متلازمة القلب المنكسر

الضغوط النفسية والحزن قد يكسران قلبَكَ

أكَّد الباحثون في السنوات المنصرمة الشكوك التي تحوم في عقول كثيرٍ من الناس؛ قد تؤدي الضغوط النفسية الشديدة إلى كسر قلبك بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنىً. وفي مسيرة استكشافِهم لهذه الحالة الطبية النادرة، توصلوا إلى أنّ مُسبباتها تتعدى فقدان أحد الأحبة لتشمَل:

  1. العِلاجات الطبية
  2. فقدان الوظيفة
  3. مسببات الضغط النفسي

تؤثر هذه المتلازمة -المعروفة في الأوساط الطبية بإسم “متلازمة القلب المنكسر” أو “اعتلال تاكوتسيبو“- على النساء خاصَّةً. ورغم أن المصادر الطبية التي تذكر هذه المتلازمة شحيحة، إلا أنّ عدداً متزايداً من الحالات بدأت تظهر في الأوساط الطبية مصحوبةً بمعلومات إضافية حول كيفية إصابة المرء بها ولأي مدىً قد تتفاقم مخاطرها على الفرد.

في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، أفاد باحثون كنديون عن إصابة امرأة تبلغ من العمر 63 عاماً بمتلازمة القلب المنكسر إثر تلقيها لعلاجٍ لسرطان الثدي الانتشاري. وخلال 6 سنواتٍ من إجراء الأبحاث، خلص باحثون كنديون -من مركز إم دي أندرسون للسرطان الواقع في ولاية هيوستن- إلى أن 30 من المرضى الخاضعين لعلاج السرطان تنطبق عليهم معايير متلازمة القلب المنكسر. ومن حسن الحظ أنّ السرطان لم يتجدد انتشاره لدى أيٍّ منهم، ويشير الباحثون إلى أن هذا التشخيص ينطبق على مرضى السرطان الذين يعانون من آلامٍ في الصدر. وفي تقريرٍ آخر، عرض طبيبٌ التاريخَ المرضي لامرأتين مُسنَّتين تعانيان من متلازمة القلب المنكسر؛ حيث كانت احداهما تخضع لعلاج مرضٍ رئويٍ مزمنٍ بينما كانت الأخرى تخضع لعلاج التهاب المعدة.

نرشح لك: صراع فلسفي :هل القلب مكمن الشعور والروح ، أم أنه مجرد مضخة ؟

فعندما “ينكسر” قلب مريضٍ ما، تضعف قوة ضخِّ البطين الأيسر للدم -الذي يعتبر حجيرة القلب الرئيسية لضخ الدم- مما يؤدي إلى الشعور بألمٍ في القلب وانقطاعٍ في النفس. ورغمَ أن هذه الحالة الطبية مؤقتةٌ وقابلة للعلاج، إلا أنّها قد تؤدي إلى مضاعفات شبيهةٍ بتلك التي تصيب الفرد إثر تعرضه لنوبة قلبية. ويعتقد الخبراء أن السبب وراء ضعف البطين الأيسر هو تدفق الهرمونات -كالأدرينالِين- بشكل مفرِط في الدم إثر تعرض الفرد لمواقف عصيبة تصعق القلب لكونها مشحونة بالتوتر.

إعلان

و هذا ما حدث ل Joanie Simpson التي تبلغ من العمر 63 عاماً؛ فقد عانت من متلازمة القلب المنكسر لمدة عامين إثر موت كلبهَا (ميها) من فصيلة يوركشاير ترير. حيث كان موت الكلب ميها واحداً من التحديات الكثيرة التي واجهت Simpson خلال تلك الفترة؛ فقد أوشك زوجها على التقاعد وتعسَّر عليهم بيع إحدى العقارات وخسر زوج ابنتها وظيفته إثر معاناته من مشاكل صحية في ظهره. ومما زاد الطين بلة أنّ كلب الزوجين -الذي تبَنياه منذ أن كان عمره سنةً واحدة- أُصيبَ بِقصور القلب الاحتقاني؛ فقد كان من المؤلم مشاهدة صحتها تتدهور تدريجياً.

أما بعد موت ميها، توهمت Simpson أنها كانت تتأقلم مع خسارة حيوانها الأليف. ولكنها استيقظت وآلامٌ تعتصرها في الصدر  والكتف بعد انقضاء أيامٍ معدودة، وتوقعت بذلك أنها تتعرض لنوبةٍ قلبيةٍ حادة -كما توقع طبيبها Abhijeet Dhoble الحاصل على دكتوراه في الطب وأخصائي القلب في معهد هيرمان التذكاري للقلب والأوعية الدموية في هيوستن. ولكن بعد إجراء بعض الفحوصات، توصل الطبيب إلى سبب آخر لمعاناتها: قلبها المنكسر حزناً على فراق حيوانها الأليف.

اقرأ أيضًا: هل يمكن أن يصيبك التوتر بالمرض؟

وصرَّح الطبيب Dhoble أنّ التقارير أفادت إصابة ما يقارب 6200 شخص بمتلازمة القلب المنكسر في عام 2012 بعد أن كانت الحالات المصابة تقارب 300 عام 2006؛ ومن الجدير بالذكر أن معظم المرضى من النساء. وتُعزى هذه الزيادة بعدد الحالات المُصابة إلى ازدياد عدد الأفراد الذين يعرفون بوجود هذه المتلازمة. وفي معظم الحالات، يواجه الفرد العديد من المصاعب في آنٍ واحد. حيث أضاف Dhoble ما يلي:

غالباً ما تكون إحدى هذه المصاعبُ القشةَ التي قصمت ظهر البعير. فدائماً ما يكون هناك سبب محدد لتوتر الفرد؛ فإن سألت المرضى عن هذا السبب المُحدد فسيُخبرونك به.

كما ونشر Dhoble دراسةً أجراها في شهر أيار من عام 2016 في مجلة نيو إنجلاند الطبية.  

كما وأشار Jeffrey Decker -الحاصل على دكتوراه في الطب ورئيس قسم أمراض القلب الاكلينيكية في مؤسسة Frederik Meijer للقلب والأوعية الدموية في القطاع الصحي لمدينة جراند رابيدز- أنّ مسببات هذه الحالة الطبية لا تقتصر على وفاة شخص عزيز على المريض أو موت حيوانه الأليف ولا تتمركز دوماً حول معاناة الفرد من مشكلةٍ صحيّة ما. حيث صرّح قائلاً: “حضرت لديّ مريضة عانت من هذه المتلازمة بسبب شعورها بالإحباط إزاء معاملة شركة الكيبل السيئة”.

كما وأضاف أن قائمة المصابين اشتملت على:

  • امرأة اكتشفت أن زوج ابنتها خسر وظيفته
  • فقدان أستاذ مساعد في الطب لوظيفته في جامعة ولاية ميشيغان

كما وقد يحفز ألمٌ شديدٌ متلازمةَ القلب المنكسر؛ كنوبةِ ربو أو خلافٍ شرس أو حفلة مُفاجِئة أو تحدث الفرد أمام جمهورٍ من الناس. وتشبه أعراضُ متلازمة القلب المنكسر أعراضَ نوبةٍ قلبيةٍ؛ بما في ذلك:

  • آلام في الصدر
  • ضيق في التنفس
  • غثيان
  • التقيؤ
  • خفقان في القلب

لذلك يشير Dhoble إلى ضرورة إجراء فحوصاتٍ للحصول على التشخيص الصحيح.

تعني كلمة “تاكوتسيبو” في اللغة اليابانية “الوعاء الذي يُحشر فيه الأخطبوط”. ويُخمّن Decker أن سبب التسمية هو كالتالي: عندما يصاب الفرد بمتلازمة القلب المنكسر، فإن أنواعاً محددة من البروتين المتواجدة في عضلة القلب لا تتحرك بحريّة؛ مما يُضطر أجزاءً أخرى من القلب إلى تعويض نقص الحركة هذا. وهذا السيناريو يبدو كالوعاء الذي يستخدمه صيادو السمك في اليابان لحبس الأخطبوط.

ومِن حسن الحظ أن ما نسبته 95% من مرضى متلازمة القلب المنكسر يتعافون خلال شهرٍ أو شهرين. وأضاف Decker قائلاً: “غالباً ما يكون التشخيص إيجابياً بعد الخضوع للعلاج”. وغالباً ما يتلقى المرضى العلاج ذاته المستخدم لمرض قصور القلب الاحتقاني الذي يدعم عضلة القلب ويقوي من نشاطها. أما بالنسبة لحالات الوفاة الناجمة عن متلازمة القلب المنكسر فهي نادرة للمرضى الذين لا يعانون مسبقاً من مشاكل صحية؛ فَمعدلات الوفيات للمصابين بمتلازمة القلب المنكسر دون 3%.

مخاطر متلازمة القلب المنكسر

إن المخاطر هذه تؤثر على من يعانون من تعقيدات صحية؛ أي أنها تؤثر على مصابٍ واحد من كل 10 مصابين. وإحدى هذه المخاطر الصحية هي الصدمة القلبية التي تطرأ عندما يمسي القلب عاجزاً عن ضخ كمية كافية من الدم للجسم بأكمله.

كما وأجرى فريقٌ بحثيّ دراسةً تبحث في السجلات المرضية لما يقارب 198 مريضاً يعانون من متلازمة القلب المنكسر والذين تعرضوا لصدمةٍ قلبية؛ ومن ثم قارنوا هؤلاء بالمصابين مع الذين لم يتعرضوا لصدمةٍ قلبية -والذين بلغ عددهم 1880. حيث أشار  Davide Di Vece -الحاصل على دكتوراه في الطب والباحث في جامعة مستشفى زيورخ- أنّ ما نسبته 2.3% من المصابين وافتهم المنية أثناء تواجدهم في المستشفى، بينما بقي ما نسبته 23.5% على قيد الحياة؛ كما وأعرب عن ارتفاع احتمالية وفاة المصابين بهذه المتلازمة والذين يعانون كذلك من تعقيدات صحية خلال 5 أعوام من إصابتهم بهذه المتلازمة مقارنة بمن لا يعانون من أي تعقيداتٍ صحية. وأضاف  Di Vece عن انعدام وجودِ إرشاداتٍ طبية لعلاج الحالات المماثلة؛ مما يعني أنَّه يتوجب تقييم كل حالةٍ بمفردها ومن ثَمَّ مراقبتها عن كثب وعلى المدى الطويل.

الوقاية خير من العلاج

تتمثل النصيحة المثالية بالتوقف عن الشعور بالتوتر أو بالسيطرة عليه  قبل الوصول إلى هذه الحالة القاهرة. إلا أنّ القيام بذلك معقد وصعب؛ حيث أعربت Simpson عن أنها تعلمت هذه الحقيقة من خلال مرورها بتجربةٍ مريرة. ففي العام الذي تلى تشخيصها والذي خضعت فيه للمراقبة الطبية؛ خرجت من حالتها المرضية بصحة سليمة. ولا تزال تلتزم بالنصائح الطبية بعد مضي سنتين عن علاجها، حيث أشارت قائلة: ” لا أزالُ أتناول الأدوية التي يصفها الدكتور Dhoble وأشعر بأنني في أتمّ الصحة والعافية. وبغض النظر عن الأوجاع والآلام الطبيعية التي تشعر بها كل جدَّةٍ في الثالثة والستين من عمرها، فأنا في صحة جيدة وأستمتع بتقاعدي برفقة زوجي في تلال هيل كونتري الواقعة في ولاية تكساس”.

ولكن لم يستولي كلبٌ صغيرٌ آخرَ على قلبها بعد، فقالت معلِّقة على الموضوع: “ولكنني وزوجي لا نزال نمتلك حيواناّ أليفاً آخر: قطتنا “بَسترَ” “. ورغم أنها ناقشت وزوجها احتمالية تنبي كلبٍ آخر، إلا أنهما يفكران بالسفر قليلاً، حيث قالت Simpson: “لسنا واثقين أين ستكون وجهتنا القادمة. إننا نتطلع شوقاً لما يخبئه لنا الرب”.

إعلان

مصدر المصدر
فريق الإعداد

ترجمة: راما ياسين المقوسي

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

الصورة: مريم

اترك تعليقا