هكذا بدأ الذكاء الصناعي

قصة قصيرة حول ارتباط الذكاء الصناعي بالبيانات الكبيرة

أثناء دراستي الجامعية وبعد أوّل مادّة في لغات البرمجة صار كلّ الطلاب يجرّبون كتابة البرامج ويتفاخرون بعدد الأسطر البرمجية التي استهلكها برنامجهم، رغم أنّ غالبية البرامج التي أنتجها الطلاب هي إعادة اختراع للعجلة لكنّهم استمرّوا وبتشجيعٍ من أساتذتنا.

المنافسة السابقة كانت تستهلك الكثير من الوقت، وهذا كان –على غير العادة- على حساب الساعات التي أقضيها في الحديث مع خطيبتي التي لم يعجبها الأمر، فخطرت ببالي فكرة تصيد عصفورين معًا، وهي أنْ أكتبَ برنامجًا أو عدّة برامج في مجال اهتمامها كي تشعر بأثرها في حياتي، لكن للأسف مجالات اهتمامها لا تتقاطع مع ما يمكن برمجته خصوصًا لمبتدئ في البرمجة مثلي. لكن ماذا لو جعلتها تعمل معي في البرمجة!

نصفي الحلو يكتب نصف برنامجي المملّ

كتبتُ برنامجًا بسيطًا وبأقلّ التعليمات البرمجيّة التي يمكن أن يتخيّلها المرء، لديه مهمّة واحدة هي تسلية خطيبتي كما يلي: عندما تشغّل البرنامج سيظهر لها رسالة ترحيب “مرحبًا، أنا السيد راء، من أنت؟” وعندما تكتب أيّ اسم، سيحتفظ بالاسم في ملفٍّ خاصّ ويتابع الجلسة مع إضافة هذه المعلومة للحديث، فيقول “أهلًا بك يا سنبلة، هل تحبّين البرتقال؟” وعندما تجيب بنعم أو لا سيضيف هذه المعلومة لذاكرته أيضًا، ويتابع في طرح الأسئلة البسيطة التي تتراوح بين السؤال عن نوع الفاكهة المفضّل وحتّى قياس الحذاء، وبعد اقتناعها بأنّه شخصٌ مسلٍّ، سيتيح لها المجال لتسأل قائلًا “اسأليني، أيّ شيء يخطر في بالك” وعندما تسأله وليكن السؤال “ما هو لون السماء؟” لن يعرف الإجابة لأنّي سبق وقلت بأنّه كان بسيطًا ولا يملك معلوماتٍ أو بيانات ضخمة، سيجيب “لا أعرف، من فضلك علّميني” سيكون ذلك مضحكًا ودون أن تشعر ستجيبه مثلًا “لون السماء أزرق” أيضًا سيضيف هذه المعلومة إلى ذاكرته.

لنفرض أنّ الجلسة انتهت وأقفلت البرنامج، وعادت إليه في اليوم التالي، عندما تشغّل البرنامج سيقول لها مباشرةً “مرحبًا يا سنبلة، كيف حالك؟” وسيسألها بعض الأسئلة البسيطة التي لم يسبق أن سألها وصولًا للطلب الاعتيادي بأن تسأله هي، الآن إنْ سألته مجدّدًا عن لون السماء سيجيب نفس الجواب الذي لقّنته إيّاه البارحة وسيثبت لها بالإضافة إلى أنّه مسلٍّ بأنّه ذكيّ ويحفظ ما تعلّم البارحة، وكلّما سألته أكثر سيتعلّم أكثر وتزداد معلوماته وتتضخّم ذاكرته.

أوّل Fatal Error يحدث لبرنامجي

استمرّ الحال كذلك عدّة أيّام إلى أنْ جرّبت الأخت الفضوليّة البرنامج، عندما شغّلته قال لها “مرحبًا سنبلة” لكنّها ردّت “أنا لستُ سنبلة، أنا زنبقة!” فتجمّد البرنامج ولم يعد يستجِب لأي مفتاح، واستُخدِم الحلّ السحري الاعتيادي وهو إعادة تشغيل الحاسوب، عندما أُبلِغت بالمشكلة، أعدتُ ضبط بعض الأكواد من أجل إفهام السيّد راء بأنّ العالم لا يتكوّن من شخصٍ واحد، وأنّ عليه طرح السؤال “من أنتَ؟” في بداية كلّ جلسة كي يكوّن ملفًّا خاصًا بكلّ مستخدم ولا يخلط المعلومات الشخصيّة بين المستخدمين وهي تلك المعلومات التي يحصل عليها بعد طرح الأسئلة الرئيسة وليس الأسئلة التي تعلّمها من المستخدمين السابقين، وبذلك أصدرتُ النسخة 2.0 من برنامج السيّد راء.

إعلان

إنّ التحديث السابق للبرنامج أتاح لقاعدة المعلومات الخاصّة بالسيّد راء أن تتنامى بشكلٍ مضاعفٍ لأنّ اهتمامات المستخدمين مختلفة ومعلوماتهم متنوّعة، لكن ماذا لو كانت تغذيته من أحد المستخدمين خاطئة أو نسبيّة؟!

هل السيّد راء ذكيًّا بما يكفي؟

بالفعل فقد حصل الخطأ الفادح مع السيّد راء لهذا السبب، حيث سألته زنبقة “كم عدد ألوان قوس قزح؟” فأجاب مباشرةً “ستّة ألوان” لأنّ سنبلة كانت قد علّمته، فاعترضت زنبقة وقالت له “خطأ” وهذه هي المرّة الأولى التي تُقال له هذه الكلمة، فتجمّد وتطلّب الأمر جولةً جديدة من التعديل وكانت قد طرأت عليه قبل هذا الكثير من التنقيحات الجزئيّة التي حسّنت من أدائه، لكن هذه المرّة يحتاج الكثير من العمل والإصلاح، فهذه مشكلة كبيرة، لأنّ التعارض بين المعلومات التي يُغذّى بها عدا عن كونها خاطئة سيفقده ميزة الذكاء، فأضفتُ لإجابته مبدئيًّا كلمة “أظنّ” فكان يقول عندما يُسأَل عن لون السماء “أظنُّ أنّه أزرق، ماذا تعتقد أنت؟” وذلك من أجل الحصول على إجابة المستخدم الجديد حتى لو كانت المعلومة قد سبق وتعلّمها من مستخدم آخر، ثمّ يُنشِئ جدولًا يحتفظ به بكلّ الإجابات لنفس السؤال ويعتمد الإجابة التي نالت رضا أكثر عدد من المستخدمين.

هل حقًا كان هناك السيّد راء؟

يؤسفني أنْ أقول إنّ السيّد راء والقصّة بأكملها تخيّليّة وقد اختلقتها لتبسيط نشأة الذكاء الصناعي ومثاله الأقرب إلينا العملاق جوجل، الذي يتمتّع بذكاءٍ فائق هو حصيلة المعلومات التي نزوّده بها نحن مليارات البشر الذين نستخدمه كلّ يوم، وأودّ أن أذكّرك بأنّ عدد موظفي جوجل في عام 2014 كان 610 موظّفين فقط، ولو أنّ جميع الموظّفين عملوا على إدخال البيانات في برنامج الخرائط فقط فإنّهم لن ينتهوا قبل عشر سنوات، عدا عن عشرات المنتجات لشركة ألفابت الشركة الأم لجوجل، فكانت الطريقة الموضّحة في مثالنا أعلاه هي الطريقة الأفضل لتحصيل تلك البيانات.

وعلى سبيل المثال فإنّ رمز التحقّق البشري الذي ندخله في كلّ مرّة نخطئ فيها بإدخال كلمة السرّ هو كلمتين من أحد الكتب التي جرى مسحها بسكانر جوجل ثمّ حُوِّلت لنصوص مكتوبة بأيدينا نحن، وكذلك الصور المُعمّاة في خرائط جوجل والتي تحوي واجهات تجارية أو وجوه بشر أو أرقام لوحات السيّارات جميعها نحن من أشرنا إليها عندما ظهرت لوحة التحقّق البشري وطُلِب منّا التعليم على المربّعات التي تحوي سيّارة أو لافتة مروريّة.

هل استغلّنا جوجل؟

أنا شخصيًّا أقوم بكلّ العمليّات التي تساهم في تعزيز قدرة الذكاء الصناعي ، لأنّي أجد أنّ هذا يرفع من مستوى الخدمات التي أحصل عليها، صحيح أنّ جوجل (مثلًا) لديه الكثير من المعلومات عنّي لكنّه يتعامل معها كأرقام والأرقام الخاصّة بي شأنها شأن مليارات الأرقام الأخرى ضمن جداول عملاقة، بل إنّي أعتقد اعتقادًا جازمًا بأني كلّما زوّدته بمعلوماتٍ أصحّ عنّي سأحصل على خدمة مناسبة لي أكثر، فأنا أتجنّب إجراء عمليّات بحث من حسابي عن أشياء تهمّ الأطفال أو النساء لأنّ ذكاء جوجل ليس كافيًا حتّى الآن ليعرف أنّي اشتريت عربة الأطفال التي بحثت عنها الشهر الماضي، لذلك هو لا يكفّ عن إظهار إعلانات عربات الأطفال، وأتمنّى أن يكون لديه من الذكاء ما يكفي لأنْ يعلم بأنّ فترة استخدام عربة الأطفال لا تتعدّى ثلاث سنوات حتى لا يستمرّ بإزعاجي للأبد.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: راغب بكريش

اترك تعليقا