جذور الخطيئة في معتقد الشيعة
بجهـد فرديّ، حاولت أن أكشـف الحجاب عن مُعتقدات القرآن وَالشيعة. وَفي الحقيقـة، معرفة الجذوُر كالدخول في كهف عميـق صعب بلا نهاية، خصوصًا عند مقارنته بالديانات خارج (الشيثية أو الإسرائيلية) أو داخل المعتقدات الإبراهيمية اليهودية وَالمسيحية، وَإضافة إلى الغنوصية التي ازدهرت من تزاوج الثقافـة الهيلنسيتيـة وَالشرقيـة!
خصصتُ هذا المقال للتعرف على مفهُوم الخطيئة لدى الشيعة وَارتباطها بالمعتقد التوراتي عن خطيئة العجل.
النقطه الأولى: من المُهم جدًا لمعرفة جذور الإسلام ألا يكُون توسّعك فقط داخل الإسلام، لكن أيضًا بالرجوع إلى الوراء؛ إلى المُخلّص يسوع وَقبلها إلى شعب الله المُختار بني إسرائيل، وراءً إلى بني الوهيـم؛ أبناء شيث حتى نصل إلى خطيئة آدم.. هكذا يؤرخ الشيعة لمُعتقدهم، فالخطيئة ابتدأت عندما حسد آدم شجرة الخُلد وَالتي هي رمز لأهل البيت الخمسـة وَأبنائهم التسعـة، وَهُم خَزَنة عِلْمه وَأمناء سرّه وَهم الأمانة التي يسجد لها، لكن آدم أراد امتلاكها فأهبطهُ الله من الجنة، فصار هذا العلم بصُورة صوره تتناقل في الأصلاب من آدم إلى المهدي (ماشيح آخر الزمان). (١)
(وسأفصّل القصّة لتناقل الأصلاب وَمفهُوم الصفوة وَارتباطه بعصمة الإمام وَألوهيته وَالاحتفاظ بالعلوم السرية في مقال ثانٍ، وَأوضح هذا المُعتقد من أهم مُعتقدات التشيع -أي مفهوم الصفوة، كاصطفاء الأئمة أو أنبياء بني إسرائيل).
أقدَمُ كتاب شيعـي إمامي هُو كتاب سليم بن قيس الهلالـي لأبي صادق سليم بن قيس الهلالي الكُوفي؛ يذكر فيه أنّ الخطيئة الأولى كانت سقيفة بني ساعدة بعد موت النبي مُحمد، وَهنا النقطة المُهمة، حيث شُبّهت جريمة اغتصاب أبو بكر لخلافة علي بـ (يوم كيوم آدم)، وَالنقطة الأهم أنّ الأحاديث في هذا الكتاب توازي بين خطيئة قريش وَ(عبادة العجل) في بني إسرائيل بعد أن غاب عنهُم موسى، وَالقصة مذكُورة في (سفر الخروج)، وَشُبِّه عُمر بن الخطاب بـ (السامري) الذي اصطنع العجل. وَبحسب الكتاب وَكُتب شيعية أخرى، رفض عمر بن الخطاب قرآنَ (علي) الذي رمزهُ رمز ألواح الشهادة لمُوسى والتي حُطّمت بعد أن نزل موسى وَوجد الشعب يرقـص متعبداً لـ(العجل الذهبي)، وَهنا عمّم الشيعـة الخطيئة على كُل قريش. وَستُخصَّص الخطيئة لاحقًا على الشيعة، بعد مقتل الحُسين.(٢)
من المُهم هنا أن نرجع إلى حادثة العجل كما وردت في سفر الخروج؛ السفر الثاني من الأسفار الخمسة من التناخ، وَيُطلَق على الخمسة اسم (توراة).
لو نلاحظ أنّ عهد الربّ مع أنبياء التوراة عهدُ (دم)، وَالدّم يحمل صفة غامضة في التوراة تتجلّى في (المله؛ أي الختان) بحقبة إبراهيم، وَعهد القرابين في فترة موسى؛ بحيث أنّ (يهوه)، الذي هُو تجلٍّ لـ (إيل عليون) في فترة موسى*، يُقدَّم لهُ قربانٌ من بِكر البهائم وَبكر الإنسان؛ أي يُذبح الابن البكر كقربان للربّ**، لكنّ الربّ يستبدل (القرابين البكر للإنسان) بأخذ (اللاوين)، سبط (لاوي)، من بين جميـع إسرائيل ككهانة للرب يحملُون (تابوت العهد)، حيث أوكلت الكهانه لـ (أبناء هارون اللاوي). بذلك يحتجّ الشيعة أن (العقب) في الإمامه صار في سبط الحسيـن دون الحسن كما صار في سبط هارون دون موسى!
عُمومًا، لفظة (لاوي)، كما في سفِر التكوين، تشير إلى (الاقتران)، بذلك هُم مقرونون بالربّ بحيث هُم فقط من يدخلون إلى قدس الأقداس الذي يحوي بداخله (تابوت العهد أو تابوت الشهادة)؛ ماذا يفعل هؤلاء داخل غرفة قدس الأقداس؟ في الواقع هؤلاء يرشّون (دماء القرابين) على غطاء التابوت المُسمى (هاكفار . HaKappar)، وَمنها اشتقت (كفّارة)، حيث بسبب خطيئة العجل فُرض على بني إسرائيل التوبة في يوم غفران يُدعى (يوم كيپور)، وَالذي يرتبط بيوم استشهاد الإمام الحُسين! لكن هُنا بداخل (قدس الأقداس) الذي هُو انعكاس العرش تجلس (شخيناه)*** وَالتي لأجلها يُبنى الهيكل وَالخيمة، وَعبادة العجل كانت خيانة لها وَيوم الغفران كان توبة من الشعب من خيانتها…
فما هي الشخيناه -وَالتي هي بالعربيه تنطق (سكينة)؟
السكينة هي مجد الربّ، وَصورتها (سحابة) وَيُطلق عليها ( كاپود . Kavod )، من السامية (كبد) وَتعني (ثقيل/ شديد) (٣)، وَيطابق معها مع (ميتاترون . Metatron) وَهو ملاك (المركبة. Merkabah) وهو من الأدب اليهودي، بحيث الميتاترون هُو ملاك تصعيد حاخامات اليهود للسموات السبع وَأيضًا يسمى ( جبورة Geburah ) أي قوة (٤) (٥)، وَهنا الاستعجاب! فـ (جبرائيل) تعني (قوة آيل) التي تطابق اسم (شخيناه) (Kavod) وَالذي يوصف أنهُ شديد القوى، وَ(ذي القوة) (٦). وَهذا الكيان يُصوَّر كأنثوي في التناخ، وَفي سُفر الرؤى هي عروس (الماشيح) التي هُجرت بعد هدم الهيكل وَمعصية بني إسرائيل، حيث تصُوَّر ككيان أنثوي حزين…
وَهنا ارجع إلى(أصول الكافي، ج١) باب الروح، التي يسدّد بها الأئمة ص٣٠١ الحديث رقم ( ٧١٦ ) للأمام جعفر الصادق (أبي عبدالله)، يقول فيه أنّ (الوحي) هي (الروح)، وَفي حديث (٧١٣) أنّ (الروح) مُنزلة وَلم تصعد للسماء، وَهي فينا بذلك الوحي الذي شدد وَأوحي إلى النبي مُحمد هو (شخيناه) المهجورة بعد هدم الهيكل، وَالنقطة الأكثر غموضًا أنّ هذه الروح تقابل في الأدب الغنوصي (صوفيا . Sophia) التي هي (روح القدس)، وَالتي بظهُور المُخلّص يُخلّصها من العالم الشيطاني وَيُبدل الأرض إلى جديدة، وَيخلصها من الأغراب التي تهجم عليها آلهة الأمم الأغيار فتغتصبها (٧) (٨)، لذلك وُصف إله إسرائيل الذي هُو متذبذب ما بين الأنوثة وَالذكورة بإله غيور، وَتعبد إلهه أخرى وَالذي هُو خطيئة إسرائيل يجعل صوفيا مهجوره وَزانية، لذلك دُعيت بالساقطة (Prunikos)، وَمادامت (شخيناه) (الروح) بحسب الشيعة في عالم المادة وَلم تكشف أسرارها، وَبما أنّ المسيح يسوع لم يخلّص أورشليم من الأغيار لتكون خالصة لشخيناه وحدهم، وَبما أنّ محمد لم يرفع شخيناه إلى العُلى، فلذلك آمن جميع هؤلاء بالمجيء الأخير للمسيح أو ظهور المهدي، لتصبح أورشليم عروس الماشيح الأبدية -راجع رؤيا أشعياء وَ رؤيا يوحنا الإلهي-
وَنقطه مهمه أنّ روح القدس في المسيحية وَالتشيّع صارت في هيكل/ جسد الإمام وَالمسيح عوضًا عن الهيكل، وَكونها من أوحت للنبي بالقرآن وَأنها تنتقل من إمام الى إمام، يقول الشيعة بحديث (الثقلين) أنّ الإمام مقرون بالقرآن كما أنّ كهنة (اللاوين أبناء هارون) مقرونون بقدس الأقداس وَتابوت العهد الذي تسكنهُ (شخيناه) وَالذي فيه (التوراة) التي كتبتها ( شخيناه ) أيضًا! وَلاحِظ لفظة (ثقلين) تطابق اسم (شخيناه) ( Kavod )؛ فـ ثِقَل تعني شدّة، حيث قول النبي محمد (التمسك بهما ثقيل!)، وَبحسب قول (Rene Guenen) أنّ من تتجلى فيه الشخيناه يُصبح بالعبرية (سار ها عولام . Sar HaOlam)؛ أي (أمير العالم)، وَالتي تطابق المسيح وَالإمام، لذلك رفض الشيعة (الخلافة) وَ(الإمامة) وَلقب (أمير المؤمنين) في غير علي بن أبي طالب، وَأنها مغتصبة في سقيفة بني ساعدة!
وَتقديم بني هارون من لاوي عوضًا عن أبكار الإنسان هُو نفس ما ذُكر في (أخبار الرضا) في ص١٨٩، عن حديث (ابن الذبيحين)، أنهُ لو لم يوحِ الله بتقريب (الكبش) كفداء صارت التضحية بأبناء الرسول هي السنّة الجارية (٩)، وَ(الكبش) الذي أفدى بنفسه هُو (الحسين) (شبير) بن (علي) الذي هُو بمنزلة هارون!
خاتمة: عيد (كيپور)
الشهُور العبرية قمرية الحساب، تبتدئ بـ ( الليل )، وَبحسب (الهلال) أول شهر هو (تشري؛ أيلول) حيث يبتدئ بعيد (روش هاشناه)، أي رأس السنة، وَبظهور هلاله يبدأ احتفال الحزن لدى اليهود الذي يبلغ ذروتهُ في العاشر من (تشري) في يوم الغفران (يوم هاكپوريم أو كيپور)، وَالذي يسُمى بـ (سبت الأسبات)، حيث يبدأ من (غروب ٩ شمس تشري إلى غروب شمس١٠ تشري)، حيث عند الغروب يُنفخ بـ (شوفار) أي البوق (٩)، وَالذي كان يُنفخ فيه سابقًا لدى بني إسرائيل عند الحروب، وَهُو يوم توبة وَتكفير وَأقدس يوم لدى اليهُود، وَيسمى أيضًا بالآرامية (عشوراءى تشري) (١٠)، وَهُو عيد فريضة بحسب (سفر اللاويين) للتكفير عن خطيئة (إسرائيل) لعبادتهم (العجل)؛ وَهي خطيئتُهم الأولى بعد الخروج من مصر، حيث يُضحَّى بتيس أو عجل للتكفير عن خطيئتهم؛ فدماء التيس تُكفر عنهُم وَتُرَشّ دماء الأضحية على غطاء تابوت العهد المُسمى (كافورت)، أيضًا في ١٠ تشري فُرض الختان (بالعبري مِلاه أو مله) على إبراهيم الذي كان رمز العهد بينهُ وَبين الربّ (١١)، وَهوُ نفس اليوم الذي تغيّرت فيه أسماء إبرام إلى (إبراهام، أضيفت ه) وَساراي إلى (ساره حُذف حرف يود “ي” وَ أضيف ه)؛ إذ أنّ Heh حرف أنثوي وَالذي بدخوله الأسماء انزاح العقم عن ساره وَإبراهيم وَالذي رُبط بعهد تقديم الدم (بالختان) (١٢)، أن لفظة ختن تعني (عريس) بالعبرية! وَهُو اليوم الذي هدم فيها (بختنصر) هيكل أورشليم (١٣)، حيث بذلك بدأ شتات اليهود الأول فتهديم الهيكل تهجير للشخيناه، وَهنا بدأت فترة أنبياء الآخرة (نڤئيم أخرويم).
وَفي هذا اليوم في الإسلام قُتل (الحسين بن علي)، إذ قُتل (يوم عاشوراء) (السبت) قبل زوال الشمس، حيث في كتاب لعبدالله بن جعفر قال الحُسين: (والله يا ابن عم ليُعتدين علي كما يعتدي اليهود يوم السبت) (١٤)، وَيوم السبت هُو (سبت الأسبات) كما ذكرت يوم الغفران، وَأيضًا (السبت) في يوم (عاشوراء) يخرج القائم أي المهدي المُنتظر (١٥)، وَ(السبت) هُو يوم راحة الربّ وَتسمى الألفية السعيدة، حيث تحكم صهيُون العالم وَتعمّ السعادة العالم وَتظهر إسرائيل الجديدة وَأورشليم الجديدة (١٦)… وَبعد مقتل الحُسين ظهرت في الكوفة حركة التوابين بقيادة (سليمان بن صرد الخزاعي) حيث شبهُوا أنفسهُم بـ (بني إسرائيل) الذين ظلموا أنفسهُم باتخاذهم العجل إلهًا، وَكما في الآية (توبوا وَاقتلوا أنفسكُم)، وطالبوا في موضع يُسمى (عين الوردة) بدم الحُسين فقتلوا كأضحية تكفيرًا عن خطيئتهم (١٧) (١٨)، وَمن المُفاجئ أنّ اليعقوبي يؤرّخ مقتل الحُسين بتاريخ (١٠ تشرين الأول)! أي (أيلول تشري) في يوم عيد كيپور!
وَهنا بيوم الحُسين خطيئة إسرائيل الأولى وَأيضًا خطيئة الشيعة الأولى، وَهو يوم تحطيم لُوح الشهادة من يدي موسى، وَيوم هدم هيكل أورشليم الأول وَهجرة شخيناه، وَيوم دقّت فيه أبواق الحرب عند مقتله وقت الغروب، وَيوم حزن اليهود وَالنفخ في الشوفار (البوق) عند زوال الشمس!
المراجع: *إصحاح (١٣)، راجع (آيه من ١٠ الى ١٣) * راجع في سفر العدد (آيه ١١-١٢) *** شخيناه تقابل عشتار فخطيئة عشتار هُو هبوط حبيبها تموز القتيل العالم السفلي بذلك أنفصل حبيبها عنها فكانت تبكيه حتى الربيع حيث ينبعث من جديد هُنا نستذكر نشيد الانشاد حيث ترنيمة انثى تنتظر وَ تتغزل بحبيبها ( سُليمان ) وَ هذه الانثى هي شخيناه أو أورشليم التي أسُودت بسبب خطيئة بني إسرائيل ( قارن اسودادها وَ الحجر الاسود حيث اسودادهُ من أخطاء بني آدم وَ الكعبه كما ذكر الأزرقي بُني أساسها على سحابه أي السكينه / شخيناه ! ) (١) سلوا آل محمد . الشيخ الصدوق ابي جعفر بن علي القمي (٢) كتاب سليم بن قيس الهلالي (٣) تاريخ المعتقدات وَ الأفكار الدينيه الجزء الثالث ميرشيا الياذه (٤) Tradition Forms and Cosmic Cycles . Rene Ganeuen (٥) An Esoteric Tradition of Mystical Visions and Unions (٦) الوحي و القرآن و النبوه هشام جعيط (٧) اللغه و المجاز بين التوحيد و وحدة الوجود عبدالوهاب المسيري (٨) الوجه الأخر للمسيح فراس السواح (٩) الاعياد و المناسبات و الطقوس لدى اليهود غازي السعدي (١٠) ذرية ابراهيم ، مقدمه عن اليهود للمسلمين روبين فايرستون Reuven Firestone (١١) الرموز الدينيه في اليهوديه رشاد عبدالله الشامي (١٢) Numbrs . W. Wynn Westcott (١٣) الفكر الديني الإسرائيلي حسن ظاظا (١٤) مناقب آل أبي طالب ابي جعفر بن علي شهرآشوب (١٥) كمال الدين و تمام النعمه الشيخ الصدوق بن بابويه (١٦) المسيحيه و التوراة ، بحث جذور الصراع في الشرق الأوسط شفيق مقار (١٧) أحزاب المعارضه السياسيه الدينيه في صدر الاسلام يوليوس فلهاوزن (١٨) تاريخ اليعقوبي