الحلم النباتي ماذا سيحدث لو تحول البشر إلى النظام النباتي؟
ملوخية بالأرانب أم الملوخية بالفراخ؟ هذا السؤال الذي كثيرًا ما يطرح على موائدنا، ماذا لو توقف في يوم من الأيام كل البشر على الأرض عن أكل اللحوم وأصبحوا نباتيين؟
إما ذلك من أجل أن يتحلوا بصحة أفضل أو كأسلوب حياة مختلف أو كتخفيف من معاناة الحيوانات أو حتى لتخفيف الاحتباس الحراري ستتوافر عدة أسباب لكل فرد ليصبحوا نباتيين، حينئذ لا وجود للكبسة ولا للكباب ولا للبيتزا ولا حتى للملوخية بالأرانب، والآيس كريم لن يكون من ضمن خياراتك عند التحلية
إذن السؤال الذي يفرض نفسه: “هل النظام النباتي سيفيد في حماية الكوكب من التغيُّرات المناخية؟”
هل ذلك النظام الغذائي سوف يفيد صحة الجسد البشري؟ وما الذي سوف يحدث لقطعان الماشية؟
في البداية لا بد أن نعرف ما هو النظام الغذائي النباتي؟
وفقًا لمجتمعات النباتيين فإن تعريف النظام النباتي هو “نظام حياة فيه يتم استبعاد كل أشكال القسوة للحيوانات سواء كطعام أو كملابس او أي غرض آخر قدر المستطاع”
يتجنب الأشخاص النباتيون تناول الأطعمة التي تتضمن أي من المنتجات الحيوانية مثل اللحم ومنتجات الألبان والبيض والعسل…. إلخ.
كما يتجنب كثير من النباتيين أيضًا استخدام أي أغراض تتضمن منتجات حيوانية كالجلود أو حتى أدوات المكياج.
تحتوي المنتجات الحيوانية الشائعة على عدة عناصر هامة للغاية لصحة الإنسان، بالطبع هناك بدائل نباتية لهذه العناصر لكنها لا تحتوي على نفس الكميات التي توجد في المنتجات الحيوانية لذلك قد يكون من الصعب المحافظة على النظام النباتي إلى الأبد!
ويعبّر عن ذلك الفيلسوف الأمريكي جاري ستاينر المهتم بحقوق الحيوان فيقول “استخدام الحيوانات ومنتجاتها مغروس في نسيج المجتمع الإنساني”
وصل تعداد النباتيين بحلول عام 2018 لحوالي 20 مليون شخص في الولايات المتحدة فقط وهذا العدد أكبر 6 مرات من العدد الذي تم تقديره عام 2015، بمعنى أن نسبة الأشخاص النباتيين تزايدت بمعدل 6 مرات خلال آخر 3 سنوات.
لا تخلو رفوف المحلات التجارية من منتجات الألبان حيث ازدادت مبيعات المنتجات التي لا تشمل منتجات ألبان في أمريكا بمعدل 61% من عام 2012 إلى عام 2017، فما كان يُعتَقد أنه نظام غذائي متطرف أصبح هو التيار الذي سيسود..
وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يؤثر على معدل صناعة منتجات اللحوم إذ إن كل ساعة تقريبًا في أمريكا يتم قتل حوالي 500.000 حيوان من أجل لحومها.
هل كنت تعلم أن الطعام المنتج من المنتجات الحيوانية مسؤول عن ربع ما ينتج من انبعاثات الغازات الدفيئة؟
الغازات الدفيئة هي غازات توجد في الغلاف الجوي تتميز بقدرتها على امتصاص الأشعة التي تفقدها الأرض فتقلل ضياع الحرارة من الأرض إلى الفضاء، مما يساعد على تسخين جو الأرض وبالتالي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي، وأغلب هذه الغازات الدفيئة تأتي من الأبقار.
تترك قطعان الماشية حول العالم كل عام بصمتها من الكربون المعادل لانبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون الصادر من كل سيارة وقطار وسفينة وطائرة في العالم أجمع.
حسنًا إذا تحول البشر جميعًا يومًا ما إلى النظام الغذائي النباتي وأصبحوا نباتيين هل من شأن ذلك أن ينقذ العالم؟
كيف ستؤثر الثروة الحيوانية في ظاهرة الاحتباس الحراري؟
النظام النباتي والطبيعة:
هناك حوالي مليار ونصف من الأبقار على مستوى العالم وكل بقرة تخلف ما يقدر بأكثر من 120 كيلوجرام من غاز الميثان في السنة الواحدة، وعلى مستوى التغير المناخي في العالم فإن غاز الميثان له تأثير سلبي أكثر من غاز ثاني أكسيد الكربون ب23 مرة. وأربع أخماس الانبعاثات الزراعية الملوثة تنشأ من القطاع الحيواني، هذا يعني أن التوقف عن استهلاك الحيوانات سوف يزيد من نسب انبعاث غاز الميثان مما يؤدي إلى تداعيات خطيرة.
تشير التقديرات إلى أن حوالي من 18% الى 51% من مجمل انبعاثات الغازات الدفيئة تعود إلى المنتجات الحيوانية وأغلب هذه النسبة تكون من التأثير البيئي لتصنيع اللحوم. ومن هذه الآثار البيئية الناتجة عن تصنيع اللحوم أو التصنيع الحيواني عمومًا؛ استهلاك الوقود الأحفوري الذي يستخدم بصفة أساسية في استخراج النفط والغاز الطبيعي وكذلك زيادة غاز الميثان والنفايات السائلة واستهلاك مساحات شاسعة من الأراضي والمياه وفوق كل هذا فإن قطعان الماشية تأخذ أكثر من ثلثي المساحات المزروعة على كوكب الأرض.
وإذا ما تحولنا للنظام النباتي فإنه سيتم استخدام مراعي الحيوانات لزيادة مساحة الرقع الزراعية واستعادة الغابات للمساعدة في التقليل من نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء. كما أنه سيتم زيادة المحاصيل الزراعية لسد العجز في إمدادات الغذاء النباتي.
كل هذا سوف يؤدي إلى إنقاص انبعاثات الغازات الدفيئة الصادرة من الحيوانات بحوالي 70%.
ومن المشكلات التي تواجه العالم أيضًا مشكلة تلوث المياه نتيجة التصنيع الحيواني، إذ تواجه بلدان عديدة مثل أمريكا والهند واليونان وسويسرا مشكلات خطيرة للغاية في تلوث المياه نتيجة الإنتاج الحيواني. يمكن تفادي جانب كبير من هذه المشكلات عن طريق الاستخدام المناسب للأسمدة.
من الواضح أن وجبة نباتية واحدة قادرة على الاحتفاظ بـ 2500 جالون من الماء من الاستهلاك، وعلى الجانب الآخر يستهلك إنتاج رطل واحد من اللحم البقري المصنع 2500 جالون مياه.
إذن ما الذي سيحدث لكل مراعي الحيوانات في العالم؟
مع انعدام الطلب على الدجاج واللحم بأنواعه فإنه سيتم ذبح المليارات من الحيوانات أو التخلي عنها وكثير من الحيوانات سيتم إعادتها إلى البرية. وهذا لا يعني أن أعدادها ستزيد أو تثبت ولكن بالعكس فإن أعدادها ستقل بسبب وجود الحيوانات المفترسة. أما بالنسبة لحيوانات المزرعة كالدجاج على سبيل المثال فمن الصعب تركهم في البرية لأنها لا تمثل بيئتهم الطبيعية لذلك فأغلب الظن أنه سيتم توفير مآوٍ تقيم فيها حتى تموت!
البشر و النظام النباتي:
وكنتيجة لتحول البشر إلى نباتيين، فإن الجزارين سوف يبحثون عن وظيفة أخرى وكذلك ملايين المزارعين سوف يقل اهتمامهم بالإنتاج الحيواني ويبدأوا الاهتمام بزراعة محاصيل زراعية أكثر وإعادة ترميم الغابات، وبالرغم من أن ذلك قد يكون مفيدًا إلا أنه من الآثار الجانبية التي قد تحدث توقُّف مصانع تصنيع اللحوم وبالتالي فإن العمال سوف يواجهون حالات فقر وتدهور صحي كنتيجة لتسريحهم من العمل وتوقف دفع رواتبهم، وسيظهر أثر ذلك الأكبر جليًا في الدول التي تعتمد فيها مصانع اللحوم على المهاجرين كعمال بشكل أساسي، فلن يتم دفع رواتب هؤلاء العمال المهاجرين.
وعلى نطاق أوسع، فإن المجتمعات الريفية التي اعتادت على أن تتزود منهم بالحليب والبيض واللحوم سيواجهون مشكلة بطالة كبيرة، والدول النامية التي تعتمد بشكل أساسي على الثروة الحيوانية ستتعرض إلى اضطراب اقتصادي كبير.
قد يعجبك أيضًا: الفاشية النباتية والكفتة هل تشكل النباتية خطرًا حقيقيًا ومعضلة أخلاقية؟
صحة الإنسان و النظام النباتي:
الالتزام بالنظام الغذائي النباتي سوف يجعل صحتنا أفضل أليس كذلك؟
لن يجعل الاعتماد على النظام النباتي صحتك أفضل بشكل تلقائي في وقت قصير فالنباتيون عادة ما يفتقدون لعناصر حيوية ضرورية مثل الكالسيوم والحديد وفيتامين د وفيتامين ب12 والزنك والأحماض الدهنية مثل الأوميجا 3، كل هذه العناصر تتواجد بصفة أساسية وبوفرة في اللحوم والألبان والبيض لكن هذا لا يعني أن النباتيين لا يحصلون على هذه العناصر الحيوية الهامة بل يوجد وجبات نباتية مدعمة بهذه العناصر ولكنها بالطبع لا تعوض هذه العناصر عما إذا توافرت من مصدرها الأساسي.
إن لم لم يعد هناك داعي لتقديم لحوم أو ألبان أو بيض والتي تعتبر أفضل المصادر الرئيسية للتزود بالبروتين فإن الشخص النباتي عليه أن يعوض هذا الفقد بالكثير من فول الصويا والبقوليات والعدس ومع نظام غذائي معتدل، فإن التحول إلى النظام النباتي سوف يجنبنا كثيرًا من أمراض خطيرة مثل أمراض القلب وأمراض السكر والسكتات الدماغية.
وعلى أية حال، فإن الدراسات أثبتت أن البشر يستهلكون كميات أكبر من اللازم من البروتين وهناك دراسة نشرتها هافينجتون بوست المدونة والموقع الإخباري الأمريكي أثبتت أن الأشخاص النباتيين لديهم معدلات أقل للإصابة بالسرطان.
وعلى مستوى الوفيات، فسيقل معدل الوفيات عالميًا بنسبة 10%. وهذا يعني أن الوفيات ستقل بحوالي 8 مليون حالة وفاة في السنة الواحدة، وسوف يكون هناك أيضًا توفير بحوالي 1 تريليون دولار من التي تُصرف على الرعاية الصحية.
بعكس الدول الفقيرة، فسوف يواجه أكثر من 2 مليار شخص نقص حاد في التغذية بسبب النقص في اللحوم وبذلك لن تسير الأمور على ما يرام بالنسبة لهم بل على العكس فإن الأمور سوف تسير للأسوأ!
وتوضح الدراسات أن الوجبات الغذائية النباتية تتطلب ثلث ما يتكون من الوجبات الغذائية التقليدية وهذا سيؤدي الى أكثر من 3 مليار ونصف من البشر سوف يتم توفير الغذاء لهم مما يساهم في زيادة نمو الثروة الحيوانية.
من الآثار الناتجة عن التحول
النباتي أيضًا؛ أكثر من 80% من حالات التسمم الغذائي في العالم غالبًا ما تكون من اللحوم الفاسدة، فطبقًا للمنظمة الغذائية الامريكية، فإن النباتيين أو من يتبعون الحمية الغذائية النباتية لديهم نسب أقل من الكولسترول في الدم وضغط دم أقل وأقل عرضة لسرطان القولون وسرطان البروتستات ومعدل أقل في الإصابة بمرض القلب الإقفاري الذي ينتج من نقص إمدادات الدم في عضلة القلب نتيجة تصلب الشريان التاجي.
وبالرغم من استهلاك البشر لكميات كبيرة من المضادات الحيوية أكثر من اللازم -حيث يصرف أكثر من 3مليار ونصف على المضادات الحيوية في أمريكا وحدها- فإن الحيوانات تستهلك مضادات حيوية أكثر.
يتم تغذية الحيوانات بأكثر من 17.8 مليار مضاد حيوي في السنة الواحدة، ويمكن أن يكون هذا العدد في الواقع أقل مما يتم تقديمه لهم حقًا. هذه المضادات الحيوية المستخدمة للحيوانات تزيد من مقاومة المضادات الحيوية لدى البشر مما يزيد فرص الإصابة بالجراثيم.
الحيوانات أصدقاؤنا لا طعامنا:
في عام 2015 قامت مؤسسة جالوب وهي شركة تقدم الاستشارات الإدارية والموارد البشرية والبحوث الإحصائية بعمل استطلاع للأمريكيين أظهرت نتائجه أن 32% ممن قاموا بالاستطلاع مؤمنون بأنه يجب أن يكون للحيوانات نفس الحقوق التي يتمتع بها البشر، هذه النسبة زادت بحوالي 25% منذ عام 2008. وقال آخرون كثر بأنه يجب معاملة الحيوانات بشكل إنساني حتى و إن كان يتم تربيتهم للاستهلاك فيما بعد
كما أظهر الاستطلاع رأيًا آخر كان أكثر صرامة لخّصه بإيجاز البروفيسور جاري فرانسيون يقول “إن أي مخلوق له وعي له الحق في أن لا يتم معاملته كملكية شخصية يتم التحكم فيه كيفما يشاء مالكه، وإن الاعتماد على النظام الغذائي النباتي يجب أن يكون الأساس لكل من يؤمن بأن غير البشر لهم قيمة أخلاقية وجوهرية في الحياة”</pp
تقول الدكتورة جاين جودال العالمة البريطانية المتخصصة في الرئيسيات وعلم السلوك البشري وسفيرة الأمم المتحدة للسلام:
“تشعر حيوانات المزرعة بمختلف المشاعر مثل السعادة والحزن، والرضا والضغينة، والخوف والألم والإحباط فهم يملكون الكثير من المشاعر الفياضة ولديهم ذكاء كبير أكبر مما نتخيل”
إذن نباتي أو غير نباتي؟
إن تحول العالم أجمع إلى لنظام النباتي سيكون أمر مبالغ فيه، لكن أن يكون في بعض وجباتنا منتجات من المصادر الحيوانية سيؤدي في النهاية إلى كيفية التعامل مع مشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة.
ولحسن الحظ، توجد بالفعل لأولئك المدمنين على اللحوم حلول نظيفة للحد من الانبعاثات من صناعة الثروة الحيوانية.
ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته شركة بيلسن المهتمة بما يقوم به البشر من مشاهدة أو سماع أو شراء
فقد أظهر الاستطلاع أن 39% من المستهلكين الأمريكيين و43% في كندا يحاولون دمج الوجبات النباتية ضمن وجباتهم الرئيسية
حركات شعبية مثل لا لحوم يوم الإثنين والتي من اسمها تدعو إلى عدم تناول المنتجات الحيوانية يوم الإثنين تمثل حافزًا للناس للحد من استهلاكهم من اللحوم
ويبقى السؤال: هل تفضل الملوخية بالأرانب أم الملوخية بالفراخ أو ملوخية بدون هذا أو ذاك؟