هل نحن على موعد مع نوع جديد من الثقوب السوداء؟
نحو نظرية جديدة لتفسير توسع الكون.
قام اثنان من الباحثين في جامعة هاواي في مانوا بتحديد وتصحيح خطأ وقع فيه العلماء عند تطبيق معادلات آينشتاين لنمذجة نمو الكون، خطوة جريئة قد تؤدي إلى الكشف عن نوع جديد من الثقوب السوداء.
كون يتأثر بأصغر ما فيه
في العادة يفترض الفيزيائيون أن نظام الكون في مجمله، لا يتأثر بتفاصيل الأنظمة الصغيرة الموجودة فيه، وهو الأمر الذي لا يتفق معه الدكتور كيفن كروكر، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراة في قسم الفيزياء وعلم الفلك، فبحسب ما توصل إليه كروكر بالتعاون مع الدكتور جويل وينر، عضو هيئة تدريس في قسم الرياضيات، في جامعة هاواي فإن هذا الافتراض غير صحيح فيما يتعلق بالأجرام السماوية المدمجة شديدة الكثافة التي تبقى بعد انهيار النجوم العملاقة.
ولعل إحدى النتائج المهمة لهذه الدراسة التي نحن بصدد الحديث عنها اليوم هي أن معدل نمو الكون ربما يوفر لنا المزيد من المعلومات حول الكيفية التي تنتهي بها حياة النجوم، وربما نحن على موعد مع سيناريو مختلف تمامًا عما اعتدنا عليه من قبل عند الحديث عن نهاية حياة النجوم.
فقد جرت العادة لدى الفلكيين أنه عند وصول النجوم العملاقة إلى نهاية عمرها فإن أغلفتها الخارجية تنفجر لتشكل ما يعرف بالسوبر نوفا، في حين تنهار أنوية تلك النجوم على نفسها لتشكل ثقوبًا سوداء، لكن يبدو أن هناك مصيرًا آخر أكثر غموضًا يلوح في الأفق.
اقتراح غريب!
السيناريو الآخر لنهاية النجوم العملاقة يعود تاريخه إلى عام 1966، حين اقترح إيراست جلينر ( عالم الفيزياء الشاب في معهد الفيزياء التقنية في ليننجراد في ذلك الوقت) فرضية بديلة تتنبأ بمصير تلك النجوم والتي بحسب رأيه لا تنهار لتكون ثقوبًا سوداء بل إلى ما يمكن أن يُطلق عليه الآن الأجسام العامة للطاقة المظلمة (GEODEs) .
مم تتكون الأجسام العامة للطاقة المظلمة (GEODEs)؟
بحسب ما جاء في موسوعة ويكيبيديا تعرف الطاقة المظلمة في علم الكون وفيزياء الجسيمات بأنها أحد الأشكال الافتراضية للطاقة التي تملأ الفضاء والتي تملك ضغطًا سالبًا. وحسب مفهوم نظرية النسبية العامة لآينشتاين، إن تأثير مثل هذا الضغط السالب يكون مشابهًا لقوة معاكسة للجاذبية في المقاييس الكبيرة، ويعتبر هذا التأثير هو الأكثر شعبية حاليًا لدى علماء الفلك لتفسير عملية التمدد المتسارع للكون، كما يشكل تفسيرًا معقولًا لوجود تلك المادة التي تشكل معظم كتلة الكون والتي لا يعرف العلماء عنها شيئًا حتى الآن لدرجة أنهم قد أطلقوا عليها اسم المادة المظلمة.
أما الأجسام العامة للطاقة المظلمة (GEODEs) بحسب اقتراح ايراست جلينر فتبدو من الخارج شبيهة بالثقوب السوداء، ولكن على عكس الثقوب السوداء المعروفة، فإن هذه الأجسام الغامضة تحتوي بداخلها على الطاقة المظلمة بدلًا من المتفردة الموجودة في قلب الثقب الأسود المعروف.
نتائج رصد موجات الجاذبية تؤكد اﻻقتراح
تاتي أهمية تلك الدراسة التي قام بها كروكر و وينر من إمكانية تطبيق نتائجها على عمليات اندماج أزواج الثقوب السوداء والتي تم التعرف عليها مؤخرًا من خلال رصد موجات الجاذبية الناتجة عنها بواسطة مرصدي LIGO -Virg، كما حدث في عام 2016 حين أعلن مرصد LIGO عن رصده لما بدا أنه نظام ثقب أسود مزدوج في ظاهرة توقع العلماء حدوثها من قبل.
لكن النظام المزدوج الذي تم رصده والذي قيل وقتها أنه يمثل زوجًا من الثقوب السوداء كانا يدوران حول بعضهما ثم اندمجا في النهاية مما أسفر عن تكون ثقب أسود عملاق، لكن المفاجأة كانت أن كتلة ذلك الثقب الهائل كانت خمسة أضعاف كتلة الثقب الأسود التي تنبأت بها عمليات محاكاة الكمبيوتر.
من هذا المنطلق قام كروكر و وينر باستخدام الفرضيات الجديدة، للنظر في ما إذا كانت نتائج أرصاد LIGO-Virgo تتعلق بتصادمات أجسام GEODE المزدوجة، وليست تصادمات لأنظمة الثقوب السوداء المزدوجة كما كان تفسير المختصين في أول الأمر.
فبحسب ما اقترحه الباحثان فإن أجسام GEODEs نمت مع الكون خلال الفترة التي سبقت تلك التصادمات. وأنه حال تصادمها، تصبح كتل GEODE الناتجة أكبر من 4 إلى 8 مرات من المتوقع، وهو الاقتراح الذي اتفقت نتائجه مع ملاحظات LIGO-Virgo.0 بصورة تقريبية.
الثقوب السوداء ما زالت موجودة
الجدير بالذكر أنه بالرغم من كل ما سبق مازال كروكر و وينر حريصين على فصل نتيجتهما النظرية عن الأرصاد التي تدعم سيناريو تصادمات أجسام GEODE، مؤكدين على أن اقتراحهم الجديد لا يلغي وجود الثقوب السوداء بالتأكيد. لكن ما أظهرته نتائج أبحاثهم يؤكد ضرورة إعادة النظر في ما إذا كانت أجسام GEODE موجودة بالفعل، فربما يفسر وجود هذه الأجسام الغامضة العديد من الظواهر المحيرة التي لاحظها العلماء في السابق ولم يجدوا لها تفسيرات مقنعة حتى الآن بسبب إصرارهم على العمل في إطار السيناريوهات القديمة لعلم الفلك.
وقال كروكر:
منذ 80 عامًا ، عملنا بشكل عام على افتراض أن الكون، أثناء توسعه الهائل، لا يتأثر بالتفاصيل الخاصة بأي منطقة صغيرة، لكن من الواضح الآن أن النسبية العامة يمكن أن تربط بشكل ملحوظ النجوم المنهارة -وهي مناطق بحجم مدينة صغيرة- بسلوك الكون ككل.
لقد أثبت كروكر و وينر أن معدل توسع الكون يمكن أن يصبح حساسًا تجاه تلك الأجسام المدمجة هائلة الكتلة الناتجة عن انهيار النجوم. وبالمثل، يمكن أن تصبح الأجسام نفسها مرتبطة بنمو الكون، حيث يؤدي التفاعل بينها وبين الكون ككل إلى عمليات فقد أو اكتساب للطاقة تبعًا للتركيب الداخلي لتلك الأجسام.
في النهاية نترككم مع هذا الفيديو الذي يوضح الفارق بين الطاقة المظلمة والمادة المظلمة.
نرشح لك: ما تريد معرفته عن الثقوب السوداء وتصحيح بعض الأخطاء المنتشرة حولها
المصدر: https://phys.org/news/2019-09-black-holes-dark-energy.html