بناء الجدار

فيلم الجدار هو النسخة السينمائيّة من ألبوم بينك فلويد الذي يحمل نفس الاسم The wall، والذي صدر عام 1979م. الفيلم من بطولة بوب جيلدوف، وإخراج الان باركر، وسيناريو روجر واترز. ألبوم الجدار هو الألبوم الثاني الأكثر مبيعًا في التاريخ، وهو واحد من أفضل الألبومات في تاريخ الروك، ويمثل آخر مرة يسجّل فيها أعضاء بينك فلويد الأساسيين -روجر ووترز، وديفيد جيلمور، ونيك ماسون، وريتشارد رايت- ألبومًا معًا. وكما هو الحال، فإن الألبوم هو مزيج من الخيال وحياة المؤلّف معًا، إنّ الألبوم والفيلم هما جزء كبير من حياة روجر واتر وسيد برايت الذي غادر الفرقة بسبب تدهور صحّته العقلية.

 الفيلم هو أكثر من الفضول الكلاسيكي المعتاد، هو جزء من الرسوم المتحركة، وجزء من موسيقى الروك. جزء من الصراع الفني أنه صراع مباشر بين الأساليب الفنية، وهو شهادة على الوقت الذي شعرت فيه فِرَق الروك أنه يجب عليهم صنع فن هادف ومثير للجدل، بدلًا من مجرد الرضوخ وقبول مكانهم في آلة ربح الشركات.

جمع فيلم الجدار بين الرسوم المتحركة القويّة والاستعانة بفنّ الجرافيك، مع رحلةٍ سرياليّة من خلال الذاكرة والهلوسة واستخدام الفلاش باك في وصف حياة الشخصية الرئيسية وهو بينك.

قصة فيلم الجدار

تدور القصةُ حول شخصيّة بينك، والذي يجلس صامتًا في جناحه الفندقي في مكانٍ ما في لوس أنجلوس. التلفاز قَيد التشغيل بشكلٍ دائم، وتشاهده عيناه بدون رؤية تقريبًا، ويبدأ الفيلم من خلال ألبوم الجدار لعرض قصة حياة بينك.

 بينك هو شخص قرّر الانعزال عن العالم وبناء جدار حول نفسه مع كلِّ أزمةٍ تعرّض لها، منذ أن كان صغيرًا، ومعصارته للحرب العالمية الثانية، وموت والده أثناء الحرب، فقد طفولته وبراءته أثناء الحرب، وبعد موت والده أصبحت أمه شديدة الحماية. ستعمل الأم على جعل كل كوابيسه حقيقية؛ وذلك بسبب خوفها من أن تفقده مثل والده، وستستخدم آلية الدفاع عن النفس (الإسقاط) لحماية نفسها من الألم.

إعلان

كل حادث يتسبّب في ألم بينك هو لبنة أخرى في جداره المتنامي باستمرار، والذي يجده الحلّ الوحيد للهروب من الحياة المليئة بالخيبات، فحياته بلا أمل، وهى عبارة عن طفولةٍ بلا أب، وأمّ متسلطة، ونظام تعليمي مستبد عازم على إنتاج تروس متوافقة في عجلة المجتمع، وحكومة تعامل مواطنيها مثل قطع الشطرنج، ليكبر ويصبح عازف، فيعرف سطحيّة النجومية، ويتزوّج ويفشل. ومع اقتراب جداره من الاكتمال، تساهم كلُّ طوبة في غلقه على نفسه عن بقية العالم، والآن أصبح مقيّد. ينهي بينك مرحلة بناءه للجدار، فهو يبدأ في وداع العالم والعيش خلف الجدار، وبعد انعزاله خلف الجدار، توهَّمَ أنّ حياته ستصبح مريحة، ولكنّه الآن أصبح مقيدًا أيضًا، فيبدأ في تناول المخدرات والأدوية، ويسترجع ذكريات الطفولة، ويتمنّى أن تعود إليه براءته مجدّدًا.

عندما كان بينك صغيرًا حَلم بمستقبلٍ باهِرٍ، وكانت أحلامه أكبر من حدوده، ولكنه اصطدم بالواقع المخيف، وبسبب الجدار، يبدأ بينك في تخيُّل نفسه شخصًا فاشيًا، والنازية التي قتلت والدَه يصبح هو جزء منها. وفي لحظةٍ، يدرك المأساة التى وقع فيها بسبب الجدار، المأساة التي انتهت بالشكل الفاشي الذى ظهر به. في تلك اللحظة، سيصرخ ويتساءل، هل كان مذنب أم كان ذلك بسبب الجدار؟ وينتهي الفيلم بمحاكمة، محاكمة الجزء الفاشي منه، ويتمّ استدعاء الشهود ضدّه، بما في ذلك مُدرّسه في المدرسة، ووالدة بينك، وزوجته السابقة. وتنتهي حياة بينك برسالةٍ غامضة ودائريةٍ مثل بقيّة حياته، فهو لا يعرف إذا كانت قصة حياته هي رسالة حول عدم جدوى الحياة، أم رحلة مفعمة بالأمل حول الموت المَجَازيّ والبعث مرةً أخرى.

عندما كتب روجز الفيلم لم يكن يناقش جزءًا من قصّة حياته فقط، ولكنّ الفيلمَ إسقاطٌ أكبر للعالم؛ فمن خلال قصة بينك، تظهر مآسي الحرب التي وضعها في أغنية:

Good bye blue sky

أنظري يا أمي يوجد طائرة في السماء.

هل رأيتم الأشخاص الخائفين.

سمعتم صوت القنابل المتساقطة.

هل تساءلت يومًا لماذا كان علينا أن نركض للحصول على مأوى

عندما كان الوعد بعالمٍ جديد شجاع ينطلق تحت لون أزرق واضح.

وداعًا أيتها السماء الزرقاء.

The hammer scene in goodbye blue sky

فعلى الرغم من انتهاء الحرب، إلا أنّ كل الذكريات السيئة و العلامات لا تزال موجودة. وبسبب الحرب، فَقَدَ بينك والدَه. والسّماء الزرقاء رمز للبراءة التي فُقِدَت بسبب الحرب وعلاقته مع النظام التعليمي، والّتي ظهرت من خلال أغنية

Another Brick in the Wall, part 2

لسنا بحاجةٍ إلى التعليم.

لسنا بحاجةٍ إلى السيطرة على أفكارنا.

لا للسخرية السوداوية في فصول الدراسة.

المدرّسون، اتركوا الأطفال وحدهم.

الكل، الكل مجرد لبنة أخرى في الحائط.

تلك الأغنية لوصف أيام بينك في المدرسة، هذه الأغنية للتعبير عن أن الأطفال لا يحتاجون إلى التحكّم بهم من خلال المدرسين، ولا يحتاجون للسخرية من أخطائهم. نرى ذلك في الفيلم من خلال سير جميع الأطفال إلى القاعة مرتدين أقنعة مماثلة، ويسيرون على إيقاعٍ واحدٍ، فليس لديهم أيّ فردية، ويتّجهون في النهاية إلى المفرمة.

وعلاقته مع أمه التي ظهرت من خلال أغنية

أمي، هل تعتقدين أنهم سيرمون القنبلة؟

هل تعتقدين أنهم سيحبّون هذه الأغنية؟

أمي، هل تعتقدين أنهم سيحاولون كسر كراتي؟

أمي، هل يجب أن أقوم ببناء الجدار؟

اسكت الآن يا صغيري لا تبك.

ستجعل أمّك كلَّ كوابيسك تتحقّق.

ستضع أمك كلَّ مخاوفها فيك.

أمك ستبقيك هنا تحت جناحها.

لن تسمحَ لك بالطيران، لكنّها قد تسمح لك بالغناء.

ستعمل أمك على إبقاء الطفل دافئًا ودافئًا.

يا صغيري، يا صغيري، يا صغير.

بالطبع ستساعدك أمّك في بناء الجدار.

وهنا يُعبّر بينك عن قلقه من علاقته بأمه مفرطة الحماية، حيث يسأل أمَّه إذا كان يجب عليه أن يبني الجدار أو أن يثق في حكومته. توقَّع بينك بعد موت والده أن تكون أمه مصدرًا للرّاحة والأمان، ولكنّها أصبحت عكس ذلك تمامًا، متسلطة ومتحكمة في حياته.

وتأتي أغنية Empty spaces 

ماذا سنستخدم لملء الفراغات

عندما كنا نتحدث

كيف أملأ الفراغات

وكيف يمكنني ملء الأماكن النهائيّة

كيف أكمل الجدار

 لتُظهِر فشل زواج بينك، والّذي لم يصدمه كثيرًا؛ لأنّه لم يكن ينتبه لزوجته. لينتهي زواجه فيما بعد بخيانةِ زوجته، فهو يشعر بفراغٍ لا يستطيع ملأه. المسافاتُ الفارغة المُشار إليها ليست فقط المسافة بينه وبين زوجته، ولكنّها للإشارة إلى الفتحات القليلة المتبقية لبناء الجدار، والّتي لم يتم ملؤها بعد.

وآخر أغنية لتوديع العالم هي: Good bye cruel world

سأتركك اليوم.

وداعًا، وداعًا، وداعًا.

وداعًا لجميع الناس.

لا يوجد شيء يمكنك قوله

ليجعلني أغيّر رأيي.

وداعًا.

قد يعجبك أيضًا

عالم ما قبل الجدار الذي بناه بينك، يودع بينك العالم، ويقولُ رسالَتَه الأخيرة، فعلى الرغم من أن الأغنية توحي بأن بينك على وشك الانتحار، ولكن في الحقيقة بينك يغادر العالم بإنهاء الجدار ليصبح معزولًا.

يتخيّل بينك أنّه من بعد بناء الجدار سيصل للرّاحة التي يريدها، ولكنّه يكتشف أنّه سيعاني من الوحدة والعزلة والاكتئاب. ويعبر عن ذلك من خلال أغنية Hey you، التي تعتبر أفضل أغنية في وصف حالة بينك، لكن لم يتم وضع تلك الأغنية في الفيلم، وفضَّل المخرج أن ينتقل مباشرةً إلى إظهار أن بينك أصبح مدمنًا من خلال أغنية Comfortably numb، وهي من أشهر الأغاني في الألبوم، والّتي تصف حالة الإدمان. تظهر شخصية بينك في غرفةٍ وهو فاقد الوعي بسبب الأدوية المخدِّرة والذكريات، ويحاول طبيبٌ أن ينقذه، ثم يأتي صوت روجر واترز وكأنه ينادي من خلال الضّباب، فيتذكر بينك ذكريات طفولته عندما أصيب بالحمى، ويتساءل هل سيموت؟ بينك رأى لفترةٍ وجيزةٍ الجدارَ وتأثيراته بما يتناسب مع حياته كلها. أصبح بينك يشعر بالتخدير تجاه مرضه والذّكريات وكذلك العالم من حوله.

Comfortably numb

مرحبًا، هل هناك أيّ شخص هناك.

مجرد إيماءة، إذا كنت تستطيع أن تسمعني.

هل هناك أحد بالمنزل؟

هيّا، الآن، أسمعُ أنّك تشعر بالإحباط.

يمكنني تخفيف آلامك

أجعلك تقفُ على قدميك مرةً أخرى.

استرخِ، أحتاجُ إلى بعض المعلومات أولًا.

فقط الحقائق الأساسيّة.

هل يمكنك أن تريني أين تتألّم.

لا يوجد ألم، أنت هارب.

سفينةٌ بعيدةٌ تتدخّن في الأفق.

أنت تأتي فقط من خلال موجات.

تحرّكُ شفتيك، ولكن لا يمكنني سماع ما تقوله.

عندما كنتُ صغيرًا كنت مريضًا بالحمى.

شعرتُ أن يدَيّ عبارة عن بالونتين.

الآن أشعر بذلك الشعور مرةً أخرى.

لا أستطيع أن أشرح، لن تستطيع الفهم.

هذا ليس ما أنا عليه.

لقد أصبحتُ خدرًا بشكلٍ مريح.

أمّا أغنية In the Flesh وRun like hell للتعبير عن أن بينك يتحوّل للفاشية، حيث يأخذنا بينك لحفلةٍ، ويظهر كيف يمكن للناس أن تتبع الأحمق وتأخذه قدوةً ونموذجًا يُحتذَى به، وبينك أصبح ديكتاتورًا مثل شخصية هتلر، يتحكّم في متابعيه، ويضطهد الأقليّة. يظهر رمز المطرقة وهو رمز النازيين، والذي يمثلُ القمع بالقوة، فإذا لم تخضع سيتمّ ضربك. تعتبر أغنية Run like hell إسقاط على حدث ليلي الكريستال، عندما داهمت القوات النازية الأحياء اليهودية. وهنا يقول النازيُّون لليهود: لن تكونوا مثلنا، ويجب القضاء عليكم، اهربوا للأبد.

ومن خلال أغنية The trial يقوم بينك في عقله بمحاكمةِ نفسه، والشهود هما مدير مدرسته الذي يلومه على الذي أصبح عليه، وزوجته  التي تريد الانتقام منه، والتي تظلّ تخبره أنه كان يجب عليه أن يتحدث معها، ووالدة بينك التي تحاول أن تأخذه للمنزل. والقاضي في النهاية يقول الحكم، وهو تحطيم الجدار. هذا الحكم له جوانب إيجابية وسلبية له، ففي الجانب الإيجابي، لن يكون بينك منغمسًا ذاتيًا بعد الآن، وسيكون قادرًا على الاستمرار في حياته، وفي الجانب السلبي، سيكون بينك عُرضةً تمامًا لقسوة الحياة. لن تبقَ أيُّ بقايا من جداره؛ ممّا يمنحه أقل قدر من الحماية من عداء الحياة.

طوال المحاكمة، يظهر بينك على أنّه دمية خرقة، لم يعُد يهتمّ بمحاكمته. إنه مُجرّد دمية يتمّ رميها من متهمٍ إلى متهم، أحيانًا يتذمر “مجنون، فوق قوس قزح” لكنّه لا يدافع عن نفسه أبدًا.

The Trial

 وينتهي فيلم الجدار بأغنية outside the wall، والأغنية هي رسالة أمل، حيث أنّ الأمر لا يتعلّق ببينك أكثر ممّا يتعلق بأحبائك المحبوسين خلف الجدار، محاولين التواصل مع من بداخله، أولئك الذين تحاول قلوبهم التواصل مع أولئك الموجودين داخل الجدار، أحيانًا تترنّح، وأحيانًا تسقط، مثل زوجة بينك الّتي تتحوّل إلى رجلٍ آخر عندما لا يستجيب زوجها لمحاولاتها العديدة لإخراجه من وراء الهيكل الحجري الضخم، والمشهد الذي يرافق الأغنية في الفيلم هو أن يقوم الصغار بجمع الحطام والصخور المختلفة من حائط.

قد يعجبك أيضًا

وفي النهاية تتساءل: هل يقوم الصغار بذلك للتخلُّص من أثر الجدار أم لبناء جدار آخر؟

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: علياء الشامي

تدقيق لغوي: سلمى عصام الدين

اترك تعليقا