فيلم The Hate U Give يتحدى بكل جرأة حالة الانقسام التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية
فيلم The Hate U Give هو الفيلم الذي يتردد صداه ليعكس صورةً إخباريةً تنقل الواقع بحذافيره؛ فقد صدَرَ هذا الفيلم إثْرَ إطلاق النار على الممرضة “Ieshia Evans“ أثناء مواجهتها لثلاث عناصر من الشرطة مدَرَّعين بمعدات مكافحة الشغب، بينما ترتدي ثوبًا لا يؤمِّنُ لها أدنى قدرٍ من الحماية في مظاهرة في مدينة “Baton Rouge” الواقعة في ولاية “Louisiana” عام 2016.
واتسمت “Ieshia” بهدوءٍ تام أثناء مواجهتها للشرطة؛ هدوءٌ أشبه بالهدوء الذي يتفجَّر من لوحة الفنان “Botticelli” المُعَنْوَنَة “Venus”. يعتبر فيلم “The Hate U Give” شديد التأثير على المشاعر الإنسانية وذو طبيعة أحداث متغيرة، خاصّة مع أداء الممثلة “Amandla Stenberg“ المذهل في دور “Starr”؛ وهي طالبة في مدرسة ثانوية تصبح شاهدة على حادثة وحشية لإطلاق الرصاص من قِبَلِ شرطيّ. إن أدائها نجح في نقل جوانب التحدي وجوانب القوة الخارقة لشخصية “Starr” على الرغم من مَواطِن الضعف الكامنة في هذه الشخصية والتي تُمثِّل نمطًا واسع الانتشار في أمريكا.
قامت الراحلة “Audrey Wells“ -التي وافتها المنية إثر إصابتها بالسرطان- بكتابة نص فيلم “The Hate U Give” المُقتبس من رواية الكاتبة “Angie Thomas” التي تندرج ضمن فئة الكتب الأكثر مبيعًا في عام 2017 لفئة الكتب المخصصة لمن تتراوح أعمارهم بين 12-18. مخرج هذا الفيلم هو “George Tillman Jr” الذي قام بإخراج الفيلم الشهير “Notorious“ عام 2009. أما بالنسبة لعنوان الفيلم، فهو مأخوذ من أغنية “Thuglife” للمغني الأمريكي “Tupac”، إن عنوان هذه الأغنية هو اختصار لعبارة “The Hate U Give Little Infants Fucks Everyone” والتي تعني أن الكره الذي تزرعه أنت في عقول الأطفال الرُضّع يدمِّر الجميع. وفي نهاية الفيلم، تشير “Starr” إلى وجوب القيام بتغيير جذري في سلوك المجتمع وفي كلمة “أنت” في عنوان الفيلم : “الكره الذي تزرعه أنت”.
تعيش “Starr” حياةً مزدوجة؛ فوالدها رجلٌ فخور بكونه عضوًا في منظمة تدعو ذوي البشرة السمراء الداكنة إلى تسليح أنفسهم ضد كل من يضطهدهم. وعلى الرغم من العيش في حيٍّ ذي ظروف معيشية صعبة يقطُنُه ذوو البشرة السمراء الداكنة، فقد مكّنته إدارته لمتجر مخصّص لقاطني هذا الحيّ من تسجيل ابنته في مدرسة خاصة وراقية، لتكون بعيدة عن التأثير السلبي الذي ينتشر في مدرسة الحيّ الذي تقطُنُهُ.
وفي هذه المرحلة بالذات تتعلم “Starr” كيفية الاندماج المجتمعيّ مع ذوي البشرة البيضاء؛ فهي طالبة مجتهدة ولطيفة تقضي وقتها مع صديقتين -تُعتَبران أميرات الانستغرام- يَقْبَلنَ وجودها في حياتهم دون أي تحفُّظات، كما وأنّ حبيبها ذو بشرة بيضاء. وعلى الرغم من أنها تحرص على كبت أي تصرفات “خاصة بذوي البشرة السمراء الداكنة” نظرًا لأن المجتمع الأمريكي يتلقّاها كشكلٍ من أشكال التهديد، تتجنب “Starr” استخدام أية عباراتٍ مرتبطة بذوي البشرة البيضاء عندما تكون في حيّها.
وفي إحدى حفلات الحيّ الذي تقطن فيه، تلتقي مصادفةً ب “Khalil” – وهو صديق طفولتها الذي شاركها في لعبة تجسيد شخصيات روايات هاري بوتر. ومن الجدير بالذكر أن والدها يستنكر بشكل جديّ ولعها بهذه السلسلة نظرًا لأنها تشجع ثقافة العصابات. أمّا عندما التقت “Starr” بصديق طفولتها، يَظهَرُ “Khalil” شابًا وسيمًا ذو مظهر يوحي بالصلابة مرتديًا ملابسَ باهظة الثمن. ويُلاحظ المُشاهِدُ أن “Khalil” لا يزال يُكِنُّ المشاعر لصديقة طفولته وأن “Starr” معجبةٌ به. إلا أنهما يسمعان دويَّ طلقات الرصاص مما يضطرهما إلى الهرب من الحفلة بسيارة “Khalil”، ومن ثم يقوم شرطيٌّ شاب ومتسرع بإجبار الشاب العِصاميّ و العنيد على رَكْنِ سيارته جانبَ الطريق. وينتهي الأمر بإطلاق النار بشكل كارثيّ على “Khalil”.
وكنتيجة لذلك؛ تجد “Starr” نفسها مضطرة إلى الشهادة تحت القسم أمام هيئة المحلفين الكبرى، مما يعني أنه ستتم محاكمتها ومحاكمة “khalil” -حتى بعد موته- ومحاكمة مجتمعها بجميع أفراده. كما وأن أزمة الإخلاص التي تواجهها “Starr” ستؤدي إلى تحويل شخصيتها المزدوجة -شخصيتها التي تناسب مجتمع حيّها وتلك التي تناسب مجتمع مدرستها- إلى حطام متناثر. كما وأن هذه الأزمة ستؤدي إلى تخلصها من صداقتها مع صديقتها التي لا تراها كفتاة من ذوي البشرة السمراء الداكنة عندما تتعامل معها.
ومن المثير للاهتمام أن الشخصيات التي تمثل ذوي البشرة البيضاء في الفيلم هي التي تستخدم عبارة “ حياة ذوي البشرة السمراء الداكنة مهمة كذلك”؛ كالطلاب الذين قاموا بتنظيم مظاهرةٍ مدرسية ترى “Starr” أنها تعكس حُسْنَ النيّة، لكنها زائفة بشكل مُنفِّر. فهذه المظاهرة تُعَدُّ بادرة رائجة انغمس الطلاب فيها دون أن يُدركوا للحظة أن زميلتهم “Starr” مَعنِيَّة بشكل كبير في هذه الحادثة. وفي تلك الأثناء، يستمر الوضع بكونه شائكًا ومُعقّدًا؛ فأعضاء العصابة التي سَبَق أنْ كان والدها عضوًا فيها لا يرغبون أن تعلن “Starr” شهادتها على الملأ، وذلك لتخوفهم من تسليط الضوء على نشاطاتهم الإجرامية. ويُظهر الفيلم أنهم أنفسهم يراقبون وضع القضية بقسوة بالغة.
إن فيلم “The Hate U Give” فيلمٌ يستمتع المُشاهد بحضوره وذو أحداث مرتبطة ببعضها البعض وذو تأثير على المشاعر، خاصّة مع الأداء المؤثر و البطولي للممثلة “Amandla Stenberg”. إلا أنه لا يخلو من بعض العيوب؛ فهو:
- يعتمد على إثارة واستغلال مشاعر المشاهدين بشكل مُبالغ فيه.
- يعرض تجارب الطلاب ذوي البشرة السمراء الداكنة في مدرستها الراقية -بما يشمل تجربة أخيها الصغير- بشكل طفيف.
- يُستَقصَدُ إظهار “Starr” على أنها الوحيدة التي تشعر بما تشعر به ضمن أفراد مجتمعها.
إنّ العيوب السابقة قد تكون ناتجةً عن كونه يَعرض قضية الصّراع العِرقي في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أقرب ما يكون للواقع. إلا أنّه بلا شكّ فيلمٌ يستحوذ على المُشاهد بسَردِه للقصّة بشكل رهيب.