كهف أفلاطون والمعنى المستتر لحكايته الساحرة والواقعية حتى اليوم (مترجم)
أفلاطون هو أحد أشهر الفلاسفة في التاريخ. ولِد في أثينا عام 427 قبل الميلاد، وبالإضافة إلى كونه تلميذًا لسقراط، كان معلمًا لأرسطو. ويعد كتاب الجمهورية تحفة أفلاطون، وهو عبارة عن حوار مطوّل ومقسّم إلى عشرة فصول أو كتب منفصلة. يستعرض خلالها نقاشات فلسفية تشارك فيها شخصية سقراط مع العديد من الأشخاص. تدور هذه المناقشات حول العدالة والسياسة والجمال والروح وتتناول أهمية التنوير.
“حكاية الكهف” هي أشهر جزئية من كتاب الجمهورية
رغم أنّ تخيلها قد يبدو أمرًا صعبًا، إلّا أنّ هذه قصة كهف أفلاطون الرمزيّة المذهلة تخبّئ الكثير من الحكم والأفكار القيّمة. تقع حكاية الكهف في الجزء السابع من كتاب الجمهورية. يطلب منا أفلاطون في هذه الحكاية أن نتخيل كهفًا تحت الأرض ينتهي بفتحة تؤدي إلى الضوء. وداخل الكهف أشخاص مقيدون منذ طفولتهم، في وضعية تمنعهم من رؤية النّور كما تمنع أشعته من الوصول إليهم، وخلفهم مباشرةً حائط وطيء تتموضع وراءه جذوة نار. وعلى طول الجدار يقف رجال يحملون تماثيل ويرفعونها أعلى الحائط، تماثيل متنوعة لحيوانات وأشياء أخرى. لا يمكن للأشخاص المقيدين رؤية الأشياء التي خلفهم. كل ما يستطيعون رؤيته هو ظلالهم، وظلال التماثيل المنعكسة على الحائط المواجه لهم.
يمثّل السجناء غالبية الجنس البشري. أولئك الذين لا يبصرون إلا ظل الحقيقة ولا يسمعون إلا صدى الحق. فمنظورهم للعالم مغلف بالعاطفة والأحكام المسبقة.
لكن لو أن أحد هؤلاء السجناء حاول أن يهرب من ظلام الكهف ويتآلف مع النور، لكان باستطاعته رؤية الأشياء التي لم تكن بالنسبة له سوى ظلالًا، ومع ذلك فهو لم يصل إلى جوهر الحقيقة بعد.
بعزيمة أكبر سيخرج السجين من كهفه، ويغمره ضوء الشمس. عندها سيرى العالم على حقيقته، عالم يحوي أشياء واضحة. أخيرًا، سيبصر الشمس نفسها، تلك التي تجسّد مفهوم الخير والخير هو أعلى وأعظم القيم برأي أفلاطون.
“أوَ تعتقد أن هناك فائدة من امتلاك شيء إذا لم يكن خيرًا؟ هل من حكمة في امتلاك كل أشكال المعرفة، دون معرفة الخير، دون امتلاك القدرة على معرفة ما هو صالح وذو قيمة؟”.
عندما يعود السجين السابق إلى الكهف ليحاول تحرير البقية، في تلك اللحظة تكون عيناه قد فقدتا اعتياد الظلام. سيبذل جهدًا عظيمًا لرؤية الظلال على الجدار.
السجناء الآخرون يظنونه جاهلا وأعمى، فيتصرفون بعدائية ويرفضون مغادرة الكهف.
المعنى الأعمق
يؤمن أفلاطون أن الغاية من التعليم هي مساعدة الناس على إبصار القيم والحقيقة المجردة، إلى الحد الذي ينقذهم من قضاء حياتهم في عالم من الزيف والتعصب.
هذا النوع من التثقيف مهم للقادة تحديدًا. إذ أن الغشاوة التي تغطي أبصارهم لن تؤثر عليهم فحسب، بل إن اعتيادهم حياة الظلمات سيودي ب”المدينة” بأسرها، وهذا أسوأ بمرات من بقاء الفرد العادي غارقًا في جهله.
في المحصلة، فسكّان الكهف هم الفلاسفة قبل التنوير. وقطعًا إن هذه الحكاية الرمزية تمثل المصاعب التي يواجهها الفلاسفة، فعوضًا عن تقديرهم حق قدرهم، فإن بقية المجتمع (أولئك الذين ما زال النير يحز أرساغهم) لا يصغون إلى الفلاسفة. بل أكثر من ذلك، هم في الحقيقة يرفضون أفكارهم.
يرتبط ذلك بالسياق الأوسع للجمهورية. في الواقع سقراط الحقيقي أُعدم (بعكس شخصية سقراط في هذه الحكاية) بسبب تعاليم فلسفته، وبالتحديد بسبب “إفساده عقول الشباب في أثينا وتحديه لواقع المجتمع.” (كما أنه أشاد باسبرطة خصم أثينا اللدود)
بهذا المعنى فإن للجمهورية بعد شخصي، فأفلاطون لم يكن يطرح فقط فكرة أهمية التنوير والفلسفة، بل كان يتناول موت معلمه وصديقه العظيم.
خاتمة
إنّ “حكاية الكهف” حكاية غريبة بكل تأكيد، لكن لا بد من وجود سبب وجيه يجعلنا نستمر بمناقشتها والحديث عنها حتى اليوم.فهي تسلط الضوء على صعوبة إيجاد الحقيقة و كشفها للآخرين.
وبعكس حقبة ما بعد الحداثة والتي تؤكد باستمرار على وجهة النظر والبنية الاجتماعية-الثقافية، آمن أفلاطون بأن الحقيقة تستحق جهد البحث عنها، حتى لو كان الطريق إليها وإلى التنوير وعرًا ومحفوفًا بالمصاعب.