مخاطر الوحدة والانعزال الاجتماعي (مترجم)

وفقًا لمسح وطني أجرته شركة سيجنا (شركة أمريكية للرعاية والتأمين الصحي) عام 2018، وصلت مستويات الشعور بالوحدة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث أفاد ما يقرب من نصف 20,000 بالغ في الولايات المتحدة أنهم يشعرون أحيانًا أو دائمًا بالوحدة. أفاد 40% من المشاركين في الاستطلاع أيضًا أنهم يشعرون أحيانًا أو دائمًا أن علاقاتهم ليست ذات مغزى وأنهم يشعرون بالعزلة.

هذه الأرقام مقلقة بسبب المخاطر الصحية والنفسية المرتبطة بالوحدة. وفقًا لتحليل شمولي شاركت في تأليفه جوليان هولت-لونستاد، أستاذة علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة بريغهام يونغ، فإن الافتقار إلى التواصل الاجتماعي يزيد من المخاطر الصحية بقدر تدخين 15 سيجارة يوميًا أو الإصابة باضطراب إدمان الكحول. ووجدت أيضًا أن الضرر النفسي والجسدي المصاحب للوحدة والعزلة الاجتماعية ضعف الضرر النفسي والجسدي المصاحب للسمنة.

تقول جوليان هولت-لونستاد: ”هناك دليل قوي على أن العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة يزيدان بشكل كبير من خطر الوفاة المبكرة، ويتجاوز حجم الخطر حجم العديد من المؤشرات الصحية الأخرى“.

في محاولة لوقف مثل هذه المخاطر الصحية، تم إطلاق حملات وتحالفات للحد من العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة – درجة الانعزال الاجتماعى المُتصورة للفرد – في أستراليا والدنمارك والمملكة المتحدة. تجمع هذه البرامج الوطنية بين خبراء الأبحاث والوكالات الحكومية وغير الربحية والمتطوعين المهرة لزيادة الوعي بالوحدة ومعالجة العزلة الاجتماعية من خلال التدخلات الصحية القائمة على الأدلة.

لكن هل الشعور بالوحدة يتزايد حقًا، أم أن هذا الشعور حالة قد شعر بها البشر دائمًا في أوقات مختلفة من الحياة؟ بعبارة أخرى، هل نصبح أكثر وحدة أم ميلًا للتعرف على المشكلة والتحدث عنها؟

إعلان

هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها لأن البيانات التاريخية حول الوحدة شحيحة. ومع ذلك، تشير بعض الأبحاث إلى أن العزلة الاجتماعية والوحدة آخذة في الازدياد، تظهر أحدث بيانات التعداد السكاني في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أن أكثر من ربع السكان يعيشون بمفردهم – وهو أعلى معدل تم تسجيله على الإطلاق. بالإضافة إلى ذلك، أكثر من نصف السكان غير متزوجين، وانخفضت معدلات الزواج وعدد الأطفال لكل أسرة منذ التعداد السابق. انخفضت أيضًا معدلات التطوع، وفقًا لبحث أجراه معهد (إصنع خيراً) التابع لجامعة ميريلاند، وأبلغت نسبة متزايدة من الأمريكيين عن عدم انتمائهم للأديان – مما يشير إلى حدوث انخفاض في أنواع الروابط الدينية والمؤسسية الأخرى والتي يمكن أن تخلق مجتمعاً.

تقول جوليان هولت-لونستاد: ”بغض النظر عما إذا كانت الوحدة تتزايد أو لا، فلدينا الكثير من الأدلة على أن جزءًا كبيرًا من السكان يتأثرون بها، يُعتبر الارتباط بالآخرين اجتماعيًا على نطاق واسع حاجة إنسانية أساسية – وضرورية للبقاء وعيش حياة سعيدة”.

بصفتهم خبراء في تغيير السلوك، فإن علماء النفس في وضع جيد لمساعدة الأمم على محاربة الشعور بالوحدة. من خلال أبحاثهم وعملهم، قدم العديد من علماء النفس البيانات والتوصيات التفصيلية لتعزيز الاتصال الاجتماعي كأولوية للصحة العامة في الولايات المتحدة على المستويين: المجتمعي والفردي.

تقول هولت-لونستاد: ”مع تزايد شيخوخة السكان، من المتوقع أن تزداد آثار الوحدة على الصحة العامة“. ”التحدي الذي نواجهه الآن هو معرفة ما يمكن عمله حيال ذلك“.

– من هو الأكثر عرضة للشعور بالعزلة؟

الوحدة هي تجربة شخصية كانت موجودة منذ بداية الزمن – ونحن جميعًا نتعامل معها، وفقًا لآمي روكاش، دكتوراه، وأستاذ في جامعة يورك في كندا وأخصائي نفسي إكلينيكي. يشرح آمي قائلاً: ”إنه شيء يتعامل معه كل فرد منا من وقت لآخر, ويمكن أن يحدث أثناء محطات الحياة، مثل وفاة أحد أفراد الأسرة أو الطلاق أو الانتقال إلى مكان جديد. يشير الباحثون إلى هذا النوع من العزلة بالوحدة التفاعلية“.

يلاحظ روكاش أن المشاكل يمكن أن تنشأ عندما تصبح تجربة الوحدة مزمنة. يقول: ”إذا كانت الوحدة التفاعلية مُؤبمة، فإن الوحدة المزمنة مُعذبة“. من المرجح أن تحدث الوحدة المزمنة عندما لا يمتلك الأفراد الموارد العاطفية أو العقلية أو المالية لتلبية احتياجاتهم الاجتماعية أو يفتقرون إلى دائرة اجتماعية يمكن أن توفر هذه الفوائد، كما تقول عالمة النفس لويز هوكلي، دكتوراه، كبيرة الباحثين في منظمة الأبحاث (NORC) – أكبر منظمة بحث اجتماعي مستقلة في أمريكا – بجامعة شيكاغو.

”عندها يمكن أن تصبح الأمور إشكالية للغاية، وعندها تظهر العديد من العواقب الصحية السلبية الرئيسية للوحدة“ كما تقول.

في العام الماضي، ربط استطلاع أجراه مركز بيو الأمريكي للأبحاث على أكثر من 6000 شخص بالغ في الولايات المتحدة الشعور بالوحدة المتكررة بعدم الرضا عن الأسرة والحياة الاجتماعية والمجتمعية. حوالي 28% من غير الراضين عن حياتهم الأسرية يشعرون بالوحدة طوال أو معظم الوقت، مقارنة بـ 7% فقط من أولئك الذين يشعرون بالرضا عن حياتهم الأسرية. يتبع الرضا عن الحياة الاجتماعية للفرد نمطًا مشابهًا: 26% من غير الراضين عن حياتهم الاجتماعية يشعرون بالوحدة في كثير من الأحيان، مقارنة بـ 5% فقط من أولئك الذين يشعرون بالرضا عن حياتهم الاجتماعية. يشعر واحد من كل خمسة أميركيين أنهم غير راضين عن نوعية الحياة في مجتمعاتهم المحلية بالعزلة المتكررة، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف نسبة 7% فقط من الأمريكيين الذين يشعرون بالرضا عن نوعية الحياة في مجتمعاتهم.

وبالطبع، يمكن أن يشعر الناس بالوحدة حتي عندما يحيط بهم الآخرين – في مترو الأنفاق، في الفصل الدراسي، أو حتى مع أزواجهم وأطفالهم، وفقًا لروكاش، فإن الوحدة يتم قياسها من خلال مستويات رضا الناس عن ارتباطاتهم الاجتماعية، أو مستويات عزلتهم الاجتماعية المُتصورة.

– آثار الوحدة والعزلة.

كما يتضح من مراجعة آثار العزلة الاجتماعية المُتصورة عبر الحياة، والتي شاركت في تأليفها عالمة النفس لويز هوكلي، يمكن للوحدة أن تدمر صحة الفرد الجسدية والنفسية، تشير لويز هوكلي إلى أدلة تربط العزلة الاجتماعية المُتصورة بالعواقب الصحية السلبية بما في ذلك الاكتئاب واضطرابات النوم، ضعف الوظائف التنفيذية، والتدهور العقلي المتسارع، وضعف وظائف القلب والأوعية الدموية، وضعف المناعة في كل مرحلة من مراحل الحياة. بالإضافة إلى ذلك، قامت دراسة أجريت عام 2019 بقيادة كاساندرا الكاراز، دكتوراه، باحثة في الصحة العامة مع جمعية السرطان الأمريكية، بتحليل البيانات من أكثر من 580.000 بالغ ووجدت أن العزلة الاجتماعية تزيد من خطر الوفاة المبكرة. وفقًا للالكاراز، من بين المشاركين السود، ضاعفت العزلة الاجتماعية من خطر الموت المبكر، في حين أنها زادت من الخطر بين المشاركين البيض بنسبة 60 إلى 84%.

وتقول: ”يُظهر بحثنا حقًا أن حجم المخاطر التي تمثلها العزلة الاجتماعية مشابه جدًا في حجمها لمخاطر السمنة والتدخين وعدم الحصول على الرعاية وقلة النشاط البدني“. في الدراسة، قام الباحثون بتقييم العديد من المقاييس المعيارية للعزلة الاجتماعية، بما في ذلك الحالة الاجتماعية، ومعدل تكرار الذهاب لدور العبادة الدينية، الذهاب للنوادي والمشاركة في الأنشطة الجماعية، وعدد الأصدقاء المقربين أو الأقارب. ووجدوا أنه بشكل عام، يبدو أن العرق هو مؤشر أقوى على العزلة الاجتماعية من الجنس. كان الرجال والنساء البيض أكثر عرضة لأن يكونوا في الفئة الأقل عزلة من الرجال والنساء السود.

تعد دراسة جمعية السرطان الأمريكية الأكبر حتى الآن على جميع الأجناس والأعراق، لكن الأبحاث السابقة قدمت لمحات عن الآثار الضارة للعزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة. على سبيل المثال، ربطت دراسة أجريت عام 2016 بقيادة عالمة الأوبئة بجامعة نيوكاسل – نيكول فالتورتا، الشعور بالوحدة بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية أو الإصابة بأمراض القلب التاجية بنسبة 30%. تلاحظ فالتورتا أن خطر إصابة الفرد المنعزل باعتلال الصحة من المحتمل أن ينبع من عدة عوامل: سلوكية وبيولوجية ونفسية.

تقول فالتورتا: ”في غياب التشجيع من العائلة أو الأصدقاء، قد ينزلق أولئك الذين يعانون من الوحدة إلى عادات غير صحية“. ”بالإضافة إلى ذلك، وُجد أن الوحدة ترفع مستويات التوتر، وتعيق النوم، وتؤذي بدورها الجسم. ويمكن للوحدة أيضًا أن تزيد الاكتئاب أو القلق“.

في العام الماضي، وجد الباحثون في كلية الطب بجامعة ولاية فلوريدا أيضًا أن الشعور بالوحدة يرتبط بزيادة بنسبة 40% في خطر إصابة الشخص بالخرف. بقيادة أنجلينا سوتين، الحاصلة على درجة الدكتوراه، فحصت الدراسة بيانات أكثر من 12000 بالغ في الولايات المتحدة تتراوح أعمارهم بين 50 عامًا وما فوق.

بين كبار السن على وجه الخصوص، من المرجح أن تحدث الوحدة عندما يتعامل الفرد مع قيود وظيفية وعندما يكون لديهم دعم عائلي منخفض. مع المزيد من التفاعل الاجتماعي، وتقليل الضغط الأسري يتم تقليل شعور كبار السن بالوحدة، وفقًا لدراسة، بقيادة هوكلي، تفحص البيانات من أكثر من 2200 من كبار السن، فإن أولئك الذين كانوا في صحة أفضل وتواصلوا مع الآخرين في كثير من الأحيان كانت لديهم احتمالات أفضل بكثير للتعافي لاحقًا من وحدتهم.

تقدم دراسة أجريت عام 2015 بقيادة ستيفن كول، أستاذ الطب بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، أدلة إضافية حول سبب تأثير الوحدة على الصحة العامة. فحص هو وزملاؤه التعبيرات الجينية في كريات الدم البيضاء، وهي خلايا الدم البيضاء التي تلعب أدوارًا رئيسية في استجابة الجهاز المناعي للعدوى. ووجدوا أن الكريات البيض للمشاركين أظهرت زيادة في التعبير عن الجينات المشاركة في الالتهابات، وانخفاض في التعبير عن الجينات المشاركة في الاستجابات المضادة للڨيروسات.

يمكن أن تؤدي العزلة، على ما يبدو، إلى إجهاد طويل الأمد، مما يؤثر سلبًا على أداء الجهاز المناعي. ببساطة، الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة لديهم مناعة أقل والتهابات أكثر من الأشخاص الذين لا يشعرون بالوحدة.

– محاربة الشعور بالوحدة.

في حين أن الآثار الضارة للوحدة مثبتة جيدًا في الأبحاث العلمية، فقد ثبت أن إيجاد حلول للحد من الشعور بالوحدة المزمنة أكثر صعوبة، كما تقول هولت-لونستاد.

إن تطوير تدخلات فعالة ليس بالمهمة السهلة لأنه لا يوجد سبب أساسي وحيد للشعور بالوحدة، على حد قولها. ”قد يشعر الأشخاص المختلفون بالوحدة لأسباب مختلفة، وبالتالي من غير المحتمل أن ينجح أي تدخل واحد يناسب الجميع لأنك بحاجة إلى شيء يعالج السبب الأساسي“.

فيما يتعلق بالطرق المقترحة لمعالجة العزلة الاجتماعية ومشاعر الوحدة، يقترح البحث الذي قاده كريستوفر ماسي، دكتوراه في الطب، وفريق من الباحثين في جامعة شيكاغو، أن التدخلات التي تعالج الأفكار السلبية الكامنة وراء الانعزال تأتي في المقام الأول، للمساعدة في مكافحة الشعور بالوحدة أكثر من تلك المصممة لتحسين المهارات الاجتماعية أو تعزيز الدعم الاجتماعي أو زيادة فرص التفاعل الاجتماعي. استعرض التحليل الشمولي 20 تجربة عشوائية من التدخلات لتقليل الشعور بالعزلة لدى الأطفال والمراهقين والبالغين، وأظهر أن معالجة ما أطلق عليه الباحثون ”الإدراك الاجتماعي سيء التكيف“ من خلال العلاج السلوكي المعرفي، كان أفضل لأنه مكّن المرضى من التعرف على حالاتهم والتعامل مع الأفكار السلبية حول تقدير الذات وكيف ينظر إليهم الآخرون.

ومع ذلك، فقد وجدت بعض الأبحاث أن إشراك كبار السن في المجتمع يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات إيجابية على الصحة العقلية ويقلل من الشعور بالوحدة. في العام الماضي، درست جوليان جونسون، الحاصلة على درجة الدكتوراه، والباحثة في موضوع الشيخوخة بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، كيف يمكن للانضمام إلى جوقة (فرقة موسيقية من المطربين) أن يقاوم مشاعر الوحدة بين كبار السن، وجد الباحثون في جامعة كوينزلاند في أستراليا أيضًا أن خطر الوفاة يقل لدى كبار السن الذين يشاركون في مجموعات اجتماعية مثل نوادي الكتب أو الكنائس

في هذا الصدد، يجب أن تركز التدخلات العملية على مساعدة كبار السن في الحفاظ على إحساسهم بالغاية والانتماء من خلال مساعدتهم على التواصل مع المجموعات والمجتمعات التي تهمهم.

تحقيقًا لهذه الغاية، يبدو أن التعايش المشترك يزداد شعبية بين الصغار والكبار في جميع أنحاء العالم كوسيلة لتحسين الروابط الاجتماعية وتقليل الشعور بالوحدة، من بين مزايا أخرى. تم بناء مجتمعات التعايش والمساكن المختلطة عن قصد لجمع الأجيال الأكبر سناً والشباب معًا، إما في أحياء كاملة داخل منازل الأسرة الواحدة أو في المباني السكنية الكبيرة، حيث يتشاركون في تناول الطعام وغسيل الملابس والمساحات الترفيهية. يجتمع الجيران للحفلات أو الألعاب أو الأفلام أو غيرها من الأحداث.

لقد أصبح كبار السن مهمشين للغاية وصاروا يشعرون كما لو أنهم لم يعودوا أعضاء منتجين في المجتمع، الأمر الذي يصنع وحدة في حد ذاته. الكثير من البرامج تقوم بالكثير لتبديد الخرافات حول الشيخوخة ومساعدة الأفراد الأكبر سنًا على الشعور بأنهم أعضاء مهمون ومُقدرون في المجتمع مرة أخرى.

————————————

مصدر الترجمة:
https://www.apa.org/monitor/2019/05/ce-corner-isolation

إعلان

فريق الإعداد

تحرير/تنسيق: هاجر عمر

اترك تعليقا