مغالطة العالم العادل The just world fallacy
لابد أنكم سمعتم هذه العبارات من قبل، وردَّدتم مثيلاتها في مواقف كثيرة :
“نحن شعب كسالى خانعون نستحق ما يحدث لنا..”.
“فاز هذا الشاب بجائزة الحج لكثرة ما يفعله من خيرات”.
“إن كل ما تواجهه هذه المرأة من جفاء أولادها ليس إلا عقابًا على عدم برّها هي شخصيًا بأمها”.
كلّها تعنيً باختصار : هذه عدالة السماء. والتي تخفي إيماننا العميق بأن ما يحدث هو نتيجة طبيعية غير مباشرة لفعل قمنا به في هذا العالم.
وهي تعكس نظرة الكثير منا إلى هذا العالم، نحن نؤمن أنَّ ما نحصده هو من جنس أعمالنا، وأنَّ الخير لا بد عائد لصحابه، و أنَّ الشرّ لا بد أن يصيب أهله في يوم من الأيام. “أي ببساطة؛ كلّ شخص يلقى ما يستحقه”.
تجربة بحثية عن مغالطة العالم العادل
بحث في هذه الفكرة بشكل تجريبي موسَّع عالم النفس الاجتماعي الشهير ملڤين ليرنر Lerner بجامعة نيويورك، حيث بدأ في سلسلة من التجارب في سنة 1966 لقياس مدى أعتقاد الناس بمفهوم العالم العادل، وردود افعالهم تجاه “الضحية”، وكان أشهرها تلك التي شملت 72 إمرأة جلسن يتابعن فتاة تجيب على عدد من الأسئلة و مقابل كل إجابة خاطئة تتعرض البنت لصدمة كهربائية بسيطة، و يعد عمل لرنر، في الواقع، إمتدادًا بشكل أو بآخر لتجربة ستانلي ميلجرام حول الطاعة.
في ذات الوقت، قام لرنر بتسجيل ردود الأفعال، ولاحظ أنًَ أغلب النساء في بدايه التجربه كن متعاطفات مع البنت، لكن مع مرور الوقت بدئن في تبرير ما يحدث بعبارات مثل : “تستحق هذا لإجابتها الخاطئة”، أو “العقوبة هذه لصالحها كي تتعلم”، مع تفاصيل أخرى كشفت عنها التجربة.
نتائج البحث عن مغالطة العالم العادل
خلص لرنر من سلسلة تجاربه، والتي نشر نتائجها في كتاب الرائع “The Belief in a Just World: A Fundamental Delusion”، إلى ما يسمى بفرضية أو مغالطة العالم العادل ، والتي بموجبها يؤمن الناس إيمانًا قويا بأن العالم مكان منطقي منتظم يمكن التنبؤ بنتائجه، يتسِّم بالعدل و يلقى الناس ما يستحقونه.
والشاهد، وفقًا للرنر، أنَّ هذا الاعتقاد يلعب وظيفة هامة في حياة الناس حيث يضفي معنى على حياتهم، فلن تضيع أعمالهم هباءًا، و لابد أنها عائدة إليهم خيرا أو شرا، كما أنها تفسِّر وجود الشر في هذا العالم لأن ما يحدث من شر أو مصيبة لأحد الناس هو محصلة بعيدة لأحد أعماله، ولعلَّ هذا المفهوم يذكِّرنا بفكرة الفيلسوف الألماني “ليبينتز” عن أنَّ “العالم هو أفضل عالم ممكن”.
وإذا كان لهذا التصور أثرًا إيجابيًا على حياة البشر ، فلا بد أن نقر جميعا أنَّ هذا ليس إلا مجرد وهم، فالعالم ليس عادلا، و إن ما يقع من أحداث لشخص ما ليست نتاجًا لأعماله لكنها حصاد عوامل معقدة كثيرة تجمعهما الصدفة في بوتقة واحدة.
والحقيقة المُرَّة أنَّ فكرة “الايمان بعدالة العالم” عادة ما تحل محل “الالتزام الحقيقي بتحقيق العدالة”، حيث يتم التخلي عن المسؤولية الشخصية، والتسليم والركوع أمام المصائب، واللامبالاة ازاء حالات الظلمأ، وفي الواقع إنَّ استقرار هذه الفهم من شأنه تأصيل الظلم في المجتماعات، وقبول حكم النظم الديكتاتورية.
ربما آن الاوان أن نرج حلاوة هذا الوهم ، ونعلم أن العدالة لن تحدث إلا إذا سعينا لتحقيقها.