الكذبة
إنّ الاستنتاج الذي يخرج به كلّ من شاهد المسكن واطّلع على أعمال صاحب المنزل ذاك، يوقن مندهشًا أنّ هذا الأخير قد سبق أينشتاين في اكتشافه للنسبية وتجاوز الفيزياء الكلاسيكية، إضافة إلى يقينٍ ثانٍ هو أنّ كلًّا من اينشتاين وصاحب المنزل لا تربطهما رابطة، والاستغراب الذي يزاول خاطر كلّ من يدرك هذه الواقعة، يتساءل لماذا لم ينشر صاحب المنزل أعماله ويغيّر العالم، ويغيّر نظرتنا للعالم والكون والزمن؟ ما الداعي الذي جعله يبقى ساكنًا ويرفض منح هذا العطاء الفذّ ويساهم في استباق مائة سنة مما نحن عليه الآن؟ نصّ الرسالة يحلّ لنا هذا اللغز، هو نصّ يبرّر فيه صاحب المنزل امتناعه عن نشر اكتشافه التاريخي العبقري، يبرّر لصديقه المجهول.. على أنني لن أنقل للقارئ ما جاء في الرسالة كلها مكتفيًا بالمقطع الذي يفسّر القضية لما تحتويه من تطويل في قضايا علمية مختلفة.
يقول صاحب المنزل في نصّ الرسالة:
أنا أدرك أنّ موقفي يبدو غريبًا، بل مزعجًا يقضّ مضجعك ويسبّب لك غضبًا حتى. أحترم مشاعرك وحبّك الإنساني للبشرية ورغبتك الصادقة في مساعدتها، غير أنّ لي أسبابًا شخصية تمنعني، أنت لا تدرك أنّ هذا الاكتشاف بعظمته لا يمثّل لي إلا مزيدًا من الخزي والعار داخل قلبي، إنّ شخصية الفيزيائي داخلي تتصارع مع شخصية الضمير، وقد قرّرتُ منح الانتصار لشخصية الضمير، سأشرح لك يا صديقي محترمًا هذا الزخم من الانفعالات التي تعاينها، أفهمك كن متأكدًا، لكن حاول أن تفهمني أيضًا.
لقد كذبت كذبة على شخصٍ أنا مدين له بحياتي، ليس ذلك أيَّ شخص أقول لك، بل له تأثير هائل على روحي كما له الفضل فيما وصلت إليه من ذكاء وعلم، أنا أعلم أنّ كلامي يبدو غامض الملامح، سأحاول التبيان ما استطعت، هي الكذبة التي جعلتني أتمزق تمزقًا رهيبًا في نفسيتي، وصار ثقيلًا عليّ ثقل الجبال والسماوات مجتمعة أن أعود فأبرّر كذبتي أو أن أعترف بها مصلحًا الوضع. لا تأخذ كلامي على محمل السوء، إنّني شخصية متواضعة، متى ما فقدتُ اتزاني أو اخطأت في سياق ما، أعود فأعتذر عمّا بدر مني، لستُ ذلك الذي يتباهى وهو موقن في قرارة نفسه أنّه بعيد جدًا عن الصواب والحقيقة. التواضع كما الاعتداد الحقيقيّ بالنفس، سِمة الحكماء. إلا أنّ لي نقطة ضعف لم أفلح في التخلّص منها حتى الآن، وهي التي أجبرتني أن أستر كذبتي دون الاعتراف بها.
لا شكّ أنك ترتاب في نوع هذه الكذبة التي سببت كل هذه الفتنة، لذلك أعود فأذكرك أنّ المسألة تتعلق أقصى ما تتعلق بمن المكذوب عليه لا بحجم الكذبة حقيقة، على أنّها كذبة في نظري قادرة على محق شخصية بأكملها.
هكذا بقيت أعمالي في الرفوف لم تغادرها لتبصر الضوء بين العلن.
تدقيق: ضحى حمد