عيش غراب على الكوكب الأحمر
هل عثرنا بالفعل على دليل وجود الحياة على المريخ؟
ورقة بحثية جديدة غريبة نُشرت في مجلة علمية محدودة الانتشار، أثارت اهتمام الصحف والمواقع العلمية خلال الأيام القليلة الماضية، وأعادت إلي الأذهان ذلك الجدال التاريخي، حول إمكانيه الحياة على المريخ، فقد ادّعى فريق دولي من العلماء أنهم وجدوا أدله على تنامي “الفطر” على سطح الكوكب الأحمر.
ورغم أن الصحف الشعبية قد نشرت الخبر بطريقة يُفهم منها أن العلماء قد اكتشفوا نمو فطر عيش الغراب على كوكب المريخ، إلا أن ذلك لم يكن ما دار في أذهان العلماء، فقد أشارت الدراسة إلى أن هذه الأشكال الكروية التي هي عبارة عن ترسبات من أكسيد الحديد “الهيماتيت” ربما تكوّنت نتيجة لنشاط بيولوجي لنوع من الفطريات التي تعيش على الكوكب الأحمر.
وتستند “الأدلة” في المقام الأول على صور تم التقاطها بواسطة المسبارين الفضائيين (Curiosity) و(Opportunity) اللذين أرسلتهما وكالة ناسا بغرض مسح وتصوير سطح الكوكب الأحمر، وخلال الصور التي التُقطت بمنظور عين الطائر تظهر أشكال تشبه فطر عيش الغراب على التراب المرّيخي.
بالطبع وجد الخبر حظّه من الانتشار في الصحف الشعبية كالعادة، إلا أن النظر الدقيق إلى المجلة التي قامت بنشر الدراسة يثير الكثير من الشكوك حول مصداقيتها العلمية، فحين تتصفح موقع المجلة على الشبكة العنكبوتية تجد أبحاثًا على شاكلة (حماية الأرض من هجوم الكائنات القادمة من المريخ)، ويبرر القائمون على المجلة ذلك بأنهم يعرضون لجميع وجهات النظر الخاصة بدراسات بيولوجيا المريخ.
أما فيما يتعلق بورقة الفطر والتي جاءت بعنوان “دليل على الحياة على المريخ” فإن هيئة تحرير المجلة اعترفت بـ “التداعيات المثيرة للجدل”، ولذلك استدعت ستة علماء مستقلين وثمانية من كبار المحررين يراجعونها، ورفض ثلاثة من هؤلاء المراجعين الورقة بشكل قاطع، وعارض أحد المحررين الورقة بشدة، ويبدو أنه ما زال يريد التخلص منها حتى بعد موافقة الأغلبية.
ومع ذلك نُشرت الورقة في نهاية المطاف، وجاء البيان الصحفي للمجلة غريبًا هو الآخر، حيث تساءل القائمون على المجلة ببساطة؛ لماذا المعارضة لنشر الأدلة؟ كما لمَّحوا إلى الدوافع الدينية كمصدر لمثل هذه المعارضة غير العقلانية.
لكن هذا الأسلوب الفج لم ينجح في تحقيق أهدافه على ما يبدو، فهذه الورقة ليست مليئة بالأدلة الدامغة، بل إن القائمين عليها يعترفون بصراحة بأن أوجه التشابه في التشريح ليست دليلاً على الحياة، وأن الأدلة التي جاءت بها الورقة البحثية ظرفية وغير مُتحقق منها.
ويقول ريجينا داس أحد المشاركين في الدراسة، وهو متخصص في الفطريات في جامعة بونديشيري في الهند: «لا توجد صور للخلايا أو البنية الخلوية، ليس هناك دليل قاطع، فقط الكثير من الأدلة التي يبدو أنها تنتمي إلى علم الأحياء».
ولم تستجب وكالة ناسا نفسها لهذه الادعاءات الجديدة، حيث إن علماءها قد بحثوا بالفعل هذه الظاهرة، وأطلقوا عليها اسم العنب البري، ولكن خلافًا لمؤلفي هذه الورقة الجديدة؛ لا أحد في وكالة ناسا يعتقد في الواقع أن هذه الكرات الصغيرة هي علامة على الحياة، ناهيك عن زراعة الفاكهة أو الخضروات.
في 2004 اكتشف المسبار Opportunity الملايين من العنب البري، وبناءً على التحاليل التي أجريت عليها اتضح أنها تتكون من أكسيد الحديد -الهيماتيت-، والذي تكوّن بسبب وجود الماء على سطح الكوكب الأحمر في الماضي.
لكن المؤلف المشارك فينسينزو ريزو ، وهو أخصائي بيولوجي يعمل في المجلس الوطني للبحوث يقول: «إننا لا نتفق مع ناسا؛ ناسا لديها بعضٌ من أعظم العلماء والمهندسين في العالم، لكن الهيماتيت هو أيضًا نتاج النشاط البيولوجي، والفطريات والبكتريا تساعد أيضًا على تشكيل الهيماتيت على كوكب الأرض معًا، وينبغي أن نتوقع أن العمليات البيولوجية نفسها ساعدت على تشكيله في المريخ».
لكن هذا الرأي لا يحظى بالتأييد من جانب الأغلبية العظمى من علماء البيولوجيا الفضائية حول العالم، والذين انتقدوا بشدة هذه الورقة البحثية واتهموا القائمين عليها بالغرور والتسرع في النشر دون مراجعة كافية، وما زال البحث عن إمكانية الحياة على المريخ مستمر.
المصدر https://www.sciencealert.com/here-s-the-truth-about-that-photo-of-mushrooms-growing-on-mars