ملخص فلسفة أفلاطون
عندما بلغ حوالي العشرين عامًا أصبح تلميذًا لسقراط أبو الفلسفة الغربية. في عام 399 قبل الميلاد ، حوكم سقراط بتهمة إفساد شباب أثينا وأُدِين، وأدى به هذا إلى الانتحار. وكان لسقراط تأثير على أفكاره وفلسفته. استغل أفلاطون شخصية وأفكار سقراط بشكل رئيس حيث إنه استخدمه كشخصية مركزية في كل حواراته الفلسفية (Dialogues).
تخلى عن جميع أفكار الحياة السياسية بعد انتحار سقراط، وكرس نفسه للفلسفة. سافر حول البحر الأبيض المتوسط ، ودرس الفلسفة والهندسة والدين وعلوم عصره. عاد أفلاطون إلى أثينا في عام 387 ق. م. لتأسيس أكاديميته وكان الهدف منها تثقيف أفراد المجتمع اليوناني فلسفيًا. سميت الأكاديمية “الجامعة الأوروبية الأولى” ، حيث ليست الفلسفة فقط هي التي كانت تدرس فيها، ولكن جميع العلوم المعروفة وقتئذ.
قيل إن أفلاطون نفسه ألقى العديد من المحاضرات في الأكاديمية. وكان أرسطو، معلم البشرية الأول، من بين أشهر طلاب الأكاديمية، الذي ذهب لاحقًا لتأسيس مدرسته الخاصة “ليسيوم”. وكانت أكاديمية أفلاطون تعلم نبلاء مدينة أثينا لعدة قرون متفوقة معظم المدارس الفلسفية الرئيسة في العالم الغربي.
المحاورات (Dialogues)
تأخذ معظم كتابات أفلاطون الفلسفية شكل حوارات أو مناظرات. ويبلغ عدد جميع الحوارات التي كتبها أفلاطون اثنين وأربعين حوارًا. ويُعتقد أن هذا العدد فقط من الحوارات هو كل ما كتبه. ” كُتبَت هذه الحوارات للعامة (على عكس النخبة في أكاديميته) من أجل اهتمامهم بالفلسفة” (تايلور 10). إن حوارات أفلاطون هي مناقشات فلسفية بين فردين أو أكثر وتركز هذه المناقشات على مواضيع مثل العدل والصداقة الفضيلة.
دور الفلسفة بالنسبة لأفلاطون هو الارتفاع بالروح إلى المستوى الذي يمكنها من الانسجام مع عالم المعقولات الخالدة وهو العالم الذي سبق لها العيش فيه قبل سقوطها على الأرض. في محاورة “الندوة” (Symposium)، يميز أفلاطون بين نوعين من الحب (Eros) وهما: الإيروس الدنيء(Vulgar) والإيروس الإلهي (Divine). والإيروس الدنيء هو انجذاب جنسي نحو جسد مادي والحافز فقط هو المتعة والتكاثر. بينما الإيروس الإلهي هو تحول هذا المفهوم من الإله إيروس لاحقًا إلى مصطلح الحب الأفلاطوني، أي إن أفلاطون نفسه لم يستخدم هذا المصطلح.
محاورات أفلاطون ليست مجرد أعمال فلسفية عظيمة؛ بل تعتبر أعمالًا أدبية عظيمة كذلك. فالحوارات مكتوبة بعناية وبلاغة. تختلف الطريقة المحددة التي يستخدم بها شخصية سقراط إلى حد ما خلال الفترات المختلفة التي كتب فيها أفلاطون.
أفلاطون ونظرية المثل (Theory of Forms)
بالنسبة لأفلاطون هناك عالمان وهما العالم المادي/ الحسي وعالم الأشكال/المُثل. الأشياء(Forms) هي تلك الأشياء التي ندركها من خلال حواسنا: شجرة، سيارة، طاولة، كرسي.. إلخ. كل شيء العالم المادي يتغير باستمرار على سبيل المثال، الطاولة تتآكل والقماش يبلى. أما في عالم المثل فالأشياء لا تبلى فهي مطلقة كاملة فوق الزمان والمكان.
عالم الأشكال/المُثل هو العالم الحقيقي وهو عالمٌ سامٍ شريفٌ عاشت فيه النفس قبل أن تهبط للأرض وتلحق بالبدن. أما العالم المادي/ الحسي هو مجرد محاكاة لعالم المُثل الحقيقي. أي شيء موجود في العالم المادي الحسي ما هو إلا صورة ناقصة وظل للأشكال الكاملة السرمدية في عالم المُثل. على سبيل المثال. الجمال في عالم المثل هو جمال مطلق والعدل هو عدل مطلق.. إلخ
أسطورة الكهف
في الباب السابع من كتابه “الجمهورية”، يروي أفلاطون أسطورة الكهف على لسان معلمه “سقراط”. وهي ترمز إلى أن النفس الإنسانية مثل أشخاص مقيدين بسلاسل في كهف، وخلفهم نار ملتهبة تضيء الأشياء وتطرح ظلالها على السور الذي أمامهم فهم لا يرون الأشياء الحقيقية، بل يرون ظلالها المتحركة، ويظنون أنها هي الحقائق. وإذا خرج أحدهم ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻬﻒ يعرف ﺃﻥ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺑﺪﺍﺧﻠﻪ وإن هذه الأشياء ما هي إلا ﻇﻼﻝ للأشياء التي تقع خارج الكهف. وإذا أراد الشخص الذي خرج من الكهف أن يخبر الأشخاص الذين في الكهف ﻭيعلمهم أنهم يعيشون أوهامًا سيكذبونه ﺑﻞ وسيريدون الفتك به.
“فالكهف في هذه الأسطورة هو العالم المحسوس، والظلال هي المعرفة الحسية، والأشياء الحقيقية التي تُحْدث خارج هذه الظلال هي المُثُل، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺴﺠﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﻗﻴﻮﺩﻩ ﻭﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻜﻬﻒ، إنما ﻳﺮﻣﺰ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ”. “2”
يستخدم أفلاطون أيضًاً أسطورة الكهف من ناحية فلسفية. الناس الذين يجب أن يحكموا هم فقط الذين لديهم المقدرة للخروج من الكهف ورؤية الواقع الحقيقي (عالم المثل). والجدير بالذكر أن أفلاطون كان ضد الواقع السياسي في أثينا. كان يعتقد أن الناس المميزين هم وحدهم من يصلحون للحكم. أي أن الحاكم المثالي هو الملك-الفيلسوف، لأن الفلاسفة هم وحدهم لديهم القدرة على رؤية عالم المُثل. يحاجج أفلاطون بأنه فقط عندما يعتلي الفيلسوف العرش، سيتمكن المواطنون بالخروج من الكهف ورؤية ضوء الشمس.
أفلاطون ونظرية الروح الثلاثية
في حوار “فيدروس”، يعتبر أفلاطون أن النفس الإنسانية تتألف من ثلاثة أجزاء: الجزء العاقل، الجزء الغاضب، الجزء الشهواني. يرمز أفلاطون إلى النفس الإنسانية بالعربة التي يجرها حصانان أحدهما أسود والآخر أبيض، وقائد العربة يمثل النفس العاقلة (Nous) أي الحكمة والرشاد. وهذ الجزء من النفس يختص بالإنسان وحده. أما الحصان الأبيض على اليمين يمثل النفس الغاضبة (Spirited) وهي موجودة بجانب القلب وهي تختص بالشجاعة والحماس والنصر والتحدي والقوة. ويشترك فيها الإنسان والحيوان.
والحصان الأسود على اليسار يمثل النفس الشهوانية (Appetite) فهي كالحيوان كل ما يهمها اللذة والمتعة أي الرغبة للجنس أو الأكل ويعتقد أفلاطون إنها موجودة في البطن.
“ولا شك أن أفلاطون بنى نظريته القائلة بتعدد النفوس في البدن الواحد على بعض آرائه الخاصة بالمدينة الفاضلة، فإنه كان يرى أن المدينة لايصلح أمرها إلا إذا انقسمت إلى ثلاث طبقات مستقلة تربطها علاقات محددة واضحة كذلك حال النفس فإنها لاتصلح إلا إذا انقسمت إلى ثلاثة أجزاء مستقلة” “3”
في عام 347 توفي أفلاطون عن عمر يناهز ثمانين عامًا. ويقول الفيلسوف الإنجليزي ألفريد نورث:
“أي فلسفة بعد أفلاطون ما هي إلا مجرد هوامش على أعماله الكبيرة”
نرشح لك أيضًا: نــظـرة شــاملة على فلسفة نيتشه
المصادر "1" (أفلاطون مقدمة قصيرة جدا, ص. 17) "2" معجم الفلسفي لـ جميل صليبا، الجزء الثاني، ص: 247.. "3" (د.محمود قاسم. في النفس والعقل لفلاسفة الاغريق والإسلام, ص. 60).