تكنولوجيا جديدة تزيد سرعة الإنترنت إلى 100 ضعف السرعة الحالية.
تُستعمل الألياف البصرية ذات النطاق العريض لنقل المعلومات باستخدام الضوء. ورغم تطور التكنولوجيا الحالية لنقل المعلومات إلا أننا في النهاية لا نستغل كل إمكانات الضوء في حمل البيانات؛ بسبب البطء النسبي لأجهزة استخلاص المعلومات الموجودة في نهاية شبكات الألياف البصرية. لكن الغد ربما يحمل لنا أخبارًا سارة عن تكنولوجيا جديدة ترفع سرعة الإنترنت إلى 100 ضعف السرعة الحالية، خصوصًا بعد إعلان مجموعة من علماء مختبر الذكاء الصناعي والبصريات النانوية، التابع لمعهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا في أستراليا، عن ابتكارهم لكاشف بصري جديد يعمل بتكنولوجيا البصريات النانوية nanophotonics، تلك التكنولوجيا بالغة التطور والتي ستمكن العلماء من تطوير أجهزة قراءة البيانات التي يحملها الضوء داخل الألياف البصرية.
ما الألياف البصرية؟
الألياف البصرية والتي يطلق عليها أيضًا الألياف الضوئية هي ألياف تصنع من زجاج خاص نقيّ للغاية، تكون طويلة ورفيعة ولا يتعدى سمكها سمك الشعرة، يُجمع العديد من هذه الألياف في حزم داخل الكابلات الضوئية، وتستخدم في نقل الإشارات الضوئية لمسافات بعيدة جدًا. يقوم مبدأُها على ظاهرة الانعكاس الكلي الداخلي للضوء. تتعدد استعمالات الألياف الضوئية إلا أن نقل البيانات بواسطة الإنترنت أحدثها وأكثرها شيوعًا.
كيف يتم نقل المعلومات داخل الألياف البصرية؟
في البداية يتم ترميز (تشفير) تلك المعلومات لتحملها نبضات الضوء خلال مرورها عبر الألياف، وفي نهايتها تقوم أجهزة خاصة بمعالجة تلك النبضات وفك التشفير لاستخلاص المعلومات منها. لكن عمليات المعالجة تلك كانت دائمًا ما تؤثر بالسلب على سرعة نقل البيانات، بسبب قدرتها المحدودة على معالجة البيانات الضخمة، ولا شك أن تطوير أجهزة المعالجة هو الذي سيمكننا من رفع سرعة الإنترنت إلى 100 ضعف السرعة الحالية.
تكنولوجيا البصريات النانوية تقدم الحل السحري.
الجهاز الذي صممه الفريق الأسترالي هو أول جهاز من نوعه يعمل بتكنولوجيا البصريات النانوية nanophotonics، وتم الإعلان عنه في مجلة Nature Communications. يقوم الجهاز بإجراء عملية المعالجة بصورة أسرع كثيرًا من الأجهزة التقليدية، حيث يقوم بفك تشفير المعلومات المخزنة على الضوء الملتوي (twisted light).
بحسب تصريحات البروفيسور “هارون رين” المؤلف المشارك في الدراسة، فإن أجهزة البصريات النانوية التي قاموا ببنائها لقراءة الضوء الملتف تعتبر هي الحلقة المفقودة في سبيل الوصول بالاتصالات واسعة النطاق إلى سرعاتٍ فائقة غير مسبوقة.
وقال رين: “إن الاتصالات البصرية الحالية تتجه نحو أزمة في حجم البيانات المنقولة؛ لأنها تفشل في مواكبة الطلبات المتزايدة باستمرار للبيانات الضخمة، وما تمكنا من القيام به هو نقل البيانات بدقة عن طريق استغلال أعلى قدرات الضوء بطريقة تسمح لنا بزيادة سعة النطاق المستخدم حاليًا. فمن المعروف أن الألياف البصرية لا تستغل سوى جزءٍ ضئيل من القدرة الفعلية للضوء، حيث يتم الاعتماد حاليًا في تحميل البيانات على درجة السطوع واللون والاستقطاب واتجاه الانتشار”.
لكن تكنولوجيات النطاق العريض الجديدة قيد التطوير تقوم على استخدام التذبذب (شكل موجات الضوء) لترميز البيانات وزيادة عرض النطاق الترددي، من خلال الاستفادة أيضًا من الطيف غير المرئي.
الضوء الملتوي
تقوم هذه التكنولوجيا المتطورة، وهي في طليعة تكنولوجيا الاتصالات البصرية، بتحميل البيانات على موجات الضوء بعد القيام بلف تلك الموجات في شكل حلزوني لزيادة قدرتها على حمل البيانات. فعند القيام بعملية لف الضوء في شكل حلزوني عن طريق تمريرها من خلال نوع خاص من الهولوغرام، مماثلة لتلك التي على بطاقة الائتمان، يصبح الضوء ذو عزم زاوي، وهي خاصية إضافية تمَكّن العلماء من استخدامه في ترميز البيانات بصورة أكبر من تلك التي نحصل عليها باستخدام الخصائص العادية للضوء، مثل اللون أو درجة السطوع.
عمل متواصل
الابتكار الذي توصل إليه الفريق الأسترالي لم يكن وليد الصدفة، ففي عام 2016 قامت نفس المجموعة من مختبر الذكاء الصناعي والبصريات النانوية في معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا بأستراليا بنشر بحث في مجلة Science journal، تصف فيه كيف قاموا بترميز مجال ضيق من هذا الضوء الملتف على شريحة بصرية نانوية. لكن التكنولوجيا المطلوبة للكشف عن المجال الواسع من الضوء الملتف (ذو العزم الزاوي المداري)، من أجل استخدامها في الاتصالات المعتمدة على الألياف البصرية، لم تكن متوافرة وقتها. وقال رين: “إن كاشف النانو الإلكتروني المصغر الذي صممناه جاهز الآن لفك شفرة المعلومات التي يحملها الضوء الملتوي”. ويضيف “القيام بذلك في السابق كان يتطلب آلة بحجم الطاولة، وهو أمر غير عملي تمامًا للاتصالات. وباستخدام الشرائح النانوية الطوبولوجية -التي يصل حجمها إلى أجزاء من الملليمتر- فإن اختراعنا يقوم بهذا العمل بشكل أفضل ويلائم نهاية الألياف البصرية، ويمكننا من الوصول إلى الهدف المرغوب، وهو تكنولوجيا جديدة ترفع سرعة الإنترنت إلى 100 ضعف السرعة الحالية.
ويقول البروفيسور مين جو “Min Gu” مدير المختبر: “المواد المستخدمة في الجهاز متوافقة مع المواد المستخدمة حاليًا في صناعة الألياف الزجاجية، والقائمة في معظمها على السيليكون، مما يجعل من السهل توسيع نطاق التطبيقات الصناعية للجهاز الجديد”
ويضيف البروفيسير جو “جهازنا الجديد هو مثل العين التي يمكن أن تنظر إلى المعلومات التي يحملها الضوء الملتوي ويفك شفرتها، مما يمَكّن بقية الأجهزة الإلكترونية من فهم تلك المعلومات. تتميز التكنولوجيا بالأداء العالي وانخفاض التكلفة وصغر حجم مما يجعلها قابلة للتطبيق في الجيل القادم من شبكات الاتصالات البصرية ذات النطاق العريض، كما أنها تناسب التكنولوجيا الحالية، ويمكن تطبيقها لزيادة عرض النطاق الترددي وزيادة سرعه المعالجة، لنصل إلى تكنولوجيا جديدة ترفع سرعة الإنترنت إلى 100 ضعف السرعة الحالية خلال العامين المقبلين. والمثير في الأمر هو هذا التوسع السهل والتأثيرُ الهائل الذي سيكون له على الاتصالات، كما يمكِننا أيضًا أن نستخدم الكاشف الجديد لتلقي المعلومات الكمية المرسلة عن طريق الضوء الملتوي، وهذا يعني أنه يمكن أن يلعب دورًا في التطبيقات المستقبلية للاتصالات الكمية”.