نهايات سعيدة: أغــنــيــة الثــورة لا تــمــوت
قد يبدو الفصل ما بين العام والخاص أمرًا مربكًا تمامًا كالعديد من الأسئلة التي طرحتها “ندى رياض” في فيلمها التسجيلي “نهايات سعيدة” الفيلم من سيناريو وإخراج وإنتاج: ندى رياض وأيمن الأمير وكان عرضه الأول بمهرجان أمستردام للأفلام الوثائقية 2016.
الفيلم يلقي بحجر في بركة النسيان لدى كل من شارك أو حتى أبدى تعاطفًا مع ثورة يناير 2011 وما تلاها من أحداثٍ ليستعيد كلٌّ منا ذكراه/ خيبته الخاصة. بداية يبدو عنوان الفيلم “نهايات سعيدة” مخاتلًا تمامًا كأحد شعارات الثورة التي ذكرها الفيلم”ثورة…ثورة حتى النصر” فنظرة كلِّ فردٍ اتِّجاه النصر مختلفة كنظرة كلٍّ منا لما يمكن أن يعتبره”نهاية سعيدة”.
يطرح فيلم”نهايات سعيدة” العديد من الأسئلة الشائكة من خلال تناوله لحياة “ندى” وحبيبها “أيمن” في الفترة من عام 2011 وحتى 2013، أسئلة تتعلق بالفرد والمجموع، عن جدوى الثورة والخروج في مظاهرات أو عن جدوى البقاء في البلد في ظل عدم القدرة على تحقيق أيِّ مُنجزٍ حقيقيّ، أو حتى القدرة على تحقيق أبسط الأحلام، كذلك يرصد الفيلم اختلاف شركاء الثورة أو ما تلا ذلك من نتائج مخيِّبة للآمال، واستطاعت المخرجة أن تعبِّر عن ذلك بصورة جيِّدة سواء رمزيًّا من خلال الحوار المباشر مثال جملتها التي ترن في الآذان:
“إسلام مات قبل ما نلحق نعمل أي حاجة”.
أو حتى من خلال طريقتها في إقناع أيمن بعدم المغادرة وذلك بعرض مشاهد موثَّقة من الثورة أو مواد تسجيلية للقاءاتٍ مع شخصياتٍ من أجيالٍ مختلفة عاشت خارج مصر لفترة ثم عادت وفضّلت البقاء في مصر.
يسير الفيلم في مسارين متوازيين: الثورة وما ترتَّب عليها من آمال وطموحات، والحياة الشخصيّة ل”ندى” ومحاولاتها إقناع “أيمن” بعدم السفر، بين المسارين خطوط وهميّة تربط أحدهما بالآخر فخيار البقاء من عدمه قد يبدو قرارًا فرديًّا لا يتعلق بظروف مكانية أو زمنية إلا أنَّه في حقيقة الأمر هناك رابطة بين الخيارين، فقد ذكرت إحدى الشخصيات التي ظهرت في المقابلات التي أجرتها “ندى” في أحداث فيلمها، وهو شابُ مصري متزوج من مغربية، أنه لن يترك مصر تحت أي ظرف، لكن بعد مرور وقت من زواجه ونتيجة لانتكاسة الثورة وما تبعها من تغيرات مجتمعية أثرت بالسلب على قراره بعدم البقاء والتفكير في السفر خارج مصر.
هوَّة ما بين جيلين
استطاعت المخرجة أن تبرز الهوَّة الكبيرة بين جيلين مختلفين في الرؤى وفي الآراء المتعلقة بالثورة، فوالدتها ترى أن سببًا كبيرًا في فشل الثورة هو أن هذا الجيل معزلٌ بشكلٍ كبيرٍ عن الحياة الواقعيَّة تمامًا كجيل السبعينيات من القرن العشرين والذي يتمثل في والدها والذي عانى نفس الفشل وانحسار دوره الثقافي المفترض، مما حدا بالبعض منهم وقتها للسفر أو الهجرة بعيدًا عن مصر، لنعود لنفس النقطة ونفس الأسئلة المفتوحة عن جدوى البقاء أو الذهاب برغم اختلاف الأجيال.
“ إفرض إنك معرفتش يا أيمن؟”
السؤال الذي بدا بسيطًا جدًّا من فتاة تريد من حبيبها أن يعلمها كيفية ركوب الدراجات كان أكثر تعقيداً مما نرى، تلك الرؤيّة التي تبدو خلطًا واضحًا ما بين الحب والسياسة والواقع، عدم القدرة في مفهومها الواسع؛ القدرة على التغيير، تحقيق الأحلام.. الحب، التعايش، الثورة، فقد بدا أيمن مشوشًا وغير قادر على اتّخاذ قرار مناسب بالبقاء أو الرحيل، لينقل لنا شعوراً بأنّه فتى الأحلام غير المناسب ل “ندى”.
وقد نجحت”ندى رياض” في إبراز ذلك التوتر من خلال استخدامها للكاميرا الذي ظهر طبيعيًا جدًا مع الأصوات الطبيعيّة التي كانت تطغى أحيانًا على صوتيهما أو حتى صوتها هي كراوٍ للفيلم تحكي بسلاسة وهدوء حينًا وحينًا يختنق صوتها بالبكاء.
وأخيرًا فإن”ندى رياض” نجحت في تحقيق فيلمها الذي يبرز العديد من التساؤلات المفتوحة دون انتظار إجابات مجهزة سلفاً، فيلم عن الحلم، عن ثورة لا تموت مهما كانت النهايات كابوسيّة أو غير سعيدة، ثورة تنتصر لنفسها بنفسها، بعيدًا عن أقدار المهزومين، فيلم عن نهاية سعيدة حتى لو كانت سعادة مجازية، ينتهي الفيلم مختومًا بكادر ل”ندى” تقف وحدها في مواجهة بحرٍ هادرٍ، قد يختلف مفهوم السعادة من شخص لآخر لكن هي قررت أن نهايتها السعيدة أن تبقى هنا، تصنع فيلمًا يحكي قصتها محقِّقة شعار الثورة الأبديّ:
“اليأس خيانة”.