المادة المظلمة والطاقة المظلمة ودورهم في تماسك الكون
كثيرًا ما نسمع هذه الأيام عن المادة المظلمة (Dark Matter) و الطاقة المظلمة (Dark Energy) وعن خواصهما الغريبة، فما قصة اكتشافهما؟ وأيّ من خصائصهما حقيقي وأيّ منها محض خيال؟ وهل تواجدهما ضروري للحفاظ على تماسك الكون؟
في البداية، عندما ترى كلمة مظلم (Dark) في الفيزياء فاعلم أنّنا نتحدّث عن شيء لا نعلم كثيرًا من تفاصيله ولا تمكننا رؤيته، مثل المادة المظلمة أو الطاقة المظلمة أو حتى الثقوب السوداء.
لكن ماهي المادة المظلمة و الطاقة المظلمة.. وما هي قصة اكتشافها؟
لنأخد مجرّتنا العزيزة “مجرة درب التبانة” مثالًا نشرح عليه كيف تمّ اكتشاف المادّة المظلمة وسبب ضرورة وجودها في عالمنا:
تتكوّن مجرتنا من عدد هائل من النجوم يبلغ من 250 ل 400 مليار نجم تقريبًا تدور حول مركز المجرة، وهو عبارة عن ثقب أسود تُقدّر كتلته من 3 ل 4 مليون كتلة الشمس.
وكما نعلم، تتناسب الجاذبية بين جسمين طرديًا مع كتلتيهما، وعكسيًا مع مربع المسافة، وهنا في حالة مجرّتنا الثقب الأسود الموجود في مركزها كتلته ضخمة بما يكفي للحفاظ على استقرار أغلب أجزاء المجرة في الدوران حوله دون أن تهرب بعيدًا، ولكن عند حساب الجاذبية المؤثرة على النجوم الموجودة على أطراف المجرة نجدها أقلّ من الكافي لاستقرارها خصوصًا أنها تتحرك بسرعة فائقة، وهذا ما لا يحدث.. فهي مستقرة في دورانها.
إذًا كيف تستطيع المجرة الحفاظ على هذه النجوم من الهرب بعيدًا عنها؟
لحلّ هذه المعضلة يوجد فرضين:
- الفرض الأول: هو أنّ هناك مشاكل جذرية في قوانين الجاذبية، وهو ما لم يتقبّله المجتمع العلمي لدقة هذه القوانين.
- الفرض الثاني: هو أنه يوجد مادة إضافية لا نراها، وأطلق (Vera Rubin) الذي وضع هذه النظرية، عليها اسم المادة المظلمة (Dark Matter).
وبعمل بعض الحسابات وُجد أنّ نسبة الطاقة – الكتلة المكوّنة للكون عبارة عن:
- المادة العادية بنسبة 4.9٪
- المادة المظلمة (Dark Matter) بنسبة 26.8٪
- الطاقة المظلمة (Dark Energy) بنسبة 68.3٪
والطاقة المظلمة هي سبب تمدّد الكون، وسنتحدث عنها في النهاية.
أي أنه توجد مادة إضافية تمثل 26.8 % من إجمالي الطاقة والمادة الموجودتين في الكون، ونحن لا نراها وهي سبب تماسك المجرّات.
في البداية لم يتقبل المجتمع العلمي نظرية المادة المظلمة ولكن بعد عقد من الزمان بدأوا في تقبلها لدقة حساباتها.
أليس من الغريب فرض وجود مادة لا نراها؟
نحن لا نرى المادة المظلمة لأنها لا تتفاعل مع الضوء الذي هو عبارة عن موجات كهرومغناطيسية فلا تعكس الضوء أو تمتصّه أو تتأثر به بأي طريقة، ووجود مادة لا تتفاعل مع قوى معينة في الطبيعة أمر طبيعي لا يستدعي الغرابة.
فالنيترونات، على سبيل المثال، لا تتفاعل مع المجالات المغناطيسية لأنها ليس لها شحنة، والفوتونات لا تتأثر بالجاذبية لأن ليس لها كتلة، وغيرها من الأمثلة الكثيرة.
كيف يستدلّ العلماء على وجود المادة المظلمة ويستطيعون حساب نسبتها في الكون رغم أننا لا نراها؟
رغم أنّ المادة المظلمة لا تتفاعل مع الضوء إلا أنها لها كتلة وبالتالي تؤثر بجاذبيتها على باقي الأجسام، فوجود المادة المظلمة يؤثر على مدارات النجوم والكواكب، ويعتقد العلماء أن جاذبية المادة المظلمة لعبت دورًا في تخليق النجوم الأولى في بداية الكون، وأنها تتكون من جسيمات تحت ذرية لكننا لا نعلم بعد أيًّا من خصائصها، ولم يتمّ التأكّد تجريبيًّا من وجودها، وأطلقوا على هذه الجسيمات تحت الذرية اسم “النيوترونات العقيمة”.
الطاقة المظلمة
الكون الذي نعيش فيه ليس ثابتًا، وإنما يتمدّد ويزداد حجمه مع مرور الوقت، وتوجد بعض النظريات التي تفسّر سبب تمدّد الكون، وأهمها وأكثرها قبولًا في المجتمع العلمي هو وجود ما يسمى بالطاقة المظلمة (Dark Energy) التي تمتلك ضغطًا سالبًا وكما قلنا سابقًا أنّ هذه الطاقة المظلمة تشكل 68.3% من نسبة الطاقة-المادة في الكون، أي أنها تشكّل أغلب الكون.
وبعكس المادة المظلمة، الطاقة المظلمة ليس لها تأثير في نسيج الزمكان، فليس لها جاذبية تجذب بها باقي الأجرام السماوية، وإنما بسبب ضغطها السالب تسبّب توسّعًا وتمدّدًا في نسيج الزمكان، فتزيد مع مرور الوقت من اتساع وضخامة الكون، وتسبب تباعد أغلب الأجرام السماوية عن بعضها وذلك عن طريق اتساع وزيادة المسافة بينهم مع مرور الوقت.
إذًا الطاقة المظلمة تتخلّل كلّ الكون وتعاكس تأثير الجاذبية، فالمادة العادية لها تأثير جذب فتسبب اقتراب أجزاء الكون والأجرام السماوية من بعضها، لكنّ الطاقة المظلمة تسبب العكس، فهي تجعل أجزاء الكون تتنافر وتبتعد عن بعض مسببةً تمدّد الكون.
وبذلك يوجد عندنا قوّتين:
القوة الأولى: الناتجة عن كلٍّ من المادة المظلمة والمادة العادية وتسبّب اقتراب أجزاء الكون من بعضها البعض.
والقوة الثانية: الناتجة عن الطاقة المظلمة التي تسبب تباعد أجزاء الكون عن بعضها البعض وزيادة حجم الكون.
ولأنّ الطاقة المظلمة منتشرة في الكون أكثر من المادة بكثير، لذلك تأثيرها هو الغالب على الكون لذلك فإنّ الكون يتمدّد ولا ينكمش، وتبتعد كلّ المجرات عن بعضها البعض دائمًا ما عدا حالات خاصة جدًا ..مثل اقتراب مجرة اندروميدا من مجرتنا وذلك فقط بسبب اقترابهما الشديد النسبية من بعضهما، فيصبح التجاذب بينهما نتيجة كتلتيهما أكبر من التنافر نتيجة الطاقة المظلمة.