مناورة الملكة، وقوة لعبة الشطرنج

مناورة الملكة The queen’s gambit هو مسلسلٌ عن رواية والتر تيفيس التي نُشرَت في عام ١٩٨٣، وهو من إخراج سكوت فرانك ويعرَض على منصة نتفليكس العالمية.

المسلسل ينقل أجواء حقبة الحرب الباردة وامتياز الذكور وتهميش النساء وقوة لعبة الشطرنج؛ كل ذلك مع هواجس بيث هارمون الداخلية.

تنتحر والدة بيث بشكلٍ عنيفٍ وتتركها وحيدة، وتذهب بيث إلى ملجَئٍ للايتام في ولاية كنتاكي وهناك تأخذ المهدّئات بشكلٍ يومي، وتجد في غولين السمراء الصداقة التي افتقدتها وسط جوٍّ عامٍ قاتم، وتبدأ في تعلّم الشطرنج على يد عاملٍ في الملجأ هو وليام شايبل. تتصوّر بيث ألواح الشطرنج على سقف مخدعها وتمضي ساعاتٍ من اللعب في مباريات خيالية وتفوز على معلّمها مُتجاوزةً كل توقّعاته.
وعند سنّ الخامسة عشر تُتبَنّى وتحزم جنبًا إلى جنبٍ مجموعةً من كتب الشطرنج، وثقة ، وبعض الصدمات، وكميةً صغيرةً من كراهية الذات. ولكن هذه اللعبة هي التي تدفعها وترسلها إلى آفاق العالم التنافسيّ.

وتصبح بيث العبقرية غامضةً ومعذّبة، وتصمد في مواجهة عديدٍ من التحدّيات حتى تضعها سلسلةٍ من الأحداث أمام واقعٍ مرتبك.

تحطّم هارمون كل الأنا الذكورية التي تواجهها، عبر رقعة الشطرنج، لكنها تحظى أيضًا بالاحترام لأنها استطاعت دخول عالم الشطرنج التنافسيّ في الوقت الذي كانت اللعبة مرتبطةً فقط بالذكور.
وتتطوّر شخصية بيث وتخوض معركةً حاميةً ما بين التغلّب على هواجسها المؤلمة جرّاء إدمانها المهدّئات والكحول، وحرصها لتصل إلى القمة في عالم الشطرنج.
تبدأ بيث رحلتها بالمشاركة في مسابقة الشطرنج للحصول على كأس ولاية كنتاكي معتمدةً على المهدّئات، وتظلّ  تتخيّل رقعة الشطرنج في الفضاء، وتستطيع بيث بالفعل أن تفوز على حامل الكأس “بيلتك”؛ ليصبح الطريق مُمهّدًا للحصول على بطولة أمريكا المفتوحة للشطرنج، ولكنها تتعادل مع البطل الأمريكي بيني واتس في لاس فيجاس، ولا تتوقّف عند ذلك.

بيث هارمون مع بيني واتس
بيث هارمون مع بيني واتس

 

 

لقد ظلّ  السوفيت متفوّقين على الأمريكان في اللعبة لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، وتحاول بيث تعلّم اللغة الروسية وتقوية قدرتها في اللعب لتقابل البطل الروسيّ بروغوف في مسابقة ولاية مكسيكو الخاصة للشطرنج، ولكنها تخسر أمامه فتبتعد لفترة وتعود لتلعب مع بيني واتس مرةً أخرى، ولكنها تلك المرة تفوز لتحصل على كأس أمريكا في الشطرنج، وفي باريس عام ١٩٦٧ تقابل بورغوف ثانية، ولكن بسبب إفراطها في شرب الكحول وأخذ المهدّئات تخسر أمامه، لتدخل بعد ذلك في حالة اكتئابٍ حاد، ثم تجيء لحظةٌ فارقةٌ فى حياتها وهي وفاة معلمها الأول في الملجأ وظهور صديقة طفولتها؛ فتبدأ في مراجعةٍ شاملةٍ لأفكارها وهواجسها في محاولةٍ لاستعادة نفسها وقوة عقلها العاشق للشطرنج، وتستعدّ للذهاب إلى بطولة العالم للشطرنج في روسيا للقاء بورغوف مرةً أخيرة، ولكنها هذه المرة تفوز عليه وتعتلي بطولة العالم.

إنّ الحياة المرتبكة التي عاشتها بيث وإدمانها للكحول وتناول المهدئات من النقاط التي استفاض المسلسل في توضيح أسبابها وارتباطها بالظروف والواقعات التي مرّت بها، وعلى مدار السبع حلقات تحارب بيث هواجسها الداخلية وتحاول السيطرة عليها بالمهدّئات.
تلك المهدّئات التي تبدأ في الحصول عليها منذ الصغر في ملجأ الايتام؛ فتبدأ بأخذ حبةٍ واحدةٍ في اليوم قبل النوم ثم يتفاقم الأمر لتقوم بتجميع الحبوب وأخذها مرةً واحدةً كل عدّة أيام، حتى عندما تُتَبنّى تجد والدتها بالتبنّي تعاني الاكتئاب بسبب زوجها الذي تركها فتأخذ هي الأخرى نفس الحبوب. تعتقد بيث أن المهدّئات تساعدها في السيطرة على ذكرياتها السيئة المتعلقة بوالدتها المنتحرة وجعلها تتحمل وجودها في الملجأ، كما تربط بيث في عقلها الباطن بين المهدئات وفوزها في لعبة الشطرنج، فعندما تأخذ الحبوب المهدّئة تبدأ في تخيّل لعبة الشطرنج والخطط بشكلٍ أوضح وأعمق.
ولكنها تكتشف في النهاية أن ذلك مجرد وهمٍ في عقلها وتقرّر في مباراةٍ من أهم المبارايات التخلّص من تلك الحبوب، وبمساعدة أصدقاءها في مراجعة خطط اللعبة؛ تحقّق بالفعل فوزًا كبيرًا على خصمها الروسيّ، لتبدأ بيث مرحلةً أكبر من النضج والتحرّر من الماضي بكل آلامه وتأثيراته السلبية.

يُعتبر التمثيل الرائع في المسلسل أعلى بكثيرٍ من الكليشيهات العادية، وأداء تايلور جوي التي لعبت دور بيث رائع، وبشكلٍ خاصٍّ  في اللحظات التي تكون فيها وحيدة؛ مثل مشاهدها عندما تكون وحدها في المنزل، في شقة شخصٍ  غريب، على متن طائرة، في سريرها في الليل، عندما تتخيل رقعة الشطرنج، عند وفاة والدتها بالتبني وأنفاسها المتهدّجة وعند تنهّداتها في شرنقتها الخاصة.

عبر الحلقات؛ استطاع المخرج بناء شخصياتٍ ديناميكيةٍ غير وديّةٍ ومتوترةٍ ويصعب التعامل معها في البداية، ولكنها تتغيّر إلى شخصياتٍ متسقة وثابتة.
ولم يغفل دور أيّ  شخصٍ  في حياة بيث؛ فكل ممثلٍ له دورٌ واضحٌ في تطوّر الشخصية والأحداث.

وكان الاهتمام دقيقًا نسبيًا بتفاصيل الشطرنج والفرضية الشاملة التي مفادها أن اللعبة ليست مجرّد لعبة، فهي رياضةٌ شديدة التنافس لا يمارسها الفرديون فحسب، بل تمارسها الفِرَق أيضًا.

استخدم المسلسل بعض الاسماء الحقيقية في عالم الشطرنج؛ فيظهر اللاعب الأمريكي العظيم بول مورفي، وكذلك الأسطورة خوسيه كابابلانكا.
وتظهر بعض الخطط الحقيقية في اللعبة مثل نوعين مختلفين من الدفاع الصقلي: ناجدروف وروسوليمو.

كما أنّ اسم المسلسل هو مناورة الملكة، والهدف من مناورة الملكة هو التضحية مؤقتًا ببيدقٍ للسيطرة على مركز اللوحة، وهذه واحدةٌ من أكثر البدايات الشهيرة بسبب براعتها الهجومية؛ ففيها يهاجم الأبيض ويكون الأمر متروكًا للأسود للدفاع بشكل صحيح. إذا كنت تستمتع بالضغط المستمر على خصمك؛ فإنّ مناورة الملكة فرصةٌ مثالية.
لا يُعتبر المسلسل رائعًا في اختيار الممثلين فحسب، ولكن أيضًا لعبت الموسيقى دورًا كبيرًا، فتأخذنا الموسيقى في رحلةٍ إلى الماضي مع موسيقى الستينات وأغانٍ مشهورةٍ لفرق مثل  the vogues، the monkeys ،the kinks
في النهاية؛ قدّم فرانك للمشاهد مسلسلًا  مليئًا بالتناقض والغموض وصورةً متوازنةً عن حياة بيث المرتبكة وعقلها الخاص، وكذلك التعقيدات التي تتداخل مع بعضها فتجعل تجربة المشاهدة ممتعة.

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: عبير الششتاوي

اترك تعليقا