حديث الصباح والمساء بين إبداع النص الأدبي لنجيب محفوظ ولمسة محسن زايد الساحرة
تعدُّ رواية حديث الصباح والمساء أحد أشهر روايات الأديب الراحل نجيب محفوظ ولم يكن من قبيل المصادفة أن يسبق صدروها حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الآداب بعام واحد، وقد ذاع صداها كثيرًا بل وزاد أكثر بعد أن تحوّلت لمسلسلٍ تليفزيونيًّ ضمّ كثيرًا من نجوم التلفاز في تلك الآونة وصنف العمل أنه أحد أبرز ما قدم على الشاشة الصغيرة في مصر وذلك بإجماع من النقاد والجمهور وبين إبداع النص الأدبي لنجيب محفوظ ولمسة السيناريست محسن زياد الساحرة في المسلسل حفر اسم حديث الصباح والمساء في أذهان الشعب المصري.
قدّم نجيب محفوظ حديث الصباح والمساء في قالب مختلف عن باقي الروايات من حيث طريقة سرد الأحداث فنجد أنَّ الرواية قد قسّمت الشخصيات وفقًا للحروف الأبجدية، أستهلهم نجيب محفوظ بـأحمد محمد إبراهيم ويختمها بـيزيد المصري.
الرواية ببساطة هي قصة الحياة من ميلاد ووفاة وصراعات الحياة المختلفة والروابط التي تربط بعضنا البعض لنجد أنفسنا في النهاية داخل شبكة واحدة منغلقة، وقد عبّر محفوظ عن ذلك من خلال شجرة عائلة كبيرة تنحدر من 3 أصدقاء وهم يزيد المصري وعطا المراكيبي ومرسي الطرابيشي
فبالتأكيد ستجد نفسك في الرواية ستجد ولو مظهر من مظاهر حياتك فيها..
ففي شخصياتها المتعددة ترى الناس باختلاف طبائعهم من حب للمال أو حب للنفوذ أو الرضا بالمقسوم، وتجد من يقدموا التنازلات من أجل مجد زائف بل ومن يقدموا التنازلات من أجل الآخرين.
ومن ناحية أخرى نجد أن الرواية كانت مرآة للعصور المختلفة في مصر، فمن خلال أحداثها يمكننا رؤية المظاهر السياسية والاجتماعية فالرواية تبدأ من الحملة الفرنسية مرورًا بتولي محمد علي مقاليد الحكم إلى الثورة العربية وثورة 1919 وثورة يوليو والجلاء الإنجليزي ختاما بعصر السادات وتحديدا مرحلة الانفتاح.
فبصورة غير مباشرة سلّط محفوظ الضوء على العصور المختلفة ومشاكلها السياسية ومظاهرها وعاداتها الاجتماعية ومحاولة الأجيال الجديدة دائمًا بالثورة على المعتقدات الاجتماعية الراسخة، كل ذلك دون أن تتخذ الرواية القالب التاريخي المألوف.
وبالنسبة للقارئ لم يكن شكل الرواية مألوفًا له في البداية وإن كان نجيب محفوظ سبق وأن قدم روايات الحرافيش من خلال الشخصيات المتعددة لعائلة الناجي خلال 10 فصول، ولكن قالب حديث الصباح والمساء المقسّم أبجديًا للأبطال الذي بلغ عددهم 67 لم يكن مألوفًا للقارئ مما جعل البعض يذهبون حتى وقتنا هذا على أنها مجموعة قصصية مثلما سبق وقالوا على الحرافيش، ولكن رغم طريقتي السرد لكليهما إلا أنهم رواياتان ولا يمكن اعتبارهم مجموعات قصصية.
كل ذلك جعل من النص الأدبي لحديث الصباح والمساء مكانة مميزة وسط أعمال الأديب الكبير، وتبوّأ اسم حديث الصباح والمساء مكانة أكبر بعد أن تم تحويله لمسلسل تليفزيوني والذي حمل بجانب توقيع نجيب محفوظ توقيع كل من المخرج أحمد صقر والسيناريست محسن زايد؛ ليرى المشاهد اجتماع هذا الثلاثي على عمل فني ويعلم أنه على موعد مع حدث مهم في بداية الألفية الثانية وكان لهم ما توقعوا.
مسلسل حديث الصباح والمساء
إذا تحدثنا عن زايد وصقر ستجد أنهم اسمان لامعان في عالم التلفاز ولكن هذا العمل أثبت أن محسن زايد ليس مجرد كاتب سيناريو بل هو ساحر يمتلك عصا تحوّل النص الأدبي ببراعة لعمل خالد في تاريخ ماسبيرو.
جمع العمل نخبة من نجوم ذلك الوقت يأتي على رأسهم ليلي علوي و عبلة كامل خالد النبوي وأحمد خليل و سوسن بدر والعديد من النجوم الذين يحتاجون مقال كامل للحديث عنهم ، مما لم يتح في المسلسل نظرية البطل المطلق التي سيطرت على الدراما في مصر ذلك الوقت والتي في معظم الأحيان تنتهي بانتصار ذلك البطل، ولكن في حديث الصباح والمساء تلاشت تلك النظرية وذلك من أجل التيمة المسيطرة على المسلسل فكان من الطبيعي أن تجد البطل الذي تتعلق به يموت في بداية الحلقات أو في منتصف المسلسل؛ ليظهر أبطال جدد يكونون هم محور المسلسل.
أما بالنسبة لمحسن زايد فتحويل العمل إلى سيناريو تليفزيوني لم يكن بالأمر السهل، فالرواية كما ذكرنا كانت مقسِّمة للشخصيات بالطريقة الأبجدية ولكن زايد استطاع بمعالجته الدرامية أن يعيد صياغة القصة لتكون كـ كتلة واحدة ،مبتكًرا شخصيات ساهمت في ذلك مثل النقشبندي (عمرو واكد) والذي يعد من نسل عائلة يزيد المصري والذي يقرأ في كتاب جده قصة هؤلاء الأشخاص خلال رحلة قام بها إلى هذا العالم وهو في غيبوبة.
أما بالنسبة للحوار وهو أحد أركان المسلسل الذي تجلت به عبقرية زايد، نجد أن أهم ما يميزه هو تطوره الدائم وتغيّر المفردات مع مرور الزمن خلال أحداث المسلسل ليعكس لك بوضوح طريقة التفكير والحوار خلال العصور المختلفة التي يمر بها المسلسل.
ومثلما أنجذب القارئ للرواية من قبل من أجل التيمة المسيطرة عليها فانجذاب المشاهد للمسلسل كان وراءه نفس السبب تقريبًا وذلك بعد أن بعث فيها الروح قلم محسن زايد وإبداع أحمد صقر وموسيقى عمار الشريعي وأنغام، وباقة الفنانين الذين قدّموا عملًا دسمًا متكاملًا لمسلسل أصبح أيقونة من أيقونات ماسبيرو.
ورغم ذلك إلا أن المسلسل لم يعرض كل الأجيال الموجودة في النص الأدبي لنجيب محفوظ والتي تمتد كما أسلفنا الذكر حتى عصر السادات؛ لذا أعلن أحمد صقر مؤخرًا عن نيته في تقديم الجزء الثاني من المسلسل، وبما أن القرار أصبح شبه رسمي فعلينا طرح عدة أسئلة هل سيكون المسلسل امتداد مناسب للجزء الأول أم سيكون جزءًا للنسيان مثل الجزء السادس من ليالي الحلمية؟ وهل سيستطيع سيناريست أن يقدم عملًا متماسكًا يضاهي ما أسلف وماقدمه الراحل محسن زايد؟؟!