كشف علمي: ثبات التوصيلية في أدمغة كل الثدييات بما فيها الإنسان
في بحث منشور في يونيو 2020 بقسم علم الأعصاب بمجلة نيتشر المرموقة، توصل فريق من علماء الأحياء بجامعة تل أبيب، في دراسة هي الأولى من نوعها جرت فيها المقارنة بين أدمغة 123 نوعاً من الثدييات، إلى قانون أو مبدأ ثبات مستوى التوصيلية (brain connectivity) في أدمغة جميع الثدييات، بما فيها الإنسان، بصرف النظر عن حجم أو تركيب الدماغ.
يقول البروفيسور يانيف عساف، الأستاذ بكلية الأحياء العصبية والكيمياء الحيوية والفيزياء الحيوية وبكلية ساجول لعلم الأعصاب: «لقد اكتشفنا أن توصيلية الدماغ، أو كفاءة نقل المعلومات عبر الشبكة العصبية، لا تعتمد لا على حجم أو تركيب أي دماغ بعينه. أو بعبارة أخرى، فإن أدمغة جميع الثدييات، من الفئران الصغيرة إلى البشر إلى الثيران الكبيرة والدلافين، لها توصيلية متساوية وتنتقل بداخلها المعلومات بنفس الكفاءة. ووجدنا أيضاً أن الدماغ يحافظ على هذا التوازن من خلال آلية تعويض خاصة: فعندما تكون التوصيلية بين فصي المخ مرتفعة، تقل التوصيلية نسبياً داخل كل فص، والعكس صحيح».
ويضيف عساف: «توصيلية الدماغ خاصية محورية، وهي مهمة بالنسبة لعمل الدماغ. وقد افترض كثير من العلماء أن توصيلية المخ في الدماغ البشري أعلى كثيراً مقارنة بغيره من الحيوانات، وذلك كتفسير محتمل لتفوق ’الحيوان البشري‘. إننا نعرف أن الخواص الرئيسية ثابتة طوال العملية التطورية. ومن ثم، فعلى سبيل المثال، كل الثدييات لديها أربعة أطراف. وقد أردنا في هذا المشروع أن نستكشف احتمالية أن تكون توصيلية الدماغ هي خاصية رئيسية من هذا النوع، أي أنها ثابتة في كل الثدييات بصرف النظر عن حجم أو تركيب الدماغ. ولهذه الغاية استخدمنا وسائل بحث متطورة».
ويضيف أيضاً: «دماغ الثدييات تتكون من فصين يتصلان ببعضهما بمجموعة من الألياف العصبية (محاور الخلايا العصبية) التي تنقل المعلومات. وفي كل دماغ صورناه، قمنا بقياس أربعة مقاييس للتوصيلية: التوصيلية داخل كل فص (التوصيلية الداخلية)، والتوصيلية بين الفصين (التوصيلية البينية)، والتوصيلية الكلية. اكتشفنا أن التوصيلية الكلية للدماغ ثابتة لدى كل الثدييات، صغيرة أو كبيرة، بما فيها البشر. أو بعبارة أخرى، تنتقل المعلومات من مكان إلى آخر عبر عدد ثابت من التشابكات العصبية. ومع ذلك، لا بد أن نذكر أن استراتيجيات الحفاظ على هذا الثبات في التوصيلية الكلية تختلف باختلاف الأدمغة: فبعضها لديه توصيلية بينية قوية وتوصيلية داخلية ضعيفة، والعكس صحيح لدى البعض الآخر».
ويتحدث البروفيسور يوسي يوفل، الأستاذ بكلية علم الحيوان وبكلية ساجول لعلم الأعصاب ومتحف شتاينهارت للتاريخ الطبيعي، عن اكتشاف آخر مثير: «لقد وجدنا تنويعات في عملية التعويض للحفاظ على ثبات التوصيلية، ليس فقط بين الأنواع المختلفة وإنما بين مختلف الأفراد داخل النوع الواحد. بمعنى آخر، فأدمغة بعض الفئران أو الوطاويط أو البشر بها توصيلية بينية أعلى على حساب التوصيلية الداخلية في كل فص مخي، والعكس، مقارنة بأفراد آخرين من نفس النوع. وسيكون من الرائع وضع فرضيات عن كيف يمكن أن تؤثر الأنوع المختلفة من التوصيلية الدماغية في الوظائف الإدراكية المختلفة أو القدرات البشرية مثل الرياضة أو الموسيقى أو الرياضيات. مثل هذه الأسئلة سيتم تناولها في الأبحاث المستقبلية».
ويختم البروفيسور عساف: «لقد كشفت دراستنا عن قانون عام: ثبات توصيلية الدماغ. ويفيد هذا القانون بأن كفاءة نقل المعلومات في الشبكة العصبية للدماغ متساوية في جميع الثدييات، بما فيها البشر. كما اكتشفنا أيضاً آلية تعويض توازن التوصيلية في كل دماغ ثديي. تضمن هذه الآلية أن ارتفاع التوصيلية في منطقة معينة بالدماغ، وهو ما قد يظهر في صورة موهبة معينة (في الرياضة أو الموسيقى مثلا) دائماً ما يقابله انخفاض نسبي في التوصيلية في جزء آخر من الدماغ. وسنبحث في المشروعات المستقبلية كيف يقوم الدماغ بالتعويض مقابل تحسن التوصيلية المرتبط ببعض القدرات الخاصة أو عمليات التعلم».