سلمان رشدي: توقعَت روايتي فوز “ترامب”، وروايتي الأخيرة أغرب ما قدّمت حتى الآن!
الكوميديا السوداء سمة العصر الحالي.
عن سلمان رشدي المؤلف العالمي البريطاني-الهندي يدور حوارنا التالي؛ فازت رواية سلمان رشدي الثانية “أطفال منتصف الليل” الصادرة عام (1981م) بجائزة البوكر مان البريطانية، وقد مُنحت ذات الرواية لاحقًا جائزتين: “الأجدر بين الأعمال الفائزة بالبوكر” التي أقيمت بمناسبة مرور 25 عام على الجائزة عام 1993م، وجائزة “الأفضل بين إبداعات البوكر” عام 2008م.
تنوعت كتابات سلمان رشدي ما بين كتب الأطفال والأعمال الروائية وغير الروائية، وتضمنت مؤلفاته كتابًا صدر تحت عنوان “جوزيف أنطون” 2012م، سرد فيه سلمان رشدي تجربته الذاتية فيما يختص بالجدل الذي أثير إبان إصدار روايته الرابعة آيات شيطانية (1988م)، وجوزيف أنطون هي الشخصية التي تلبّسها رشدي طوال فترة هروبه وانعزاله بين أماكن عديدة سرية وتحت حراسة، خوفًا على حياته بعد فتوى إهدار دمه التي أصدرها الخوميني؛ قائد الثورة الإسلامية في إيران في تبعات نشر الرواية المذكورة.
في 2007م مُنح سلمان رشدي الذي سيبلغ هذه السنة عامه الثاني والسبعين لقب “فارس” في بريطانيا، وذلك بعد سنواتٍ سبع من انتقاله للعيش في الولايات المتحدة. وقد شغل سلمان رشدي منصب رئيس مركز القلم الأمريكي وانتُخب عضوًا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، كما صدرت “البيت الذهبي” روايته الرابعة عشرة عام 2017م.
يرسم “البيت الذهبي” صورةً للواقع الأمريكي الذي لاح مؤخرًا في إثر التداعيات الحياتية والسياسية، بدايةً من الانتخابات الأمريكية إلى سياسات ما بعد الحقيقة ومرورًا بالجدال الدائر حول الهوية الجنسية.
هل تطلّب الأمر منك اتّباع منهج جديد في كتابة الرواية؟
هذه حقيقة، بطريقةٍ ما لم تكن الطريقة التي اتبعتها هي الطريقة المعتادة في كتابة الروايات المتعلقة بالتاريخ المعاصر، ككاتب ينصحك الجميع أنه من الأفضل انتظار تداعي الأحداث حتى تتكون لديك وجهة نظر وتستطيع النظر إلى الأمور من مسافة معقولة، بينما أردتُ أنا عن عمد ونية مقصودة أن أعارض النمط المعتاد وأكتب كتابًا عن التاريخ بينما يُكتب لا بعدها، تلك مخاطرة في الواقع؛ ذلك أنك إن أخطأت حتى في أقل التفاصيل أهميةً تُصبح كتابتك غريبة، غير معاصرة للواقع، كأنك تُطالع أخبار الأمس التي انقضت وولّت أهميتها، في حين إن قمت بذلك بشكل واعٍ وقادر فسيمكنك التقاط حقيقة اللحظة، وتصبح كتابتك ذات صلة بالواقع حتى عند قراءتها مستقبليًا. إن من العسير جدًا على النمط الروائي استيعاب حكي الواقع الذي يتغير بالفعل في ذات وقت الكتابة، وقد صارعت التحولات المدهشة التي عاصرناها وحاولت تكييفها قدر الإمكان.
يبدأ الأمر ببداية عهد باراك أوباما وينتهي بانتخاب شخصية “الجوكر”، الذي يبدو في الكتاب وكأنه نسخة ساخرة من دونالد ترامب. هل بدأت كتابة الرواية في الصباح التالي لانتخاب ترامب؟
على العكس، بحلول نهاية الانتخابات كنت قد انتهيت تقريبًا من كتابة الرواية؛ كان علي تكييف الأحداث قليلًا لتناسب الواقع والهدف من الكتاب، أما عن الأمور المتعلقة بترامب تحديدًا فقد كانت ثانوية، ذلك أنني كنت أرغب بشكل أساسي في التقاط الأحداث والمشاعر المسيطرة على الأجواء في ذلك العقد [من أوباما إلى ترامب]. كان أكثر ما فاجأني أنه على الرغم من أنني كنت آمل فوز هيلاري، كان الكتاب يتجه بوضوح في اتجاه ما حدث بالفعل على أرض الواقع؛ فوز ترامب. أحيانًا يكون العمل الروائي أكثر حكمة من كاتبه، فيما أظن.
تحمل الرواية طابعًا سياسيًا واضحًا، كما يمكننا أن نلمح أيضًا بعضًا من السخرية الشديدة والمشاهد الكوميدية الرائعة. هل كنت تنوي في الأصل أن تستدعي سطورك ضحكات قارئيها؟
أنا أؤمن بأهمية الدفع بالكوميديا السوداء، لا سيما في الأوقات المظلمة، كلما كانت نبرة الكوميديا أكثر قتامة، كلما كانت أكثر صدقًا، فالسخرية أداةٌ حادة ودقيقة جدًا وغالبًا ما تُستخدم في الأوقات شديدة الصعوبة، يمكنك أن تصرح جازمًا بأن أدب روسيا السوفيتية كان أكثر حدةً وأفضل من الأدب الروسي ما بعد انفصال روسيا عن الاتحاد السوفيتي، ذلك أن الأدب السوفيتي كان ذو هدفٍ ورؤيةٍ محددة.
نراك تتساءل عن ماهية الحلم الأمريكي مفصّلاً دوافعه وأركانه من خلال الشخصية الرئيسية في الرواية؛ “نيرو جولدن”، الملياردير الهندي صاحب الماضي الغامض الذي يعيد خلق شخصية جديدة لذاته في أمريكا. ماذا الذي يعنيه الحلم الأمريكي اليوم في اعتقادك؟
لقد انهار الحلم الأمريكي تقريبًا؛ فالقلق بشأن القضايا المُثارة والسياسات المُتبناة مؤخرًا شعورٌ دائمٌ لدى كل قاطني نيويورك، لم يعد المواطن الأمريكي يشعر بوجوده على قمة العالم وبأنها مدينة الرب المختارة. يمثّل نيرو رمزًا لبعض الفساد المنتشر في الوقت الحالي، وقد تساءلت مطولًا عن إمكانية خلق شخصية قاتمة وسيئة للغاية كـ “نيرو” بطريقةٍ تجعل الجمهور يتعاطف معها على الرغم من أفعاله، وقد تمكّنت من الجمع بين النقيضين بأن جعلته والدًا حنونًا.
بالحديث عن تفكيك الحلم الأمريكي، هل تعرّفت إلى فيليب روث شخصيًا؟
نعم عرفته بشكل شخصي، وأنا أحد المعجبين بصراحة روث المتناهية، لا حدود لصراحته المطلقة؛ الحقيقة العارية كما يجب أن تكون. اتصل بي روث قبل ثلاثة أو أربعة أشهر من وفاته، تحدثنا عن محاضرته السنوية في مكتبة نيوارك، سألني إذا كان بإمكاني تقديمها بدلاً عنه في سبتمبر، وأخبرته بأنني أتشرف بذلك، إذا اتصل بي فيليب روث وطلب مني النيابة عنه في محاضرته السنوية، فمن البديهي أن أفعل، أخبرني أنه قرأ “البيت الذهبي” وقال إنني صوّرت تمامًا ما يجري في البلاد، لقد تأثرت حقًا، المرء لا يتوقع دائمًا أن تُقرأ أعماله وتُقيّم من قِبل قدوته الخالدة في عالم الأدب.
بخصوص كتابك الأخير والمتوقع صدوره هذا العام، هل تقول أنه ليس لدى عائلتك وأصدقاؤك وكذلك ناشرك أي فكرة عما تكتبه حاليًا؟
نعم تلك هي الخرافة الوحيدة التي آمنت بها طوال سنوات عمري؛ ذلك أنني أعتقد أنه إذا تحدثت عن عملٍ جارٍ كتابته فإن الطاقة الإبداعية تبدأ في التسرّب منه بطريقةٍ ما، رغم أنني قد خالفت القاعدة قليلًا وأرسلت حوالي 60 صفحة من المسودة الأولى لشخصٍ واحد فقط؛ وكيل أعمالي؛ أرى أنه سيكون كتابًا في غاية الغرابة، وودت أن أستشير أحدهم ما إذا كان المحتوى غريب بطريقة جيدة، أم مزعجة، وقد أخبرني أنه يعتقد أنه أطرف شيءٍ قد كتبتُه حتى الآن، كتابة رواية غريبة وطريفة أمر عسير جدًا، لذلك سنرى!
ما التصنيفات الأدبية التي تستمتع بقراءتها؟
في مرحلة ما من حياتي، عندما كنت أصغر سنًا، قرأت الكثير من قصص الخيال العلمي، كنت أقرأ لأدباء مشاهير مثل كورت فونيجوت وراي برادبري، أما حاليًا فأملك اهتمامات واسعة النطاق، ولكني قليلًا ما أقرأ لأدباء معاصرين، وإن خُيّرت فسأختار إعادة قراءة مدام بوفاري ولوليتا بدلًا من الاطلاع مثلًا على أكثر الكتب الصادرة لهذا العام شهرة.
من هو بطلك الأدبي المفضل؟
ليوبولد بلوم في “عوليس”، على الرغم من شهيته الغذائية المضطربة إلا أنني أعتبره واحدًا من الشخصيات الأدبية الرائعة.
أي نوعٍ من القراء كنت في فترة الطفولة؟ وأيٍ من كتب الطفولة ومؤلفيها بقي أثرهم داخلك حتى الآن؟
كنت قارئًا مهووسًا إلى حدٍ بعيد، دودة كتب، كان والدايّ أذكياء جدًا ولم يجبروني على قراءة الكتب “الجيدة” فقط، لذلك لم يمانعوا قراءتي مثلاً لقصص باتمان المصورة، وبالتالي نمى الشغف داخلي منذ سنٍ مبكرة. ينبثق إبداع العديد من الكُتاب من حقيقة كونهم قُرّاء عظماء في الأصل. نشأت في بومباي، وقرأتُ كل مؤلفات أدب الأطفال الغربي الذي وصل للهند، قرأت “أليس في بلاد العجائب” للويس كارول أليس، وسلسلة “سوالو وأمازون” لآرثر رانسوم.
ما الكتاب/المؤلف الذي تعود إليه أو تُعيد قراءته في الأغلب؟
الكتب التي أذهب إليها مرارًا وتكرارًا هي “مغامرات أوجي مارش” و”هدية هامبولد” للكاتب الأمريكي سول بيلو، كما أنني أرجع إلى مؤلفات ديكنز مرارًا وبشكل منتظم.
كتبته: أريفا أكبر، للجارديان