معًا لتحقيق العدالة المناخية

ماذا تفعل إذا علمت أن التغير المناخي في العالم هو سبب الكثير من الأفات والأمراض الوبائية والتصحر والإرهاب والهجرة ونقص وتلوث مياه الشرب وارتفاع مستوى البحار؟ ماذا ستفعل إذا علمت أن التغير المناخي يُودي بحياة أكثر من 150 ألف شخص سنويًا وسيصبح بعد ثلاثة عقود فقط السبب الرئيسي في انقراض 20% من الأنواع الحية والبرية على كوكب الأرض؟ وإذا علمت أن التغير المناخي يتسبب في خسائر تقدر بمئات المليارات من الدولارات في الزراعة ماذا ستفعل؟ هل ستقف مكتوف الأيدي دون حراك إيجابي أم علينا جميعًا أن نتحرك لإيقاف ظاهرة تحرق الأخضر واليابس بالتدريج؟

مما لا شك فيه إن أحد وظائف منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية العاملة في المجال البيئي هي توعية الناس ليتولوا الدفاع عن مصالحهم وحقهم في الحياة على كوكب الأرض فى أمانٍ وطمانينة وعدالة ودون تفرقة وفي إطار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، خاصةً إذا تم الجور على تلك الحقوق البيئية الطبيعية من قبل أطراف أُخرى تتصف بالقوة والجهل والطمع. وهو ما يلقي عبئًا كبيرًا على منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية للضغط على الحكومات بتبني سياسات عادلة لحل قضية التغير المناخي في العالم، بالإضافة إلى أهمية التوسع في نشر برامجها ومشروعاتها وأنشطتها التوعوية بشأن خطورة التغير المناخي وترشيد استخدام الموارد البيئية لمراعاة متطلبات الأجيال الحاضرة دون المساس بحقوق الأجيال القادمة. وفي مطلع ديسمبر القادم من المقرر أن تنعقد الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف “COP24” لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ فى مدينة كاتوفيتسا في بولندا.

سيناقش ممثلي الدول العالمية سياسات وقواعد تطبيق اتفاقية باريس لتغير المناخ، وهذه السياسات ستؤثر حتمًا على حياة المليارات من سكان كوكب الأرض. ويخشى الكثير من نشطاء البيئة ومنظمات المجتمع المدني أن تكون قرارات المؤتمر هلامية ومحبطة لتطلاعاتهم وآمالهم فى الحد من ظاهرة التغير المناخي؛ فالمنظمات البيئية غير الحكومية المحلية والدولية ترى أن البلدان والصناعات الملوثة للبيئة هي المصدر الأساسي لانبعاثات الغازات الدفيئة السبب الرئيسي لظاهرة التغير المناخي في العالم وعلى تلك الدول تحمل القدر الأكبر في دفع التكاليف العادلة لاسترجاع البيئة الطبيعية التى دمرتها. ولن يتم تحقيق ذلك إلا من خلال رفع عدة مطالب مشروعة وضرورية أثناء مناقشات مؤتمر الأطراف “COP24” والتي يمكن إيجازها كالتالي:

المطلب الأول:

الاحتفاظ بالوقود الأحفوري داخل الأرض عن طريق اتخاذ الإجراءات التالية:

  • التعهد بحظر فوري على الحفر والتكسير واعتماد الحظر الدولي على تكنولوجيا استكشاف واستخراج الوقود الأحفوري الجديدة ابتداءً من عام 2018.
  • الموافقة الفورية على الوقف الاختياري للدول لمشروعات الفحم الجديدة.
  • تعهد الدول المتقدمة بتحقيق انتقال عادل ومنصف إلى الطاقة المتجددة بنسبة 100٪ بحلول عام 2030م.
  • تخلص الحكومات التدريجي من الإعانات التي تقدمها لصناعة الوقود الأحفوري والتخلص الكامل من الوقود الأحفوري بحلول عام 2020م.

المطلب الثاني: 

رفض منظمات المجتمع المدني ونشطاء البيئة الحلول الخاطئة والمؤقتة التي تُقدم كبدائل للحلول الحقيقية لأزمة المناخ وتطالب باتخاذ الإجراءات التالية في هذا الشأن:

1. رفض التعويض وانتقال آلية التنمية النظيفة إلى المبادئ التوجيهية الخاصة بتنفيذ اتفاقية باريس تحت غطاء ما يُسمى بآلية التنمية المستدامة.

  1. تقدير واحترام الإيقاف الاختياري الدولي للهندسة الجيولوجية الذي وضعته اتفاقية التنوع البيولوجي.
  2. رفض مشروعات التقاط الكربون وتخزينه، وكذلك مشروعات الطاقة الحيوية مع التقاط الكربون وتخزينها، وغيرها من النواحي الفنية.
  3. إنهاء تحويل الأراضي الزراعية إلى أغراض إنتاج غير غذائية.
  4. رفض المشروعات وجميع أشكال الخطط المرتبطة بتجارة الكربون والتي تقوض حقوق الإنسان وحقوق السكان الأصليين، بما في ذلك ثقافاتهم، وكذلك السيادة الإقليمية والنزاهة.
  5. وقف دعم وتشجيع حرق “الكتل الإحيائية Biomass” (الخشب- القمامة- المحاصيل.. إلخ) كطاقة متجددة، ورفض استبدال الوقود الحيوي والطاقة الحيوية كبديل للوقود الأحفوري.
  6. رفض مخططات الشركات التي تدعم ما يُسمى بـ “الزراعة الذكية المناخية”.

المطلب الثالث:

ضرورة تقديم حلول حقيقية ومجدية لقضية التغير المناخي، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال الخطوات التالية: 

  1. تحويل أنظمة مصادر الطاقة الحالية بعيدًا عن الوقود الأحفوري، والذي تتحكم فيه الشركات وغيرها من المصادر الضارة مثل: الطاقة النووية، والوقود الحيوي، إلى نظام نظيف وآمن يعمل على تمكين الناس والمجتمعات.

2. دعم استعادة النظم البيئية الطبيعية لاستعادة الأحواض الطبيعية، ووقف جميع المشروعات المدمرة لقدرة الأرض الطبيعية على امتصاص الغازات الدفيئة.

إعلان

3. دعم الجهود العالمية لتحقيق انتقال عادل ومنصف تدعم ديموقراطية الطاقة، وتخلق فرصَ عملٍ جديدة، وتشجع الطاقة المتجددة، وتحمي العمال والمجتمعات الأكثر تضررًا من الاقتصادات والصناعات الاستخراجية.

4. الالتزام بالسياسات التي تشمل ممارسات علم البيئة الزراعية، والسيادة الغذائية بدلًا من “الزراعة الذكية المناخية”.

  1. تسهيل ودعم الاتجاهات غير السوقية فى العمل المناخي.

6. اﻋﺘﻤﺎد إﻃﺎر ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ ﻳشجع اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎت واﻻﺑﺘﻜﺎرات اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻟمجتمعية ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺗﻐﻴﺮ اﻟﻤﻨﺎخ، وﻳﻤﻜﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻄﻮﻳﺮ وﻧﻘﻞ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﻤﻨﺎﺧﻴﺔ اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﺑﻴﺌﻴًّا واﻟﻤﻘﺒﻮﻟﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴًّا، واﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻠبعد الجندري (الجنسين) واﻟﻌﺪاﻟﺔ.

7. احترام وتشجيع الحلول غير المجتمعية التي يقودها المجتمع والتي تقر بالمعارف والممارسات والحكمة والمرونة التقليدية للسكان الأصليين والمجتمعات المحلية وتحمي الحقوق على أراضيهم وأقاليمهم.

8. ضمان التقييم التشاركي والشفاف لجميع التكنولوجيات المناخية المقترحة، ورفض أي نوع من الحواجز أمام إتاحة التكنولوجيا ونقلها مثل حقوق الملكية الفكرية.

المطلب الرابع:

تقدير واحترام التزامات تمويل المناخ للبلدان النامية: 

1. التغذية المالية لصندوق المناخ الأخضر من أجل زيادة العمل المناخي بحيث يظل دون ارتفاع درجة حرارة العالم بمقدار 1.5 درجة مئوية، والوفاء بالتزام البلدان المتقدمة بتوفير 100 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2020م.

  1. توفير المال الكافي والحقيقي (بالإضافة إلى مساعدات التنمية في الخارج) لتوسيع نطاق التكيف المناخي وضمان الحماية للمهاجرين الذين تأثروا بتغير المناخ.

3. يتعين على البلدان المتقدمة تقديم تعهدات ملموسة جديدة بتمويل تغير المناخ ومرفق بها جدول زمني محدد للتسليم.

4. اﻻﻟﺗزام ﺑﺗﻌوﯾﺿﺎت اﻟﻣﻧﺎخ ﻟﻸﺷﺧﺎص اﻷﮐﺛر ﺗﺿررًا لكنهم أقل مسؤولية ﻋن ﺗﻐﯾر اﻟﻣﻧﺎخ.

المطلب الخامس:

إنهاء تدخل واستحواذ الشركات على محادثات المناخ من خلال البدء فورًا فى تفعيل الخطوات التالية:

  1. تعزيز سياسة تضارب المصالح، والتي تحمي تنفيذ اتفاقية باريس والسياسة المناخية العالمية من العرقلة من قبل كبار الملوثين، وإلزام الحكومات باتخاذ إجراءات على المستوى الوطني.
  2. حظر الصناعات التي تستفيد من الوقود الأحفوري وأزمة المناخ من التأثير على منتديات السياسة المناخية الدولية والوطنية.
  3. رفض كل محاولة من الشركات ووكلائها لإدخال أنفسهم في المفاوضات.
  4. دعم المطالبة بتحمل الشركات المسؤولية عن تأثيرات عقود من التضليل والتدخل السياسي في سياسة المناخ.

المطلب السادس:

يجب أن تحترم الدول المتقدمة “الأنصبة المالية العادلة” لتسببها في هذه الأزمة: 

1. على البلدان المتقدمة أن تقر علانيةً وتتحمل مسؤوليتها التاريخية الأكبر فيما يتعلق بانبعاثات غازات الدفيئة.

  1. ضمان أن تتخذ البلدان المتقدمة إجراءات طموحة وفق مسؤوليتها وقدراتها التاريخية مع أهداف محلية طموحة (بما في ذلك التخلص التدريجي والسريع من استخراج الوقود الأحفوري ودعم الطاقة القذرة)، والتعاون الدولي، ودعم تمويل المناخ العالمي.
  2. رفع طموحات الالتزامات المحلية والأهداف العالمية للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، وضمان وضع تلك الالتزامات وفقًا للعلم والإنصاف.

في النهاية أعتقد أن تلك المطالب المشروعة من قبل منظمات المجتمع المدني لحماية وإصلاح النظام البيئي الطبيعي الذى خلقه الله متوازنًا و عادلًا لجميع مخلوقاته لن يتم تحقيقه إذا لم نكن نحن -محبي البيئة- لدينا اقتناع كامل أن الفرد منا يستطيع تحقيق القليل لكن معًا نستطيع تحقيق العدالة المناخية، بشرط أن نكون متسلحين جميعًا بروح المقاتل الشرس والعنيد ضد مفسدي البيئة لإنقاذ كوكب الأرض وإنقاذ حياة الآخرين من الموت البطيء.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: عاطف أحمد

تدقيق لغوي: دعاء شلبي

اترك تعليقا