نوبل للآداب: أول كاتب أسود منذ 28 عامًا يفوز بالجائزة

تم تكريم الكاتب التنزاني عبد الرزاق قُرنح -أول فائز أسود منذ فوز الروائيّة توني موريسون 1993- لتبحّرهِ المتعاطف والذي يخلو من أي مساومة في تأثيرات الاستعمار.

نشأ عبد الرزاق قُرنح  في زنجبار -وهو أرخبيل على ساحل تنزانيا- ولم يفكّر قُرنح قط في إمكانية أن يصبح كاتبًا ذات يوم، حيث قال في مقابلة أجراها: “لم يخطر ببالي ذلك قط، فلم يكن شيئًا يمكن أن تقوله وأنت في مرحلة الطفولة ‹‹أريد أن أكون كاتبًا››”. فقد ظنّ قُرنح أنّه سيصبح شيئاً نافعًا كأن يصبح مهندسًا مثلًا.

ثم في سنة 1964، انتفاضة عنيفة أجبرت قُرنح، وهو في ال‍ثامنة عشر من عمره، على الهرب إلى إنجلترا. بائس وفقير ومُشتاق إلى وطنهِ، بدأ يكتب قصاصاتٍ عن بلده في مذكراته، ثم مقالاتٍ أطول، ثم قصصًا عن أشخاص آخرين. وفي نهاية المطاف أدت هذه الأفكار المتناثرة -وهي عادة الكتابة لفهم وتوثيق نزوحهِ- إلى نشوء روايته الأولى، ثم تسعة أخرى، أعمال تسبر في غور الصّدمة القديمة للاستعمار والحرب والتشرُّد.

“إنّ الشيء الذي حفّز تجربة الكتابة برمّتها بالنّسبة لي هو فكرة فقدان مكانك في العالم”.

عبد الرّزاق قُرنح

وفي يوم الخميس حصل قُرنح على جائزة نوبل في الأدب، التي اعتبرت على نطاق واسع الجائزة الأدبية الأكثر شهرة على مستوى العالم، لتبحّرهِ المتعاطف والذي يخلو من أي مساومة في تأثيرات الاستعمار ومصير اللاجئين في الخليج بين الثقافات والقارات.

قال أندرس أولسون، رئيس اللجنة التي تمنح الجائزة، في المؤتمر الصحفي يوم الخميس: “إنّ قُرنح معروف على نطاق واسع كواحد من أبرز كُتّاب ما بعد الاستعمار في العالم. وأضاف: “إنّ قُرنح اخترق باستمرار وبتعاطُف كبير آثار الاستعمار في شرق أفريقيا وآثارهِ على حياة الأفراد المشرّدين والمهجّرين”.

إعلان

يعدّ عبد الرزاق قُرنح، الذي يبلغ من العمر 72 عامًا، أول كاتب أسود يحصل على الجائزة منذ فوز الكاتبة توني موريسون بجائزة نوبل للأدب في عام 1993، ورأى بعض المراقبين أن اختياره كان تصحيحيًا طال انتظاره بعد سنوات من الحائزين الأوروبيين والأمريكيين على جائزة نوبل. وقُرنح هو أول أفريقي يفوز بالجائزة منذ أكثر من عقد، سبقهُ وولي سوينكا من نيجيريا عام 1986، ونجيب محفوظ من مصر الذي فاز بالجائزة عام 1988، والفائزان من جنوب أفريقيا نادين جورديمر عام 1991 وجون ماكسويل كوتزي عام 2003، وفازت الروائية البريطانية الزيمبابوية دوريس ليسينغ بالجائزة عام  2007

وسط التكهنات الحادة في الفترة السابقة لجائزة هذا العام، يُدعى أن جائزة الأدب تفتقر إلى التنوع بين الفائزين بها. وأشارت الصّحفِيّة جريتا ثورفجيل -التي تكتب في صحيفة (داجينز نيهيتر) السويدية- إلى أنّ 95 من أصل ال 117 من الحائزين على جائزة نوبل كانوا من أوروبا أو أمريكا الشمالية، وذكرت أنّ 16 من الفائزين فقط هنّ من النّساء.  وتساءلت: “هل يمكن حقّاً أن تستمر على هذا المنوال؟”.

طالما ما تطرّق قُرنح في رواياتهِ العشر إلى موضوعات المنفى والهوية والانتماء، وهي تنطوي في رواية “ذاكرة الرّحيل” و “طريق الحجاج” و “دوتي”، وكلها تتعامل مع تجربة الهجرة في بريطانيا، وهناك رواية “الجنة” التي أُدرجت ضمن القائمة النهائية لجائزة بوكر عام 1994، تدور أحداث القصة حول صبيّ يعيش في بلد يقع في شرق أفريقيا ويُعاني من آثار الاستعمار؛ بالإضافة إلى “الإعجاب بالصمت” وهي الرّواية التي تتحدّث عن شاب يُغادر زنجبار إلى إنجلترا حيث يتزوج ويصبح مُدرّسًا، وفي أحدث أعماله “بعد الحياة” يستعرض الكاتِب التأثيرات الجيلية للاستعمار الألماني في تنزانيا وكيف أدى هذا إلى تقسيم المجتمعات.

تركز كل رواية من روايات قُرنح على قصص أولئك الذين قد لا تكون قصصهم قد وصلت إلى الأرشيف أو الذين يفتقرون إلى الوثائق التي من شأنها أن تجعلها لا تُنسى في العالم الأكبر. لكن أصحاب الدكاكين، وربات البيوت، والعسكريين –الجنود المحليين الذين يخدمون في الجيوش الاستعمارية–  والطلاب واللاجئين كلهم ذات أهميّة بالنسبة له، وفي كتاباته يجعل هذه الشخصيّات ذات مغزى، وهكذا يذكّرنا قُرنح بأنّ كل فرد يستحق الذكرى.

في السنوات الأخيرة، مع تسبُّب سلسلة من الأزمات الإنسانية في إجبار الناس اليائسين على المخاطرة بحياتهم على أمل المزيد من الاستقرار في أوروبا ولمستقبل أفضل فيها، اكتسب عمل قُرنح صدى وأهمية أكبر. في مقال نُشِر عام 2001 في صحيفة الغارديان، كتب قُرنح: “إن الجدل حول اللجوء ملتوٍ على سرد مُقلق للعِرق، سردٌ مُقنَّع ومُهرَّب على هيئة عبارات مُلطَّفة عن الأراضي الأجنبية والتكامل الثقافي”.

فروايات عبد الرزاق قُرنح تُصِرّ على تجريد هذا السرد “المُصاب بجنون العظمة” من قوتها، ليس من خلال الصراخ على المناظرات و لكن من خلال تقديم ذلك الصّوت الثّابِت الذي لا يَكِلّ و لا يتزعزع، والذي سرعان ما يصبح الصوت الوحيد الذي يسمعه المرء.

المصادر

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا