التحرش الجنسي والعنف ضد النساء الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية
تحطيم الأُسَر الفلسطينية وتهديد الأمن القومي بالاعتداء الجنسي على النساء الفلسطينيات
لطالما كان التّحرّش الجنسيّ والعنف الجنسيّ من الأساليب التي يتّبعها الجنود الإسرائيليون ضد السّجناء الفلسطينيين. وفي حين يتعرّض الرّجال والأطفال لمثل هذه المعاملة، فإنّ النساء يواجِهْنَ عموماً وطأة سوء المعاملة المنهجيّة كذلك.
قالت رئيسة اتّحاد اللجان النّسائيّة الفلسطينيّة (خِتام سعافين) التي أمضت ثلاثة أشهر في الاعتقال الإداري دون توجيه أي اتهام لها، واتهمت الجنود الإسرائيليين بالتقاط صور لها على هواتفهم الخلوية وبتفتيشها:”إنّه ليس أمرًا يقوم به جنديّ قرّر إذلال “السُّجَناء” أو قرّر إساءة معاملتهم، إنّه جزء من العملية وجزء من السياسة، وهذا من أجل التأثير على المجتمع بأكمله ووضعه تحت الضغط؛ لأنهم يدركون أن موضوع “نوع الجنس” هو موضوع حساس في المجتمع الفلسطيني”.
ختام سعافين – رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية ومناضلة نسوية
بحسب ما أشارت إليه (سعافين)، فإنّ ممارسة التحرش الجنسي والعنف تستهدف تحديدًا “نوع الجنس” كوسيلة لزعزعة استقرار المجتمع الفلسطيني برمّته وتحطيمه أيضًا. ونحن نرى ذلك في القمع المنهجي السّائد والعنف ضد المرأة الذي يحدث على كل مستوى من مستويات الحياة، وهذا يشير إلى أن إعاقة صحة الأجيال القادمة من الفلسطينيين هو أمر حتمي للمشروع الإسرائيليّ. يتم استخدام هذا التحرش الجنسي والعنف ضد المرأة الفلسطينية استخدامًا تكتيكيًّا كمعاملة مؤسسية من قِبَل النظام الإسرائيلي. وعلى الرّغم من أنّ النّساء يواجهْنَ وطأة هذه المعاملة المنهجية فإن الرجال الفلسطينيين يتعرّضون للإهانة الجنسية على نحو مماثل، وهذا في إطار الجهود الرامية إلى تفتيت الأُسَر وإصابتها بصدمات نفسيّة. وفي حين أنّ إذلالهم وتعذيبهم قد لا يكون دائمًا ذا طبيعة جنسيّة إلا أنّه يشكّل دائمًا عُنصرًا أساسيًّا في ممارسات الهيمنة والاستجواب والتّعذيب.
تعتبر الاستجوابات من أشدّ أجزاء الاحتجاز عُنفًا بالنّسبة للكثير من النساء، حيث أنّ التحرش الجنسي والتعذيب كثيرًا ما يُستخدمان كوسيلة للتّخويف والإكراه على الاعتراف. أساليب التعذيب الجسدي والنفسي تشمل الأوضاع المُجهِدة، والحرمان من النوم، والضرب، والصراخ بعبارات جنسية، والشّتائم، والأسئلة عن الأزواج. أمّا العنف الجنسي فهو يحدث لأغلب النساء، وقد يشمل الضّرب، والتّهديدات، والتحرش الجنسي الصريح، والتهديد بالاغتصاب (بما في ذلك التهديد باغتصاب أفراد الأسرة)، والتفتيش الجسدي. تنطوي عمليّات التفتيش الجسدي الروتينية على تمزيق الملابس كلّها تقريبًا بالقوة، وتمزيق الملابس الداخلية أحيانًا، وكثيرًا ما يُطلب من النّساء أن يجلسْنَ القُرفصاء وهنّ عاريات؛ فيخضعْنَ لتفتيش جسديّ داخليّ بصورة اقتحاميّة. وتحدث عمليات تفتيش التّعرّي إجمالًا عند الذهاب إلى جلسات المحكمة أو الرجوع منها، حيث يتم استهداف النساء الأصغر سنًا عمومًا، ولكن قد تحدث أثناء الليل كإجراء عقابي وكثيرًا ما تتصاعد إلى التّعذيب. وعلى الرغم من وقوع عمليات تفتيش التّعرّي إلا أنّها تنتهك الالتزامات بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة، فضلًا عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
يعتبر التحرش الجنسي والعنف ضد المرأة الفلسطينية شكلًا منهجيًا شائعًا من أشكال العنف العنصري والعنف الجنساني الذي تمارسهُ الدولة، وهذا جانب أساسي من تجربة النّساء في السجون.
أثناء استجواب النساء يجب أن تكون ضابطة إسرائيلية حاضرة، إلا أنّها كثيرًا ما تلعب كلا الدّورين حيث تقوم بإخفاء السلوكيات المحظورة وغير المشروعة وتكون دليلًا عليها أيضًا. والضابطات الإسرائيليّات لَسْنَ أقلّ عُنفًا من نُظرائهنّ من الرّجال، حيث يستخدمن أساليب عنيفة للسيطرة ضد الرجال والنساء على حد سواء، وذلك من أجل كسب الاحترام والتقدير من الجنود أو الرؤساء الذكور.
عهد التميمي – ناشطة فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي
كشفت المقاطع المسرّبة لاستجواب الناشطة الفلسطينيّة (عهد التّميمي) عن بعض سيناريوهات التحرش الجنسي. تم القبض على التميمي-التي كانت تبلغ من العمر 16 عامًا عندما اعتُقِلَت خلال مداهمة ليلية- بسبب ركلها وصفعها جنديًا إسرائيليًا وذلك ظهر في فيديو تصويري حيث قام الجندي الإسرائيلي بإصابة ابنة عمّها بجروح خطيرة وهم في عُقر دارهم. في محاكمة التميمي، لم تكن هناك مُحقّقة حاضرة، ممّا سمح باستجوابها بشكل غير قانوني من قِبَل رجلين اثنين، أحدهما ظهر في فيديو يقوم بالتحرش الجنسي اللفظي ضدها وبالترهيب الجسدي أيضًا. مع الأسف، قصة (عهد التميمي) ليست وحدها، فهناك العديد من النّساء الفلسطينيّات، وخاصّة الشّابات منهنّ، اللواتي يتعرّضْنَ لأشكال مختلفة من التّحرُّش الجنسي والعنف أثناء احتجازهنّ تحت السيطرة الإسرائيلية.
إنّ العنف والمضايقات التي تضطر هؤلاء النساء إلى تحمُّلها تعتبر أمرًا مقبولًا بموجب الأمن القومي الإسرائيلي، حيث يتم تبريرها باعتبارها وسيلة حيوية لحماية الدولة. وترتبط أوجه انعدام الأمان والانتهاكات التي تواجهها المرأة الفلسطينية ارتباطًا جوهريًّا بالخطاب الوطني الفلسطيني الذي يدعي أن أجسادهن هيئة وطنية مُتخيَّلَة، وهذا ما يجعل أجسادهنّ عُرضة للتّسليح، و”التسليح” هنا تعني: استخدام أجساد النّساء كأسلحة بموجب سيطرة المنظومة الذّكوريّة في نزاعاتهم.
وهناك أساليب الإسقاط الإسرائيلي، يوضّح مصطلح (الإسقاط-Isqat)[1] -الذي يُترجم مُباشرةً على أنه (سُقُوط)- كيفيّة استخدام أجساد النّساء كأسلحة ضدّ النّضال الوطنيّ الفلسطينيّ؛ وذلك عن طريق مُهاجمة ضحايا مُعيّنين من النساء واستهداف العلاقات بين الرجل والمرأة في المجتمع الفلسطيني، و(الإسقاط) يشمل أيضًا الاعتداء الجنسي على النساء الفلسطينيات كوسيلة لجمع “المعلومات الأمنية”. إنّ فكرة (الإسقاط) لا تعترف بحقوق الإنسان ولا بتجربة هؤلاء النساء الضحايا، بل المقصود منها هو الكشف عن أنّ كيف القوى العسكرية تستخدم تصوّرات المنظومة الذّكوريّة للجنس والشرف من أجل تفكيك النساء وأُسَرهنّ شخصيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا. وعليهِ، فإنّ أجساد النساء الفلسطينيات تُستخدم كسلاح ضدّهن، ممّا يضعهنّ في مواجهة النضال من أجل الوطن والمقاومة.
إن تسليح أجساد النساء الفلسطينيات يعزز النّظرة الذّكوريّة لـ (الإسقاط)، والاعتداء الجنسيّ على هؤلاء النّساء يُعتبَر تهديداً للأمن القوميّ، وهذا ما يجعله صعبًا عليهنّ أن يتكلّمْنَ عن وقائع الهجوم عليهنّ وأن يسعيْنَ لطلب الدّعم بعد الاعتداء عليهنّ. كان هناك عددٌ لا يحصى من عمليات الاغتصاب في النكبة عام 1948 من قِبَل جنود الجيش الإسرائيلي، ولكن هذا التاريخ بأكمله تم قَمْعه من قِبَل الضّحايا أنفسهنّ بسبب وصمة العار المروّعة للاغتصاب في المجتمع الفلسطيني. ويُنظر إلى الحديث عن هذه المسائل على أنه ضد النّضال الوطني ويُعدّ قبولًا لنية القوى الخارجية التي تسعى لتدمير فلسطين. وفي ضوء هذه السردية، فإن جسد المرأة لا يصبح جسدها فقط، بل جسدها هو الذي يحافظ على الثقافة الفلسطينية الأصيلة، وبالتالي الانتماء إلى الأمة، والرواية الوطنية. ونتيجة لذلك، فإن النساء السجينات لا يتعرضن للتّمييز الجنسانيّ فحسب، بل يتحمّلْنَ أيضًا عِبء تسليح أجسادهنّ كوسيلة لحماية أنفسهنّ وقصصهنّ الوطنيّة. ولا يشكّل التّحرّش الجنسيّ والعنف في السجون الإسرائيلية سوى جزء من التّمييز الجنسانيّ الذي تتعرّض له النّساء الفلسطينيات.
يستمر المشروع الإسرائيلي في إضفاء الطابع الجنسي على نضال هؤلاء النّساء من أجل تحطيمهنّ وتدمير علاقاتهنّ الأسرية وصلاتهنّ بالأرض. ويستمر المشروع الإسرائيلي في إضفاء الطابع الجنسي على نضال هؤلاء النساء من أجل تقويضهن وتدمير علاقاتهن الأسرية وصلاتهن بالأرض. هذه اللاأخلاقية الجنسية تُضيف طبقة جديدة من الصدمات النفسية المفروضة على هذه الأجساد الفلسطينية ومجتمعها الذي يعيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة وداخل حدود فلسطين التاريخية.