الأخ الأكبر يحميك!
عندما يتردد ذكر مصطلح الأخ الأكبر على مسامعنا، سرعان ما تتبادر إلينا الرواية الخالدة للعظيم جورج أوريل؛ رواية 1984، وحديثها عن الأنظمة الشمولية وتحكّمها في حياة الشعوب التي تحت حكمها. ففي الراوية، الأخ الأكبر يراقبك، ويراقب كلّ تصرّفاتك وتصرفات الحزب الذي ينتمي إليه، فكلّ مكان أينما حللتَ ستجد أو تخاف من وجود أعين الأخ الأكبر التي تلاحقك، فتقوم بتغيير كل شيء حسب قناعات الأخ الأكبر، وبدون غضاضة.
يستطيع القائمون على الأمر القيام بتغيير القناعات والأحداث وتزييف التاريخ وتغيير الأحداث اليومية حسب رؤيتهم وهواهم الشخصي وحسب مقتضى مصالحهم، فلا تتفاجأ حينما تعلن دولتُك التي أنت بها الحربَ على دولة بالأمس وتعلن أنها عدوّ لدود لك، وتصبح لتجد أنّ العدو كان صديقًا منذ قديم الأزل، متى حدث؟! وكيف؟! لا تدري! ولكن كلّ ما يجب أن تدركه أنّ تلك الدولة العدوّ أصبحت صديقة وتصدّق تلك الكذبة أو ذلك الحدث الطارئ على غفلة منك دون مناقشة أو جدال، وتكمل حياتك على ذلك المنوال، ولا تحاول حتى في مجرّد التفكير الداخلي خوفًا من أن يعلم الأخ الأكبر كوامن نفسك وتقع تحت طائلة القانون الخاصّ بهم، إن أخبروك بأنّ حاصل جمع واحد وواحد يساوي ثلاثة فهو بلا شك ولا تردد يساوي ثلاثة، لا تُعمل عقلك ولا تفكّر فيما قمت بدراسته في المدرسة وأنت في المراحل الأولى، فهذا كله تزييف وكذب، والصّدق وحده هو ما يقوله لك الأخ الأكبر ودولته والقائمين على الأمر معه.
هذا أخ أكبر يخيفك ويرعبك حتى تنصاع بشكل كامل وبدون وعي منك لكلّ ما يمليه عليك وتمليه عليك الدولة والنظام القائم، ولكن هل فكرت في إحدى المرات لو يقوم الأخ الأكبر بحمايتك ويتحوّل لِحامٍ لك وتتحول أنت لمحبّ له وتنسى الرعب الذي من الممكن أن يقذفه بداخلك؟ هل ممكن حدوث ذلك أم لا؟
بعض الأناس من الشعب، يخافون بشكل كبير مخالفة معتقداتهم التي جُبلوا عليها، فبالنسبة لهم أنّ كل الاعتقادات وكل ما يفكرون ويؤمنون به هو مقدّس من المقدسات لا يجب المساس به، فحينما تخرج عليهم لتهدم الثوابت التي يستندون إليها وتستند حياتهم وأفكارهم الهشة عليها، سرعان ما تجدهم يحاولون القضاء عليك وعلى أفكارك دون القيام بالاستماع إليك ومحاولة تقبل الرأي الخاص بك ومناقشته، لكنهم يهرولون سريعًا مع الجانب الذي يمتلك القوة الباطشة والذي، في اعتقادهم، سيخلصهم من هذا الكابوس المزعج المتمثل في رأيك المخالف، حتى وإن كانت مخالفة لا تتسبب بمشاكل وتجلب الكثير من الخير لهم ولحياتهم، فهم لا يدركون ذلك لقصر تفكيرهم ولافتقارهم لبعد النظر، ولإيمانهم بالمطلق بأناس لا يملكون لهم سوى الإذعان والخضوع.
يتجلّى هنا بوضوح دور الأخ الأكبر ولكن بشكل مغاير تمامًا، يتجلّى في نفوسهم الهشة وعواطفهم الملتبسة بأنه حامي الحِمى وبأنه ملاذهم الأوحد والوحيد من تخليصهم من تلك الحفنة والسلة الفاسدة التي تريد لحياتهم الخراب والدمار، وما أن يلتقط أخوهم الأكبر هذا في تصرفاتهم وسلوكهم من الإذعان لهم والسّير في القطيع، تجده يخرج إليهم ليعمّق لديهم الوهم وادّعاء حمايتهم المطلقة من أي خطر قد يحيق بهم، وبجهل تام منهم بتتابع الأحداث والحوادث التي حدثت وتحدث، يغفلون عن أنّ لا أخ أكبر يقوم بحمايتهم، بل يقوم بمراقبتهم والحرص على جعل كل من تحت حكمه ينصاعون لكل ما يصدره من أوامر.
عندما يلحظ رغبتهم في طلب الحماية منهم، يخرج عليهم يهدد كل من يخالف السير في القطيع بجمل وعبارات لا تخرج من شخص يمتلك القليل من العقل والهدوء والرزانة والحكمة، عبارات تدلّل بشكل كبير لكل مدرك ولكل من يملك بصيرة، بأنّه خائف مرتعد من أمر ما..
ولكنه يظهر في ذلك المظهر ظنًا منه بأن من يسيرون خلفه سيرون مدى قوته، أو يدرك جيدًا بأنهم بمجرد رؤيته هكذا سيخنعون له ولحديثه، وسيتملّكهم الأمان المزعوم من تلك العبارات بأنهم لا خوف عليهم في وجود الأخ الأكبر الذي سيحميهم من أي بطش.
هناك أخ أكبر يصنع قوّته وبطشه ويحيك حكمه من خيوط الخوف والجبن لدى من يحكمهم بطرق شتى. ولا بُدّ، يوجد أخ أكبر لا يفعل ذلك، ولكن الجمهور والجبناء ممن يحكمهم من يصنعون قوته وجبروته ويجلبونه ليمارس دوره في المراقبة وإلقاء الرعب في النفوس، ظنًا منهم وإرضاءً للخوف الذي بداخلهم بأنه الحامي الوحيد لهم المخلّص من العبث وكل الخروج على ما يعتقدونه ثابتًا لا يتغير، والحافظ لهويتهم وثوابتهم الهشة التي بها يسبحون.