ماذا يعني أن تكون “شخصاً”؟ ثقافات مختلفة لها إجابات مختلفة (مترجم)

غالبًا ما يؤطر معارضو حقوق الإجهاض ومؤيدوها مواقفهم من خلال قيمتين أساسيتين: “الحياة” أو “الاختيار”.

مع ذلك، لايجد الكثير من المدافعين عن قيمة «الحياة» غضاضة في تعريض حياة الإنسان لأمور مثل الحرب وعقوبة الإعدام، ويؤيد العديد من المدافعين عن “الاختيار” التنظيم الحكومي لاستخدام الأسلحة وفرض أقنعة الوجه واللقاحات.

أری أن كلًا من “الحياة” و”الأختيار” ليستا القضية الأساسية في حد ذاتهما، وإنما السؤال الأساسي هو ما أو -من- يشكّل الانسان؟

لطالما شغل هذا السؤال علماء الأنثروبولوجيا وخاصّة أمثالي ممن يختصون في دراسة الديانات غير الأوروبية، علی اعتبار وجود بعض الأفكار التي يتم تداولها كمسلمات في أميركا وأوروبا حول ماذا يعني أن تكون شخصاً، في حين لا يتم التطرّق لها بالنسبة لأتباع التقاليد والثقافات الدينية الأخری.

تُستقی الكثير من الأفكار حول الشخصية في الثقافة الأميركية من الديانة المسيحية، حيث ترتبط بشكل وثيق بمفهوم الروح؛ الشخص هو فقط من يمتلك روحاً. يتم التعامل مع ذلك بشكل حاسم: إما أن يمتلك الكائن روحاً وإما لا.

إعلان

باعتباري متخصصاً في الديانات الأفريقية، أصبحت علی دراية بالتقاليد الدينية التي تتعاطی مع مفهوم الشخصية بطريقة أكثر دقّةً واختلافاً. يتبع غالبية السكان في افريقيا الإسلام أو المسيحية، لكن الديانات الأصلية ماتزال منتشرة علی نطاق واسع والتي تنظر للشخصية علی أنها عملية مستمرة وليست ظاهرة نهائية.

الشخصية المرتقية:

يتضح ذلك من خلال المعتقدات حول الأطفال في ثقافة البينغ في ساحل العاج والتي عبّرت عنها عالمة الانثروبولوجيا «ألما غوتليب – Alma Gottlieb» في كتابها المميز الإنثوغرافي الصادر عام 2004 الذي يحمل عنوان: The afterlife is where we come from.

في ثقافة البينغ، تُمثّل أرواح الأطفال تناسخاً لأرواح أفرادٍ توفوا مؤخراً. يُبعثون من مكان يسمّی “wrugbe” وهو المصطلح الذي يشير إلى الحياة السابقة واللاحقة.

فكرة تقمص الأرواح لدی الأطفال وخاصّة تقمص أرواح الأسلاف ليست محصورة فقط في ثقافة البينغ او الديانات الأفريقية. في هذا السياق، لا تعتبر المولودة حديثاً قد فارقت عَالَم ال “Wrugbe” إلی أن يجفّ حبل السُّرّة ويسقط، عندها فقط من الممكن اعتبار الرضيع شخصاً بشكل أو بآخر. في حالة وفاة الرضيع قبل ذلك لن تقام له جنازة. وحتی بعد عدة سنوات من حياة الطفل يستمر الإعتقاد بأنه لم يغادر عالم الـ “Wrugbe” وإنما يعيش في حالة وسط بينه وبين عالم الإنسان العادي.

تحدد الطقوس والشعائر لدی شعب البينغ والعديد من الشعوب الأخری ارتقاء الشخصية وتطورها. تعتقد بعض الثقافات بعدم امتلاك الأطفال جنساً مُحدداً حتی تمام بلوغهم وإخضاعهم لبدء ممارسة الشعائر. ترمز العملية بحد ذاتها لكل من الموت وإعادة الميلاد (البعث). كما لو أن الفرد بُعِث من جديد. يسري في بعض المجتمعات مثل -تالينسي شمال غانا- اعتقادٌ بأن الفرد لا يُتم شخصيته الكاملة إلا بعد الوفاة أي بعد أن يصبح سلفاً تناسخت روحه في الأحفاد.

ليسوا بالضرورة بشراً

“الأشخاص” هم ليسوا بالضرورة بشراً، في ثقافات المجموعات الإثنية مثل مجتمعات Dyula حيث أجريت بحثي؛ فإن كل عشيرة مرتبطة بـNtana ويقصد بذلك نوع من الحيوانات البرية الكبيرة والخطيرة مثل الأسود، الفهود، الفيلة، التماسيح والثعابين. يعتبر أفراد هذا النوع الحيواني أشخاصاً لكن بالنسبة للعشيرة المرتبطة به فقط.

لكل عشيرة قصة عن أصول علاقتها مع ntana وعادةً ماتكون عن كيفية إنقاذ أسلاف النوع الحيواني لسلف العشيرة، قد يكون عن طريق مساعدته في سحبه من حفرة وقع فيها. يتوجب علی كل عشيرة عدم أكل لحم أو قتل أفراد «Ntana» الخاص بهم. وتعد ملامسة أشلاء الحيوان النافق او حتی مشاهدتها من قبل العشيرة المرتبط بها أمرا خطيرا.

يبرز جانبان من جوانب الشخصية بشكل خاص عندما نقارن كيف تختلف النماذج من ثقافة إلى أخرى.

أولاً، ينظر للشخصية أحيانا علی أنها عملية متغيرة باستمرار ليست حالة ثابتة، وليست شيئاً يمتلكه الفرد بشكل تلقائي. ثانياً، الشخصية ليست ظاهرة فردية بحتة بل تتبلور بشكلٍ جوهري من خلال العلاقات الاجتماعية خاصة بين الآباء والأشقاء والأطفال، بين الأزواج والأصهار وبين الأحياء والأموات. من ناحية أخری، تؤكد المسيحية علی الروح وخلاص الفرد. فالكائن إما أن يمتلك روحاً أو لا يمتلكها. وخلاص الروح أو إدانتها من مسؤولية هذا الفرد. في المجتمعات التي تغلب عليها المسيحية، قد لا يكون واضحاً تماماً إلی أي مدی تظهر الشخصية المشتقة من الأساس المسيحي إلا في حال تمت مقارنتها بغيرها من التقاليد الدينية الأخری. من وجهة نظري، إن توظيف هذه الأفكار في شكلٍ قانوني -عن طريق منع الإجهاض او حتی السماح بمنعه- يعني تضمين اللاهوت في أصول التشريع.

المصدر

إعلان

اترك تعليقا