جائزة نوبل كمثال بين الاستحقاق و الإبهار
لِمَ يجب أن يرشح لنا أحد ما نقرأ؟
ماذا نقرأ؟ ولمن؟ أسئلة في ذهن أي قارئ خاصة فى مجال الأدب، وإجاباتها المعتادة هي: البحث عن الأدباء المشهورين و الفائزين بالجوائز كـ نوبل وغيرها. ولكن هل الجوائز منصفة؟! هل كل أديب عظيم تم منحه جائزة ما؟!
حسنٌ، نعلم أن دوستويفسكي على سبيل المثال لم يفز بأي جائزة فى حياته، و كل التكريمات جاءت بعد وفاته، مع العديد من التماثيل و النياشين الشرفية، و مع ذلك لم يفز بجائزة واحدة طوال فترة حياته؛ إذا لا بد من استثنائات عندما نتكلم عن الكتاب العظام فلا يجب اختزالهم فى مجرد جوائز! قد يبدو هذا الكلام غريبًا، و قد تكون تلك أول مرة تقرأ لشخص مقالة يهاجم فيها الجوائز الأدبية، و لكن منذ عدة سنوات ظهرت العديد من الهجمات على أرفع جائزة أدبية على المستوى العالمي، و هي جائزة نوبل.
عبر عقود كانت الجائزة مصدر ثقة كبيرة؛ فعند اختيار أحد الأدباء للفوز بها، يعتبر -بلا شك- أفضل أديب على وجه البسيطة، و لكن هذه الأفكار بدأت بالتشتت في عصرنا هذا. عندما يكون أمامك أكثر من أديب اتفق عليهم العالم و يستحقون دخول التاريخ، حينها تدرك أن هذا المشهد تكرر كثيرًا، و ربما -فقط ربما- هناك أدباء كبار لم يحصلوا على الشهرة الكافية ليصلوا إلى أسماع عصرنا هذا! في هذا العام، كان هناك الكثير من المرشحين الممتازين لنيل جائزة نوبل للأدب، ولكنك ستتفاجأ أن لم يفز أيٌّ منهم نهائيًا؛ قد تتعجب وتقول: ربما يسلطون الأضواء على موهبة عظيمة لم تكن تحت الأضواء! ثم تكتشف فجأة أن جائزة نوبل للأدب لم تذهب إلى أديب!
كان كازاو إيشاجورو قد فاز بالجائزة -و هو ياباني قضى حياته فى إنجلترا- ورغم شهرته و شهرة روايته “بقايا اليوم” إلا أن أحدًا لم يتوقع فوزه، خاصة بوجود كتّاب أكثر شهرة على قيد الحياة: مثل هاروكى موركامى و ميلان كونديرا. جاءت عاصفة انتقادات للجنة بسبب الاختيار ليس بسبب أحقيه كازاو ايشاجورو للجائزة أو عدمها، بل كلها اتهمات للجائزة السويدية بالبحث عن الغريب اللامع الذى يجذب الأنظار على حساب الجودة، و كل هذه الانتقادات ترجع لعام 2016، حيث وصفت بعض المجلات الأدبية الوضع بالهزلية بعد إعلان فوز المغني الأمريكي بوب ديلان بالجائزة، وهو ما لم يتوقعه المجتمع الثقافي بالكامل؛ فاشتدت النزاعات بعد الإعلان فى هذه الأيام: بين المستنكرين لإعطاء الجائزة لغير الأدباء، وبين من يسردون إنجازات بوب ديلان المؤثرة، و لكن لمن لا يعلم بوب ديلان؛ فهو مغنٍ مشهور ساعدت كلماته في العديد من الانتفاضات الشعبية، وأغلب أغانيه عن مشاكل اجتماعية ساعدت فى تكوين شعبيه كبيرة أدت إلى فوزه بأوسكار و جائزة جرامي؛ إذًا لم تكن المشكلة في شخص أو موهبة بوب ديلان، بل في التخصص.
قد يكون الغناء فنًا مؤثرًا و لكن عقل القارئ شكل فكرة محددة عن ماهية الأدب و الأديب، و هذه الصدمة كانت كفيلة بخروج العديد من الأفكار. وثانية لم تكن المشكلة فى موهبة أيٍّ من كازاو ايشاجورو و بوب ديلان، بل كانت المشكلة فى معرفة كيف تفكر اللجنة، هل تبحث عن المواهب المستحقة للشهرة؟ أم مجرد الإبهار بالأفكار الجديدة أو جذب انتباه حول اللجنة؟ و لكن أيًا كان ما يريدون فإننا لا نعلم معايير الاختيار و لا حتى المرشحين كل عام، و هو ما سبب إرباك العديد من القراء.
كقارئة، هناك جزء كبير يجب الاعتماد فيه على النفس في النقد، لا يجب اتباع كل الآراء لأن جزءًا كبيرًا من التقييم يقع على المستفيد من العمل أولًا و أخيرًا، و الترشيحات ما هي إلا عامل مساعد، بالإضافة إلى أنّ واحدة من متع القراءة هى الاستكشاف و المغامرة بقراءة كتاب غريب لم تسمع عن مؤلفه يومًا و لا تعرف حبكة الرواية، بل تدخل الرواية غريبًا و تكتشف العالم وحدك مثل غريب يستكشف شخصيات شارع خارج الزمان و المكان.
لذا نوبل أو غيرها يجب ألا تكون معيارًا لما تحب أو تكره، بل مجرد عين قد تصيب أو تخطئ؛ فلا توجد جائزة صادقة مئة فى المئة؛ لأن القائمين عليها بشر: يخطئون أحيانًا، و يسهون أحيانًا أخرى.