أمراض الحساسية والاكتئاب
لا تعتقد أن المصابين بأمراض الحساسية الذين يشيرون إلى أنّ أعراض الحساسية -كالعطاس والعيون المُلتهبة والمُسببة للحكة- تجعلهم يشعرون بالتعاسة يُبالغون في وصفهم أو يهوّلون من معاناتهم؛ حيث أظهرت دراسات أُجريت حديثًا وجود صِلَةٍ ما بين أمراض الحساسية الموسمية والاكتئاب السريري. فعلى الرغم من أنّ الباحثين لا يستطيعون الجزم بأنّ أمراض الحساسية تسبب الاكتئاب، إلا أنه لمن الواضح أنّ المصابين بالحساسية أكثرُ عُرضَةً للشعور بالاكتئاب. حيث صرَّح بول مارشال -الحاصل على شهادة الدكتوراة وطبيب الأعصاب في قسم علم النفس للمركز الطبي الخاص في مقاطعة هنبين الواقعة في ولاية مينيسوتا- ما يلي:
على الرغم من أنّ معظم المصابين بأمراض الحساسية لا يعانون من الاكتئاب وأنّ معظم المصابين بالاكتئاب لا يعانون من أمراض الحساسية، إلا أنني أعتقدُ أنه لمن السليم أن تُصنَّفَ أمراض الحساسية كعاملٍ يزيد من احتمالية الشعور بالاكتئاب.
كما وتُشير دراسات أُجرِيت على نطاقٍ سكانيٍّ واسع إلى أنّ الأفراد الذين يعانون من إحدى أمراض الحساسية تتضاعف احتمالية معاناتهم من الاكتئاب مقارنةً بمن لا يعانون من الحساسية. ففي إحدى هذه الدراسات، وُجِدَ أنّ البالغين الذين يعانون من التهاب الأنف التحسسي -أو ما يُعرف بحمى القش- تتضاعف احتمالية تشخيصهم بالاكتئاب الحاد في الأشهر الاثنتي عشرة الماضية.
وخلصت دراسةٌ أُخرى إلى أنّ الأطفال الذين أصيبوا بحمى القش بين الخامسة والسادسة من أعمارهم تتضاعف احتمالية إصابتهم بالاكتئاب الحادِّ خلال الأعوام السبعة عشر القادمة. كما وتدعم الدراسات التي أُجريت حديثًا العلاقة ما بين الحساسية والاكتئاب؛ ففي دراسة أُجرِيت عام 2002، وجد فريق من العلماء تحت قيادة مارشال أنّ الأفراد المصابين بالحساسية يشعرون بكُلٍّ من الحزن والخمول والإرهاق وبفتورٍ في المشاعر في أواخر الصيف -أي عندما يصل موسم انتشار حبوب اللقاح إلى ذروته. وأشار مارشال إلى ما يلي:
إنَّ هذه الحالة النفسية التي يعاني منها مصابو الحساسية تمثِّل الحالة المعاكِسة لما يشعر به الأفراد غيرُ المصابين بالحساسية.
وأضاف موضحًا أن الأفراد -الذين لا يعانون من الحساسية- يميلون عادةً إلى الشعور بحالةٍ مزاجيةٍ أكثرَ إيجابية في فصل الصيف مقارنةً بالفصول الأُخرى.
تفسير الرابط الذي يربط أمراض الحساسية بالاكتئاب
إذن ما هو الرابط بينهما؟ يفسر بعض الخبراء في مجال علم النفس هذا الرابط من منظور سيكولوجي، مع التركيز بشكل رئيسي على التأثير العاطفي الشديد لأعراض الحساسية المزمنة على الحالة النفسية للمُصاب. حيث صرح Richard F. Lockey -الحاصل على دكتوراه في الطب والأستاذ في كلية الطب ورئيس قسم أمراض الحساسية وعلم المناعة في كلية الطب بجامعة جنوب فلوريدا- ما يلي:
على الرغم من انعدام وجود علاقة سببية ما بين التهاب الأنف التحسسي والاكتئاب، إلا أن عدم قدرتك على التنفس من خلال أنفك بشكل طبيعي ومعاناتك من الصداع وانعدام قدرتك على النوم الهانئ ليلًا قد يزيد من احتمالية شعورك بالاكتئاب.
فهُنالك دليل دامغ على أنّ الحساسية قد تحول بينك وبين النوم، كما وتمّ الربط ما بين معاناة الفرد من مشاكل بالنوم وشُعوره بالاكتئاب ومعاناته من ضعف التركيز.
كما ويمكن تفسير الكآبة التي تسببها الحساسية والتي تؤثر على عدد كبير من الأفراد من منظورٍ بيولوجي؛ حيث أعرب Teodor T. Postolache -الحاصل على شهادة الطب والأستاذ المساعد في قسم علم النفس والمسؤول عن برنامج المزاج والاضطراب في كلية الطب بجامعة ماريلاند الواقعة في ولاية بالتيمور- عمّا يلي: “أميلُ إلى تفسير الأمر من منظورٍ بيولوجي“. حيث خلصت دراسةٌ أُجريت عام 2005 تحت إشراف Postolache إلى أنّ المعدلات المرتفعة لانتشار حبوب اللقاح في الجو تتناسب طرديًا مع ارتفاع معدلات الانتحار لدى النساء. وأضاف قائلًا: إنَّه لمِن المعروف أنّ التهاب الأنف التحسسي يؤدي بخلايا متخصصة في الأنف إلى إفراز السيتوكينات؛ وهي نوع من أنواع البروتين الذي يحفز الالتهاب. كما وتشير الدراسات التي أُجرِيت على البشر والحيوانات على حد سواء أن السيتوكينات قد تؤثر على وظائف الدماغ، الأمر الذي يؤدي بالفرد إلى:
- الشعور بالحزن والتوعك
- المعاناة من قلّة التركيز
- المعاناة من النعاس بشكل متزايد
وصرَّح قائلًا:
لقد شهِدنا جميعًا هذه المتلازمة إلى حدٍّ ما. فالحالة التي يعاني منها المصابون بإِحدى أمراض الحساسية الشديدة عندما تستجيب أجسامهم لإفراز السيتوكينات تشابه إلى حدٍّ ما التوعك العام الذي تشُعرُ أَنتَ به عندما تكون مُصابًا بالإنفلونزا.
الشعور بالتحسن من الناحية الجسدية والعاطفية
تؤدي معرفتك بالعلاقة ما بين الاكتئاب والحساسية إلى شعورك بالتحسن إلى حدٍّ ما، بغض النظر عن طبيعة هذه العلاقة. فيُشير Marshall إلى أنّ ذلك يساعد في تفسير المشاعر السلبية التي يمر بها المُصاب بالحساسية، مضيفًا:
معرفةُ الفرد بأن الحساسية قد تؤدي به إلى الشعور بالحزن والتوعك والخمول قد تساعده في عزو هذه الأعراض للحساسية وليس لمرضٍ آخر.
وعلاوةً على ذلك، قد يكون من المُطمئِن أن تعرف أنَّ السيطرة على أعراض الحساسية قد تجلب جوًّا من السعادة إلى مزاج الفرد المُكتئب.
ويُحذِّرُ الخبراءُ الأفرادَ الذي يصارعون الاكتئاب من تجاهل علاج حالتهم النفسية ومِن التذرّع بالتفسير السابق ويدعونهم إلى الخضوع للعلاج النفسيٍّ أو التداوي بالعقاقير المُضادة للاكتئاب. كما ويُحذِّرون المصابين بالحساسية من رفض العلاجات المُثبَتة للحساسية. بعبارةٍ أخرى، يحتاج المصابون بالحساسية وأولئك المصابون بالاكتئاب إلى أن يخضعوا لعلاجات منفصلة؛ فأشار Marshall إلى ما يلي:
يتوجب علاج الاكتئاب والحساسية كما يُعالجان عادةً؛ أي تبعًا لِطرُق علاجٍ منفصلة.
تجنب مسببات الحساسية يأتي في المقام الأول
يُجمِع الخبراء على أنّ خط الدفاع الأول ضد الحساسية يتمثل بالحدِّ من تعرض الفرد لمُسببات الحساسية. وتشتمل قائمة مسببات الحساسية الشائعة على كلٍّ من حبوب اللقاح وعث الغبار ووبر الحيوانات والعفن الذي ينتشر في التربة وداخل المنازل.
يُمكِنكَ اتباع النصائح التالية لتجنب مسببات الحساسية:
- الزم منزلك عندما تنتشر حبوب اللقاح في الجو.
- أغلق النوافذ وقم بتشغيل مكيف الهواء.
- استحِم واغسل شعرك قبل النوم في حال اضطرِرتَ سابقًا لِمغادرة المنزل.
- احرص على أن تكون نسبة الرطوبة في منزلك تحت 50%؛ وذلك للحد من نمو العفن.
- قم بتنظيف جهاز إزالة الرطوبة باستمرار؛ وذلك للحد من نمو العفن فيه.
- استبدل الستائر القماشية بتلك المسماة بـ”ستائر رول”؛ وذلك لأن الستائر القماشية تلتقط مسببات الحساسية بين أنسجتها.
- اختر أرضية سهلة التنظيف لمنزلك -كالخشب أو القرميد بدلًا من البساط أو السجاد.
- اغسل أغطية فراشِك في مياه بدرجة حرارة تزيد عن 130 فهرنهايت بحيث تطهرها من عث الغبار.
- قم بتغطية فراشك ووسائِدك بأغطية لا تسمح بنفاذ مسببات الحساسية.
- لا تسمح لحيوانك الأليف بالنوم على سريرك.
عندما تحتاجُ لمساعدة طبية
قد تكون كلٌّ من مضادات الحساسية المتوفرة دون وصفة طبية وأقراص الحساسية الموصوفة من الطبيب وبخاخ الأنف وأدوية قطرات العيون شديدة الفعالية. كما ويُعدُّ تلقي حقن ضد الحساسية -كنوع من أنواع العلاج المناعي- حلًا فعالًا على المدى البعيد بنسبة 90% عندما تكون الحساسية شديدةً وتستمر لفترة طويلة.
يجب أن يحرص المصاب بالحساسية والاكتئاب الناجم عنها على أن يتواصل الطبيب الذي يعالج حساسيته مع الطبيب الذي يعالج حالة الاكتئاب التي يعاني منها؛ وذلك للتنسيق ما بين جهودِهما. حيث صرح Postolache ما يلي: “إن لمن المهم أن يتواصل الطبيب المختص بأمراض الحساسية مع الطبيب النفسي؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز تأثير العلاج على الحالتين -الصحية والنفسية”.