أسرار فتاة انطوائية ذات شخصية حساسة
إنّ عبارة “إنه لمن الرائع أن أراكِ تخرجين من قوقعتك” لمِن أشدِّ العبارات وقعاً على نفسي؛ ففي كل مرة أسمعها أرغب أن أصيح في وجه قائلها، فهو لا يفهم إنني مجرد فتاةٍ ذات شخصية انطوائية ولست سلحفاةً ترتعد خوفاً داخل قوقعتها. وغالباً ما تتبع تلك العبارةَ إحدى العبارات التالية:
- “ما خطبُكِ؟”
- “لا يهمني الأمر، فمن حسن حظي أنني لا أَمُر بما تمرين به ”
- “أنا لا آبه إن جعلتك تصرفاتي تشعرين بالاستياء فأنا لم أفعل شيئاً يجرح مشاعركِ”
فخِلال السنوات القليلة الماضية تضامن الأشخاص ذوي الشخصية الانطوائية ليخلقوا مجتمعاً يتكاتف فيه كل من هو هادئ وكتوم -ويفضل قضاء الليلة في الشرفة الخلفية ليقرأ كتاباً بدلاً من التسكع في المدينة- ليشعروا بحضن المجتمع الدافئ يغمرهم عندما يشعرون بقبول الآخرين لهم وتفهمهم للطريقة التي يرى الانطوائي من خلالها العالم. حيث تُنعِشُ هذه الفكرة مجتمع الانطوائيين وتُجَنبُ الأجيال القادمة أعواماً من العيش كَدخلاءَ منبوذين.
وأنا مثل أي انطوائيٍّ آخر على وجه الأرض غمرتني مشاعر عدم الانتماء للمجتمع لسنوات طوال؛ وكنت متأكدةً بشكل لا مجال للشك فيه أن الطريقة الوحيدة لأحقق النجاح في حياتي هي حضور الحفلات التي يتواجد فيها أولئك الذين حققوا النجاح. وعلى الرغم من أن الحفلات الصغيرة التي نظمها أصدقائي -عندما كنا في العقد الثاني من أعمارنا- كانت ممتعة بعض الشيء، إلا أنها استنزفت طاقتي في نهاية اليوم وجعلتني أشعر بالغرابة.
إنني انطوائية حساسة ذات مشاعر مُرهفة (highly sensitive person) -أي أنني أتأثر بكل شيء يحدث حولي حتى لو بدا أمراً عادياً لغيري. ويعتبر هذا المزيج بين الانطوائية ورهافة الإحساس أمراً شائعاً؛ فغالبية مرهفي الحس هم انطوائيون بطبيعة الحال.
كنت أجلد ذاتي -باستمرار- لكوني شديدة الحساسية لما يحدث حولي ولأن مزاجي يتأثر بمزاجية الناس من حولي؛ حيث ظننت أنني اتكاليّة (co-dependent) في علاقتي مع من حولي. كما وخِلت أنني أعاني من الاكتئاب السريري (clinical depression). بعبارة أخرى، آمنت بشكلٍ لا مجال للشك فيه أنني أعاني من خطب ما.
تحررت من قيودِي عندما أدركت مفهوم الانطوائية
لم يتناهى إلى سمعي مفهوم الانطوائية قبل أن أدخل العقد الثالث من عمري. ففي اللحظة التي أدركتُ فيها وجود الانطوائية كمصطلح معترف فيه، انقشعت غيوم الشك من سماء حياتي الرمادية وسمعت الملائكة تغني بصوتها الملائكي؛ حيث تيقنتُ أنني لست مكتئبة أو منبوذة كالخروف الأسود بين الخراف البيضاء، فالمجتمع يضم انطوائيين آخرين يعانون مما أعاني منه. حيث أدى بي الرضا عن الذات الذي غمرني فور تعرفي على مفهوم الانطوائية إلى إطلاق العنان لنفسي وتحريرها من قيودها لدرجة أنني شعرت وكأنني ولِدت من جديد. كما وباغتني شعور مهيب بالحرية لأكون الإنسان الانطوائي الذي خلقه اللّٰه ولأَعيش حياتي وفقاً للمعايير التي أراها مناسبة. لقد فهمت حقيقة نفسي وتعلمت أن أحتضن الفتاة الانطوائية التي تقطن داخلي ولم أعد آبه إن فهم الناس انطوائيتي أم لم يفهموها. إلا أن الطريق كان طويلاً ومليئاً بالأسئلة والحيرة والألم والتأمل في دواخل نفسي وخفاياها. لذلك أرغب الآن أن أساعد غيري من الانطوائيين في رحلة بحثهم عن السلام الداخلي وفي الوصول إلى مرحلة لا يأبهون فيها بآراء الناس من حولهم بحيث يُحطمون القوالب النمطية التي وضعهم الناس فيها؛ بما في ذلك الأفكار النمطية التالية:
- الانطوائي لا يطيق التعامل مع الناس
- الانطوائي يعيش داخل قوقعته الخاصة
الأسرار التي أرغب أن تعرفوها عني
هذه الكلمات موجهة لكل من يجلس على أريكته متكوراً كالجنين في رحم أمه، ولكل من يجلس في سيارته ويوجه لنفسه كلاماً يشجعه على الدخول إلى حفلاتٍ لا يرتاح للتواجد فيها، ولكل انطوائي يتساءل عن السبب وراء كونه الوحيد الذي يشعر برغبة ملحة في البقاء في المنزل لهذه العطلة، ولكل من عانى لأعوام من محاولات فاشلة للاندماج في المجتمع. فأنا أفهم ما تعاني منه سواء أوجدت نفسك في إحدى العبارات السابقة أم فيها كلها.
وإليكم الآن الأسرار التي أتمنى أن يعرفها الناس عنّي كانطوائية حساسة ذات مشاعر مرهفة:
1. التقمص العاطفي هو قوتي الخارقة
فأنا أتعاطف معك بشكل تكون فيه مشاعري حقيقة وصادقة وأصيلة. فلا يتوجب عليك أن تطلِعني على حقيقة مشاعرك في هذه اللحظة؛ وذلك لأنني لاحظتها مسبقاً والتقطتها كما يلتقط هاتفك الذكي إشارة الإنترنت. فأستطيع استشعار حقيقة مزاجك عن بُعد وذلك لأن شخصيتي حساسة وذات مشاعر مرهفة؛ فلا تحاول إخفاء ذلك عني لأنك لن تتمكن من خداع حسيَّ المُرهف. فإن كُنتَ فرِحاً سأفرح لفرحك، أما إن كنت تشعر بالألم أو الغضب أو الحزن سأفعل كل ما بوسعي لتشعر بالتحسن.
2. قد أكون أكثر فتاةٍ عاطفيّة تعرفها
كل شيء يستثير رد فعل عاطفي في نفسي؛ ولكن بحكم كون شخصيتي انطوائيةً فأنا لا أعبر عن رد الفعل هذا بسهولة. فيتحتمُ عليّ الخوض في مشاعري تجاه ما يحدث قبل أن أتّخذ قراراً حول رأيي فيه. إن الأمر أشبه بالعيش داخل إعصار من الدرجة الخامسة يتوسط مركزه دبوس تثبيت أوراقٍ ضخم. فعلى الرغم من أنني قد أجهِش بالبكاء في أوقات غير مناسبة وأشعر بالإحباط إثر مشاكل بسيطة، إلا أنني أشعر ببهجة عظيمة إثر ملاحظة أبسط التفاصيل التي قد لا يلاحظها غيري. أي أنّ محاسن العيش في إعصار من العواطف والمشاعر تطغى على مساوئه.
3. شغلي الشاغل هو العمل على تطوير ذاتي
دائماً ما أسعى للتعلم والتأمل في دواخل نفسي وخفاياها؛ إلا أن هذا لا يعني أنني منغمسة بذاتي بشكل أنانيّ، بل يعني بكل بساطة أنني أؤمن باستمرارية التطور مدى الحياة.
4. لست مستعدةً للتعرف عليك على الصعيد الشخصي فور مقابلتك
فعندما نلتقي للمرة الأولى سأتصرف بتهذيب وسأكون سعيدة بالتعرف عليك؛ إلا أنني لن انخرط فوراً بحديث مطول معك وذلك لأنني مريعة في الحديث مع شخص لا أعرفه. كما وأنني لا أقوى على تحمل المحادثات التافهة التي تهدف إلى الدردشة عن هذا وذاك. أما أسوأ كوابيسي فهي الخروج في موعد غرامي مع شخص لا أعرفه.
5. أقوم بتحليل تفاصيل المحادثة التي تدور بيننا قبل أن تنتهي
بعد الرد على رسالتك سأَتفحص جوانب المحادثة التي لا تزال تدور بيننا؛ بما في ذلك الشعور العام للمحادثة وما إن كان هُنالك أي انقطاع غريب في سير المحادثة وما هو الموضوع الذي كنا نتحدث عنه قبل انقطاع المحادثة. أما بالنسبة للمحادثات التي تحدث وجهاً لوجه؛ سأتفحص التواصل البصري ولغة الجسد. ولا يعني هذا أنني مهووسة بتحليل التفاصيل؛ كل ما في الأمر أنني أسعى للتعرف على اللغة التي تتواصل -أنت- فيها مع الناس من حولك حتى نتواصل بشكل أفضل على المستوى الشخصي.
6. سارت المحادثة بشكل أفضل وأكثر سلاسة في رأسي
إن رأيت شيئاً يذكرني بك سأخبرك عنه في مخيلتي أولاً؛ سأعبر عنه بوضوح شديد وستكون المحادثة من أروع ما قد يدور بيننا. ولكن المعضلة تظهر عندما أراك على أرض الواقع وأخبِرك بما رأيته، حيث ستبدو المحادثة سخيفة كالتالي: “مرحباً، رأيت البارحة سنجاباً يبدو مثل باتمان. بدا وكأن باتمان يلبس بذلة بنيّة بدلاً من بذلته السوداء. حسناً سأتواصل معك لاحقاً”
7. أستطيع أن أجعل الناس من حولي يستمتعون برفقتي
إضافة إلى حبي للركض والسرعة، أحبُ أن أجعل الناس يضحكون عندما أكون برفقتهم. فسأفعلُ كل ما بوسعي لأسمع أصداء الضحكات من حولي؛ وإن لم أكن أتواصل مع الآخرين أثناء محادثتنا، تأكد أنني أعمل على ذلك بيني وبين نفسي. إلا أن الخروج للتواصل مع من أحبهم وغمرهم في بحر من السعادة يستنزف قدراً كبيراً من الجهد النفسيّ والطاقة الذهنية، علماً بأن التواصل معهم لمن أكثر النشاطات التي أستمتع بها. لذلك إن استجمعتُ طاقتي للخروج والتسكع مع من أحبهم، تأكد أن الأمر لن يضيع سدىً. ثم سأختفي ولن أتواصل معهم إلى أن استجمع طاقتي مرة أخرى.
8. أحبك من صميم قلبي
فأنا أحب من حولي من صميم قلبي وأتفهم موقفهم وأسعى للتنبؤ باحتياجاتهم قبل أن ينطقوا بها. كما وأُفضِّلُ أن تشعر بتفردك في قلبي وكم أنت مهم ومميز في حياتي بدلاً من أن تعرف ذلك من خلال بضع كلمات أنطق بها. ومن المهم أن تدرك أنّ سعادتي من سعادتِك. ولكن إن استهترت بِمشاعري وتجرأت على تحطيم قلبي سأرفع البطاقة الحمراء في وجهك لتخرج من حياتي بلا رجعة؛ وسأَحمي حياتي من وجودك فيها لتكون أبوابها موصدةً في وجهك كسجن بحراسة مشددة في أرض قاحلة متجمدة. ولم أستثني أحداً عن هذه القاعدة خلال الأربعين عاماً التي قضيتها على هذا الكوكب.
9. أحتاج قضاء بعض الوقت بمفردي
إنّ قضاء بعض الوقت بمفردي لمِن القواعد الجوهرية في حياتي؛ فهو مهم كأهمية الماء الذي أشربُه والهواء الذي أتنفسه ومن الحقائق التي لا مجال للتشكيك فيها بالنسبة لي. ولكنني لا أعرف كيف أشرح لك أهمية هذه القاعدة في حياتي، وذلك لأنك لن تفهم الفكرة كاملة ما لم يكن الأمر مهماً بالقدر ذاته بالنسبة لك. فأنا لست وحيدة أو خجولة أو منزعجة منك، ولا أختبئ من العالم المرعب في قوقعة معزولة. والأمر لا يتعلق بك أو بغيرك؛ كل ما في الأمر أن قضاء بعض الوقت بمفردي يجعلني أشعر بسلامٍ داخلي.