عن المستوطنين والسكان الأصليين في فلسطين المحتلة

لطالما كان هناك شعور بأن الجهود الدبلوماسية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كانت تبحث عن المفتاح في كل مكان، عدا المكان الذي ضاع فيه، حيث استندت هذه الجهود إلى تصوّر خاطئ معيّن عن أصل الصراع بين الإسرائيليين وفلسطين وأسباب استمراره.

تحت هذا التصور الخاطئ، يُظن أن النكسة أو حرب حزيران عام 1967 هي نقطة البداية للصراع وأن الكثير مما حدث قبل تلك الحرب غير ذي صلة بعملية السلام. علاوة على ذلك، يُنظر إلى النزاع على أنه نزاع حول مستقبل الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ومصير الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، إن مثل هذا التصور يقلل فلسطين جغرافيًا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يشكل 22% من فلسطين التاريخية فقط، ويُختزل الفلسطينيين جمعيهم بالموجودين فقط في هاتين المنطقتين، وبشكل أعمق يقوم هذا النهج على افتراض أن الصراع بين الإسرائيليين وفلسطين ينطوي على نزاع بين حركتين وطنيتين تمتلكان حق متساوٍ في الأرض لكنهما يحتاجان إلى مساعدة خارجية لإيجاد حل وسط، بعد أن يكون الوسيط الخارجي قد تبنى نهجًا يسعى لتجزئة كل ما هو قابل للقسمة على اثنين.

ومع وضع الفكرة تحت إطارها المنطقي، دائمًا ما يستند هذا التقسيم (ولا سيما تقسيم الأرض) إلى توازن القوى، وبالتالي فإن الطرف الأقوى وهو الاحتلال الإسرائيلي يحصل دائمًا على المزيد. يُعتقد أن هناك منطقًا تربويًا يكمن وراء هذا النهج: إذا رفض الطرف الأضعف عروض التقسيم، فمن المناسب تقديم صفقة أسوأ له. ومن هنا عُرض على الفلسطينيين نصف فلسطين عام 1947، حوالي 20% بعد عام 1967، وأقل من 10% من وطنهم في الوقت الحاضر.

لقد انهار نهج “حقوق الملكية المقسمة” لعدة أسباب؛ أهمها التغيير في السياسة الإسرائيلية، منذ بداية القرن الحادي والعشرين تحول النظام السياسي الإسرائيلي إلى اليمين، حيث لا يرى الناخبون والسياسيون اليمينيون أي حاجة ملحة للتنازل حول الأرض أو السيادة للفلسطينيين. علاوة على ذلك، هناك دعم شامل للأعمال الإسرائيلية الأحادية باعتبارها أفضل وسيلة للمضي قدمًا في التعامل مع الصراع (وبهذا يكون الاحتلال الإسرائيلي القوة الوحيدة في المنطقة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ​). لذلك، على عكس القوى السابقة التي تهيمن على السياسة الإسرائيلية كاليسار الإسرائيلي، فإن القادة الدينيين المتشددين الحاليين لا يقلقون بشأن الواقع الديمغرافي في فلسطين المحتلة في القرن الحادي والعشرين. إن رؤية الدولة اليهودية التي لن يتمتع فيها معظم الفلسطينيين بحقوق متساوية هي حقيقة ولد فيها العديد من اليهود الإسرائيليين ووافقوا عليها باعتبارها صالحة أخلاقيًا وممكنة سياسيًا من وجهة نظرهم، وإنّ أي مقاومة فلسطينية تحاول الوقوف اليوم في وجه الاحتلال تحارَب على أنها إرهاب، وأي انتقاد خارجي للمشاريع الصهيونية يوصف بأنه معاداة للسامية.

لقد ذوّبت السياسة الجديدة الحد الفاصل بين الأراضي المحتلة والضفة الغربية (مع التحفظ على أن كل الأراضي الفلسطينية والبالغة 27 ألف كم مربع محتلّة) على الرغم من استمرار وجود اختلافات في الوضع القضائي للفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. وبالنظر إلى الحقائق في الواقع، يخدم هذا الاستعمار اليهودي المستمر للضفة الغربية، والذي لا يشمل فقط بناء المستوطنات بل الامتداد الحضري المناسب من أجل جعل أي فكرة عن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة مستحيلة.

إعلان

وهكذا، في عام 2018، نواجه مجتمعًا دوليًا لا يزال يرعى حل الدولتين وقيادة فلسطينية مجزأة تفقد شرعيتها لكنها تلتزم بهذا الحل رغم قلة الدعم الإسرائيلي له، لقد ماتت أي جهود حقيقية من أجل السلام لتلبية مقاصد وأغراض اخرى لفترة طويلة.

ما زلنا ننتظر أيضًا صفقة دونالد ترامب التي من المفترض أنها تعيد إصلاح الوضع، لكن الحقيقة هي أن ترامب لن يقدم أي شيء لم تقدمه الإدارات الأمريكية من قبل، ربما يكون أكثر شفافية ووضوحًا إلى حد ما بشأن الدور الأمريكي في قضية فلسطين من الإدارات السابقة، على خلاف الإدارات السابقة التي تظاهرت بأنها وسطاء نزيهون في النزاع، لكنها في جوهرها تبنت وجهة النظر الإسرائيلية دون قيد أو شرط وتجاهلت وجهة النظر الفلسطينية. في الماضي، كان الموقف الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية هو أن الضم الإسرائيلي للقدس وبناء المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية غير قانوني، ولكن عمليًا لم يتم فعل شيء لمنع الاحتلال الإسرائيلي من التوسع. يبدو أن ترامب أكثر صراحة عندما يعترف علانيّة بأن الولايات المتحدة ليست وسيطًا نزيهًا وأن أولويته الأولى هي إعطاء تفويض مطلق للإسرائيليين للقيام بما يرونه صحيحًا في قضية فلسطين، وهو ما حصل دائمًا لكن بدون تمثيليات سياسية وإعلامية.

في الواقع، من المرجح أن ترامب سوف يتخلّى ببساطة عن أي جهد هادف للتدخل في قضية فلسطين لصالح الحق. يبدو أيضًا أنه من غير المحتمل جدًا أن يكون هناك ممثل دولي آخر، سواء كان الاتحاد الأوروبي أو الصين، يأخذ مكان الولايات المتحدة. والنتيجة هي ركود في عملية السلام واستمرار السياسات الإسرائيلية غير القانونية التي تهدف إلى ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على فلسطين التاريخية كلها.

إن اختلال التوازن في القوة جعل المرء غير قادر حاليًا على رؤية أي جهات فاعلة داخلية أو خارجية يمكنها تغيير مسار العمل هذا أو تحسين هذا الواقع الكئيب، في المقابل، هذا هو الوقت المناسب للتفكير في طريقة بديلة للمضي قدمًا على المدى الطويل دون أن ننسى للحظة الحاجة الملحة للتعامل على أرض الواقع مع الوضع الكارثي ولاسيّما في قطاع غزة الذي توقعت الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2020 سيكون غير مستدام أو قابل للوجود البشري، وبالتالي يجب أن نكون واعين لكل من الإجراءات قصيرة المدى المطلوبة والتفكير على المدى الطويل.

تمثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الاحتلال الإسرائيلي من نواحٍ عديدة هذا الشعور بالإلحاح في الانخراط مع هذا الواقع ومع وضع الاستراتيجيات المستقبلية. تأسست الحركة قبل حوالي عشر سنوات استجابة لدعوة المجتمع المدني الفلسطيني للمجتمع الدولي لاتخاذ موقف أكثر قوة ضد السياسة الإسرائيلية في فلسطين. وقد حددت ثلاثة حقوق أساسية ينتهكها الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بالفلسطينيين وهي: حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة؛ حق الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر في التحرر من الحكم العسكري؛ وحق الأقلية الفلسطينية التي تحمل الجنسية الإسرائيلية في المواطنة المتساوية. يمكن للمرء أن يأمل فقط أن تنجح هذه الاستراتيجية كخطوة تمهيدية لتفكيك الاستعمار الإسرائيلي وتقليل إرهابه. كانت الحملة فعالة على مدار عشر سنوات حتى الآن وحققت بعض النجاحات المذهلة في تنشيط حركة التضامن العالمي مع الفلسطينيين وحشد العمل في جميع أنحاء العالم ضد الاحتلال، تشارك مجالس الجامعات والمنظمات الطلابية والكنائس والنقابات في نشاط المقاطعة هذا، ويأمل المرء أن يؤثر ذلك في نهاية المطاف على الحقائق على الأرض.

في هذه الأثناء، يجب أن نعوض التقصير في واقع فلسطين المحتلة، حيث كان الجميع يبحثون عن المفتاح حيث يكون الضوء وليس حيث ضاع. ولكي يحدث ذلك، علينا أن ندرك الحاجة إلى إعادة النظر في تاريخ المشروع الصهيوني في فلسطين واعتماد قاموس ومعجم جديد يتلاءم مع الحقائق على الأرض وفرص المصالحة الفلسطينية في المستقبل.

يستند النهج الجديد على تحليل تاريخي يعود إلى الأيام الأولى للصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر ويرى أصول الصراع منذ تلك الفترة الزمنية لا منذ عام 1967 الذي يضع النزاع في صراع واحد على الأراضي الفلسطينية التي سيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي في حرب حزيران. يرى النهج الجديد أن الحركة الصهيونية هي حركة استعمارية استيطانية والنزاع محتدم بين المستوطنين والسكان الاصليين، وليس بين حركتين وطنيتين في حد ذاته. ومن هذا المنطلق، فإن الصهيونية حركة استعمارية استيطانية والفلسطينيون هم السكان الأصليون للأرض.

إن الحركة الاستعمارية للمستوطنين هي في جوهرها حركة أوروبية لمجموعة من الناس يبحثون عن مكان بسبب الاضطهاد الديني أو الثقافي أو الاقتصادي، كانوا يبحثون عن رحلة في اتجاه واحد إلى أراضي أجنبية، آملين في جعل تلك الأراضي وطنهم الجديد بالفعل. كان وجود السكان الأصليين في الأراضي عقَبة رئيسية ومطمعًا للاستغلال أيضًا. في تلك اللحظة، وكما علّق الباحث باتريك وولف حول الاستعمار والاستيطان: من هنا ينشأ “منطق القضاء على السكان الأصليين” ويرى المستوطنون إزالة السكان الأصليين كشرط مسبق لأي فرصة للنجاح في مشروعهم لبناء دولة قومية جديدة.

تاريخيًا، في بعض الحالات، كما هو الحال في أمريكا الشمالية، الولايات المتحدة الأمريكية الآن، أدى هذا المنطق إلى الإبادة الجسدية للسكان الأصليين، وبالمثل حصل للسكان الأصليين في أستراليا. في أماكن أخرى، تم تطبيق ذلك بوسائل أخرى مثل الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والتطهير العرقي في فلسطين. لقد تغيّرت الأساليب التي استخدمَتها الحركات الاستعمارية الاستيطانية في فلسطين بمرور الوقت، لكن رؤية فلسطين اليهودية مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين لم تتغير على مر السنين.

بحلول عام 1948، أجبر مشروع الدولة اليهودية الجديدة نصف سكان فلسطين على الهجرة وهدم نصف قراها ومعظم مدنها. وعلى الرغم من أن الحرب انتهت باستيلاء الاحتلال الإسرائيلي على 78٪ من فلسطين، بقي نصف السكان في وطنهم. كان الفلسطينيون الذين بقوا خارج الضفة الغربية (تحت الحكم الأردني) وقطاع غزة (تحت الحكم المصري) أقل من 20٪ من إجمالي عدد السكان الفلسطينيين، ومع ذلك أعتبرت هذه الأقلية تهديدًا ديموغرافيًا “لإسرائيل”، ونتيجة لذلك وُضعت هذه الأقلية تحت نظام عسكري قاسي حرم الناس من حقوقهم الإنسانية والمدنية الأساسية. انتهى هذا النظام عام 1966 لكنه فرض مرة أخرى بعد عام، أي 1967، على المجتمع الفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية وقطاع غزة.

منذ عام 1967، سعى الاستراتيجيون الإسرائيليون إلى أفضل طريقة للتوفيق بين التناقض بين توسع الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي المحتلة حديثًا (22٪ المتبقية من فلسطين التاريخية) والرغبة في عدم دمج ملايين إضافية من الفلسطينيين الذين عاشوا هناك. لقد فشل الاحتلال حتى الآن في هذا المسعى رغم تقديم بعض الحلول التي قدمها للعالم كمقترحات سلام  لكنها لم تكن رغبة حقيقية في التفاوض مع الفلسطينيين الذي قوبلت مقاومتهم بالقمع والإبادة الوحشية.

لم يُغير هذا الواقع اتفاقية أوسلو لعام 1993 ولا انسحاب المستوطنين اليهود من قطاع غزة عام 2005. والواقع أن اتفاق أوسلو الذي تم استعراضه على أنه اتفاق سلام شامل ودائم جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للفلسطينيين، لأن الأحادية ظلت السمة المميزة للاستراتيجية الإسرائيلية وانبثقت عنها السياسة الإسرائيلية منذ عام 2005 وما بعده. لقد حدد الاحتلال الإسرائيلي بوضوح الحدود المستقبلية للدولة اليهودية وهي فلسطين التاريخية كاملة على أقل تقدير، وعليه، دأبت على إنشاء المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية والقدس.

أدت هذه الاستراتيجية مؤخرًا أيضًا إلى بعض التفكير الأساسي الجديد بين صانعي السياسة الإسرائيليين حول ما يجب فعله مع السكان الفلسطينيين في ما يسموه “إسرائيل الكبرى”. جاء الجواب في قانون القومية الذي أقره الكنيست في أغسطس 2018، يرسم هذا القانون بوضوح العقلية الحالية بين صانعي السياسة وكذلك استراتيجية التوسع اليهودي المستقبلي، وينص على أن لليهود فقط حق تقرير المصير في “دولة إسرائيل” المستقبلية.

هناك عنصران هنا يوضحان بشكل جيد نظرة الاستعمار الصهيوني والمشروع الاستيطاني إلى علاقتها الحالية والمستقبلية مع الفلسطينيين (الذين يعيش نصفهم تقريبًا بين النهر والبحر). أولهما هو ترك الحدود النهائية للدولة اليهودية مفتوحة وذلك لأن هناك اعترافًا بأن الدولة الرسمية قد تتوسع في المستقبل إما على المنطقة ج من الضفة الغربية أو حتى أبعد من نهر الأردن. ثانيهما هو أول بيان واضح حول وفاة حل الدولتين من قبل برلماني إسرائيلي قال إن حق تقرير المصير للفلسطينيين مرفوض رسميًا. يقترن هذا ببنود أخرى في القانون تشجّع وتمكّن الاستعمار اليهودي حيثما أمكن وتلغي الوضع الرسمي للّغة العربية وتضمن للمجتمعات اليهودية الامتيازات الحصرية.

ما يعنيه هذا القانون في جوهره هو أنه في المستقبل القريب سيكون هناك فئتين من الفلسطينيين. الأولى هي المواطنين في الدولة اليهودية وسيظلون ويكونون قادرين على التصويت والانتخاب لكنهم لن يعرّفوا أنفسهم أبدًا على أنهم مجموعة وطنية ولن يذكروا روايتهم التاريخية ذات سردهم الخاص. علاوة على ذلك، لن يعيشوا في تكتّلات يهودية بالكامل وسيظلّون تحت الرقابة للقضاء على أي أمل توسع مكاني لمجتمعاتهم. ستعاني هذه الفئة لجانب القمع من التمييز على جميع المستويات: في الميزانيات الحكومية والأحكام القضائية والمعاملة من قبل السلطات والمعونات وخيارات الرفاهية.

المجموعة الثانية من الفلسطينيين ستكون تحت السلطة الفلسطينية أو حماس في قطاع غزة. في كتابي الأخير “أكبر سجن على الأرض”، ذكرت أن الاحتلال يعامل المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية على أنها “سجن مفتوح” وقطاع غزة على أنه “سجن مشدد الحراسة”. على هذا النحو، يسمح للسجن المفتوح باستقلالية اقتصادية معينة وحركة محدودة غير مؤثرة واستقلال شكلي وسيادة وقدرة عسكرية معدومتين.

بنفس الطريقة، سيتعرض الفلسطينييون للهجوم المستمر بكل القوة العسكرية التي يمتلكها الاحتلال اليهودي ويعاقبون بشكل جماعي على أي عمل من أعمال المقاومة. من منظور إسرائيلي، لا يزال هذا النموذج قابل للتعزيز بالتضييق أكثر على غزة والضفة العربية من خلال المعاملة القصوى، خصوصّا إذا تولّت حماس السلطة الفلسطينية أو اذا قررت فتح إطلاق انتفاضة أخرى.

بينما تبدو الاستراتيجية الإسرائيلية الآن مدعمّة في قانون دستوري، لا يزال هناك غموض وشكوك بشأن الاستراتيجية الفلسطينية. قد يكون من السابق لأوانه توقع رد فعل استراتيجي على قانون القومية من القيادة الفلسطينية على الأراضي المحتلة على الرغم من أنه لم يفاجئهم. لقد كان هذا القانون تتويجًا لعملية طويلة من تآكل الحد الأدنى من الحقوق التي يتمتع بها الفلسطينيين من حملة الجنسية الاسرائيلية منذ عام 1948. ليس هناك شك في أن الجماعات الفلسطينية كافة عليها إعادة النظر في استراتيجيتها المستقبلية، سيتضمن هذا الجدل الداخلي نقاشًا حول فائدة المشاركة في الكنيست الإسرائيلي، هل يخدم المجتمع الفلسطيني حقًا أم يقوم “بتجميل الدولة” العربية كما يقولون؟

لقد ظهر نمط مقاومة واضح عند السياج المحيط بقطاع غزة. منذ أبريل 2018، قام عشرات الآلاف من الشباب الفلسطينيين بمقاومة شعبية مطالبين بإنهاء الحصار والحق في العودة إلى قراهم الأصلية الواقعة على الجانب الآخر من السياج. في الآونة الأخيرة، أضافوا إلى وسائلهم المحدودة إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي يمكن أن تشعل الحقول على الجانب الآخر. ينبغي النظر إلى ذلك بالتزامن مع المقاومة الشعبية القديمة لجدار الفصل العنصري ولهدم القرى في الضفة الغربية التي تصاعدت بقوة بعد نهاية الانتفاضة الثانية.

في حين أن هذه ليست استراتيجية متكاملة، لكنها قد تشير إلى تفكير استراتيجي جديد أيًّا كان الممثل الرسمي لحركة التحرير الوطنية الفلسطينية اليوم (سواء كانت منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية أو حماس أو الأعضاء الفلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي) الذين لن يسعفهم الالتزام بحل الدولتين. يثبت قانون القومية، إلى جانب العديد من المؤشرات الأخرى بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يوجد أمل في حل الدولتين لمقاومة المد الإسرائيلي كنظام فصل عنصري على كل فلسطين التاريخية.

كيفما نظر المرء، لا يستطيع تجاهل أزمة القيادة والتمثيل في الجانب الفلسطيني. بدأ انقسام القيادة بانتقال منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس عام 1982، قبل خمس أعوام من الانتفاضة الأولى التي قادتها القيادات المحلية. إن اجتماع القيادة المحلية وقادة المنظمة المنفيّون من خلال إطار اتفاق أوسلو وعلى شكل السلطة الفلسطينية لم يكن كافيًا لخلق التكامل، لأن هيكل منظمة التحرير الفلسطينية كان موازيًا تقريبًا لهيكلية السلطة الفلسطينية، الأمر الذي مكّن الأقسام المناهضة لأوسلو في منظمة التحرير الفلسطينية من إعلان عدم ولائها مثل حماس والجهاد الإسلامي، الذين ليسا جزءًا من منظمة التحرير الفلسطينية.

ورغم تسوية المنظمة والانقسامات الحاصلة، ما زالت ليست مجرد منظمة بل رمز وحضور دائم في حياة الفلسطينيين أينما كانوا، وستكون في واقع أفضل لو قررت أن تتكيف مع الطريقة التي تكشف عنها الواقع منذ عام 1982. من الواضح أنه يجب تجديد إجراءات التمثيل الحقيقي بالاشتراك مع الجهات الفاعلة الجديدة على الأرض والسلطة الفلسطينية والجماعات الإسلامية السياسية. بالنظر إلى إنشاء “دولة إسرائيل الكبرى”، فإن اتباع نهج أكثر شمولاً تجاه فلسطينيّي الداخل والشتات والمجتمع الفلسطيني في الاراضي المحتلة واليهود التقدميين المعادين للصهيونية قد يكون ذا أهمية إذا رغبت حركة التحرير في الحفاظ على أهميتها ولا سيما للجيل الأصغر سنًا (الذي لا يزال تمثيله ناقصًا) في الحركة.

ربما كان المطلوب هو الخروج بتعريف جديد لما يعنيه نضال التحرير في القرن الحادي والعشرين، هذه مهمة ضخمة بسبب انقسام النظام الفلسطيني منذ النكبة. وبدون الوحدة الفلسطينية، سيكون من الصعب للغاية وضع استراتيجية على هذا المستوى تشمل تحريك الرأي العام العالمي المتعاطف بالفعل مع قضية فلسطين وربما حتى تشجيع معارضة جديدة من الإسرائيليين.

يشير هذا التاريخ إلى أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كان ولا زال صراعًا بين قوة استيطان والسكان الأصليين. ويستمر كفاح السكان الأصليين ولا يزال لمواجهة محاولات الطمس اليهودية. عرقان مختلفان بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط: واحد بامتيازات والآخر محروم من أي حقوق أساسية. يحتاج التفكير الجديد إلى تصحيح هذا الخلل الذي لن يساعده قيام دولة وهمية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

من المعلوم أنه من الصعب إقناع الناس بالتخلي عن امتيازاتهم لكن الضغط الخارجي والرؤية الواضحة من الجانب الفلسطيني قد تقنع العالم وربما بعض الإسرائيليين بالاعتراف بأن الطريق الوحيد للمضي قدمًا هو دولة ديمقراطية للجميع وأن دعم مشروع دولة يهودية عنصرية يضعهم على الجانب الخطأ من التاريخ.

أن تكون على الجانب الصحيح من التاريخ يعني الموافقة على العيش كمواطنين متساوين مع الفلسطينيين الأصليين في جميع أنحاء فلسطين التاريخية وتصحيح مجازر الماضي من خلال السماح بعودة اللاجئين وتفكيك المؤسسات الاستعمارية مثل الصندوق القومي اليهودي وإعادة توزيع موارد وثروات البلاد. كان من الممكن القيام بذلك في مكان آخر، ولا يوجد سبب لفقدان الأمل في حالة فلسطين المحتلة.

مصدر الترجمة

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: سدرة الأصبحي

ترجمة: أفنان أبو يحيى

اترك تعليقا