في إيمان وتجربة المقدّس عند الملحد فردًا وجماعة

لا شكّ أنّ العالم الفكريّ يتناول موضوع الإلحاد والإيمان على نحو ٍسلبيٍّ وتباعديّ؛ فالإلحاد هو نقيضٌ لكلِّ شيءٍ يدّعي الألوهية والاعتقاد ويغوص في الميتافيزيقيا، هذا إذا اعتمدنا على التعريف المألوف للإيمان من حيث وجوب حضور عناصره اللاهوتيّة وارتباطه بكائناتٍ متعاليةٍ على البشر.
غير أنّ ظاهر النصّ ليس كباطنه؛ فالفكر الإنسانيّ يبقى في جوهره مجازيّ لا حرفيّ؛ يتداخل مع الرمز والخيال، مع الحميميّة واللاشعور، دينيّاً كان أم رافضاً له، أما الإنسان فلا يجب اختزاله في الوعاء البيولوجيّ ومفهوم الآلة فقط بل هو بناءٌ ثقافيٌّ أيضًا.

وبودّنا الإشارة إلى الخلط الذي يحصل عند البعض في رؤية الإيمان والدين والمعتقد شيئًا واحدًا رغم اشتراكهما في نفس الوجهة وتضمّن بعضهم بعضًا. فهل الإيمان والمعتقد نفس الشيء وهل هما الدين نفسه؟ هل الإيمان يسبق الدين أم المعتقد، وهل يشترط فيهما حضور الإله؟
لقد ناقش الفلاسفة موضوع الإيمان انطلاقاً من الدين من خلال تعريفه بأشكال مختلفة تبعًا لمدارسهم ومنظوراتهم، وقد كان مصطلح الدين هو الكلمة التي خصّت أغلب النقاشات التي تخوض في مسائله من دون التفريق أحيانًا بين الأقانيم الثلاثة لهذا الفكر إذا جاز تسميتنا له هكذا.

مفاهيم دينيّة:

تعني كلمة الدين العربيّة لغويًّا عدّة تعريفات من قبيل: الحال والعادة، كذلك الجزاء والمكافأة، وهي الطاعة أيضًا. كما يأتي منه اشتقاق كلمة (دان) ومعنى هذا الفعل أذلّه واستعبده. (1) فالدين من الحال وهو عادةٌ أيضًا وخضوعٌ واستسلام.
وهو “دارما” في لغة الهند وتعني العيش والتواصل الصحيح و”الترتيب الخفيّ”، أما في اللغة الأكدّية القديمة فالكلمة تعني الحساب. (2)
وفي اللغات الأوروبية المشتقّة من اللاتينيّة (religion) تأتي الكلمة بمعنى الربط؛ أيّ ربط الأشخاص بالواجبات وبين بعضهم، والرباط الذي بين الانسان والإله. (3) وتعني الكلمة للبعض معنى الجمع.(4)
وقد رأى شيشرون أنّ الكلمة تحيل إلى “مراقبة الشعائر تجاه الآلهة” أو مراقبة عبادة الآلهة وإعادة قراءتها. (5) أمّا الفيلسوف الفرنسي جول لاشليه فقال: الخوف بواجبٍ ما اتّجاه الإله منه. (6) وقال بنفس هذا الخوف مشيرًا إلى كلمة (قلقٍ وتردّد) اللسانيّ إيميل بنيفيست، ويقول القدّيس أوغسطين أنّ الكلمة تعني “احترام الواجب إزاء مايقرّب البشر”. (7) فهذه اللفظة تعني الوصل الذي بين البشر والناس والآلهة وانقيادهم إليها.

وقبل الخوض في الموضوع الأساسيّ نرغب في تسليط الضوء على محاولات الخوض في مسألة التفريق بين أقانيم الدين؛ من مثل إيمانويل كانط الذي جعل الدين ذا طابعٍ كونيٍّ يتعلّق بكلّ البشريّة وليس جماعةً محدّدة؛ فقال أنّ المسيحيّة واليهوديّة والإسلام معتقداتٌ دينيّةٌ وليست جديرةً أن تسمّى دينًا، (8) ناهيك عن مصطلح الإيمان الذي لا يقلّ غموضًا، حيث قيل أنّ الإيمان متولّدٌ من الحبّ وأنّنا نريد أن يوجد الله لأنّنا نحبّ ذلك، لا لأنّ البراهين والعقل يؤدّي إليه. (9) وكان هناك من فصَّل في مكوّنات الدين التي رآها تشير إلى الأسطورة والأخلاق والشرائع، وجعل الدين نوعين: دينًا جمعيًّا ودينًا فرديًّا يسبق الأوّل.

جينيالوجيا الدين:

هناك من أصّل مصادر الدين -الذي يجب أن يسمّى حسبنا بالإيمان لا الدين- من مثل المدرسة الأنثروبولوجيّة التي ترى في منشأه تقديسًا للأسلاف وعبادتهم مثل هربرت سبنسر، ثمّ إدوارد تايلور صاحب فرضيّة الأرواحيّة التي ترى أنّ لكلٍّ شيءٍ روحًا وتربط ذلك بالأحلام.

إعلان

إلى جانبهما المدرسة العاطفيّة التي فسّرت أوّل أشكال الدين على أنّه الخوف من الآلهة والطمع في المكافأة كما قال مالينوفسكي. (10) واتخذّ فرويد نفس الوجهة -ولو أنّه اعتمد بشكلٍ رئيسيٍّ على التحليل النفسيّ حين أكّد أنّ الدين إلى جانب أنّه عصابٌ جماعيٌّ متعلّقٌ بالأب- حين قال أنّ سببه الخوف من الموت والعدم، وقد كانت نفس فكرة توماس هوبز أيضًا. (11)
وكانت المدرسة الطبيعيّة بدايةً من ماكس مولر ترى في تأمّل الطبيعة اختلاقًا للآلهة، مع فرانك جيوفنس الذي يضيف تغيّرات الطبيعة العنيفة من كوارث وأهوال التي جعلت الإنسان يرتعب منها. (12) وكان هناك كورنيليس بيتروس تيليه الذي رأى في الدين جذورًا تتمثّل في الإقرار بالسببيّة التي تنتهى إلى العلّة النهائيّة والتي هي الله، وهناك من يرى أنّ الإحساس والشعور هو الذي أتى بالدين مثل بنجامين كونسطان وهذا الشيء لا يتعلّق بالعقل بل هو موجودٌ عند الإنسان المتحضّر والمتوحّش. (13) كما دافع عن ذلك شلامايخر في كتابه “عن الدين: خطاباتٌ لمحتقرينه من المثقّفين” أنّ منبعه حدسٌ وإحساسٌ لا يمكن تفسيره على نسقٍ واحد. (14) أمّا النظريّة الفطريّة فتقول على لسان أهمّ ممثليها وهم وليم شميدت وأندرو لانغ أنّ الدين متركّز ٌفي الروح البشريّة المفطورة عليه. (15) وهذه ليست هي الفرضيات الوحيدة بل هناك أخرى لا يتسّع المقال لذكرها من مثل عامل الجهل وعامل الدهشة في نشوء الفكر الدينيّ والأسطوريّ.


فالدين بشكلٍ عامٍ ولدى العديد من الفلاسفة وعلماء الأديان هو خضوعٌ وطاعةٌ لقوّةٍ فوقيّةٍ متعاليةٍ على البشر، ووعيٌ بالمتعالي والمطلق، وانفعالٌ لاعقليٌّ ومنظوماتٌ اجتماعيّةٌ أخلاقيّةٌ تستمدّ مبادئها من الإله أو الطبيعة والوعي البشريّ. لا شكّ أن هذه المدارس والفرضيّات أدخلت جانب العبادة في الدين، مع الآلهة والأرواح، ما لا يتفّق مع تعريف البعض للدين بأنّه منظومةٌ اجتماعيّةٌ أو نفسيّةٌ أو لاشعوريّةٌ لا يشترط فيها حضور الإله عكس الفئة الغالبة ربّما التي رأت في وجوب الاعتقاد في الألوهية، غير أنّنا سنتجاوز هذه الإختلافات ونركّز أكثر على القيمة الروحيّة التي تتجلّى في الإيمان لا الدين والمعتقد.

تميّز الإيمان:

إنّ أفضل تعريفٍ للإيمان بعيدًا عن الخلط الحاصل هو ما نقرأه عند الفيلسوف بول تيليش في بداية كتابه “بواعث الايمان”؛ حيث يتحدّث شارحاً “الإيمان هو انشغالٌ بِهمٍّ إلى أقصى حدّ” (16)، وكذلك يقول “الإيمان هو فعلٌ شاملٌ متركّزٌ في الشخصيّة، وانشغالٌ بالهمِّ الأقصى؛ فهو يحدث في مركز الحياة الشخصيّة ويشكّل عناصرها كلّها”. (17)
إن الإيمان الحقيقيّ عند بول تيليش -على حدّ زعمه- يشارك فيه العقل والشعور واللاشعور، والإدراك الذي ليس معطى بل أوليّ، وهو استسلامٌ لكن ليس مُتسبَّبٌ به، وهو ثقةٌ لكن ليس خالقها، وهو حريّةٌ وحبٌّ ويقين، حتى لو تطلّب الإيمان الشكّ الوجوديّ الإيجابيّ لا السلبيّ، وهو شجاعةٌ ومجازفةٌ في اليقين بالهمِّ الأقصى من دون برهانٍ قطعيّ، وليس الإيمان ارادة اعتقادٍ وليس خلقًا للإرادة وليس إحساسًا وانفعالًا وليس خوفًا وليس الإيمانُ معرفة: الإيمان يتعالى على كلّ عنصرٍ ويتحكّم في جميع عناصر الحياة لدى الفرد.

أما الدين حسبنا فمشتركٌ ايمانيٌّ جماعيٌّ يضمُّ داخله معتقداتٍ تعبّر عن رؤى وتصوّرات الجماعة عن الإله أو أيّ قيمةٍ يرتكز عليها التصوّر، مع الكون والإنسان وتأدية الشعائر والطقوس. والإيمان هو أساسًا يخصّ الفرد الواحد وينبعث في نفسه من مثل ما نجده في قصة حيّ بن يقظان الذي عرف الله من دون مساعدة أيّ كاهنٍ أو مبشّرٍ ولا يعنينا سبب هذا الإيمان بقدر ما يعنينا وجوده عند كلّ واحدٍ فينا، على عكس الدين الذي لا يستطيع العيش من دون ايمان. الشيء الذي ينحو إلى فرديّة الإيمان وامكانية تماهيه مع الجماعة ليشكّل مجموعة من العقائد داخل ديانتها.
غير أنّ الإيمان لا يجب أن يُرى بتلك الرؤية الأحاديّة الألوهيّة المشخّصة التي تقصي إيمان الآخر إذا لم يكن متضمّنًا فيها الله أو كائناتٍ متعاليّة. ولنا في البوذيّة – التيرافادا- والجاينيّة والكونفوشيوسيّة خير دليل؛ حيث أنّه من الانتقاص أن تُعتبر مجرّد مذاهب أخلاقيّةٍ تنشد السعادة والنظام ومعرفة الإنسان لذاته وللخارج، بل يجب أن تُعرّف على أنّها إيمانٌ حرفيٌّ بالجانب الأخلاقيّ والأنطولوجيّ والكونيّ، وانشغالاً بأهم مواضيع الحياة في شكلها المتطرّف.

إيمان الملحدين:

يقول بول تيليش أنّه لا يُشترط على الإيمان أن يكون إلهيًّا لأنّه أساسًا الانشغال بالهمِّ الأقصى الذي يصبح غاية الشخص؛ فيتحدّث قائلا: “إنّ الإنسانويّة غالبًا ما توحّد بالاعتقاد وتوضع في مقابلة بالإيمان، ولا يمكن هذا إلّا إذا عُرِّف الإيمان بوصفه اعتقادًا بوجود الكائنات الإلهية وأفعالها، أمّا إذا فُهم الإيمان بوصفه حالة اهتمامٍ قصوى بالأقصى فإنّ الإنسانويّة تتضمّن الإيمان”. (18)

فالإنسانوية التي يقصدها بول تيليش هي افرازات عصر التنوير في عالمنا الحداثيّ في كلّ ميدانٍ معرفيٍّ وما صنعته من فكر يعلي من شأن البشر، وكيفما تمسّكت بالعلم الحديث الوضعيّ وجعلت الإنسان متميّزًا عن غيره من المخلوقات فمنحته ذلك التمركز الإنسانيّ وألّهته فحذفت الله ووضعت الإنسان بدله أو جعلت الدين مجرّد وسيلةٍ لخدمة الإنسان.
وها هو فقط نيتشه ورغم هجومه الشرس على الحداثة والإنسانويّة إلا أنّه بقي مصرًّا على المنادة بالإنسان الأعلى وممجّدًا الفنّ حتى شاء لبول تيليش قول “إن الدين بالنسبة لنيتشه هو الصيغة الأعلى للفن”. (19) كما غاص الكثير من الباحثين في مكوناته الالحاديّة التي بها عناصر ايمانيّة دينيّة متأثّرة بالخلاص الدينيّ كما صرّح عنه جيلز فريزر، أمّا الباحث روي جاكسون فقد عدّه رجلًا دينيًّا من الطراز الرفيع. (20)
إنّ كلّ انسانويٍّ كما بدى لبول تيليش يمتلك ايمانًا بأسلوبٍ مختلف؛ فبينما الدين يؤمن بالإله، يجد الإنسانويّ نفسه يؤمن بالعلم والفنّ والسياسة. إنّه ينشغل بالإنسان همَّه الأقصى ذاك بدل الله.

ثم يتتناول بول تيليش موضوع العقل والإيمان؛ فلطالما جُعل بينهما حاجز، و أنّه من الاستحالة بالنسبة للشخص العقلانيّ أن يكون مؤمنًا بنظر الناس. لكن بول تيليش يقسّم تعريف العقل إلى قسمين: التعريف الأول هو المنتج العلميّ أو الحساب التقنيّ، أمّا التعريف الثاني فهو المبادئ ومصدر المعنى والحكمة والمعايير. إنّ العقل الثاني هو العقل الذي يهتمّ بالفنّ والأخلاق واللّغة والوجود، وهو شرطٌ للإيمان ولو كان الإيمان من دون عقل؛ فالصفة الإنسانيّة والأخلاقيّة التي بالأديان سوف تنتفي حسبه. (21)
كما يتحدّث عن الوحي وعن تشويه معانيه عند البعض الذي أوّله أنّه مجرّد معلوماتٍ إلهية تُمنح للأنبياء والرسل، والإيمان هو الإعتراف بها. ويستبدلها تيليش بتعريفٍ حقيقيٍّ وهو كون الوحي “تجربةً” يطغى فيها همٌّ أقصى على الإنسان خالقًا جماعةً تعبّر عن هذا الهمّ. (22)

ويستنتج أنّنا إذا فهمنا الإيمان بكونه اهتمامًا بالهمِّ الأقصى حتّى لو كان فلسفةً أو فنًّا أو علمًا؛ فليس من الضروريّ القول بحدوث صراعٍ بين العقل والإيمان.


وأما غوستاف لوبون في كتابه “الآراء والمعتقدات” الذي يؤكًد فيه غلبة المنطق العاطفيّ والدينيّ والجماعيّ على منطق العقل؛ فهو يرى أنّ خلق التديّن موجودٌ عند الإنسان بطرق مختلفة ويمكن له أن يتغيّر من موضوع لآخر فقط، وحتى التعصّب الدينيّ يمكن أن ينقلب الى إلحاد.
لقد ورد في كتابه سيكولوجيّة الجماهير أنّ الصبغة الدينيّة تطغى على كلِّ شيء سواءً كان صاحبها يعبد إلهًا أو منخرطًا في حزبٍ سياسيّ، كما قال في كتابه سيكولوجيّة الجماهير “وليس المتديّن هو الذي يعبد إلهاً؛ بل متى استعمل الإنسان عقله وإرادته وما فيه من حماسةٍ وتعصّبٍ لخدمة مبدَئٍ أو ذاتٍ جعلها غايةً مقصودةً ومرمى أفكاره وأقواله فهو دائنٌ بما توجّه إليه”. (23)
ويذكر لنا غوستاف لوبون في نفس الكتاب قصة الملحد الذي دخل إلى معبدٍ وحطّم جميع أيقوناته وصوره ليستبدلها بصور فلاسفة مثله كان منهم بوخنر وموليشوت موقدًا شموعًا على الكتب.

ومهما تبدو لنا هذه القصة حقيقيّةً أم مختلَقة؛ فهي تُظهر حجم المنطق الدينيّ الذي يوجد في أعماق الإنسان، ولنا في الماضي دعاماتٌ على هذا الرأي حين نرى الفرد يتحرّك في جماعاتٍ ويقدّس مُثُلها العليا حتى لو كانت أشخاصًا، والمنطق الجماعيّ يلعب دورًا في ذلك وهو يتماهى مع الدين، ومهما حاول الإنسان ازالة قشور الانتماء إلى جماعةٍ محدّدةٍ إلّا أنّ طبعه يحتّم عليه ذلك الانتماء حتى لو لم يرده، وسيّانٌ مع الإيمان الذي يخلق جماعةً كذلك.

لقد رأى غوستاف لوبون الحركات السياسيّة والثوريّة بما فيها اللاإكليريكيّة والاشتراكيّة وكذلك الثورة الفرنسيّة بأنّ المنطق الدينيّ يسودها.
ونجد الفيلسوف جون هيك يؤكّد أنّ الدين لا يوجد فقط في المجتمعات المتديّنة بل حتى العلمانيّة والإلحاديّة؛ فلا وجود لمجتمع في العالم خالي من الدين، ويصوّب جون هيك مرماه إلى الإتّحاد السوفيتيّ الذي استبدل الله بعقيدة ماركسية تتضمّن خيالاتٍ طوباويّة. أما أرنولد توينبي فهو يرى في الماركسيّة مجرّد نزعةٍ مسيحيّةٍ ويهوديّةٍ مع تغيير رموز دينيّة واستبدالها بأفكار ماركس وانجلز. (24) كذلك يقول مرسيا إلياد “ولا نوّد الاشارة لمختلف الحركات السياسيّة والتنبّؤات الاجتماعيّة التي يمكن بسهولةٍ تبيين بنيتها الميثولوجيّة وتعصّبها الدينيّ؛ فماركس عاود أخذ وتمديد الأساطير الأخرويّة الكبرى للعالم أيّ دور المنقذ الصالح: المختار المسيح، وفي يومنا البروليتاريا التي هي مدعوّة بآلامها لتغيير البنية الأنطولوجيّة للعالم”. (25)
إنّ الإنسان هو نفسه في كل الأحوال حيث تتغيّر الأساليب فقط؛ لهذا لا يمكن مثلاً لوم الفيلسوف روبرت بيلا الذي ألّف كتابًا بعنوان “أصناف الدين المدنيّ” ومؤلّفاتٍ أخرى تماثلها من مثل “الدين المدنيّ الأمريكيّ”، أو الفيلسوف أندري كونت سبونفيل وكتابه “روحانية الإلحاد أو روح الالحاد” مُظهِرين بذلك إيمان الملحد ولو بأشكالٍ أخرى. يقول أندري كونت سبونفيل: “ليست كلّ روحانيّةٍ هي ديانةٌ بالضرورة. الملحدون هم أيضًا يملكون حياةً روحانيّة؛ فهم يعيشون قدر المستطاع علاقتهم النهائيّة باللانهائيّ، علاقتهم الزمنيّة بالخلود، علاقتهم النسبيّة بالمطلق؛ هذا المطلق بالنسبة إليهم ليس شخصيًّا ولكنّه الوجود والصيرورة” (26)

أما الفيلسوف والقانونيّ رونالد دوركين صاحب كتاب “الدين من دون الله” فهو يقول: “عندما تفعل شيئًا صغيرًا جيدًا – كأن تعزف لحنًا أو تداعب يدًا أو تنحني لأحدهم أو تجامله أو تصنع كرسيًّا أو قصيدةً أو حُبًّا – يكون رضاك في هذه الحالة تامًّا، وتعدّ هذه هي الإنجازات في الحياة. لماذا لا نستطيع أن نجعل الحياة بحدّ ذاتها إنجازًا كاملًا ذا قيمةٍ خاصّةٍ في إتقان فن الحياة؟” (27)

ونجد الفيلسوف بيار بين يؤكّد في بحثه “هل الإلحاد موقفٌ عقديّ” أنّ في الالحاد إيمانًا بإمكانيات الإنسان، كما أنّه يرتكز على الإله وينكره من دون دلائل قطعيّةٍ مثل الدين، ويسأل: هل يمكن أن يكون الإلحاد التزامًا بنمط حياةٍ أو فكر؛ يتخّذ من جحود وجود ذاتٍ إلهيّةٍ منصّةً له؟ (28)
ونذكّر بالأبحاث التي وضعتها إحدى المراكز في الولايات المتحدة الاأمريكية (Pew Research Center)؛ حيث كانت نتيجتها أنّ أكثر من ربع الأمريكيين قالوا عن نفسهم أنّهم روحانيون رغم كونهم لا يدينون بأيّ دين. (29)
ويبدو هذا معقولًا حين نعرف أنّ الملحدين لا يسيرون على خطٍّ واحدٍ ولا يملكون شخصيّات متشابهة؛ بل لكلِّ فردٍ شخصيته وحياته وأفكاره في تفسيره للعالم مثل سائر البشر، ويمكن حتّى للملحد أن يؤمن بأشياء يراها الآخر -ولو كان مؤمنًا- غريبةً ولاعقلانية؛ فهو حرٌّ في اتّخاذ أيّ فلسفةٍ وفكرٍ في رؤيته للحياة والكون، على عكس المؤمن الذي يتقيّد بنمطٍ معرفيٍّ محدّدٍ يقدّمه له الدين.

المقدّس اللادينيّ:

والمقدّس في الدّين هو حضورٌ إلهيٌّ في مظاهر من مظاهر العالم الدنيويّ حيث يتجلّى الإله في الأشياء والأماكن، ويتعلّق الأمر بتوقّف الزمن الأفقيّ وعودة ما قبل الزمن أو الزمن العموديّ الذي يُعاد ويُكرّر من جديدٍ من مثل الأعياد وأماكنها المقدسة، ورغم أنّ الأماكن المقدّسة هي أماكنُ عاديّةٌ موجودةٌ في عالمنا إلّا أنّها تكتسي بعداً آخر يأتي من السماء حيث يصبح فيه مكانًا غير متجانس، .وإنّ من أكثر العناصر التي يتجاوب معها المؤمن هو عنصر الإجلال والرهبة وحتّى الراحة؛ مجّربًا اقترابه من اللامُتناهي حيث تتجلّى مظاهر الطبيعة في الدين. (30)
يتحدّث مرسيا إلياد وهو من بين أكثر علماء الأديان الذين تخصصّوا في دراسة المقدّس والمدنّس والتجربة الدينيّة؛ عن قابلية تجربة المقدّس لدى العلمانيّ في الجزء الذي عَنْوَنه “المقدّس في العالم الحديث” قائلًا فيه: الإنسان العصريّ الذي يشعر بنفسه ويدّعي اللاتديّن مازال يتصرّف بميثولوجيا كاملةٍ مموّهةٍ وطقوسيّاتٍ مختلفة… فإنّ المسّرات التي ترافق السنة الجديدة أو الاستقرار في منزلٍ جديدٍ تمثّل علمانيًّا البنية الطقوسيّة للتجديد، وتُلاحظ نفس الظاهرة بمناسبة الأعياد والمسّرات … والحصول على ترقية اجتماعية… إلى آخره. (31)
ثم يتابع القول “إنّ مؤلفاً كاملاً سيُكتب حول أساطير الإنسان العصري وحول الميثولوجيا المموّهة في الاستعراضات التي يفضّلها والكتب التي يقرأها والسينما…” (32) ويذكر هذا العالم الأماكن التي تترك في الإنسان العصريّ أثرها من مثل مسقط الولادة و”مكان الحبّ” ويوازيها مع أماكن المتديّن.

كما يرفض مرسيا إلياد وجود إنسانٍ عاقلٍ من دون صبغةٍ دينيّة، وحتٍى الثورة الجنسيّة في نظره هي حنينٌ للجنّة أيّام العصر الذهبيّ، كما يتحدّث عن بقاء العناصر الدينيّة في الإنسان الملحد الذي ينحدر من إنسان ما قبل التاريخ المتديّن. (33)
وعودةً لـبول تيليش؛ فهو يتحدّث عن المقدّس عند الملحد أو العلمانيّ ويصفه بأنّه رومانسيٌ محافظ، وطوباويٌّ تقدميّ. أين يرى هذا الشخص -حسب اعتقاده- المقدّس في زهرةٍ أو في منظرٍ طبيعيٍّ أو حيوانٍ وحتى في الإنسان (34) ناهيك عن الرمز، والرمز هو علامةٌ تُحيلنا إلى معنى أو حدث؛ غير أنه على عكس العلامة لا يُمكن استبداله، كمّا أنه ابتكارٌ جمعيٌّ وإنماءٌ لواقعٍ لم يكن يمكننا قبلًا أن نفهمه أو نتعامل معه ونعيشه، كما أنّه لا يموت عبر الانتقاد؛ بل متى أهملته الجماعة مات ببطءٍ وحلَّ محلّه رمزٌ آخر.
إنّ الرمز لا يزال عند الانسان الملحد سواءً من رموزٍ قوميّةٍ وتاريخيّة – أذكّركم بمصطلح روبرت نيلي بيلا “الدين المدنيّ” وكتبه التي تتحدّث في هذا الموضوع- أم فنيّةٍ وفلسفيّةٍ وقبليّة.
وإنّّ هذه المراكز الانفعالية حسبنا بجميع رموزها وأحداثها تذكّر الإنسان بزمنٍ وأمكنةٍ تعبّر عنها ذكرياتٌ مضت. فهل ما يطلق عليه بالنوستالوجيا في عالمنا المعاصر هو شعورٌ بالمقدّس وحنينٌ إليه؟ لكن ليس بالضرورة إلهيًّا بل ربّما فارغًا من الألوهة؛ لكن ممتلئًا بالإنسان وبوقته الجميل الذي مضى ولو كان سيّئًا.
وفي الأخير بإمكاننا القول أنّ المقدّس حضورٌ حميميٌّ مرتبطٌ بالإنسان؛ حيث يقترب فيه الشخص بانفعالاته ومشاعره من تجارب قديمةٍ مألوفةٍ مرتبطةٍ بمراحل حياته السابقة التي يحنّ إليها، فهي في الحاضر مجرّد أزمانٍ شبه أسطوريةٍ مضت من دون رجعة: الجنة والجحيم الأول.

السيّد كاردينال:

يزعم مرسيا إلياد أنّه ما من إنسانٍ لا يملك إيمانًا ما دام من سلف الإنسان المؤمن القديم، وإذا أخذنا هذا القول منه؛ فما بالنا بالملحد الذي كان مؤمناً أو عاش في وسط مجتمعٍ مؤمن؟ لا شكّ هنا أنّ الكثير من التديّن سيظلّ يلحق به.
يكتب بول تيليش في كتابه أنّه إذا سألنا أيّ شخصٍ يقول عن نفسه أنّه ملحدٌ عن همّه الأقصى سينكر أن يكون الله بشدّة؛ بالتالي فهو يؤكّد على وجود همّه الأقصى الذي هو الإله. إنّ الأمر أشبه بالملحد الذي لا يزال يعيش داخل سترة الإله ويتحدّث عنه ويجعله همًّا في حدّ ذاته حتّى يثبت عدم وجوده.


يقوم الإلحاد على رفض سرديات الأديان، وبالتالي فإنّ الإلحاد يشترط وجود دين أو آلهة في الأساس؛ فهو ليس الحالة الطبيعية للإنسان كما زعم بذلك نيتشه في آخر كتبه “هذا هو الانسان” لأنّ الحالة الطبيعيّة للإنسان -إذا صدّقنا أنّ أوّل إنسانٍ كان غير مؤمن- هي في أنّه كان لا يعرف الإله ولا يعرف الإلحاد كنتيجة؛ فمن المستحيل أن يرفض شيئًا لا يعرفه أساسًا.


لقد رأينا أنّ أفضل مثالٍ على الملحد المؤمن سواءً كان شغله الشاغل هو إثبات بطلان وجود الله وتحقيق مطامحه، أم كان الإنسان الذي لا تزال تعيش فيه أشكال الدين؛ رواية “عائلة الكاردينال” للروائي والكاتب الفرنسيّ الساخر ليفي لدوفيك وهو عملٌ تقع أحداثه في فترة الحرب الفرنسية البروسية وحصار باريس، ويتناول موضوع عائلةٍ فرنسيّةٍ متوسّطةٍ وما يحدث بين أفرادها: آمالها وإنجازاتها وعلاقتها بما يحدث في تلك الفترة وكيف تأثّرت بتلك الحقبة المضّطربة.
إنّ السيد كاردينال هنا هو الأب الذي يحبّ بناته ويشجعهنّ على تحقيق أحلامهنّ من مثل مواصلة الرقص في عروض الباليه، ويأمل أن يبقَين معه ومع زوجته حتّى بعد زواجهما، كما أنّه يقدّر الفنّ والبلاغة والمطالعة، وهو رجل سياسة وماسونيّ، وداعمٌ قوّيٌّ لقيام فرنسا الجمهورية.


يبدو السيد كاردينال ملحدًا؛ فهو يقول أنّ المعتقدات والأديان خرافات، بل تراه في إحدى المراّت يضع في برنامجه الانتخابيّ مشروعه في “إلغاء الطقوس والعبادات” كما أنّه يأمل في تأسيس “ديانةٍ علمانية” كما يسمّيها، وهو يكره الكهنة والبابا لدرجة تجبره في أحد الأيام على الذهاب إلى الفاتيكان ليختلق مشكلةً مع البابا مقلّلًا احترامه معه حين تعمدّ الوقوف يتحدّاه بدل الإنحناء والركوع له.


ونجد السيد كاردينال يجلّ فولتير بل يقدّسه؛ فهو يسمّي صالونه الذي يضع تمثال فولتير النصفي فيه “بالمعبد” بسبب حضور روح الكاتب الفيلسوف فيه، كما يقول أنّه إلهه ومعبوده، ونجده أيضًا يلقي محاضرةً في مناسبة ذكرى وفاته المئوية تحت عنوان “الإله فولتير”.
لدى السيد كاردينال آمالٌ كبيرةٌ في فرنسا وشعبها كما أفنى حياته في خدمتها والخروج حتّى في مظاهراٍت محفوفةٍ بالمخاطر عالمًا وقتها أنّ عودته منها احتمالٌ ضيئل.


إنّ قراءة شخصيّة كاردينال يذكّرنا بتعريف بول تيليش للإيمان بكونه همًّا أقصى ومشاركةً في هذا الهمّ الأقصى، ولدى السيد كاردينال همٌّ أقصى وهو فرنسا.
كما يصف نفسه قائلاً “إنّ في داخلي رسولًا و أنا في حاجةٍ لنشر الحقائق” (35) تأتي الجملة في الطبعة الفرنسية على نحو نشر الحقائق “j’ai besoin de répandre des vérités” كما في الترجمة الإنجليزية “I feel the need of spreading truth”

إنّ السيد كاردينال ليس مجرّد رسولٍ أو ساعي بريدٍ أو مبلّغ كلامٍ طُلب منه إرسال معلوماتٍ محدّدةٍ لجماعةٍ من الناس؛ بل إنّه رسولٌ روحيٌّ يعرّف شعبه بما يراه قضيّته وقضيّتهم، ومبشّرٌ يكرز ليس بأيّ كلامٍ بل بالحقيقة.
كما يبدو عليه اهتمامه بالرموز؛ تلك الرموز التي تناولها مقالنا على أنّها دينيّة وروحانيّة؛ فهو يطلب في أحد المرّات من زوجته صنع لافتةٍ له في أحد مظاهراته مع زملائه الماسونيّين، لكي تترك أثرًا على الجميع حتّى على الخصوم الذين حسبه سيشعرون بالندم على أفعالهم بحقّ المتظاهرين على نحوٍ أفضل من مظاهرةٍ أخرى مجرَّدةٍ من أيّ لافتةٍ أو راية.
ويبدو لنا السيد كاردينال مؤمنًا بعدّة أفكارٍ خلّاقة: الفنّ والأدب ونهضة فرنسا وكرامة الأمة والحب باستثناء الله أو الأديان، لكنّه يبقى مؤمنًا.

 

في النهاية لا نهدف في هذا المقال إلى إخضاع الإيمان إلى الإلحاد أو العكس، ولا على إفراغ الإيمان من جانبه الثيولوجيّ والطقوسيّ، كما أنّنا لا نجعل من الملحد مؤمنًا بالشكل التقليديّ الذي ألفناه؛ وإنّما مجرّد محاولٍة لتوسيع هذه الدائرة بأكبر قدرٍ مُمكنٍ حتى تشمل الآخر عند كلِّ فردٍ يتمركز فقط على روحانيّته الأصوب بالنسبة إليه ولا إيمان الآخرين.

نرشح لك “المقدس” عند رودولف أوتو ومرسيا إلياد

المراجع:
1 -عثمان الخشت، فلسفة الدين، مؤمنون بلا حدود، ص:15، 16، 17.
2 - علم الأديان، مؤمنون بلا حدود، خزعل الماجدي، ص:26.
3 - نفس المرجع السابق ص:19.
4 - مجلة التفاهم الدين والمجتمع التاريخي، ص:168. -عدد- 2013.
5 - مجموعة من الباحثين، فلسفة الدين، منشورات الاختلاف منشورات ضفاف، ص: 254
جان غروندان، فلسفة الدين، مؤمنون بلا حدود، ص:88.
6 - عثمان الخشت، فلسفة الدين، مرجع سابق ص:19
7 - جان غروندان، فلسفة الدين، مرجع سابق ص:85، 86.
8 - محمد مزوز، فلسفة الدين، مؤمنون بلا حدود، ص:57.
9 - نفس المرجع السابق، ص:132.
10 - خزعل الماجدي، علم الاديان، مرجع سابق ص: 43.
11 - جان غروندان، فلسفة الدين، مرجع سابق ص:41، 122.
12 - خزعل الماجدي، علم الاديان، مرجع سابق، ص:44 45.
13 - محمد المزوز، فلسفة الدين، مرجع سابق، ص:11، 15، 16.
14 - جان غروندان، فلسفة الدين، مرجع سابق، ص:133، 134.
15 - مجلة التفاهم الدين والمجتمع التاريخي، ص: 164. -عدد- 2013.
16 - بول تيليش، بواعث الايمان، منشورات الجمل، ص:8.
17 - نفس المرجع السابق، 10، 15.
18 - نفس المرجع السابق، 75.
19 - روي جاكسون، نيتشه والإسلام، مؤمنون بلا حدود، ص:79.
20 - نفس المرجع السابق، ص:80، 83،84 ، 88، 89.
21 - بول تيليش، بواعث الإيمان، مرجع سابق، ص:88، 89.
22 - نفس المرجع السابق، 92.
23 - غوستاف لوبون، سيكولوجية الجماهير، ص80.
24 - مجلة التفاهم الدين والمجتمع التاريخي، مرجع سابق، ص:174، 176.
25 - مرسيا الياد، المقدّس والمدنس، دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع، ص:149.
26 - يمكن قراءة الحوار كاملًا في هذا المقال المترجم في منصة المحطة:
روحانية من دون إله- أندريه كونت سبونفيل، يوسف اسحيردة. https://elmahatta.com/%D8%B1%D9%88%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%87-%D8%A3%D9%86%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D9%87-%D9%83%D9%88%D9%86%D8%AA-%D8%B3%D8%A8%D9%88%D9%86%D9%81%D9%8A/ 27 - الحياة الآخرة، موسوعة ستانفورد للفلسفة، ترجمة باسل أحمد: -https://hekmah.org/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AE%D8%B1%D8%A9/ 28 - ترجمات: دراسات دينية، مؤمنون بلا حدود، بيار بين، Is atheism a faith position 2013, ترجمة سفيان حودة، 12 فبراير 2020، ص:06، 07. 29 - More Americans now say they’re spiritual but not religious https://cutt.ly/hVDteM5
30 - يمكن الرجوع إلى هذه الكتب : الانسان والمقدّس، المنظمة العربية للترجمة/ المقدّس والمدنس، دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع، مرسيا الياد/ فكرة القدسي، دار المعارف الحكمية، رودولف أوتو.
31 - مرسيا الياد، المقدّس والمدنس، مرجع سابق، ص:148.
32 - نفس المرجع السابق والصفحة.
33 - نفس المرجع السابق، ص:150، 151.
34 - بول تيليش، بواعث الإيمان، مرجع سابق، 77.
35 - اعتمدت على الترجمة العربية لرواية عائلة الكاردينال، ترجمة علي باشا، تأليف لدوفيك هاليفي، منشورات علاء الدين، ص:69. 36 - The cardinal family, Priscilla Walker Richardson, Ludovic Halévy, pp:83 La Famille Cardinal, Ludovic Halévy, Albert Guillaume, Paris Calmann-lévy, Editures p:34.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: سارة عمري

تدقيق لغوي: عبير الششتاوي

اترك تعليقا