تعرف على الفيزيائية ليز مايتنر والتي اكتشفت كيف تنقسم الذرة
قاد اكتشافها للانشطار النووي إلى الطاقة النووية والحرب الباردة.
الانشطار النووي هي -العملية التي يتم من خلالها انقسام الذرات كبيرة الحجم مثل اليورانيوم إلى قسمين بحجم أصغر- هي العملية التي أتاحت المجال لصناعة القنابل النووية ولإنشاء محطات الطاقة النووية. ولكن لسنوات عديدة اعتقد علماء الفيزياء بأنه من المستحيل لذرات كبيرة كاليورانيوم (كتلتها الذرية= 235 أو 238) الانشطار لقسمين.
إنما تغير هذا الاعتقاد في تاريخ 11 فبراير 1939 عندما أرسلت الفيزيائية ليز مايتنر بمعاونة ابن شقيقها الفتي أوتو فرستش Otto Frisch رسالة لمدقق صحيفة الطبيعة letter to the editor العلمية العالمية الرائدة وصفت فيها بدقة كيف لأمر كهذا أن يحدث وأطلقت عليه اسم الانشطار النووي وقدمت في الرسالة شرحًا فيزيائيًا وافيًا عن هذا الأمر.
وشكل هذا الأمر نقلة نوعية في علم الفيزياء النووية، إنما بقيت ليز مايتنر حتى اليوم غير معروفة ومنسية بشكل كبير وتم استبعادها من حفل النصر بالاكتشاف بدعوى أنها امرأة يهودية؛ قصتها قصة حزينة.
ماذا يحدث عندما تنشطر الذرة؟
اعتمد جدال ليز مايتنر حول الانشطار على نموذج تقطير السوائل“liquid droplet model” ذو البنية النووية والذي تشابه قواه تلك القوى التي تجعل نواة الذرة متماسكة حتى التوتر السطحي الذي يشكل بنية قطرة الماء.
وقد لاحظت مايتنر بأن التوتر السطحي لنواة الذرة يضعف كلما زادت شحنة النواة وقد يصل للصفر إذا كانت الشحنة عالية جدًا مثل اليورانيوم ( الشحنة= ٩٢+).
إن عدم وجود توتر سطحي بشكل كافٍ سيسمح للنواة بالانشطار لقسمين إذا تم قذفها بنيوترون – جزيء تحت ذري شحنته متعادلة- وبالتالي سيحمل كل قسم طاقة حركية هائلة. وأشارت ميتنير قائلةً “وبذلك بإمكاننا توضيح عملية الانشطار بطريقة فيزيائية كلاسيكية بحتة.” بهذه البساطة، أليس كذلك؟
وأوضحت ليز مايتنر أكثر بأن زملائها في العمل فهموا العملية بشكل خاطئ، فعندما قذف العلماء اليورانيوم بالنيوترونات اعتقدوا أن نواة اليورانيوم لم تنشطر على الفور وإنما استوعبت النيوترونات ثم تحولت هذه الأخيرة إلى بروتونات إيجابية الشحنة وبالتالي حولت ذرة اليورانيوم إلى عناصر فائقة الثقل -حسب الجدول الدوري -أو ما يسمى بعناصر ما وراء اليورانيوم.
ارتاب بعض الناس-من ضمنهم جوليوت كيوري ابنة ماري كيوري ومايتنر- من كون القذف بالنيوترون قد ينتج عنه عناصر ما وراء اليورانيوم. واكتشفت جوليوت أن واحد من تلك العناصر المزعومة قد تفاعلت كيميائياً كما يتفاعل الراديوم -أي العنصر الذي اكتشفته والدتها. وأشارت جوليوت أن ذلك العنصر الناتج عن اليورانيوم المقذوف بالنيوترون قد لا يكون إلا عنصر الراديوم الذي تساوي كتلته ٢٢٦ -وهو عنصر أصغر من اليورانيوم.
كان لدى ليز مايتنر تفسيراً بديلاً، حيث اعتقدت أن العنصر السابق المريب قد يكون في الحقيقة عنصر ال باريوم الذي له تركيب كيميائي مشابه للراديوم. إن قضية الراديوم إزاء الباريوم كانت مهمة بالنسبة لماتنير وذلك لأنه الكتلة الذرية للبيريوم تساوي ١٣٩، مما يجعله ناتجاً ممكناً للانشطار وفقًا لنظريتها الخاصة بانقسام اليورانيوم. وبالمقابل لم يكن الراديوم ليتناسب مع الانقسام لأنه كان كبيرًا جدًا حيث كتلته الذرية تساوي ٢٢٦.
حثت ماتنير زميلها الكيميائي أوتو هان على تجربة تنقية عينات قذف اليورانيوم بشكل اكبر وتقييم ما إن كان اليورانيوم حقيقةً مكوَّناً من الراديوم أو شبيهه الكيميائي الباريوم. واستجاب اوتو هان لطلب ماتنير ووجد بأنها كانت محقة- أي أن الباريوم هو العنصر الذي كان في العينة. وبناءً على هذا الاكتشاف، أشار هان بأن نواة اليورانيوم انقسمت إلى أجزاء تحولت إلى عنصرين مختلفين بنوى أصغر؛ أي تمامًا كما توقعت ماتنير.
تم تجاهل ليز مايتنر لأنها امرأة يهودية
كان من المفترض أن تتوج ليز مايتنر كبطلة العصر وكان على الفيزيائيين والكيميائيين نشر نتائجهم معًا وانتظار تقدير العالم لاكتشاف الانشطار النووي. لكن مع الأسف لم يكن هذا ما قد حدث.
واجهت ليز مايتنر عقبتين أساسيتين: أولًا لأنها كانت يهودية وعاشت منفية في السويد بسبب الاضطهاد الذي طُبق على اليهود في ألمانيا النازية آنذاك وثانيًا لأنها كانت امرأة. ربما كان بإمكانها تجاوز إحدى هاتين العقبتين بسبب تفوقها العلمي لكن العقبات كانت منيعة جدًا ووقفت أمام كل محاولاتها.
كانت ليز مايتنر بنفس المستوى الأكاديمي عندما كانت تعمل مع هان؛ حيث درسا معًا في كلية كيسر ويليم انستيتيوت Kaiser Wilhelm Institute في برلين. لقد كانا بكل المقاييس زملاء وأصدقاء لسنوات عديدة، لكن في حكم النازية أُجبِرت ميتنير على ترك ألمانيا واتخذت استكهولم موقعاً لها واستمرت في العمل على المسائل النووية مع هان وزميله الشاب فريتز ستراس مان من خلال المراسلات المستمرة بينهم. إن علاقة العمل التي جمعتهم -رغم أنها لم تكن مثالية- كانت مثمرة وإنتاجية جدآ وكان اكتشاف البيريوم آخر ثمرة لهذه الشراكة.
وعندما حان وقت النشر، علم هان بأنه سيفقد عمله في ألمانيا حتمًا إذا تضمن البحث مساهمة امرأة يهودية فيه. لذلك قرر نشره دونها مدعياً كذباً بأن الاكتشاف كان مرتكزاً على رؤىً تم تجميعها من عمله الخاص في التنقية الكيميائية وبأن مساهماتِ ورؤى ميتنير الفيزيائية لم تلعب أي دور هام. بينما هان لم يكن ليخطر له أن يعزل الباريوم عن عيناته لو لم ترشده ميتنير وتلفت انتباهه لهذا الأمر.
واجه هان مشكلة في شرح نتائج اكتشافه ولم يستطع تضمين أي آلية معقولة توضح كيف انقسمت ذرات اليورانيوم إلى ذرات باريوم لأن الشرح كان كله لدى ميتنير. لذلك، بعد أسابيع قليلة كتبت ميتنير للمدقق رسالتها الشهيرة عن الانشطار موضحةً على نحو ساخر آلية اكتشاف هان المزعوم.
لجنة نوبل وظلمها لمايتنر
لم تكن الرسالة منقذة لها على أي حال، بل قامت لجنة نوبل بمنح جائزة نوبل للكيمياء عام ١٩٤٤ لهان وحده على اكتشافه “انشطار النوى الثقيلة”. وعلى نحو متناقض، لم تظهر كلمة انشطار “fission” في أي من منشورات هان الأصلية وذلك لأن مينتر كانت أول من صاغ هذا المصطلح في رسالتها التي نشرت فيما بعد.
وثار جدال حاد حول اكتشاف الانشطار النووي منذ ذلك الحين وادّعى النقاد بأن هذه القضية تمثل واحدة من أسوأ أمثلة التمييز العرقي والجنسي من قِبل لجنة نوبل. وبعكس العالمة الفيزيائية البارزة -ماري كيوري- والتي سبقها صيتها في العمل، لم تعترف لجنة نوبل بمساهمات ليزي ميتنير في الفيزياء النووية؛ فقد تم تجاهلها وبقيت منسية وغير معروفة للغالبية العامة.
بقيت ليز مايتنر بعد الحرب مقيمة في ستوكهولم وأصبحت مواطنة سويدية. وفيما بعد، قررت نسيان الماضي ومعاودة الاتصال بهان وهم في سن الثمانينات وقرروا استئناف صداقتهم. ورغم عدم اعتراف لجنة نوبل بخطأها، فقد تم تخفيف الاهانة التي تلقتها ليز مايتنر سابقًا في عام ١٩٦٦ وذلك عندما قام قسم الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية بمنح كل من مينيتر وهان وستراسمان الجائزة الرفيعة “إينريكو فيرمي أوارد Enrico Fermi Award لبحوثهم الرائدة ودراساتهم التجريبية الشاملة والتي أدت لاكتشاف الانشطار. إن الاعتراف المتأخر -بعد عقدين من الزمان- بجهود مينيتر قد أتى في وقته بالنسبة لها، فقد ماتت هي وهان بفارق شهور من نفس العام ١٩٦٨ عن عمر يناهز ال 89.