المعجزة أو سُبات العقل
هل كان للنبي محمد معجزات غير القرآن؟
لقد كتبت هذا المقال قبل قراءة كتاب دكتور جورج طرابيشي” المعجزة أو سُبات العقل في الإسلام”، ولقد أردت -إيمانًا مني بأهمية الكتاب- أن أغيّر اسم المقال باسم الكتاب، وقد استعنت بالكتاب في تعديلي للمقال.
الكتاب في عمومه هو نقد لمنطق المعجزات في الإسلام –معجزات النبي محمد في السنة النبوية– واستدل المؤلف بآيات من القرآن التي تدعم موقفه، مبينًا أنّ الإيمان بمثل تلك المعجزات يؤدي إلى سبات العقل وموضحًا من القرآن الأسباب التي من أجلها امتنع الله عن خرق قوانين الطبيعة كمعجزات لصدق رسالة النبي.
دعونا ننتقل إلى المقال ..
المعجزات في التعريف المشهور لها “هي أمر خارق للعادة يجريه الله على يد نبيّ كتصديق لدعوته”. فهل كان للنبي محمد معجزات مادية بخلاف القرآن الذي اعتُقد أنه هو معجزته الوحيدة؟
- “وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ”.
يبيّن القرآن السبب في عدم إرسال الله المعجزات المادية على نبيه وهو تكذيب الأولين بها حينما جرت على يد أنبيائهم، وسبب نزول الآية كان طلب أهل قريش من النبي تحويل الصفا إلى ذهب.
فى تفسير السعدي الآتي: “يذكّر تعالى رحمته بعدم إنزاله الآيات التي يقترح بها المكذبون، وأنه ما منعه أن يرسلها إلا خوفًا من تكذيبهم لها، فإذا كذبوا بها عاجلهم العقاب وحلّ بهم من غير تأخير كما فعل بالأولين الذين كذبوا بها”.
ويؤيده سيد قطب في تفسير ظلال القرآن بأنّ الله لم يرسل الخوراق المادية على يد رسول الإسلام لأنّ الأوائل شاهدوا تلك المعجزات بأعينهم ولم يؤمنوا بها فحقّ عليهم الهلاك، وأمة محمد لم يحقّ عليها الهلاك لهذا لم يسيّر الله على يد محمد تلك المعجزات..
- “وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90)” سورة الإسراء.
نزلت تلك الآيات في بعض زعماء قريش حينما ذهبوا إلى النبي ووصفوا له حالهم من نقص الماء لديهم وضيق البلاد وطلبوا منه أن يطلب من ربه أن يفجر لهم ينبوع ماء فما كان جواب النبي محمد إلا أن قال “ما بهذا بُعثت، إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم إياه، فإن تقبلوه فهو حظكم فى الدنيا والآخرة” تفسير الطبري.
يبيّن النبي هنا أنّ الهدف من دعوته ليس تفجير الينابيع وشق الأنهار مع أنّ تلك الأشياء أعقل قليلاً من معجزات أخرى نُسبت إلى النبي كتحريك الشجر وتسبيح الحصى بين يديه.
هناك العديد من الآيات التي توضّح أن معجزة النبي محمد هى القرآن فقط لا غير “وإن كان كبر عليك إعراضهم” (شقّ عليك إعراضهم) فإن استطعت أن تبتغي نفقًا فى الأرض أو سلما فى السماء فتأتيهم بآية” (آية أفضل مما جئتك به –القرآن–) فافعل.. وفي نهاية الآية يختمها الله بقوله “فلا تكونن من الجاهلين”.
“وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ” سورة الأنعام.
في تفسير الطبري الآتي: أنّ الخطاب موجه إما إلى الكافرين أو المؤمنين من أصحاب محمد.
1- في حالة الكافرين الآتي: نقسم لك يا محمد لئن جاءتنا آية كما جاءت الأمم السابقة لنؤمنن لك، فيقول النبي (إنما الآيات عند الله وهو القادر على الإتيان بها ولكن ما يدريكم أن المعجزة إذا جاءت لا تؤمنون).
2- حينما يكون الخطاب موجه لأصحاب النبي محمد يكون الآتي: إنّ الذين سألوا النبي أن يدعو ربه بأن يأتي بآية هم المؤمنون، وسبب سؤالهم أن المشركين حلفوا أن الآية إذا جاءت آمنوا بها، فيقول الله (قل للمؤمنين يا محمد أن الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين بالله لا يؤمنون بها).
وبإستقراء النصوص السابقة وغيرها يتّضح لنا أن امتناع الله عن إرسال المعجزات على يد نبيه تكمن فى تكذيب المشركين لها إذا جاءت.
لننظر إلى الموضوع بعين أخرى..
بعيون الفلاسفة
كان الفيلسوف باروخ اسبينوزا يرى أنّ الله والكون هما الشيء نفسه “نظرية شمول الألوهية”، ولذلك فقد رأى أن المعجزات هي كسر لقوانين الطبيعة، وقوانين الطبيعة غير قابلة للتغير والانتهاك، ولو حدث وتغيّرت على يد نبي أو رسول فهذا يعني أن الله يعمل ضد طبيعته هو وقوانينه هو، ولذلك المعجزات غير قابلة للحدوث.
يرى هيوم أنه ما من شهادة تكفي لإثبات معجزة، فلو أن هناك إنسان أخبر هيوم أنه رأى ميتًا يُبعث من بين الأموات، فهناك شيئان:
الأول: أنّ هذا الشخص إما أن يكون مخدوعًا، أو خادعًا.
الثانية: الواقعة التي يرويها وقعت فعلاً. أيهما أقرب للحدوث؟
فيري هيوم أن المعجزة إنتهاك لقوانين الطبيعة، لأن قيام شخص من بين الأموات لم يلاحظ على بمرور الزمن.
كان هيوم يرى أنّ المرء العاقل هو الذي تتناسب قوة إيمانه مع قوة الأدلة، بحيث يزيد إيمانه كلما قوي الدليل المؤيّد وينقص إذا ضعف الدليل المؤيد، ولذلك العاقل لا يبني إيمانه على الدليل النادر بل الدليل الأقوى، فإيمان العاقل بموت شخص صحيح الجسد فجأة أقوى من قيام شخص من بين الأموات من حيث الدليل.
الآن فلنقارن بين مدى وثوقنا في قانون من قوانين الطبيعة وبين الوثوق في شهادات الأشخاص الذين نقلوا بالكلام تلك المعجزات.
وسرعان ما يتضح أنّ إيماننا بخصوص القانون الطبيعي أقوى من الوثوق في شهادة الآخرين الذين نقلوا الروايات عن المعجزات، فتجاربنا تؤيد القانون الطبيعي أما الشهادة البشرية عرضة لأنواع كثيرة من المشاكل، كسوء الفهم عن حسن نية، النسيان أو تعمد الحذف والتحسين ثم الكذب المتعمد أحيانًا.
وبذلك فإن الإنسان العاقل يزيد إيمانه طبقًا للقانون الطبيعي أقوى من إيمانه بشهادة البشر، ولهذا لا يمكن للإنسان العاقل أبدًا أن يؤمن بالمعجزات..
يمكننا أن نضرب مثالاً لحجة هيوم على انشقاق القمر.
يقال أنّ النبي محمد شقّ القمر عندما طلبت منه قريش ذلك –بيّنّا فى بداية المقال رفض الله طلب قريش أكثر من مرة الإتيان بخوارق مادية– فأشار النبي إلى القمر فشقّ نصفين للدرجة التي جعلت الجبل يظهر بين فلقتي القمر.
طبقًا لهيوم وحجته، لا يجب على العاقل أن يؤمن بأن ذلك حدث فعلاً لأنه انتهاك لقوانين الطبيعة.
ولكن هل انشقّ القمر بالفعل؟ لنذهب إلى أهل العلم..
على موقع وكالة ناسا، سأل أحد الأشخاص “هل بالفعل القمر انشق كما يدّعي المسلمون كمعجزة من الله للنبي محمد؟”
ردّ عليه أحد العلماء الذين يدرسون النظام الشمسي بوكالة ناسا Brad Bailey قائلاً “توصيتي هي أن لا تصدّق كل ما تقرأ على شبكة الانترنت. الأوراق العلمية المحكمة هي المصادر الوحيدة الصحيحة علميًا. ولم يُشِر أي من الأدلة العلمية الحالية أنّ القمر انقسم إلى قسمين (أو أكثر) ثم تجمّع مرة أخرى في أي وقت مضى”
وإن كان القمر انشق بالفعل؟ لما لم يأتِ ذكر انشقاقه في الحضارات الأخرى؟
ماذا نقول في آية “اقتربت الساعة وانشقّ القمر“؟ أقول إنّ المراد هو ما سيحدث مستقبلاً أو في يوم القيامة، وقد ذُكرت آيات كثيرة بلفظ الماضي ومن المفروض أن تحدث في المستقبل أو يوم القيامة مِثل “وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ” سورة النحل.
- من أقدم الذين نقلوا أحاديث النبي من أبي هريرة كان همام بن منبه، هذا الرجل أسلم في حياة النبي ونقل عن أبي هريرة 140 حديث في صحيفة لم يذكر فيها أي معجزة، وأظن أن من الأولى أن يذكر انشقاق القمر في تلك الصحيفة، ولكن لم تذكر!
- يأتي موطأ مالك فيه معجزات ولكن خاصة بتكثير الطعام والشراب.
- أقدم السير التي وصلتنا عن النبي “سيرة ابن هشام” في القرن الثالث فيها 10 معجزات.
- “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي بن عياض في القرن السادس الهجري فيه 120 معجزة.
- وفي “البداية والنهاية” لابن كثير القرن الثامن الهجري كانت 120 معجزة أيضًا، ولكن ابن كثير ذكر أكثر من 10 روايات لتلك المعجزات.
- السيرة الحلبية في القرن الثامن الهجري ذُكر فيها 3000 معجزة.
تلاحظ أنه بمرور الزمن يكثر عدد المعجزات المنسوبة إلى النبي محمد!
وهكذا تحول النبي محمد صلى الله عليه وسلم بفضل ما يسمى “عدالة الرواة” من نبيّ صاحب معجزة بلاغية قوية إلى صاحب أكبر المعجزات الخيالية في التاريخ.
أنا أظنّ أن الله لم يُرِد أن يرسل على يد محمد معجزات لأسباب كَرَمْي النبي بالسحر، والتكذيب وغيره.. وهذا ذُكر في القرآن بناءً على تجارب سابقة مع أنبياء آخرين.
أما لماذا ذُكرت كل تلك المعجزات؟ أظنّ الفتوحات الإسلامية كان لها دور كبير في خلق قصص تلك المعجزات، فكيف ستقنع فارسي أو رومي ببلاغة القرآن الكريم وهو لا يعرف العربية؟ أو كيف ستقنع مسيحيًّا لديه من معجزات يسوع ما يكفيه بمصداقية القرآن وصدق رسالة النبي محمد؟
أنصح القارئ الكريم أن يقرأ كتاب دكتور جورج طرابيشي ففيه من الفائدة ما يكفيه في هذا السياق وزيادة عليه معجزات الصحابة فى أدبيات السنة والشيعة معًا.