وداعًا كولومبوس: الفايكينج عبروا المحيط الأطلسي قبل 1000 عام (مترجم)
قبل عبور كولومبوس للمحيط الأطلسي، ارتفعت ثمانيةُ مبانٍ، خشبية الإطار، تغطي سقفها الأعشابُ على مصطبة تطلُّ على مستنقعٍ ونهرٍ على لسان شمالي جزيرة نيوفاندلان الكندية، لتشهد على أن الفايكينج كانوا أول من وصل إلى العالم الجديد.
إلّا أن التوقيت الدقيق عندما ارتحل الفايكينج إلى الموقع التاريخي لمستعمرة “لانس أو ميدوز L’Anse aux Meadows” ظل غير واضح إلى الآن.
وذكر علماءٌ مؤخرًا أن نوعًا جديدًا من تقنيات التأريخ، والتي تستخدم، عاصفةً شمسية وقعت منذ قديم الأزل باعتبارها نقطة انطلاق، قد كشفت أنّ هذه المستعمرة كانت مأهولة عام 1021 ميلادية، أي منذ ألفية بالتمام والكمال، وقبل 471 عام قبل أولى رحلات كولومبوس. وقد تم تطبيق هذه التقنية على ثلاثة قطع من الخشب الذي كان قد تم قطعه من أجل المستعمرة، وتشير جميعها إلى ذات العام.
وتمثل رحلة الفايكينج علامات فارقةٍ متعددة للبشرية؛ فتقدم المستعمرة الشواهد الأقدم على عملية عبور للمحيط الأطلسي، كما تبين أيضًا المكان الذي نجح فيه البشرُ أخيرًا في تطويق الكرة الأرضية، حيث شقّوا طريقهم قبل ألف عام إلى أمريكا الشمالية عبر جسرٍ من اليابسة، كان فيما مضى يربط بين سيبيريا وألاسكا.
ويقول عالم الجيولوجيا “مايكل دي” من جامعة “جرونينجن” بهولندا، والذي كان على رأس الدراسة التي نشرت في مجلة Nature: “ينبغي إضفاء الكثير من المجد لهؤلاء الأوروبيين الشماليين، حيث كانوا أول مجتمع بشري يعبر المحيط الأطلسي”.
وكان الفايكنج، أو الشعوب الإسكندينافية، بحارةً يتخذون من إسكندينافيا وطنًا لهم: أي النرويج والسويد والدينمارك. وكانوا يغامرون متوغلين في أوروبا، حيث كانوا أحيانًا يقيمون المستعمرات، وأحيانًا أخرى يتاجرون أو يغزون، وكانوا يتمتعون بمهاراتٍ هائلة لبناء السفن والملاحة، فتمكنوا من تأسيس المستعمرات في كلٍّ من أيسلاندا وجرينلاند.
ويضيف “دي”: “أعتقد أنه من المنصف وصف هذه الرحلة بأنها رحلةُ استكشافٍ وبحثٍ عن مصادر جديدة للمواد الخام. ويعتقد الكثير من علماء الآثار، أن الدافع الرئيس وراء قصدهم لهذه الأراضي الجديدة كان الرغبةَ في الكشف عن مصادر جديدةٍ للأخشاب بشكلٍ خاص. ويعتقد، بشكل عام، أنهم انطلقوا من جرينلاند، حيث صادفتهم ندرةٌ هائلة للأخشاب الصالحة للبناء”.
وكانت سفن الفايكينج الخشبية تعرف باسم “المراكب الطويلة Longboats”، وكانت قوة الدفع لها الأشرعة والمجاديف. ولعلّ أحد الأمثلة التي تظل قائمة إلى يومنا هذا هو المركب المعروف باسم “أوزبرج Oseberg”، والذي يبلغ طولُه حوالي 21.6 مترًا.
ويعرف عصر الفايكينج تقليديًّا بالفترة بين 793 إلى 1066 ميلادية، مما يمثل مجالًا واسعًا لتحديد توقيت عبور المحيط الأطلسي. إلا أن التأريخ الكربوني المعتاد –أي تحديد عمر المواد العضوية من خلال قياس محتوى النظير الفيزيائي من الكربون المشع– أثبت عدم دقته في التأريخ لمستعمرة “لانس أو ميداوز”، والتي تم اكتشافها عام 1960، على الرغم من أن الاعتقاد السائد كان أنها تعود إلى القرن الحادي عشر.
وتعتمد تقنية التأريخ الجديدة على أن العواصف الشمسية تنتج إشارةً مميزةً من الكربون المشع داخل دوائر نمو الشجر السنوية، ومن المعروف وقوع عاصفة شمسية كبيرة عام 992 ميلادية، تمثلت في انفجار من الأشعةِ الكونيّة عالية الطاقة التي انبعثت عن الشمس.
وتم فحص ثلاثة قطع من الخشب، من ثلاثة أشجار مختلفة، حيث تشكلت دوائر النمو التسع والعشرون في أعقاب تلك الدائرة التي تمثل شاهدًا على العاصفة الشمسية، أي أن الخشب قد تم قطعه عام 1021، طبقًا لعالمة الآثار “مارجوت كويتم” من جامعة “جرونينجن” وهي المؤلفة الأولى للدراسة. ويضيف العالِم “دي”: لم يكن مَن قطَعَ الأشجار مِن السكان المحليين، حيث أن هناك أدلة على أن عملية القطع تمت باستخدام أداة معدنية، لم يكن السكان المحليون يملكونها.
وتظل فترة الاحتلال غير واضحة، وإن امتدت لعِقدٍ من الزمان أو أقلَّ قليلًا، وربما كان هناك مائة من الإسكندنافيين موجودين في أيِّ وقتٍ بعينه، كما يوضح “دي”. كما أن طراز البناء لديهم يشبه الأبنية الإسكندينافية على جزيرتي جرينلاند وأيسلاندا.
ويصوّر التاريخ الشفوي المعروف باسم “الملاحم الأيسلندية Icelandic Sagas” تواجد الفايكينج في أمريكا. وعندما تم تدوين هذه الملاحم بعد قرون من الزمان، وصفت قائدًا اسمه “ليف إيريكسون” ومستعمرة باسم “فينلاند”، وكذلك تفاعلات عنيفة ومسالمة مع السكان المحليين، بما في ذلك عمليات اعتقال العبيد. ويقول “دي” أنّ عام 1021 تاريخ يتوافق بشكلٍ كبير مع ما ورد في الملاحم، ويضيف: “يظل السؤال قائمًا، ما مدى حقيقة وقوع مغامرات الملاحم الأخرى؟”