قصة هاشتاق: كوفيد-48
“عندما قام الباحثين بربط فايروس مرض كورونا بالرقم 19، كان ذلك اختصارًا للعام 2019 الذي ظهر فيه الفيروس لأول مرة ومن ثم ما لبث أن سبّب الهلع والوفيات والإصابات والإجراءات الاحترازية للقضاء عليه. ثمّة فيروس آخر تشكّل رسميًا عام 1948، وما زال منذ تلك اللحظة، أو حتى قبل، يفتك بالشعب الفلسطيني مسببًا له العزل والحصار ومُوديًا بحياة الالآف من أبنائه دون أن تلتفت له كبرى المنظمات والدول، إن كانت الأنظمة بعد غير مهتمّة بعدالة القضية الفلسطينية وضرورة القضاء على فيروس الاحتلال الإسرائيلي، لنقف نحن وإياكم على الأقل نستذكر في مقاربة مع الكورونا، تفشّي هذا الداء الصهيوني وإرهابه مجدّدين موقفنا الرافض له وآملين بيوم نتخلّص فيه من فيروس كورونا وفيروس الاحتلال”.
بهذه الكلمات كان إعلان حملة هاشتاق #كوفيد-48 ضمن فعالية على الفيسبوك تم إطلاقها يوم 16 إبريل تحمل مواجهة، أو بالأحرى، مقاربة بين فيروس الكورونا كوفيد-19، والاحتلال كفيروس أيضًا لا نجد له لقاحًا حتى الآن. توزعّت الحملة التي نسقّتها وأدارتها جهود مجموعة من الطلبة في الجامعات الأردنية على أربعة أيام تحاكي مواضيع مختلفة لكنها مرتبطة بثلاثة أشياء: الكورونا وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين، متمحورةً حول الاستفادة من منصة تويتر لنشر الهاشتاق المستحدث ليصبح تريند الساعة.
استقطبت الحملة في ثاني أيامها، 17 ابريل، 40 ألف تغريدة على الأقل من الطلبة والناشطين وأبناء المجتمع وحتى الأجانب الذين جذبهم المحتوى المنشور باللغة الإنجليزية؛ إذ حرص منسقو الحملة على ترجمة المحتوى للغات أجنبيّة لعلّها تصل إلى المجتمعات الغربية التي لطالما ضلّلها الإعلام المسيّر بأن الاحتلال الإسرائيلي مشروع ديمقراطي متستّرٌ على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
كيف يشبه الاحتلال الكورونا؟
في سعيها لكشف جرائم الاحتلال الصهيوني، تحدثت الحملة عن مجازر العصابات الصهيونية بحق فلسطينيي القرى المحتًلة وفلسطينيي المخيمات في الشتات، مشيرة إلى إنّ فيروس الاحتلال قد قتل 300 فلسطيني خلال أقل من 9 ساعات في مجزرة دير ياسين عام 1948، و15 فلسطيني من حي الشجاعية في مدينة غزة عام 2014 خلال أقل من ساعتين، و50 فلسطيني في أقل من ساعة في مجزرة قرية ناصر الدين عام 1948، و4000 لاجئ فلسطيني في مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982 خلال 3 أيام فقط، و500 فلسطيني في مجزرة قرية الدوايمة عام 1948 خلال يوم واحد، و500 فلسطيني في يوم واحد في مجزرة قرية الطنطورة عام 1948، وهو ما يعتبر أكثر بكثير من أكبر معدل وفيات يومي لفيروس الكورونا في الصين أو أمريكا أو إيطاليا أو إيران أو إسبانيا.
كما ركّزت على الحديث عن 5000 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية يعايشون ظروفًا قاسية في بيئة موبوئة ومتكدسة محرومين من زيارات عائلاتهم ومن أدنى حق بالوصول للرعاية الصحية والمستلزمات الأساسية، ومتروكين لتجبّر السجّان فيهم بسياسة الإهمال الطبي المتعمّد التي أودت بحياة الأسيرَين بسام السايح وسامي أبو دياك العام الماضي، أو بالنشر المد للكورونا من خلال الإدخال الدوري للضباط الإسرائيليين.
برزت أهمية قضية الأسرى الفلسطينيين بعد أن قامت عدة دول بإطلاق سراح المساجين للتخفيف من الاكتظاظ في السجون وبالتالي تقليل فرص تفشّي المرض، مع التطرق إلى الأسرى ممن تجاوز عمرهم الثمانين عامًا أو الذين يعانون أمراضًا مزمنة أو الذي قضوا أعمارهم خلف القضبان دون أن تكترث حكومة الاحتلال لأوضاعهم التي تزداد صعوبة، ولا المنظمات الدولية لمطالبة رسمية بالإفراج عنهم.
بالحديث عن الحصار والعزل، يبدو من البديهي أن تتناول الحملة غزة التي تعيش منذ عام 2006 في حصار إسرائيلي، حيث لا حرية بالتنقل ولا حق بأدنى مقومات الغذاء من المياه والكهرباء والغذاء، أضف إليهم سيرة من تحمل الحروب الإسرائيلية التي تتصاعد كلما اقتربت انتخابات الكنيست كنوع من الدعاية الانتخابية. لم تستهدف الجرائم الإسرائيلية غزة فقط، لكنها ترى في كل فلسطيني داخل غزة وخارجها مشروع يخيفها عليها أن تقضي عليه أو تقوض منه بمعبر خانق أو حواجز تفتيش أو جدار فصل عنصري.
الكوميديا السوداء والفن سلاحٌ
عندما طال الأسى والقهر الفلسطيني وهو يشعر أن يديه مكبّلتين عن تحقيق ما يريد، حاول اللجوء ،مثلما حاول غيره كثيرون، إلى القلم الساخر أو الكاريكاتير المتهكّم على الأوضاع المزرية لكنه مدجّج بالرسائل الواضحة. استفسر رواد الحملة في تغريداتهم من منظمة الصحة العالمية عن درجة الحرارة الملائمة للقضاء على فيروس الاحتلال الإسرائيلي بعد أن ساد الجدل حول درجة الحرارة التي يتأثر بها الكورونا، وعن الكمامات الملائمة التي يمكن أن يرتديها الفلسطيني لمواجهة قنابل الغاز والرصاص المطاطي والحي الذي يزخه الاحتلال الإسرائيلي في مسيرات العودة السلمية، وعن إمكانية تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي في مدينة يحاصر بها 2 مليون فلسطيني على الأقل، وعن حق الوصول لمواد التعقيم والمياه التي لا يحصلون على حصص كافية منها.
كما استعان المغرّدون برسومات كريكاتير، معدّة سابقًا أو معدة خصيصًا للحملة، ترسم فيروس كورونا على شكل دبابة وحنظلة يرفع في وجهها علمًا فلسطينيًا، أو تخطُّ فلسطينيًا يرتدي كوفيته كـكمامة لا يعرف هل يواجه بها فيروس الكورونا أم فيروس الاحتلال، أو تذكر فلسطينيًا آخر لا يأبه بإجراءات العزل الاحترازية في زمن الكورونا لأنه معتاد عليه منذ زمن، أو زنزانة أسير فلسطيني يطل من أحد زواياها الضيقة جندي إسرائيلي، ومن الزاوية الأخرى فيروس كورونا.
ذكر المغردون أيضًا الحالة البيئية لكوكب الأرض التي تحسنت منذ أن أصاب الكورونا العالم داعيين الاحتلال للتوقف عن استخدام القنابل المدمرة على بيوت الفلسطينيين المتهالكة أصلًا، وسخروا أيضًا من قلة المساعدات الدولية المتوجّهة للشعب الفلسطيني أو النظام الصحي المترهّل في الداخل، أو الصفقات التي تعدها الإدارة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية ولتمكين المشروع الصهيوني.
ردود إسرائيلية متوقعة
أثارت الحملة على تويتر حفيظة بعض الإعلاميين الإسرائيليين الذين ما لبثوا أن أشهروا السلاح المستهلك والمبتذل “معاداة السامية” كتعليق على محتوى الحملة، في حين لجأ أخرون للحديث عن الهولوكوست الذي تعرض له اليهود أو عن خطاب كراهية ضد اليهود. رغم أن معاناة مجموعة ما من الهولوكسوت لا تبرر قيامهم بارتكاب هولوكوست آخر بحق الفلسطينيين، ورغم أن الحملة موجهة بالكامل لمحاربة الصهيونية كمشروع سياسي لا اليهودية كمعتقد ديني. وبخلاف الادعاءات الصهيونية، ذكرت تغريدات عدة أن دعم القضية الفلسطينية ليس حكرًا على الفلسطينيين أو المسلمين أو اي جماعة، بل يكفي أن تكون إنسانًا، وأنه من السامية – الحقيقية- أن تكون داعمًا لفلسطين وشعبها في مواجهة كيان الإرهاب، مؤكدين على أن عدوان الاحتلال لم يطل الفلسطينيين فقط، بل من وقف لجانبهم من أمثال راشيل كوري وتوم هندرل.
لفتت المبادرة النظر إلى قضايا مهمة أيضًا مثل الاعتقال الإداري، والأسرى من النساء والقاصرين ومقابر الارقام واحتجاز جثث الفلسطينيين ومعاملة الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين العاملين في الضفة، وإلى طرق استغلال الاحتلال الاسرائيلي للأوضاع الصحية العالمية الراهنة لضم مزيد من الأراضي وممارسة مزيد من الانتهاكات الممنهجة من خلال المستوطنين المتطرفين والمعبئين دينيًا ضد الفلسطينيين الذي انطلقوا في الشوارع للبصق على مقابض سيارات الفلسطينيين أو لاقتلاع أشجار الزيتون، وجنود جيش الاحتلال الذين زادوا وتيرة الاعتقالات في ظل تعتيم إعلامي يضع على رأس أجندته أخبار الكورونا فقط تاركًا الاحتلال يستفرد بالفلسطينيين، كما فعل دومًا، لاستكمال عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
على أية حال، الفلسطيني الحق أيًا كانت حالته، محجورًا ، حرًا، أو معزولًا فوق عزله، سيجد حتمًا طوق نجاة للقضية التي يتشبث بها مهما بدت بسيطة، إلا أنها على الأقل محاولة لعدم النسيان، خصوصًا عندما تكون الذاكرة خطرًا على العدو المحتل. منذ قدوم كوفيد-48، أصبح العالم لوهلة يشبه فلسطين المحتلة، يعجُّ بالعزل وصفارات الإنذار والقلق من المستقبل، يطيّر الطائرات الورقية ويعرف معنى أن تكون “مكممًا”، بالمعنى الحقيقي والمجازي.
المهم، مثلما قال أحدهم في تغريدة: علينا أن لا نجعل كوفيد-19 يٌنسينا كوفيد-48، وأن تظل القضايا العادلة بوصلة الأحرار من شتّى بقاع العالم.
نرشح لك: أكثر السيناريوهات رعبًا .. ماذا لو وصل فيروس كورونا إلى غزة المحاصرة؟