أمستْ مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من روتين حياتنا اليومي؛ فلا يُخيَّل للواحد منا أن يقضي يومًا واحدًا دون الإبحار في إحدى عوالمها. ولا أنوي أن أكون ممن يلومون مواقع التواصل الاجتماعي على كل الأخطاء التي يرتكبها مرتادوها ولا أن أجلس في قصر زجاجيّ لأرمي الحجارة على مرتادي هذه المواقع؛ فأنا واحدة ممن أمست مواقع التواصل ركنًا أساسيًا من أركان حياتها. ولكن كوني فتاةً عشرينية ما تزال تبحث عمّا يجلب لها الرضى الذاتي، وجدتُ أنّ هذه المواقع تجُرُّني إلى ثقبٍ أسود يُدمر كل المناعة النفسية التي بنيتها عبر السنين. ونظرًا لأن هذه الحالة لا تروقني، قررت أن أشارككم بعض ما قد يشجعكم على الابتعاد ولو ليومٍ واحد عن براثن مواقع التواصل الاجتماعي.
هنالك مصطلح إنجليزيٌّ شدَّ انتباهي وجعلني أفكر جديًا بالابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي. يشير مصطلح “digital detox” إلى الفترة الزمنية التي يمتنع الفرد فيها عن استخدام الأجهزة الإلكترونية بهدف التقليل من استهلاكه لمحتوى مواقع التواصل الاجتماعي. وتهدف هذه الخطوة إلى التقليل من التوتر الذي يهيمن على حياة الفرد إضافة إلى زيادة نسبة التواصل المباشر مع العالم الطبيعي بدلًا من العالم الإلكتروني.
ولكن إن بحثنا عن معنى كلمة “detox” وحدها؛ سنجد أنها تشير إلى العملية التي يتم من خلالها علاج مدمني المخدرات أو الكحوليات عبر التخلص من المواد السامة التي عشعشت في أجسادهم إثر تعاطي المخدرات أو الإفراط في شرب الكحوليات. أي أن هذه الكلمة تعني بشكل أو بآخر التخلصَ من السموم. وإن عدنا للمصطلح الأساسي “digital detox” -والذي يعني حرفيًا التخلص من السموم الرقمية- سنجد أن اختيار هاتين الكلمتين معًا، ينمُّ عن ألمعية وذكاءٍ شديدين. فالاستخدام اليومي لهذه المواقع أمسى إدمانًا خفيًّا ومُصرحًا به، وبات الاستخدام المفرط لهذه المواقع سمًّا يقتلنا ببطء شديد.
ولذلك، يجب أن يكون المرء متفاهمًا مع نفسه ليعترف أمامها بإدمانه الخفيِّ هذا. ولا يخفى عليكم صعوبة الإقلاع عن هذا الإدمان؛ فما إن تدخل على مقطع فيديو واحد على الفيسبوك، ستجد نفسك عالقًا في دوامة من الفيديوهات التي تغريك لمشاهدتها. أما إن كنت تستعرض المحتوى الذي شاركه مرتادو السناب تشات، فستبقى تستعرض حلقةً لا نهائية من يومياتهم التي قد تكون أو قد لا تكون ذات أهمية تُذكَر. ولا تنسَ الأوقات التي شعرت فيها بأنك لا تنجِز شيئًا ذو أهميةٍ في الحياة عندما كنت تستعرض انجازاتِ أقرانك التي شاركوها على الانستغرام. وبهذا نرى أن الحالة التي وصلنا إليها هي إدمانٌ في أبهى حُلَلِه.
أعراض الانسحاب من مواقع التواصل الاجتماعي
أمّا إن اتَّخذ أحدنا قرارًا بالابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي لفترة، فسيواجه حينها أعراضَ الانسحاب التي تواجه أي مدمن عند إقلاعه عن إدمانه. ويبدأ ذلك برفض المدمن الواقعَ، فيسعى لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي ولو لدقيقة أو دقيقتين. وهنا يفشل الكثيرون في بداية رحلة إقلاعهم عن الإدمان؛ لذلك يجب أن يتخذ الفرد إجراءاتٍ تمنعه من استخدام هذه المواقع كإعطاء الهاتف لأحد أفراد العائلة ليخفيه بعيدًا عنه. ويلي ذلك مرور الفرد بحالة من الهيجان والعصبية والتوتر الناجم عن غياب عنصر الإدمان عن حياته. وتترواح طول هذه المدة حسب درجة إدمان الفرد على استخدام هذه المواقع. لذلك يُنصَح الفرد أن يجد شيئًا يشغله؛ كالعمل أو الخروج في جلسة ودية مع حفنة من الأصدقاء المقربين أو حتى النوم لبضع ساعات. ويلي ذلك تقبل المدمن لحياته دون مواقع التواصل الاجتماعي ليستمر حينها لأيام أو أسابيع دون اللجوء إليها. ولكنَّ حالة الانتكاس واردة فور رجوعه إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد يقضي ساعات وساعات من يومه على هذه المواقع كآلية يعوِّض فيها عن الفترة التي حُرِم فيها من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وهنا يجب أن يراقب شخصٌ ما استخدامك اليومي في الفترة التي تلي رجوعك لمواقع التواصل الاجتماعي.
إن الإقلاع عن هذا الإدمان ليس بالأمر الهين؛ فستجد أنك ستفشل مرارًا وتكرارًا في بداية رحلة إقلاعك. وهو أمر طبيعي للغاية. لذلك لا تقسُ على نفسك في بداية رحلتك. ابدأ بالإقلاع لساعة أو ساعتين، ثم ليوم أو يومين، وهَلُمَّ جرًّا. فإن نجحتَ في إقلاعك عن هذا الإدمان، ستلاحظ تحسّنًا في حالتك المزاجية العامة وستجد أنك أمسيت تنام بعمق أكثر، فضلًا عن ساعات الفراغ التي وفرتها والتي يمكنك أن تستغلها في إنجاز الأعمال المتراكمة عليك. أما أثمن مكاسبك هنا فهو الرضى الذاتي الذي ستشعر به بعد مرور مدةٍ طويلة دون اللجوء إلى تصفح مواقع التواصل الاجتماعي.