحقول، وغيرها، سيكون دليلًا أفضل على النتيجة التي تم التوصل إليها. إنّ الصدق والكذب أقسام واقعية، وليست أقسامًا عاطفية، فهي تتعامل في ضوء ما هو موجود، وما هو غير موجود، بغض النظر عن شعورك تجاه الموضوع. ونُعبّر عن الموضوع بطريقة أخرى بقولنا أنّ هذه المغالطة تحدث عندما نخطئ في الخلط بين المشاعر والحقائق، فمشاعرنا ليست متحريّات منضبطة عن الحقيقة ما لم نُدرِّبها على ذلك.
ولذلك، فالقاعدة العامة هي أنه من الإشكال أن نعامل العواطف كما لو كانت فعلاً إثباتات معصومة عن الخطأ بحد ذاتها، على صحة شيء ما أو عدم صحته. فربما يكون الأطفال خائفين من الظلام بسبب خوفهم من وجود وحوش تحت أَسِرتهم، لكن هذا لا يعتبر دليلًا على وجود الوحوش. ومن باب الإنصاف، يمكن للعواطف أحيانًا أن تكون مرتبطة بصحة الشيء أو عدمها، فغالبًا ما يكون الجانب العاطفي حجة رئيسة على ما إذا كان أمر ما منفرًا، أو جديرًا بالثناء من الناحية الأخلاقية، أو على أن سياسة حكومية ستكون جذابة أو منفرة. يمكن أن تكون مشاعر الناس تجاه أمر ما بيانات مهمة بشكل أساسي عند التخطيط لحملة، أو الإعلان عن منتج، أو تجميع عدد من الأشخاص معًا بغية القيام بعمل خيري.
بيد أنه سيكون من المغلوط أن يتم الاحتكام إلى الشفقة، باستعمال المشاعر للتعويض عن الحقائق، أو بغية صرف النظر عن حقائق الموضوع. فليست المغالطة في أن تستثير شركات السيارات والمجوهرات لإقناعك بشراء منتجاتهم، فهذا فعل وليس ادعاء ولا يمكن أن يكون صحيحًا أو خاطئًا. ورغم ذلك، ستكون مغالطة إذا استعملوا المحفزات العاطفية لإثبات حاجتك إلى هذه السيارة، أو أن سوار الماس هذا سيستعيد شبابك، والجمال والحالة الاجتماعية من التجاعيد الباردة الناتجة عن زمن الأبوة. وحقيقة الأمر هي أنك ربما لا تحتاج تلك الأشياء، ولن تخاطر بإعادة شبابك الغابر.
دورك..
أي من هذه يعتبر احتكام مغلوط إلى الشفقة وأيها لا:
مثال رقم 1: على الحكومة أن تسمعنا لأننا خائفون، خائفون أن لا يحترمنا هذا المرشح أو يحمينا، خائفون على مستقبلنا، لا أمل لأمثالنا إزاء هؤلاء المرشحين في المكتب.
مثال رقم 2: صرّح هؤلاء المرشحون بأنهم سيغلقون قسم التعليم، وأن كثيرًا من المعلمين قلقون على وظائفهم لعام 2017.
15-مغالطة التوسل بالأكثرية
تفترض مغالطة التوسل بالأكثرية صحة أمر ما لمجرد أن الآخرين يتفقون معه. تندرج مغالطتين مختلفتين تحت هذا المسمى، نظرًا لعدم إمكانية تمييز هذه المغالطات عند الممارسة. أما الأولى فهي مغالطة الاحتكام للشهرة، باللاتينية ad populum وتحدث عندما يتم قبول أمر ما بسبب شهرته. وأما الثانية فهي مغالطة الحجاج الجماهيري، باللاتينية concensus gentium (Lat. وتحدث عندما يحكم بصحة أمر ما لأنّ الناس والسلطات المتعلقة بهذا الأمر يُقرّونه. وكذلك مغالطة الاحتجاج بالحالة التي تحدث عندما نعتبر أنّ أمرًا ما صحيحًا أو جيدًا، لأن لديه سمعة حالة الإعارة وهو ما يجعلك تبدو مشهورًا أو مهمًا أو ناجحًا. ولغاياتنا، نعامل كل هذه المغالطات معًا بصفتها مغالطة التوسل بالأكثرية. وفقًا للأسطورة، كان الساسة يجوبون شوارع مقاطعتهم محاولين الاحتشاد، ولفت الأنظار حتى يصوت الناس لهم. وأيًا كان المدعوون لدعم هذا المرشح، فهم سيركبون حرفيًا عربة الفرقة Band Wagon.
من هذه الأسطورة ظهر اسم مغالطة عربة الفرقة Band Wagon أو التوسل بالأكثرية. يشيع هذا التكتيك بين المعلنين كقولهم مثلا: “إذا أردت أن تكون مثل لاعب كرة السلة الأمريكي مايك جوردان فيجب أن تتناول إفطارك”. أو قولهم: “تناول شراب الطاقة، فهذا ما يفعله كل لاعبو القوى المحترفين لتبقى أجسامهم بصحة جيدة” أو قولهم: “خدم مطاعم ماجدونالز ما يربو على 99 بليون إنسان، فعليك أن تدعهم يخدموك”. تبدو صيغة هذه الحجة كالتالي:
“كثير من الناس يعمل أو يفكر ب[س] فينبغي لك أنت أيضًا أن تفعل أو تفكر ب[س]. والمشكلة مع هذا النوع من التفكير هي أن التقبل الواسع لأمر ما ليس دليلاً جيدًا على أن هذا التقبل مبرر، إذ يمكن أن يكون الناس مخطؤون، أو حيارى، أو حتى أن يكونوا عمدًا غير منطقيين. وعندما يتصرف الناس معًا سيصبحون أكثر غباءً وهذا ما يعرف بعقلية الغوغاء، حيث يمكن أن يكون الناس ريشة في مهب الريح، ولا تتغير هذه الحقيقة عندما تنطبق على مجموعات كبيرة.”
دورك..
أي من هذه يعتبر مغالطة توسل بالأكثرية:
مثال رقم 1: سيكون كل من في مدرستي في حفل ليلة الجمعة؛ فلا بد أن يكون شيئًا مشهورًا لنقوم به.
مثال رقم 2: سيكون كل من في مدرستي في حفل ليلة الجمعة؛ فلا بد أن يكون الشيء الصحيح لنفعله.