كيف ستؤثر الهندسة الوراثية في التطور والتحسّن البشري؟

الجينات تعني الحياة ويقال إنها القدرة على الكمالية الجسدية والنفسية للكائن الحي التي تُورث من الوالدين وعبر سلسلة أكبر من جيل إلى آخر، يمتلك البشر حوالي 20,000 جين الذي يتكوّن من الحمض النووي وهو ما يحدّد الطريقة التي نتصرّف، نفكّر ونظهر بها.

وكان قد شهد علم الهندسة الوراثية والتعديل الجيني تحوّلًا عظيمًا وغير مسبوق في العديد من المجالات الحيوية إذ يعتبره العلماء من أضخم إنجازات القرن الحالي.

هناك أكثر من 350 مليون شخص حول العالم يحملون نوع من الامراض المزمنة المورثة جينيًا والتي شكّلت عبئًا صحيا عالميا. وفي صدد هذا التطوّر قام العلماء بإثبات التقدم الحاصل بتسليط الضوء على علاج الامراض المورثة أشهرها التليف الكيسي، خلايا الدم المنجلية والهيموفيليا بتقنيات تم استحداثها والتي قد تساهم في إنقاذ الحيوات للملايين من الاشخاص حاملين المرض.

أشهر التقنيات التي تم استحداثها

(CRISPR-CAS9) كريسبر-كاس9

ما يحدث مع العلماء أنهم غالبًا ما يدركون الاكتشافات بالصدفة. وهذا ما حدث مع عالمان نوبل إيمانويل شاربنتييه و جينيفر دودنا عندما كانوا يدرسون آلية حماية البكتيريا لنفسها عندما تُهاجم من الفيروسات، ان لدى البكتيريا جزء من الجمض النووي الذي يخزن قطعة صغيرة من الحمض النووي الخاص بالفيروس (RNA). هذا الحمض النووي عبارة عن سلسلة مقاطع قصيرة متباعدة بانتظام وهي سلسلة متكرّرة من الجينات مأخوذة من الفيروسات التي كانت قد هاجمت البكتيريا سابقا وتقوم البكتيريا بالاحتفاظ به لتتعرّف عليه إن هاجمتها مجددًا. عندما يتم التعرًف عليه تقوم جزيئات RNA المحتفظ بها بإرشاد الإنزيم المشهور (Cas9) الذي يعمل كمقص بتوجيهه نحو المكان المحدد على السلسلة، وعندما يصل الانزيم Cas9 الى الموقع يقوم بقطع «سلسلة مزدوجة – Double Helix» من الكود الجيني.

إعلان

ولقد جعلت تقنية كريسبر من السهل تحقيق التطوير والإستفادة في غضون قصيرة حيث أصبح بالإمكان:

– إصدار لقاحات في أسابيع قليلة ودون عوارض جانبية.

– جينات أي حيوان أو نبات يمكن أن تضاف لتصنع كائنات حية جديدة.

– استخدام تقنية كريسبر لصنع منتجات الالبان عن طريق تلقيح البكتيريا.

وقد ساعدت أيضًا هندسة الجينات في محاربة المجاعة حيث استخدمت في الزراعة لزراعة الأشجار التي تنمو في غضون شهور بدلًا من الأنتظار إلى 20 أو 30 عامًا لنموها. ستساعد الجينات في المستقبل التغير المناخي حيث يتم زراعة أشجار الحور التي تساعد في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء لجعل الأرض مكانًا صحيًا للعيش.

التحرير القاعدي ( Base Editing)

تعمل تقنية التحرير القاعدي على تعديل القواعد الموجودة على الحمض النووي ((DNAدون الحاجة لقطع السلسلة كاملة وتعتبر تقنية دقيقة جدًا مقارنة بتقنية كريسبر التقليدية. حيث يتم توجيه إنزيم خاص الى الموقع المحدّد لاستهداف القاعدة المراد تغييرها. بمجرّد وصولها إلى الموقع المطلوب يستخدم الإنزيم لتحويل القاعدة المراد تعديلها.

تعتبر تقنية التحرير القاعدي تقنية فعالة ويمكنها نظريًا معالجة مجموعة كاملة من الأمراض الوراثية والطفرات المعقدة ويُحتمل أن تصحح 30% من الطفرات المسببة للأمراض المعروفة.

التحرير الأولي ( Prime Editing)

تقنية التحرير الأوّلي على تشابه من عملية كريسبر ولكن على عكسها تقوم بقص قاعدة واحدة فقط من الكود الجيني . تعتمد على انزيم يسمى «انزيم النسخ العكس – Reverse Transcriptase (RT)» الذي يعمل مع انزيم (Cas9) المعدّل ويتم استخدامه لمعرفة RNA الموجه لقطع مكان التعديل المطلوب.

تعتبر عملية التحرير الأوّلي عالية الدقة وأكثر تنوعًا وتطورًا مع قدر أقلّ من المخاطر مقارنة بالتقنيات التقليدية. حيث نشرت جامعة يونسي الكورية أوّل تقرير عن نجاح تقنية التحرير الأولي حول استخدامها لتصحيح طفرات توجد في الأعضاء في كل من الكبد والعين والقلب في الفئران وكانت قد أظهرت نتائج بتصحيحها للطفرات. بجانب استخدام التحرير الأوّلي للعلاج. يرى الخبراء إمكانية استكشاف قدراتهم على استخدامها في تضمينات أخرى بما في ذلك اكتشاف الامراض المنقولة من جيل لآخر، والأهم من ذلك توليد المحاصيل ذات الخصائص المرغوبة التي يمكن أن تسهّل الزراعة في المستقبل.

ويسخّر العلماء الآن هذه الآليات الطبيعية لتعديل العديد من الكائنات الحية. في المستقبل ستكون هنالك الكثير من التقنيات لأجل إعادة إحياء الميكروبات من أجل حياة أكثر صحة وللقضاء على الأمراض الفيروسية مثل الملاريا، الربو وفايروس كورونا.

مستقبل الهندسة الوراثية

توفّر العديد من التقنيات التي تسمح لنا بتسهيل حياتنا لعيش الإنسان متوسط عمر أعلى وأكثر صحة ولحفظ الملايين من البشر من خطر يهدّد حياتهم حيث أصبح بالأمكان اكتشافه مبكرًا أو حتى القضاء عليه، حيث يمكن استخدام تقنية كريسبر أو غيرها من التقنيات المتقدمة للتنبؤ بالكثير من الأمراض التي تحملها الأجنة حتى يكون على الوالدين اتّخاذ القرار بشأنها.

الكمية الضخمة من المعلومات والبيانات الجينية التي تم التعرّف عليها الآن أكثر تقدًمًا من أي وقت مضى التي ستجعل من السهل الذهاب إلى أبعد من تحليل مجموعات جينية بسيطة وصفات التي تؤثّر في الآلاف الجينات التي يمكن تغييرها.

التحدّيات الأخلاقية

علم الأحياء علم مرن للغاية تقنيات مثل كريسبر يمكنها تغيير البشرية بحدّ ذاتها ولكن هناك حدود. كما وُجدت تقنيات مطورة لعلاج الأمراض الجينية التي تهدّد حياة المصابين بها, بفضل تطوّرات علم الهندسة الوراثية و أثره الإيجابي على العالم سواءً في الأقسام الطبية، الزراعية أو الصناعية هذا لا يعني أنّ الكثير سيحسن استخدامها لكونها سلاح ذو حدّين لذلك وضعت حدود لأنها قد تصنع أخطاء كارثية.

نقلاً عما ذكرته جامعة ميزوري الكولومبية على موقعها: قد تكون هذه المخاوف أكثر خطورة بالنظر إلى أنّ المحاولات لا تهدف فقط إلى حياة طبيعية ولكن إلى منطقة جديدة غريبة لم يذهب إليها البشر من قبل، فنحن لا نعرف ماهي المخلوقات الغريبة التي قد تنجم عن التجارب الفاشلة، كما أنّ علم الجينوم واسع لغاية أمكنه تحويل العالم لمكان مثالي ولكن هل يمكن تحقيق كل هذا بدون خسارة؟


مراجع:

Nature reviews genetics https://www.nature.com/articles/s41576-022-00541-1

Cell&gene https://www.cellandgene.com/doc/base-editing-and-prime-editing-how-they-re-changing-gene-therapy-0001

Crisprmedicinenews https://crisprmedicinenews.com/news/explainer-what-is-prime-editing-and-what-is-it-used-for/

Youth medical journal https://youthmedicaljournal.com/2021/03/21/the-future-of-genetic-engineering/comment-page-1/

Nature biomedical engineering/ https://www.nature.com/articles/s41551-021-00788-9

https://medicine.missouri.edu/centers-institutes-labs/health-ethics/faq/gene-therapy

إعلان

اترك تعليقا