عيد الفصح: عيد واحد وتاريخان مختلفان بين اليهودية والمسيحية

يُعد عيد الفصح من الأعياد ذات الأهمية الروحية والعمق التاريخي في كل من الديانتين اليهودية والمسيحية، إلا أن دلالاته، توقيت احتفاله، وحتى طريقة إحيائه تختلف بشكل جوهري بين الطرفين. على الرغم من أن كليهما يتقاطعان في جذور تاريخية مشتركة، فإن تطور كل دين أضفى على العيد خصوصيته الفريدة.
الفصح اليهودي (بيساح): عيد الحرية والعبور
يُعرف الفصح اليهودي باسم “بيساح” أو “عيد العبور”، ويحمل روابط تاريخية عميقة مع قصة خروج بني إسرائيل من أرض مصر وعبورهم البحر الأحمر بقيادة النبي موسى، ومن ثم اجتيازهم أرض سيناء للوصول إلى فلسطين. إنه عيد رئيسي في اليهودية، يُحتفل به تذكارًا لخلاص بني إسرائيل من العبودية وحصولهم على حريتهم، كما هو مذكور في سفر الخروج من التوراة.
لا يقتصر الاحتفال بالفصح اليهودي على يوم واحد، بل يستمر نحو سبعة أيام متواصلة. يبدأ عادةً في الخامس عشر من شهر أبريل (نيسان) ويستمر حتى العشرين من الشهر ذاته حسب التقويم العبري. يُعرف هذا العيد أيضًا بأسماء أخرى مثل “عيد الفطير” (لأن بني إسرائيل خرجوا على عجل ولم يتسن لهم وقت لتخمير الخبز)، و”عيد الحرية”، و”عيد الربيع”.
الفصح المسيحي: ذكرى القيامة والبعث
في المقابل، يرتبط عيد الفصح المسيحي بشكل وثيق بقيامة أو بعث السيد المسيح بعد صلبه، وفقًا للمفهوم الإيماني المسيحي. تاريخيًا، احتفل المسيحيون الأوائل بفصحهم في نفس توقيت الفصح اليهودي، أي في الرابع عشر من أبريل (نيسان).
ولكن، جرت مراجعة توقيت عيد الفصح المسيحي لاحقًا، أبرزها في المجمع الشهير المعروف باسم مجمع نيقية عام 325 ميلادية. في هذا المجمع، تم تثبيت قانون لا يزال مطبقًا حتى الآن لتحديد موعد الفصح المسيحي: يقع عيد الفصح في الأحد الأول الذي يلي بدر القمر الواقع في أول الربيع. هذا يعني أن هناك عنصرين لتحديد موعد الفصح: عنصر شمسي وهو يوم الاعتدال الربيعي (21 مارس)، وعنصر قمري وهو اليوم الرابع عشر من الشهر القمري. بناءً على هذا، يكون الأحد الذي يلي بدر الربيع هو عيد الفصح لجميع المسيحيين.
إعلان
الفصح كرمز للتجديد والأمل
بغض النظر عن الاختلافات اللاهوتية والتوقيتية، يمثل عيد الفصح في جوهره رمزًا عالميًا للتجديد، الأمل، والانتصار. إنه وقت للتأمل في الخلاص والتحرر، سواء كان ذلك من العبودية التاريخية أو من القيود الروحية. يجلب هذا العيد معه بشائر الربيع وبداية دورة جديدة من الحياة، مما يجعله مناسبة للاحتفال بالأمل في مستقبل أفضل، والفرص الجديدة، والقدرة على التغلب على التحديات. هذا المعنى المشترك يجعل الفصح رسالة عالمية تتجاوز الحدود الدينية، وتلهم الملايين حول العالم.
ما الفرق بين عيد الفصح اليهودي والمسيحي؟
يمكن تلخيص الفرق بين عيد الفصح اليهودي والمسيحي في النقاط التالية:
- الدلالة اللاهوتية:
- الفصح اليهودي: يركز على الخلاص الجسدي والتحرر من العبودية، وتأسيس العهد بين الله وبني إسرائيل.
- الفصح المسيحي: يركز على الخلاص الروحي والبشري، والقيامة من الموت، والنصر على الخطيئة والموت.
- التوقيت والتقويم:
- الفصح اليهودي: يعتمد على التقويم العبري الشمسي القمري ويبدأ في 15 نيسان عبري ويستمر 7 أيام.
- الفصح المسيحي: يعتمد على قاعدة مجمع نيقية (الأحد الأول الذي يلي بدر الربيع)، مما يجعله عيدًا متحركًا ولا يقع دائمًا في نفس اليوم كل عام، ويختلف موعده بين مسيحيي الغرب (التقويم الغريغوري) ومسيحيي الشرق (التقويم اليولياني)، بفارق يتراوح عادة بين أسبوع وأربعة أسابيع. يندر أن يتفق الموعدان إلا مرة كل أربع سنوات تقريبًا.
- طقوس الاحتفال:
- الفصح اليهودي: يتميز بوجبة “السيْدر” التي تُقام ليلة الفصح، وتناول خبز الفطير (المتساه)، واستخدام رموز معينة تروي قصة الخروج.
- الفصح المسيحي: يتميز بالاحتفالات الكنسية، والقداسات الخاصة بالقيامة، وتبادل التهاني، وتناول البيض الملون.
على الرغم من الاختلافات، يظل عيد الفصح رمزًا للأمل، التجديد، والانتصار، ولكل منهما مكانته الخاصة في قلوب وعقول أتباعه.
إعلان